الفصل الثاني

اللتفتت زينب على صوت صفا مزعورة من صرختها التي صدحت في فضاء مدخل البناية فاثارت استياء والدتها التي ردت:
- مالك بيها ياصفا، بتوجفيها ليه؟
صفا بحنق وهي تومئ برأسها ناحية زينب :
- يعني انتي مش واعيه، بتك وجلة ادبها
ردت نعيمه بقوة:
- انا بتي مش جليلة ادب،ياصفا، انا بنتي زينة البنات وانتي اكتر واحدة عارفة ادبها ثم تعالي هنا، مالك انتى ومال بتى ..هى لازم تجولك كمان على خط سيرها؟
تخصرت بيدها تجيب بحاجب مرفوع :
- انا بسأل عشان ابوها يانعيمة، افترضي جه وسألني عليها .. هاقوله ايه ساعتها؟ اقوله انها خرجت من البيت جدامي وانا برضوا معافالهاش سكة؟
زفرت زينب مطولًا وهي تنظر لوالدتها برجاء، تهزهز قدميها بتحفز كي تعطيها الضوء الاخضر فتهجم على هذه المرأة وتنقض عليها بأظراها فتشوه وجهها كي تنزع عنه طبقات المساحيق المكومة حتى تصل لجلد وجهها التخين، فلا تتركه سوى بندوب واضحة فيظهر وجهها الحقيقي،والقبيح امام البشر .. ولكن والدتها كالعادة ضيعت عليها الفرصة وتحلت بالصبر المرير التي تتجرعه منذ سنوات طويلة حينما ردت عليها بهدء:
- متشكرين ياست صفا، احنا مش عايزينك تتعبي معانا، ان كان على ابوها فهو عارف بمشوارها ومش هايتعبك هو كمان بالسؤال، في حاحة تانية بقى؟
قالت صفا باستفزاز :
- طب هي رايحة فين عشان اعرف انا؟
هنا صاحت عليها زينب بغضب:
- لا بجى مش هاقولك، عشان انتي ما يخوصكيش، ومن غير سلام، انا ماشية يامّا ومش هاتأخر ان شاء الله.
قالتها وتحركت لتخرج من البناية وتتركها تغلي من الغيظ، لكنها لم تصمت فوجهت كلماتها لنعيمة:
- بتك بقت واعرة جوي يانعيمة والظاهر كدة ان جلع ابوها ليها هايبوظها .
تمتمت نعيمه مع نفسها باستنكار :
- جلع ابوها !!
ردت عليها بحنق :
- لا مايهمكيش منها، البت مهما اتجلعت في بيت ابوها، فبرضك بيجيها وقت وتعقل، دا اذا اتجلعت يعني؟

اهتزت صفا في وقفتها من رد نعيمة الذي افحمها، فقامت بما تتقنه منذ ان خطت بأرجلها لهذا البيت، فقالت بميوعه وهى ترفع فى المئزر حتى تظهر ماتحته من ملابس النوم :
- الحج عليا ..اني عايز اطمن عليها، هي مش زى عيالى برضوا ولا لاه يعني؟
نعيمه وقد فهمت مقصدها و حركتها المكشوفه:
-  بجولك ايه .. انا ورايا طبيخ وغسيل كتير. . عن اذنك بجى.
قالتها ودخلت على الفور، تداري هذ الألم الذي اعتصر قلبها منذ فترة طويلة، فسندت بجسدها على الباب، وشعور بالقهر من هذه المرأه المتسلطه تشعب بداخلها مع مرور السنوات حتى تحجرت الدمعات بعيناها وجفت ينابيعها من كثرة الحزن والبكاء، منذ ان وافقت نعيمه على زواج زوجها بامراة اخرى مضطرة ومجبره بعد ان تيسر حال زوجها و هددها  بالموافقه بزوجه ثانيه ، او الطلاق .. فحاولت الرجوع لاهلها لايقافه ولكن كان الرد من اهلها اصعب عليها حينما طلبوا منها الطلاق وترك ابنتها الوحيده له و التى لم تبلغ الخامسه حتى تتزوج رجلا اخر غيره .. او ان توافق بزواجه وترضى على نفسها الاهانه
فكانت كالتى خيروها بين نارين نار الضره المر او نار الفراق لابنتها الوحيده وتركها لزوجة اب تذيفها العذاب ففضلت "نعيمه "نار الضره على ان تترك ابنتها  عسى ان يعدل زوجها بينهم كما وعد .
ولكن هذا كان وعد . فالزوج والذى كان اسمه "سليمان" لم يعرف للعدل طريقاً فقد حاول فى البدايه ان يعطيها يومين فى الاسبوع ثم يوم واحد ثم تركها نهائيا وهى التى تسكن معه فى نفس البيت ولكنها فى الطابق الارضى و " صفا " الطابق الثانى فيمر عليها ذهابا واياباً وكأنها ليست لها مشاعر ولا حقوق زوجيه لها عنده  وهى عزيزة النفس لم تحاول الطلب لحقها منه وتركته للاخرى لتريها من ذل الايام وكيد النساء ما يسحق روحها وكرامتها  .حتى تطلب الطلاق وتذهب . ولكن" نعيمه " تحملت من اجل ابنتها " زينب " وكلما جاء الليل اخذتها داخل احضانها وهى تصبر نفسها وتقول بدموع الوجع بداخلها .. عشانك انتى وبس ياحبيبتى .. اتحمل .. انتى وبس .وهكذا مرت السنين والايام حتى كبرت الفتاه وهاهى الان فى الصف الثانوى الاخير وهذا يوم نتيجتها ويوم حصاد نعيمة لتعبها.
نقضت رأسها وهي تذكر نفسها كي تستطيع التحمل والمواصلة، فقد اقترب حلمها بتعليم ابنتها ورفعتها لمكانة عالية ، اقترب الحلم الذي صبرت وتحملت من اجله ، فإن كانت هي حرمت من حقها في التعليم وحق العيش كامراءة سوية مع رجل يقدرها ويعاملها كامراة متزوجة؛ فهي لن ترضى لابنتها سوى بحياة كريمة تحملت هى في سبيلها الأهانة والذل؛ الذي لن تقبله على ابنتها ولو كان الثمن موتها

تحركت" نعيمه " بطاقة من الامل منبعثة من داخلها، وهي ترسم وتبني احلامها في ابنتها حبيبتها، فمن سواها يستحق التضحية، ومن سواها يستطيع ان يدخل بقلبها الفرح والسرور .
قامت نعيمة بكل وظائف البيت وهى فى انتظارها على احر من الجمر 
وحينما قارب النهار على الانتصاف .. دخلت زينب  تهلل وهى تحمل فى جعبتها مايدخل السرور والسعاده فى قلب " نعيمه " المرأه الحزينه والتى وجدت ضالتها فى تقدم ابنتها ونجاحها
- انا نجحت ياما .. وجبت مجموع كبير .. يدخلنى كليه زينه، نجحت يامّا وربنا استجاب لدعواتك ليا، ودون اي كلمة اقتربت منها نعيمة تعانقها بشدة، تكاد ان تكسر ضلوعها، وزينب ورغم تألمها من هذا العناق، كانت صامتة ومتقبلة، فهي تعلم ان خلف هذا العناق، الم وفرحة نادرة لنعيمة كادت ان تنسى معناها في حياتها .
..... يتبع

#امل_نصر
#بنت_الجنوب
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي