الفصل الخامس والعشرون

أمسك شمس الدين نيراز من يدها أمام الجميع وأصطحبها كالطفلة الصغيرة إلي جناحها ، ومن ثم عاد لوزرائه وجنوده الذين كانوا ينتظرون بأمره في الساحة الداخلية للقصر
الوزير فهد مسارعا بالترحيب بالملك : حمد لله على سلامتك مولاي ،
شمس الدين بغضب : ما الذي تفعله من ورائي يا وزير فهد
ارتعب الوزير فهد من كلمات شمس الدين ودار في ذهنه ان القائد اخبره بما قاله الوزير فهد ،نزل علي ركبتيه طلبا للعفو من الملك علي خطأه رغم أنه يعلم أن ذاك الأمر لن يغفره شمس الدين له ولكنه حاول إصطناع الضعف والخضوع أمام الملك
الوزير سليمان : ما الذي حدث يا مولاي ، أعلمنا بما يجري
شمس الدين : الأمر أن أهل القرية الحدودية أرسلوا رسولهم للإستنجاد بي مما يفعله جنودي بهم والوزير فهد لم يفكر للحظة وانصف الجنود عليهم بل طردهم من القصر ودمر صورتي أمامهم كملك
دبت الحياة من جديد في صدر الوزير فهد وردت روحه إليه مرة أخرى إذن الأمر هكذا ولم يعلم الملك بشئ آخر هب واقفا : مولاي أنت تعلم أن هذه القرية دعمت المتمردين علي حكم الملك الراحل والد جلالتك ويجب ألا نظهر لهم أي رحمة حتي لا يتكرر هذا الأمر خلال حكم مولاي ، جنودنا يدافعون عن المملكة والملك ببسالة وشجاعة ويجب أن ينالوا حظهم من التمتع وأن نساندهم وندعم ما يفعلون
أقترب شمس الدين منه ووقف مقابلته : ندعمهم ونساندهم في إعتداءاتهم الوحشيه ،ندعم تخريبهم وتعديهم علي الأعراض والاموال هل هذا ما تقصده يا وزير فهد
الوزير فهد : مولاي أنا لم .....
شمس الدين بصوتا جهوري : يكفي يا فهد ؛ هذا ما تربي الجنود عليه وتعلمه للفرسان ، اليوم كنت أنا والملكة أشخاصا عاديين وتعرضنا لمثل ذلك الإعتداء الذي تبرره ولولا لطف الله ومهارتي ومهارة الملكة لكن الأمر أسوأ ، أحمد الله يا وزير فهد أن الملكة لم تصب بسوء وإلا كنت قطعت رأسك حينها ولنكلت بعائلتك أشد تنكيل، فليسمع الجميع منذ اليوم ولمدة خمس سنوات ستعفي القرية الحدودية من الضرائب وسيمدهم القصر بالحبوب اللازمة كي تتوسع القرية وهذا تعويضا عما عانوه في السنوات الأخيرة بسبب تعنت الجنود معهم فلتصدر يا وزير سليمان مرسوما ملكيا بذلك
وزير سليمان: أمرك ينفذ يا مولاي .
تركهم شمس الدين وعاد إلي جناحه وسرعان ما غادر الوزير فهد كي يهرب من نظرات الجنود له بعد ما قاله الملك أمامهم .
أستراحت نيراز في جناحها وبدلت ملابسها بمساعدة سعدية وكانت ستخلد للنوم لكن وجدت شمس الدين يدخل عليها تفاجأت من عودته مرة اخري فلم تتوقع أن يعود إليها هبت واقفة لما رأته .
نيراز : ما الأمر جلالة الملك ؟
شمس الدين ولم يكن يدري ما يقول : جئت لأري كيف أصبحتي ؟
نيراز : أنا بخير شكرا لك ,
شمس الدين : لو أردتي أجعلهم يحضروا لكي بعض الطعام ؟
نيرز بإبتسامة هادئه : لست جائعة فقط أريد أن أنام فاليوم كان مرهق لكلانا , يجب أن تحصل علي الراحة أنت أيضا .
شمس الدين : بالتأكيد سأفعل ذلك , أحلام سعيدة .
نيراز: ولك أيضا مولاي ..
كان الوزير فهد يشتعل من الغضب داخل جناحه يصيح مرة وويحطم شيئا مرة لعل ذلك يهدأ من غضبه وسخطه علي الملك
الوزير فهد بغضب وبعينانان تضجان بالشر : شمس الدين... كيف تجرؤ علي إهانتي هكذا أنسيت أنني كنت من أجلستك علي العرش لو قتلك وأنت طفل أو لو لم أقف بجانبك لو لا دعمي لما بقيت حيا لليوم , سأريك من أنا وسأريك قوتي وتحكمي بكل شئ وتلك التي أمسكت بيدها وفضلتها علي الكل سأجعل قلبك يتحطم منها ومن ثم سأقضي عليك وتكون نيراز لي تلك الشقية الصغيرة .
مر يوما ثم الأخر وشمس الدين يتحجج بأبسط الأشياء حتي يري نيراز سواء يذهب إليها أو يستدعيها إلي جناحه كأنه طفل صغير لا يترك أمه تبتعد عنه لحظة , كلما رأها يزداد تعلقا بها ويريدها أن تنغمس معه في ذلك التعلق , كان الجميع ملاحظ لذلك إلا نيراز التي أحكمت غلق قلبها لا تنكر أنه فارس وشجاع ولكنها لا تعلم معني الحب بعد ولا تدري كيف يكون أو أن مشاعرها كانت تنضج تجاهه ببطئ وذلك طبعها .
كان من أشد المتابعين لهم الوزير فهد الذي لم يترك فرصة حتي يعاود علاقته بالملك لتكون أفضل من قبل بل أعتذر أمام الجميع كي يظهر تأثره بما قاله الملك له ورأي في ولع شمس الدين وتأجج مشاعره وسيلة لإفساد الأمور وتدمير علاقة شمس الدين بنيراز فهو يعلم شمس الدين جيدا ويعلم كيف يكون عندما يريد شئ لنفسه .
كان الوزير فهد برفقة شمس الدين في الديوان الملكي يتناقشان في بعض الأمور وكانت قد كاد أن يخرج ولكن وجدها فرصة صالحة للتلاعب بأفكار الملك وخصوصا بأن الوزير سليمان ليس هنا فلقد خرج للتجول وذلك هو أفضل وقت له كي يدس أفكاره المسمومة الحقد والكره في عقل شمس الدين .
الوزير فهد : أسمح لي يا مولاي أن أقدم تلك الهدية لك وللملكة كبشرة خير لعلاقتكم , أتمني أن تنال إعجاب جلالتك .
شمس الدين بتعجب : ما تلك الهدية ؟
نادي الوزير فهد علي الجنود فدخل إثنان حاملين لسرير صغير للأطفال كان سرير بهي الطلة شغلت جوانبها بالدهب والعاج ورصع من مقدمته بالفصوص النادرة , ما أن رأه شمس الدين حتي دبت الفكار برأسه وأظهر إبتسامة جلية علي وجهه لما رأها الوزير فهد علم أنه سيبلغ مقصده وأن فكرته قد نجحت تنتقص فقط لبعض الكلمات المعسولة منه
الوزير فهد بدهاء : مولاي , أتمني أن يكون هذا بشارة خير لك وللملكة وأن تسعد المملكة عن قريب بأخبار عن ولي عهدها الصغير , يليق بجلالتك وبالملكة وبولي عهدنا القادم أفضل من هذا ولكن أرجو أن تقبله منه فأنا أقدمه بمزيد من المحبة لك مولاي ومعها محبة الشعب الذي ينتظر بفارغ الصبر كي يسمع بشارة زواجكم الميمون .
الملك شمس الدين : هدية مقبولة , لقد أعجبني
ثم أمرشمس الدين الجنود بأن يضعوا السرير الصغير في جناحه الملكي .
في مساء تلك الليلة جلس شمس الدين في جناحها ينظر لسرير ولي عهد , يضحك تارة ويبتسم تارة أخري وفي كل نظرة لذلك السرير يري نيراز وهي تلاعب ذلك الطفل الصغير وهو يقف بجانبهم يشع حبا وسعادة لعل تلك الأفكار وضعته في حالة من الرومانسية العالية ولم يستطع الإنتظار أكثر فطلب من الجنود إبلاغ الملكة بأنه يريد رؤيتها ,
ما أن وصل طلبه إلي نيراز لم تتفاجئ فتلك هي عادته هذه الأيام أما يأتي هو لها أو تذهب هي له ولا تطيل فقط تتحدث معه ومن ثم تعود إلي جناحها فالأمر لم يكن غريبا .
كان يتجول بجناحها ذهابا وإيابا لا يسيطر علي نفسه متوتر وسعيد وقلق مزيج من المشاعر , ما أن أعلن الحاجب عن وصول نيراز حتي حاول تمالك نفسه بينما دخلت هي وحيته .
نيراز: ما الأمر جلالة الملك , لقد أستدعيتني في مثل هذا لوقت المتاخر .
شمس الدين : هل أزعجتك , أو كنتي نائمة ؟
نيراز: كلا ليس الأمر كذلك فلم أنم بعد كنت اقرأ بعض الأشعار .
شمس الدين : تحبين دواووين الشعر كثيرا كلما أراكي تقرأين أجدك لا تقرأين سواهم .
نيراز : نعم ورثت حب قرأتهم من جدتي فلقد كانت مولعة بالشعر والشعراء .
شمس الدين : أردت أن أريكي شيئا , ثم مد يده وأمسك بيدها ووجهها لداخل الجناح أكثر أمام سرير الطفل الصغير
تفاجأت نيراز لما رأته وعلق الكلام في رأسها لا تدري لما يريها هذا أو بما ترد عليه
شمس الدين : ما رأيك أتي كهدية لولي العهد الصغير .
نيراز ببعض القلق: إنه جميل , صنع بمهارة عالية أري أ،ها هدية غالية .
شمس الدين وقد تقرب منها أكثر : ليس غالي بقدر من سيحمل به .
نيراز وقد أبتلعت ريقها الأن هي قلقة ومتوترة : مولاي أريد أن أرجع جناحي لقد تأخر الوقت , ثم أدارت وجهها وكانت ستغادر من أمامه فوجئت بأنه يجذبها ويضمها بقوة
شمس الدين : أنتي مع زوجك وبجناحي لا قيمة للوقت ولا تلقي له بالا , تركها من حضنه ثم أزاح عنها وشاح رأسها ومال علي عنقها ليطبع قبلة حانية عليها كأنه في عالم أخر .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي