الفصل العشرون

كان يوم مجهد لنيراز منذ وصولها للقصر ولعل ما هون عليها هو مرافقة سعدية لها في كل خطوة علي الأقل تجد فيها صورة مملكتها واهلها ، كانت جميع الجواري في القصر يتحدثون عن نيراز وثيابها الفخمة التي دخلت بها القصر لأول مرة وزادتها جمالا علي جمالها الأخاذ ، بالطبع بعضا منهم يعرفها من المرة الماضية ولكن وقتها لم يكن أحد يعرف انها أميرة ولم يتعامل معها أحد علي كونها الأميرة أما الآن فالوضع تغير حتي أنها لم تصبح الأميرة بل أصبحت الملكة ...
شمس الدين هو الآخر انهمك في شؤون مملكته التي غاب عنها لفتره من الوقت ومنذ وصولهم لم يرتاح أحدا فالجميع يعمل ..
اتي الليل وكانت نيراز بجناحها الملكي تلك هي ليلتها الأولي به لم تعطي لافكارها المتشائمة بالا فسرعان ما توجهت لسريرها كي تنام وترتاح من مشقة اليوم وأيضاً الأيام التي مضت ..
شمس الدين كان بجناحه هو الآخر لا يدري لم هو حائر هكذا
أينام بجناحه أم يذهب لينام برفقة نيراز يخشي عليها من أن يصبيها أذي كالليلة الماضية وأيضا قلق من أن تظن هي أنه يريد مرافقتها أكثر ...ولكنه استسلم وذهب ليكون بجانبها ... ببطء دخل عليها جناحها وكانت نيراز نائمة وحدها في عالم آخر اقترب منها ولما تيقن من ملامحها عن قرب وجد نفسه يبتسم ، مد يده كي يزيح عن وجهها خصلات شعرها كي تنام براحة ولكنه تفاجأ لما باغتته وامسكت بيده وظلت ثابته في نومها لتفتح عينيها وتكشف عن قرنيتيها السوداويتين وتنظر له بشك
نيراز: ما الذي تفعله هنا في مثل هذا الوقت جلالة الملك ؟؟
سارع بسحب يده من يدها وارتبك قليلا ..
شمس الدين: جئت كي احميك ؟؟
نيراز بابتسامة بسيطة: تحميني من ماذا ؟؟ ليس هناك من يزعجني بقدرك .
شمس الدين وقد اقترب منها وهي ما زالت مستلقية علي سريرها : أنا لا أزعج يا جلالة الملكة ؟ أنا اقتل فلتنتبهي لما تقولين .
نيراز وقد تفاجأت من اقترابه منها هكذا ولكنها تمالكت نفسها وأظهرت أنها لا تتأثر بقربه والاكثر أنها قررت ملاعبته بطريقة الانثي فمدت يدها بحنان علي وجهه : لا اعلم من منا سيقتل الآخر ولكن أنتبه أنا أيضاً لا أرحم ...
شل شمس الدين من لمستها له لعله حتي لم يقوي علي أن يرد عليها كلماتها فسرعان ما أبتعد عنها وظهر عليه التوتر لأول مرة أمامها : سأزيد من الحراسة بالخارج لن اعاقب نفسي ببقائي برفقتك ليلة أخري ثم غادر سريعاً من أمامها يهرب من عينيها
بمجرد أن خرج حتي تعالت ضحكات نيراز : إذن تلك هي نقطة ضعفك يا شمس الدين أنا لن اربح عليك بمهاراتي في القتال أنت أيضا ماهر بها ولكن بالتأكيد سأربح عليك كوني أنثى الأن لن تفلت؟ سأجعلك أنت تهرب من أمامي ..
سرعان ما عاد شمس الدين لجناحه لا يعرف ماذا أصابه لماذا يخفق قلبه هكذا أو لماذا يريد أن يضحك ويبتسم ماذا تفعل به تلك نيراز كلما اقتربت منه
في صباح اليوم التالي تجاهل شمس الدين وجود نيراز في القصر حتي لم يسأل أو يذهب إليها بل تابع جلسات الديوان مع الوزراء وفي منتصف جلستهم فوجيء بالحاجب يعلن وصول الملكة نيراز لقاعة الديوان صدم شمس الدين لما وجدها حقا امامه تبدو فاتنه من فاتنات الخيال بلباسها الحريري الذي مزجت فيه بين الاخضر والأبيض لعلها هي من زادتهم جمالا وبعد لحظات من تفاجأه عاد لوعيه وايقن أنه ليس بحلم بل حقيقة .
دخلت نيراز ومن خلفها جاريتين يحملان ماء ومشروب وطعام يكفي لشخصين محمول بيدهم ، وقف الوزراء جميعهم لتحية الملكة نيراز التي بادلتهم التحية أيضا ثم حيت شمس الدين وابتسمت بدلال له ...
شمس الدين : ما الأمر يا جلالة الملكة ؟ لماذا أتيت إلي قاعة الديوان ؟؟
نيراز بحياء مصتنع : أخبروني يا مولاي أنك لم تتناول الفطور هذا الصباح ولذلك خشيت علي صحة وسلامة جلالتك فأحضرت لك بعض الطعام أتمني أن ينال إعجابكم ؟؟
كان الوزراء يمنعون أنفسهم من الضحك وحاول كلا منهم إصطناع الهيبة والوقار ولعل كل واحد منهم تمني أن يكون مكان الملك ليسمع تلك الكلمات الحانية من هذا الوجه الملائكي ...
شمس الدين بغضب : إذن هذا كل ما في الأمر ، لقد ظننته شئ هام
نيراز بهدوء : وهل هناك ما هو أهم من صحتك مولاي
شمس الدين : نعم هناك مصلحة شعبي ألا ترين أنني مشغول الآن هل أقطع جلسة الديوان من أجل ذلك الأمر التافه
استاذن الوزير سليمان بالحديث: مولاي ، الشعب يريد أيضا أن يكون ملكه في احسن حال وليس هناك أي اعتراض منا علي أي شيء من غرضه الإهتمام بجلالتك أليس هذا صحيح أيها الوزراء ..
رد الجميع في صوت واحد : بالطبع أهم شيء صحة الملك
الوزير سليمان: بعد إذن جلالتك سنؤجل الجلسة قليلا حتي تنال قسطا من الراحة وبإسم الجميع هنا نشكر جلالة الملكة علي اهتمامها بملكنا .
نيراز : لا داعي للشكر هذا واجب أي زوجة مخلصة تجاه زوجها
نظر إليها شمس الدين بشك من ذلك الهدوء والحياء الذي أصابها ولكن لن يسمح بأن تظهر هي أمام وزرائه بمظهر الزوجة الوفية وتظهره كزوج غير مراعي .
شمس الدين : إذن فلتأجل الجلسة سأتناول الطعام برفقة الملكة ومن بعدها سنكمل .
خرج الجميع وبقيت نيراز ومن خلفها الجواري يحملن الطعام أشار لهم شمس الدين بيده
شمس الدين: أنتم أيضا أخرجوا سنتاول أنا والملكة طعامنا وحدنا ، فلتعطوا الطعام للملكة
ستأتي به لي ..
اخذت نيراز الطعام الموضوع بأطباق من الفضة والمياه وكل هذا محمول علي صينية شغلت بالذهب ...
خرجت الجواري وحملت نيراز الصينيه بعزة وكبرياء يليقان بها توجهت في خطوات ثابتة في إتجاه شمس الدين الجالس علي عرشه ، لم يحيد بنظره عنها حتي وصلت إليه ... ومدت يدها لتترك الصينية علي منضدة بجانب الملك ..منعها شمس الدين من وضعها علي تلك المنضدة
شمس الدين : أتيت إلي بكامل إرداتك ووسط وزرائي تحتالين أمام الجميع وتعيشين دور الزوجة المخلصة التي تخاف علي زوجها ، أنتي تبحثين عن موتك يا جلالة الملكة
نيراز بهدوء : ما الخطأ في ذلك ، لقد رأيت أن من الأفضل أن نعتاد علي وجودنا برفقة بعضنا ، هل أخطأت بأني أريد السعادة لي ولك
شمس الدين: سبحان الله ، أنا حقا لا أفهم ما يدور برأسك ولكني أعلمك جيدا أنتي لا تخضعين بتلك السهولة ، أو أنك وضعت لي السم بالطعام ولذلك تظهرين محبتك لي أمام الجميع قبل أن تتخلصي مني
نيراز بإبتسامة : لا سامحني الله لو فعلت بك ذلك مولاي ، هل تقتل الزوجة زوجها وملكها , لو أردت سأكل قبلك من الطعام ولكن أسمح لي سأضع تلك الصينية أنها ثقيلة علي كثيراً.
شمس الدين مبتسماً : ألم أقل من قبل أنك محتالة ؟؟ لن تضعي تلك الصينية عقاباً لكي علي تلاعبك وإحتيالك أمام الوزراء ستحملينها حتي أنتهي أنا من تناول الطعام ، لقد فتحت شهيتي
بالفعل نفذ شمس الدين كلامه بل تفنن في إطالة وقت تناوله للطعام ليزيد من عقاب نيراز حتي أنه استمر يباغتها أكثر من ساعة وهي تقف ثابتة لا تعترض علي ما يفعله ، قلبه يتألم لرؤيتها هكذا وعقله يريد أن يزيد من إيلامه لها
أخيراً انتصر قلبه وانتهى من تناوله للطعام ...
شمس الدين: هيا اذهبي لقد انتهيت ، محاولة عدم إظهار فوزه عليها مشت ببطء كي تخرج من أمامه حتي أوقفها صوته : لا تكرريها من جديد حتي لا تندمي أكثر ، أكملت خطواتها حتي خرجت من قاعة الديوان
شعرت نيراز بأن كبريائها قد جرح وهي التي ارادت أن تتلاعب به ولكنه تفوق عليها
في المساء كانت سعدية تجلس مع نيراز تدلك لها يداها وقدميها .
سعدية بتأسف علي حالة نيراز : ألم اخبرك مولاتي بأن الملك شمس الدين ذكي ولن يخدع من محاولتك تلك .
نيراز : لا تذكريني بالأمر ، هذا اللعين أصبحت أكرهه أكثر فأكثر .
سعدية : من الأفضل ألا تقتربي منه اتركيه وشأنه حتي لا تصابي بأي أذي منه هو الملك وإذا أراد أذيتك لن يمنعه أحد من ذلك فلنعش بهدوء ..
نيراز وقد بدا الحزن عليها : أخرجي الآن أريد أن أبقي بمفردي .
سعدية بقلق : هل قلت شئ خاطئ مولاتي
نيراز: لا ، فلتذهبي لتنامي أنا أشعر بتحسن الآن لا داعي لبقائك بجانبي .
لم تستطع سعدية رفض أمر نيراز فخرجت بعد أن تمنت لها نوما هنيئا ، وهل سيقترب النوم منها
..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي