الفصل 4
الليلة الثالثة
ـ شهيرة.. شهيرة.. أنت نايمة ولا إيه؟...
رفعت رأسها بعينين ناعستين مهمهمة لصديقتها:
ـ سيبيني بالله عليك يا سوزان.. خمسة بس...
شهقت سوزان غير مستوعبة:
ـ خمسة إيه وستة إيه!!.. قومي قبل ما شهريار بتاعك يطير رأسك..
انتفضت شهيرة من مكانها متلفتة حولها برعب:
ـ هو فين؟!!.. هو مسرور هنا؟!...
ضحكت سوزان بسخرية:
ـ مسرور مين؟.. سلامة عقلك!!.. أنتِ نايمة بتحلمي ولا إيه؟!.. كتاب ألف ليلة وليلة بتاعك ده شكله لحس مخك!!..
وضعت شهيرة وجهها بين يديها متأوهة بتعب:
ـ والله أنا مش عارفة أي حاجة, ولا إيه اللي بيحصل لي!!... هو أنا بحلم دلوقت ولا دا الواقع؟.. وإذا كان دا الواقع.. اللي بيحصل لي لما بنام ده إيه بس؟؟!!....
وضعت سوزان يدها على جبين شهيرة ثم هزت رأسها بتعجب:
ـ غريب جداً.. أنتِ مش سخنة ولا حاجة!!.. إيه التخاريف اللي أنتِ بتقوليها دي؟؟.. أنا هطلب لك من عم عبد السميع كوباية بن تقيل سادة علشان يطير آثار سهرة امبارح.. إلا.. هو أنتِ كنتِ سهرانة مع شهريار ولا مسرور؟!!...
راقبتها شهيرة بغيظ تضحك منها.. ثم أردفت:
ـ أنتِ عارفة حل مشكلتك فين يا شهيرة؟.. أنا مش بهزر بتكلم جد.. مشكلتك حلها إنك تتجوزي شاهر بيه, بكدة نضرب عصفورين بحجر واحد.. نحل عقدته المشنوطة, يمكن ربنا يفكها علينا إحنا كمان ويبطل يقرفنا في الشغل, وكمان نحل عقدة حضرتك وأحلامك اللي اختلطت في دماغك ما أنتِ عارفة إذا كانت حقيقة ولا أحلام!!...
ردت شهيرة بعصبية:
ـ أنتِ عارفة أنكِ فعلاً بدأت تخرفي...
ـ أصلك يا حبيبتي مش بتشوفي شكلك وأنتِ بتتكلمي معاه.. حاجة كدة هيمانة وطايرة فوق السحاب..
انتفضت شهيرة حانقة بغيظ:
ـ لأ.. دا مش صحيح ومش بيحصل.. سوزااااااان!!..
ـ خلاص.. خلاص.. هدي نفسك.. أنا بس اللي واخدة بالها من الحكاية دي.. بس أنتِ بتحبيه بجد صح...صح؟؟..
وضعت يديها على وجنتيها لتخفي احمرارهما خاصة وهي تشعر بسخونة شديدة وهمت بالرد عندما قاطعها صوت مديرها عبر المونيتور بصوته الصارم:
ـ آنسة شهيرة.. تعالي من فضلك..
وقفت تعدل من هندامها وهي تزغر لصديقتها بنظرات قاتلة:
ـ حسابك معايا بعدين...
همهمت سوزان بضحكة طائرة:
ـ انكري زي ما أنتِ عاوزة.. اللي بيزمر مش بيخبي دقنه.. يا ماما!!..
أزاحتها شهيرة من أمامها قائلة بصوت متحشرج:
ـ إيه الأمثلة البلدي اللي بتقوليها دي؟!!.. زمارة ودقن!!.. أنتِ جوزك مستحملك ازاي؟.. ابعدي عن وشي الساعة دي...
أخدت عدة أنفاس أخرى تحاول تجاهل غمزات سوزان.. ثم طرقت الباب ودخلت...
تخيلت للحظة وكأنها تدخل بلاط شهريار.. فأدارت رأسها بقوة لتعود لها الرؤية الصحيحة بوجه شاهر يحدق بها بدهشة:
ـ آنسة شهيرة!!.. أنتِ كويسة؟!...
أجلت حلقها بخشونة:
ـ أيوة.. كنت حضرتك طلبتني...
لم يرد.. واستمر بالتحديق بها وهو يترك مقعده خلف المكتب الكبير الذي كانت تعتبره حتى هذه اللحظة حاجز الأمان لسلامة عقلها.. ولكنه ابتعد عنه ووقف أمامها يطل عليها من عليائه..
ازدردت لعابها بغصة وهي تشرأب بعنقها وترفع رأسها لتواجه تحديقه بها بثبات واهي..
كان معجباً بقدرتها على مواجهته.. فهي صنف جديد من النساء.. لا تخضع بسهولة.. لا تنهار بسهولة.. من معدن نفيس مختلف تماماً, وهذا ما لفت نظره نحوها...
ـ لو حضرتك خلصت بحلقة فيا!!.. أعتقد أني هرجع لمكتبي.. ورايا شغل كتير
ـ انتظري عندك...
أخذت مجة هواء وهي تثبت مكانها دون أن تلتفت إليه, بعد أن ظنت أنها ستفلت بوقاحتها..
ـ ارجعي هنا.. مكانك..
بعد لحظة تفكير أدركت أنه لن يتراجع.. فعادت لمكانها أمامه:
ـ اتفضل...
ـ أنتِ كدة على طول؟!..
ردت بدون تفكير:
ـ لأ.. معاك أنت بس!!..
ـ أقدر أعتبره شرف انك بتعامليني بطريقة مختلفة؟
ـ حضرتك مديري ولازم المعاملة تكون مختلفة..
ـ تقبلي دعوتي على الغدا؟..
ومرة أخرى بدون تفكير ندمت عليه:
ـ لأ.. مستحيل.. إلا إذا كان غداء عمل..
ـ لا يا شهيرة.. مش غدا عمل!!...
ـ مش أنا يا شاهر بيه...
ضيق عيناه متسائلاً:
ـ مش إنتِ إيه؟؟
ـ مش أنا اللي تقبل تخرج مع مديرها لأي سبب غير الشغل.. حضرتك دخلت عنوان غلط...
قهقه بتكبر:
ـ أنتِ دقة قديمة قوي!!.. إحنا في القرن الواحد والعشرين يا آنسة, يعني يمكن المدير يطلب يتغدى مع سكرتريته بدون أي مشاكل ولا أفكار مغلوطة..
عقدت ذراعيها على صدرها متسائلة:
ـ ليه هو حضرتك مولود فين؟.. مش أم حضرتك عيشة وأبو حضرتك متولي ولا أنا فاكرة غلط؟!!...
بهت شاهر وتراجع مفكراً في كلماتها وعندما استوعبها ضج بالقهقهة والضحك حتى دمعت عيناه, بعد أن مرت عليها لحظات توهان تخيلته فيها يصرخ بصوته الجهوري منادياً على سيافه مسرور ليقطع رأسها!!...
ـ أنتِ فعلاً تحفة.. اتفضلي تقدري ترجعي لمكتبك وتكملي شغلك...
رفعت رأسها بعنفوان وخرجت بعد أن أغلقت الباب خلفها بهدوء لا ينبئ عن الثورة العارمة والإحباط اليائس الذي يتأكلها على ضياع فرصة للتقرب من مديرها!!.. وخيبة أملها في عرضه المهين...
ـ شهيرة!!...
دفعت سوزان من طريقها بخشونة وركضت للحمام لتفرغ دموع ألمها من دون أن يراها أحد.. كتمت شهقاتها وظلت لبعض الوقت حبيسة جدران الحمام الضيقة حتى هدأت فغسلت وجهها بالماء البارد وأعادت تنسيق شعرها ومكياجها وخرجت بقناع البرود لتواجه الجميع...
نظرت بريبة لكتابها الحميم وقررت أن لا تقرأ فيه لهذه الليلة لعلها تنعم بليلة نوم هادئة بعيداً عن.......
وغلبها النعاس واسمه يتحرك على شفتيها تتذوقه كأنها تقبله.. تعمقت القبلة أكثر فأكثر فأ..... فتحت عينيها شاهقة بذعر لتجد ذلك الرأس الملتصق برأسها وشفتاه تحتلان شفاهها بقبلة آخذة في التعمق مع يدان تنتهكان بحرية جسدها....
حركت رأسها بقوة فزمجر مهتاجاً:
ـ لا تتحركي يا جارية.. توقفي...
كان طنين صوته في رأسها مزعجاً.. وشهقت مرة أخرى عندما أدركت هوية الشخص الذي ما يزال مصراً على ما هو أكثر من عناقها!!..
وكانت إزاحته من فوقها شبه مستحيلة, ولكن المستحيل أن تترك نفسها له, حتى لو كان حلماً.. كانت محاولته في الصباح مجرد دعوة للغذاء.. والآن.. تعدت الدعوة كل الحدود.. وعرفت أنها لن تنجو إلا بالحيلة..
فهمست في أذنه بصوت حاولت أن يحمل رنين الدلال رغم ذعرها الشديد:
ـ مولاي.. أعطني الفرصة لأتهيأ لك كما يليق بحضرتك..
أبعد رأسه لتكتشف أن لحيته قد تسببت لها بالثقوب في بشرتها العاجية الناعمة...
تسائل بكبر:
ـ تتحضري لي؟!!.. هذا جيد.. بدأتِ تتعلمي دورك يا جارية.. هيا تحضري واستعدي و.. ارقصي لي.. نادمي على جوقة الجاريات العازفات..
كانت ما تزال ترتجف بعد تجربتها في عناقه المثير.. ولم يلاحظها حتى انتبهت لطلبه أن ترقص له فخرجت من الفراش الوثير الواسع مسرعة بارتباك:
ـ أنت أكيد بتهرج!!.. أنا أرقص ..ليك أنت ؟!!...وليه؟...
رد بحدة مضجعاً للخلف:
ـ لأنني أمرت.. وكل أوامري مطاعة.. ولأن البديل عند صديقك التواق لصحبتك مسرور..
تلفتت حولها وكأن مسرور سيخرج من مخبأه حتى بدون استدعاء, ثم ردت بنبرة أكثر نعومة:
ـ مولاي.. إيه رأيك لو تنسى موضوع الرقص ده؟؟.. وعندي ليك الليلة حكاية هتسليك أكتر من الرقص ودوشة العازفين وأنت دماغك متكلفة...
تسائل بدهشة:
ـ متكلفة!!.. ماذا تعنين بهذه الكلمة يا شهرزاد؟؟...
ـ يعني عالية يا مولاي مش زي أي دماغ أي حد بين رعاياك.. أنت وصفة خاصة لن تتكرر!!..
انتفخت أوداجه كزكر الطاووس الملكي:
ـ آه.. أكيد.. أكيد.. وماذا عندك لي في هذه الليلة يا شهرزاد, قد يسليني أكثر من رؤيتك تتراقصين بين الأبواق وتتلوين بين طبول العازفات؟..
ـ لك عندي يا مولاي الليلة حكاية, يمكن زي أي حكاية, ويمكن ملهاش في الكون مثيل إلا في كتابي الأثير...
ـ أهي حكاية أخرى لتثبتي فيها أن جنس المرأة غير نمرود وهو في عالمنا مظلوم, ملاك بأجنحة قصصها رجال لهن ظالمون؟..
ـ هتعرف يا مولاي.. ولك في النهاية الحكم بقبول أو بطلان الحكاية....
بلغني أيها الملك العظيم, صاحب القلب الكبير, والعقل المزدان بمنطق التفكير رغم غيابه أحياناً عن واقع العباد في سائر البلاد...
زمجر:
ـ شهرزاد.. ادخلي في الحكاية, ولا تتفلسفي لتؤثري على حكمي في نهاية روايتك..
ـ كما تأمر يا مولاي...
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد .....
وقفت أمامه وهي تغلي من الغيظ وشفتاها ترتجفان:
ـ سوف أذهب, ولن تستطيع أن تمنعني !!
احتد بقوة ممسكاً ذراعها بعنف:
ـ لن تذهبي إلى أي مكان.. أنا زوجك ولي الحق أن أمنعك.
ـ يمكنك أن تحاول على الأقل!!.
ـ لا تستفزيني, أنتِ تعلمين ماذا بإمكاني أن أفعل.
ابتسمت بتهكم:
ـ لا يا حبيبي.. أنا أعرفك أكثر من نفسك.
رد على تهكمها بسخرية مماثلة:
ـ حقاً؟؟؟.. إذاً جربي, وسوف تعرفين ماذا يمكنني أن أفعل.. وذلك الغبي ذو الأنف الأفطس لا يهمني أن يكون المدير العام أو حتى الوزير, المهم أن يبعد مخالبه عن ممتلكاتي.
أعجبتها عبارة "ذو الأنف الأفطس" وكادت تنفجر ضاحكة لولا أنه قال عبارة "ممتلكاتي"..
فقالت بغضب:
ـ ماذا؟.. ممتلكاتك!!.. هل تظن نفسك إقطاعيا إشترى جارية من سوق النخاسة؟؟
ـ لقد كان الوضع أفضل في ذلك الوقت, والمرأة التي تكون غير مطيعة يتخلصون منها فوراً دون الإهتمام بمنظمة حقوق المرأة أو التفكير في الحرية والتساوي بين المرأة والرجل!!!...
غمغم شهريار باستياء:
ـ ومتى أصبح للجواري حقوق؟!.. كلامك غريب عجيب يا شهرزاد, هذا الرجل بدأ يروق لي..
من بين صرير أسنانها:
ـ هل تسمح لي مولاي بإكمال حكايتي, وإلا صاح ديكك الصياح وتفوتك حكاية صديقك في الكفاح!!..
أشار لها بإصبعه باستهانة:
ـ أكملي.. أكملي.. هي ليلتك الأخيرة, فلا تحاولي تمديدها بحجج واهية....
بغيظ الجارية المقهورة عادت لتسرد باقي الحكاية الممهورة بسيف مسرور التواق لعنقها السارح في طوله البراق كالبجع الوقواق..
اتسعت عينا زوجته بدهشة وهي تقول:
ـ لا أصدق نفسي.. أنت الإنسان المثقف, الواعي, المتفتح, تفكر بهذه الطريقة التي عفا عليها الزمن!!...
قطب حاجبيه في غضب:
ـ الرجل الشرقي معروف بحميته وغيرته على نسائه وهذه طبيعة لن تمحوها سنوات الدراسة والثقافة, حتى لو درس في أمريكا.
ردت بتهكم قاس:
ـ آه... ومعروف أيضاً بشكه المرضي وعدم ثقته في نفسه قبل زوجته, أليس كذالك يا زوجي العزيز؟
ـ توقفي عن هذا الجدال الآن, لقد أخبرتك بأنكِ لن تذهبي إلى تلك الرحلة بدوني.
توسمت بارقة أمل صغيرة في استثنائه فقالت بصوت منخفض:
ـ حسناً.. فلنذهب معاً...
رد بسخرية وابتسامته الماكرة تتسع:
ـ لا يا قلبي.. أنا مشغول في عطلة الأسبوع القادم ولن أستطيع الذهاب.
لمح بريقاً من الأمل في عينيها فأردف بقسوة:
ـ وأنتِ أيضاً لن تفعلي, وهذه نهاية الحديث في هذا الموضوع.
زفرت بحنق:
ـ أوووووووووف... أنت لا تطاق.
نزعت يدها منه فجأة وهي تتجه إلى غرفة النوم, لم تكن يوماً تتجرأ على الحديث معه بهذه الطريقة الفظة, لكنه في الآونة الأخيرة أصبح يشك كثيراً في تصرفاتها.. وحين ناقشته فيما ذهب إليه تفكيره بعد أن ضيق عليها حريتها وأصبح يحسب عليها خطوتها, كان عذره بأنها أصبحت تتأنق كثيراً وتهتم بنفسها أكثر من السابق, وكل هذا لم يحدث إلا بعد أن ترقت في عملها وأصبحت سكرتيرة المدير الخاصة.
إذ قال لها في أحد الأيام بعد أن رآها تضع مكياجاً خفيفاً وهي تستعد للخروج إلى العمل:
ـ ما كل هذا؟
أجابت باقتضاب دون أن تلتفت إليه وهي تضع أحمر شفاه باهت اللون:
ـ لزوم العمل.
لقد ضاقت بأسئلته البالغة عن مظهرها لتنفجر في وجهه بثورة قائلة له بحدة:
ـ إذا لم تكن تثق بي فيمكنك تركي.
منذ ذلك اليوم تغيرت نظرتها إلى تصرفاته من رغبة في تقييد حريتها إلى غيرة عليها وخوف من فقدها, فأصبحت تتعامل مع غيرته تلك بكل حكمة وهدوء, ورغم أنها لا تنفك تهمس في أذنه بحبها له إلا أنه في بعض الأحيان يخرجها عن طورها ويجعلها تثور في وجهه, لكنها لا تلبث أن تصالحه أو يصالحها.
زفرت بحنق وهي تمشي جيئة وذهاباً في غرفتها.. خلعت معطفها الأسود ورمته فوق السرير بلا مبالاة, كانت ترتدي سروال جينز أزرق شاحب واسع قليلاً لأنها لا تحب البنطلونات الضيقة, وكانت كنزتها الرمادية أيضاً واسعة تصل إلى ركبتيها بأناقة, نزعت عنها الحجاب المكون من قطعتين تجمعان بين الأزرق الشاحب والرمادي ليسترسل شعرها الأسود بعنفوان بعد أن فكته من عقاله.. كانت دائماً تحبه حراً طليقاً منذ صباها ولم تجرؤ يوماً على تقريب المقص من خصلاته الناعمة إلا لتشذبه قليلاً في رأس كل سنة هجرية.
كانت تظن بأن زوجها سيلحق بها بسرعة بعد أن تتركه وتدخل غرفة النوم صافقة الباب وراءها كما يفعل كل يوم, إما ليصالحها أو يكملا شجارهما الذي ينتهي كل يوم بكلمتي عتاب ثم بعض الدلال لينتهي بهما الأمر في عناق حميم ينسيان فيه حتى موضوع الشجار.. لكنها هذه المرة انتظرت كثيراً..
شعرت بالسكون يغلف الشقة, لم تكن تريد الخروج من غرفة النوم لأنه سيعتبر هذا إعترافاً منها بأنها مخطئة, لكنها مضطرة للذهاب إلى الحمام فهي لم تدخل إليه منذ ساعات بسبب الإستنفار العام الذي عرفته الشركة اليوم لزيارة المدير العام للمجموعة التي تنتمي إليها الشركة التي يعملان بها.. وفي الحقيقة كان هذا هو سبب شجارهما.
فتحت الباب بهدوء بعد أن غيرت ملابسها بسرعة, أطلت من الباب وهي تتصنع تقطيبة بين حاجبيها.. كانت تعرف أن غضبه ذاك سيبرد ما إن تدخل إلى غرفة النوم, أليسا نفساً واحدة في جسدين كما كان يقول دائما؟... وهي أدرى بنفسها. استغربت السكون في الشقة!!.. لكن هما أصلاص يعيشان لوحدهما بعد أن انتقلا منذ شهرين إلى هذه الشقة التي اشترياها.
هل هو في المطبخ؟.. هل يجهز عشاء فخما كما العادة ليصالحها به؟؟.. لكن لا.. لابد على الأقل أن تسمع تكسير صحون أو أكواب أو سقوط أواني على الأرض, إنها لا تسمع شيئاً!!...
اتجهت إلى المطبخ لتجد أنه فارغ كالصالون والحمام, دارت في الشقة بحيرة أين ذهب؟؟.. وحتى لم يكلمها أو يخبرها إلى أين سيذهب...
...........
ـ شهيرة.. شهيرة.. أنت نايمة ولا إيه؟...
رفعت رأسها بعينين ناعستين مهمهمة لصديقتها:
ـ سيبيني بالله عليك يا سوزان.. خمسة بس...
شهقت سوزان غير مستوعبة:
ـ خمسة إيه وستة إيه!!.. قومي قبل ما شهريار بتاعك يطير رأسك..
انتفضت شهيرة من مكانها متلفتة حولها برعب:
ـ هو فين؟!!.. هو مسرور هنا؟!...
ضحكت سوزان بسخرية:
ـ مسرور مين؟.. سلامة عقلك!!.. أنتِ نايمة بتحلمي ولا إيه؟!.. كتاب ألف ليلة وليلة بتاعك ده شكله لحس مخك!!..
وضعت شهيرة وجهها بين يديها متأوهة بتعب:
ـ والله أنا مش عارفة أي حاجة, ولا إيه اللي بيحصل لي!!... هو أنا بحلم دلوقت ولا دا الواقع؟.. وإذا كان دا الواقع.. اللي بيحصل لي لما بنام ده إيه بس؟؟!!....
وضعت سوزان يدها على جبين شهيرة ثم هزت رأسها بتعجب:
ـ غريب جداً.. أنتِ مش سخنة ولا حاجة!!.. إيه التخاريف اللي أنتِ بتقوليها دي؟؟.. أنا هطلب لك من عم عبد السميع كوباية بن تقيل سادة علشان يطير آثار سهرة امبارح.. إلا.. هو أنتِ كنتِ سهرانة مع شهريار ولا مسرور؟!!...
راقبتها شهيرة بغيظ تضحك منها.. ثم أردفت:
ـ أنتِ عارفة حل مشكلتك فين يا شهيرة؟.. أنا مش بهزر بتكلم جد.. مشكلتك حلها إنك تتجوزي شاهر بيه, بكدة نضرب عصفورين بحجر واحد.. نحل عقدته المشنوطة, يمكن ربنا يفكها علينا إحنا كمان ويبطل يقرفنا في الشغل, وكمان نحل عقدة حضرتك وأحلامك اللي اختلطت في دماغك ما أنتِ عارفة إذا كانت حقيقة ولا أحلام!!...
ردت شهيرة بعصبية:
ـ أنتِ عارفة أنكِ فعلاً بدأت تخرفي...
ـ أصلك يا حبيبتي مش بتشوفي شكلك وأنتِ بتتكلمي معاه.. حاجة كدة هيمانة وطايرة فوق السحاب..
انتفضت شهيرة حانقة بغيظ:
ـ لأ.. دا مش صحيح ومش بيحصل.. سوزااااااان!!..
ـ خلاص.. خلاص.. هدي نفسك.. أنا بس اللي واخدة بالها من الحكاية دي.. بس أنتِ بتحبيه بجد صح...صح؟؟..
وضعت يديها على وجنتيها لتخفي احمرارهما خاصة وهي تشعر بسخونة شديدة وهمت بالرد عندما قاطعها صوت مديرها عبر المونيتور بصوته الصارم:
ـ آنسة شهيرة.. تعالي من فضلك..
وقفت تعدل من هندامها وهي تزغر لصديقتها بنظرات قاتلة:
ـ حسابك معايا بعدين...
همهمت سوزان بضحكة طائرة:
ـ انكري زي ما أنتِ عاوزة.. اللي بيزمر مش بيخبي دقنه.. يا ماما!!..
أزاحتها شهيرة من أمامها قائلة بصوت متحشرج:
ـ إيه الأمثلة البلدي اللي بتقوليها دي؟!!.. زمارة ودقن!!.. أنتِ جوزك مستحملك ازاي؟.. ابعدي عن وشي الساعة دي...
أخدت عدة أنفاس أخرى تحاول تجاهل غمزات سوزان.. ثم طرقت الباب ودخلت...
تخيلت للحظة وكأنها تدخل بلاط شهريار.. فأدارت رأسها بقوة لتعود لها الرؤية الصحيحة بوجه شاهر يحدق بها بدهشة:
ـ آنسة شهيرة!!.. أنتِ كويسة؟!...
أجلت حلقها بخشونة:
ـ أيوة.. كنت حضرتك طلبتني...
لم يرد.. واستمر بالتحديق بها وهو يترك مقعده خلف المكتب الكبير الذي كانت تعتبره حتى هذه اللحظة حاجز الأمان لسلامة عقلها.. ولكنه ابتعد عنه ووقف أمامها يطل عليها من عليائه..
ازدردت لعابها بغصة وهي تشرأب بعنقها وترفع رأسها لتواجه تحديقه بها بثبات واهي..
كان معجباً بقدرتها على مواجهته.. فهي صنف جديد من النساء.. لا تخضع بسهولة.. لا تنهار بسهولة.. من معدن نفيس مختلف تماماً, وهذا ما لفت نظره نحوها...
ـ لو حضرتك خلصت بحلقة فيا!!.. أعتقد أني هرجع لمكتبي.. ورايا شغل كتير
ـ انتظري عندك...
أخذت مجة هواء وهي تثبت مكانها دون أن تلتفت إليه, بعد أن ظنت أنها ستفلت بوقاحتها..
ـ ارجعي هنا.. مكانك..
بعد لحظة تفكير أدركت أنه لن يتراجع.. فعادت لمكانها أمامه:
ـ اتفضل...
ـ أنتِ كدة على طول؟!..
ردت بدون تفكير:
ـ لأ.. معاك أنت بس!!..
ـ أقدر أعتبره شرف انك بتعامليني بطريقة مختلفة؟
ـ حضرتك مديري ولازم المعاملة تكون مختلفة..
ـ تقبلي دعوتي على الغدا؟..
ومرة أخرى بدون تفكير ندمت عليه:
ـ لأ.. مستحيل.. إلا إذا كان غداء عمل..
ـ لا يا شهيرة.. مش غدا عمل!!...
ـ مش أنا يا شاهر بيه...
ضيق عيناه متسائلاً:
ـ مش إنتِ إيه؟؟
ـ مش أنا اللي تقبل تخرج مع مديرها لأي سبب غير الشغل.. حضرتك دخلت عنوان غلط...
قهقه بتكبر:
ـ أنتِ دقة قديمة قوي!!.. إحنا في القرن الواحد والعشرين يا آنسة, يعني يمكن المدير يطلب يتغدى مع سكرتريته بدون أي مشاكل ولا أفكار مغلوطة..
عقدت ذراعيها على صدرها متسائلة:
ـ ليه هو حضرتك مولود فين؟.. مش أم حضرتك عيشة وأبو حضرتك متولي ولا أنا فاكرة غلط؟!!...
بهت شاهر وتراجع مفكراً في كلماتها وعندما استوعبها ضج بالقهقهة والضحك حتى دمعت عيناه, بعد أن مرت عليها لحظات توهان تخيلته فيها يصرخ بصوته الجهوري منادياً على سيافه مسرور ليقطع رأسها!!...
ـ أنتِ فعلاً تحفة.. اتفضلي تقدري ترجعي لمكتبك وتكملي شغلك...
رفعت رأسها بعنفوان وخرجت بعد أن أغلقت الباب خلفها بهدوء لا ينبئ عن الثورة العارمة والإحباط اليائس الذي يتأكلها على ضياع فرصة للتقرب من مديرها!!.. وخيبة أملها في عرضه المهين...
ـ شهيرة!!...
دفعت سوزان من طريقها بخشونة وركضت للحمام لتفرغ دموع ألمها من دون أن يراها أحد.. كتمت شهقاتها وظلت لبعض الوقت حبيسة جدران الحمام الضيقة حتى هدأت فغسلت وجهها بالماء البارد وأعادت تنسيق شعرها ومكياجها وخرجت بقناع البرود لتواجه الجميع...
نظرت بريبة لكتابها الحميم وقررت أن لا تقرأ فيه لهذه الليلة لعلها تنعم بليلة نوم هادئة بعيداً عن.......
وغلبها النعاس واسمه يتحرك على شفتيها تتذوقه كأنها تقبله.. تعمقت القبلة أكثر فأكثر فأ..... فتحت عينيها شاهقة بذعر لتجد ذلك الرأس الملتصق برأسها وشفتاه تحتلان شفاهها بقبلة آخذة في التعمق مع يدان تنتهكان بحرية جسدها....
حركت رأسها بقوة فزمجر مهتاجاً:
ـ لا تتحركي يا جارية.. توقفي...
كان طنين صوته في رأسها مزعجاً.. وشهقت مرة أخرى عندما أدركت هوية الشخص الذي ما يزال مصراً على ما هو أكثر من عناقها!!..
وكانت إزاحته من فوقها شبه مستحيلة, ولكن المستحيل أن تترك نفسها له, حتى لو كان حلماً.. كانت محاولته في الصباح مجرد دعوة للغذاء.. والآن.. تعدت الدعوة كل الحدود.. وعرفت أنها لن تنجو إلا بالحيلة..
فهمست في أذنه بصوت حاولت أن يحمل رنين الدلال رغم ذعرها الشديد:
ـ مولاي.. أعطني الفرصة لأتهيأ لك كما يليق بحضرتك..
أبعد رأسه لتكتشف أن لحيته قد تسببت لها بالثقوب في بشرتها العاجية الناعمة...
تسائل بكبر:
ـ تتحضري لي؟!!.. هذا جيد.. بدأتِ تتعلمي دورك يا جارية.. هيا تحضري واستعدي و.. ارقصي لي.. نادمي على جوقة الجاريات العازفات..
كانت ما تزال ترتجف بعد تجربتها في عناقه المثير.. ولم يلاحظها حتى انتبهت لطلبه أن ترقص له فخرجت من الفراش الوثير الواسع مسرعة بارتباك:
ـ أنت أكيد بتهرج!!.. أنا أرقص ..ليك أنت ؟!!...وليه؟...
رد بحدة مضجعاً للخلف:
ـ لأنني أمرت.. وكل أوامري مطاعة.. ولأن البديل عند صديقك التواق لصحبتك مسرور..
تلفتت حولها وكأن مسرور سيخرج من مخبأه حتى بدون استدعاء, ثم ردت بنبرة أكثر نعومة:
ـ مولاي.. إيه رأيك لو تنسى موضوع الرقص ده؟؟.. وعندي ليك الليلة حكاية هتسليك أكتر من الرقص ودوشة العازفين وأنت دماغك متكلفة...
تسائل بدهشة:
ـ متكلفة!!.. ماذا تعنين بهذه الكلمة يا شهرزاد؟؟...
ـ يعني عالية يا مولاي مش زي أي دماغ أي حد بين رعاياك.. أنت وصفة خاصة لن تتكرر!!..
انتفخت أوداجه كزكر الطاووس الملكي:
ـ آه.. أكيد.. أكيد.. وماذا عندك لي في هذه الليلة يا شهرزاد, قد يسليني أكثر من رؤيتك تتراقصين بين الأبواق وتتلوين بين طبول العازفات؟..
ـ لك عندي يا مولاي الليلة حكاية, يمكن زي أي حكاية, ويمكن ملهاش في الكون مثيل إلا في كتابي الأثير...
ـ أهي حكاية أخرى لتثبتي فيها أن جنس المرأة غير نمرود وهو في عالمنا مظلوم, ملاك بأجنحة قصصها رجال لهن ظالمون؟..
ـ هتعرف يا مولاي.. ولك في النهاية الحكم بقبول أو بطلان الحكاية....
بلغني أيها الملك العظيم, صاحب القلب الكبير, والعقل المزدان بمنطق التفكير رغم غيابه أحياناً عن واقع العباد في سائر البلاد...
زمجر:
ـ شهرزاد.. ادخلي في الحكاية, ولا تتفلسفي لتؤثري على حكمي في نهاية روايتك..
ـ كما تأمر يا مولاي...
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد .....
وقفت أمامه وهي تغلي من الغيظ وشفتاها ترتجفان:
ـ سوف أذهب, ولن تستطيع أن تمنعني !!
احتد بقوة ممسكاً ذراعها بعنف:
ـ لن تذهبي إلى أي مكان.. أنا زوجك ولي الحق أن أمنعك.
ـ يمكنك أن تحاول على الأقل!!.
ـ لا تستفزيني, أنتِ تعلمين ماذا بإمكاني أن أفعل.
ابتسمت بتهكم:
ـ لا يا حبيبي.. أنا أعرفك أكثر من نفسك.
رد على تهكمها بسخرية مماثلة:
ـ حقاً؟؟؟.. إذاً جربي, وسوف تعرفين ماذا يمكنني أن أفعل.. وذلك الغبي ذو الأنف الأفطس لا يهمني أن يكون المدير العام أو حتى الوزير, المهم أن يبعد مخالبه عن ممتلكاتي.
أعجبتها عبارة "ذو الأنف الأفطس" وكادت تنفجر ضاحكة لولا أنه قال عبارة "ممتلكاتي"..
فقالت بغضب:
ـ ماذا؟.. ممتلكاتك!!.. هل تظن نفسك إقطاعيا إشترى جارية من سوق النخاسة؟؟
ـ لقد كان الوضع أفضل في ذلك الوقت, والمرأة التي تكون غير مطيعة يتخلصون منها فوراً دون الإهتمام بمنظمة حقوق المرأة أو التفكير في الحرية والتساوي بين المرأة والرجل!!!...
غمغم شهريار باستياء:
ـ ومتى أصبح للجواري حقوق؟!.. كلامك غريب عجيب يا شهرزاد, هذا الرجل بدأ يروق لي..
من بين صرير أسنانها:
ـ هل تسمح لي مولاي بإكمال حكايتي, وإلا صاح ديكك الصياح وتفوتك حكاية صديقك في الكفاح!!..
أشار لها بإصبعه باستهانة:
ـ أكملي.. أكملي.. هي ليلتك الأخيرة, فلا تحاولي تمديدها بحجج واهية....
بغيظ الجارية المقهورة عادت لتسرد باقي الحكاية الممهورة بسيف مسرور التواق لعنقها السارح في طوله البراق كالبجع الوقواق..
اتسعت عينا زوجته بدهشة وهي تقول:
ـ لا أصدق نفسي.. أنت الإنسان المثقف, الواعي, المتفتح, تفكر بهذه الطريقة التي عفا عليها الزمن!!...
قطب حاجبيه في غضب:
ـ الرجل الشرقي معروف بحميته وغيرته على نسائه وهذه طبيعة لن تمحوها سنوات الدراسة والثقافة, حتى لو درس في أمريكا.
ردت بتهكم قاس:
ـ آه... ومعروف أيضاً بشكه المرضي وعدم ثقته في نفسه قبل زوجته, أليس كذالك يا زوجي العزيز؟
ـ توقفي عن هذا الجدال الآن, لقد أخبرتك بأنكِ لن تذهبي إلى تلك الرحلة بدوني.
توسمت بارقة أمل صغيرة في استثنائه فقالت بصوت منخفض:
ـ حسناً.. فلنذهب معاً...
رد بسخرية وابتسامته الماكرة تتسع:
ـ لا يا قلبي.. أنا مشغول في عطلة الأسبوع القادم ولن أستطيع الذهاب.
لمح بريقاً من الأمل في عينيها فأردف بقسوة:
ـ وأنتِ أيضاً لن تفعلي, وهذه نهاية الحديث في هذا الموضوع.
زفرت بحنق:
ـ أوووووووووف... أنت لا تطاق.
نزعت يدها منه فجأة وهي تتجه إلى غرفة النوم, لم تكن يوماً تتجرأ على الحديث معه بهذه الطريقة الفظة, لكنه في الآونة الأخيرة أصبح يشك كثيراً في تصرفاتها.. وحين ناقشته فيما ذهب إليه تفكيره بعد أن ضيق عليها حريتها وأصبح يحسب عليها خطوتها, كان عذره بأنها أصبحت تتأنق كثيراً وتهتم بنفسها أكثر من السابق, وكل هذا لم يحدث إلا بعد أن ترقت في عملها وأصبحت سكرتيرة المدير الخاصة.
إذ قال لها في أحد الأيام بعد أن رآها تضع مكياجاً خفيفاً وهي تستعد للخروج إلى العمل:
ـ ما كل هذا؟
أجابت باقتضاب دون أن تلتفت إليه وهي تضع أحمر شفاه باهت اللون:
ـ لزوم العمل.
لقد ضاقت بأسئلته البالغة عن مظهرها لتنفجر في وجهه بثورة قائلة له بحدة:
ـ إذا لم تكن تثق بي فيمكنك تركي.
منذ ذلك اليوم تغيرت نظرتها إلى تصرفاته من رغبة في تقييد حريتها إلى غيرة عليها وخوف من فقدها, فأصبحت تتعامل مع غيرته تلك بكل حكمة وهدوء, ورغم أنها لا تنفك تهمس في أذنه بحبها له إلا أنه في بعض الأحيان يخرجها عن طورها ويجعلها تثور في وجهه, لكنها لا تلبث أن تصالحه أو يصالحها.
زفرت بحنق وهي تمشي جيئة وذهاباً في غرفتها.. خلعت معطفها الأسود ورمته فوق السرير بلا مبالاة, كانت ترتدي سروال جينز أزرق شاحب واسع قليلاً لأنها لا تحب البنطلونات الضيقة, وكانت كنزتها الرمادية أيضاً واسعة تصل إلى ركبتيها بأناقة, نزعت عنها الحجاب المكون من قطعتين تجمعان بين الأزرق الشاحب والرمادي ليسترسل شعرها الأسود بعنفوان بعد أن فكته من عقاله.. كانت دائماً تحبه حراً طليقاً منذ صباها ولم تجرؤ يوماً على تقريب المقص من خصلاته الناعمة إلا لتشذبه قليلاً في رأس كل سنة هجرية.
كانت تظن بأن زوجها سيلحق بها بسرعة بعد أن تتركه وتدخل غرفة النوم صافقة الباب وراءها كما يفعل كل يوم, إما ليصالحها أو يكملا شجارهما الذي ينتهي كل يوم بكلمتي عتاب ثم بعض الدلال لينتهي بهما الأمر في عناق حميم ينسيان فيه حتى موضوع الشجار.. لكنها هذه المرة انتظرت كثيراً..
شعرت بالسكون يغلف الشقة, لم تكن تريد الخروج من غرفة النوم لأنه سيعتبر هذا إعترافاً منها بأنها مخطئة, لكنها مضطرة للذهاب إلى الحمام فهي لم تدخل إليه منذ ساعات بسبب الإستنفار العام الذي عرفته الشركة اليوم لزيارة المدير العام للمجموعة التي تنتمي إليها الشركة التي يعملان بها.. وفي الحقيقة كان هذا هو سبب شجارهما.
فتحت الباب بهدوء بعد أن غيرت ملابسها بسرعة, أطلت من الباب وهي تتصنع تقطيبة بين حاجبيها.. كانت تعرف أن غضبه ذاك سيبرد ما إن تدخل إلى غرفة النوم, أليسا نفساً واحدة في جسدين كما كان يقول دائما؟... وهي أدرى بنفسها. استغربت السكون في الشقة!!.. لكن هما أصلاص يعيشان لوحدهما بعد أن انتقلا منذ شهرين إلى هذه الشقة التي اشترياها.
هل هو في المطبخ؟.. هل يجهز عشاء فخما كما العادة ليصالحها به؟؟.. لكن لا.. لابد على الأقل أن تسمع تكسير صحون أو أكواب أو سقوط أواني على الأرض, إنها لا تسمع شيئاً!!...
اتجهت إلى المطبخ لتجد أنه فارغ كالصالون والحمام, دارت في الشقة بحيرة أين ذهب؟؟.. وحتى لم يكلمها أو يخبرها إلى أين سيذهب...
...........