الفصل الثاني
دخل منصور إلى المنزل . . تسبقه حنان بلهفة مندفعه باتجاه قصي . . تتسع عيونها محملة بسحابات من الدموع . . تمرر يديها على وجهه و صدره و ذراعيه تتفقده متحدثه بجنون . .
: انت كويس . . ؟ . . انت كويس صح ؟ . . صح . . ؟
نظر قصي إلى منصور مستغربا حالتها . . ليلاحظ نظراته لها بألم . . دائما ما كانت روحها حانيه هادئة لا يشوبها ذلك الخلل كما هي الان . . اومأ لها قصي يطمئنها قائلا و قد ادرك مصدر خوفها
: انا كويس ما تخافيش . . مش هتقدر تعمل حاجه . .
إلى هنا و قررت عينيها افراغ حمولتها . . لتتساقط دموعها سريعا تحتضنه بقوة . . بادلها هو الاحتضان لتتركه تنفي برأسها بعنف قائلة .
: هتاخدك مني تاني . . ؟ مش هسيبها تاخدك مني تاني .
تبادل و منصور نظرات قلقة ليقترب منصور منها يحيط كتفيها بذراعيه في احتواء يبتسم بهدوء قائلا .
: حنان . . ما تقلقيش مش هيحصل . . مافيش حد هيقدر ياخده مننا تاني .
وضعت يديها على فمها تكتم شهقات بكائها ليحتضنها منصور يشير إلى حياة بعينيه ان تتقدم . . لتمسح الأخيرة دموع عينيها سريعا بظهر يديها تقترب منه ليتحدث قائلا .
: خديها تستريح فوق شوية . . اومأت له تسندها من بين يديه تتجه بها نحو الدرج . . تنهد منصور بحزن يتجه نحو مكتبه مشيرا لقصي باتباعه . .
ولج كل منهما إلى المكتب ، ليتحدث منصور قائلا و قد ظهر اشتعال جمرات الغضب بعينيه .
: في وسط مستشفى و حراسه و كاميرات و قدرت تهرب . . قدرت تهرب من تحت ايدي تاني . . و يا عالم هتقدر تعمل ايه تاني . .
التفت الى ولده ينظر اليه بحزن مردفا
: انا اكتر واحد عارف اسلوبها الحقير و طريقة تفكيرها القذر . . بس مش قادر افكر ممكن تكون هربت فين . .
اطلق قصي ضحكة ساخرة خافته يتحدث . بمرارة . . نظرته و كأنها تمتلك شهادة خبرة في الألم قائلا .
: بيتهيئلك . . ما حدش يقدر يعرف هي بتفكر ازاي . . بس اللي انا عارفه كويس انها بتعرف ازاي تستخدم اللي حواليها لصالحها . . و انها مش هتقدر تأذيني ما تقلقش . .
: انت مش هدفها . . و عمرك ما كنت هدفها يا ابني . . انت كنت و سيلة لتدمير الهدف . .
قالها منصور بنبرة مدركة تماما لمدى مفعول السم بتفكيرها . .
نظر اليه مطولا و قد بدت شارات الحرب بحدقتيه . . ليكمل منصور قائلا بجد و يبدو انه ادرك نظرات ولده ملطقتا منه شارات الاستعداد .
: المهم . . احنا مش هنستنا كده لحد ما تعمل مصيبة تانيه . . لازم نعمل حاجه . .
يعجز الجميع عن فهم سياستها . . عن اختراق سواد افكارها . . اختبار على اي درجة من الظلام هي . . و هو استثناء . . حيث رد قائلا بنظرة غامضة
: ما فيش قدامنا غير حل واحد . . لازم نستنى . . لحد ما نمسك الخيط اللي هيوصلنا ليها . . او الشخص اللي هتحركه . .
حيث تلك المنافسه بينهم . . ما هي إلا رقعة شطرنج . . يجيد هو خوضها . . و ليصل إلى تحقيق الفوز . . سيتيح لها فرصة تحريك أول بيدق . .
________________________
في وقت متأخر من الليل . .
صعد الدرج وصولا امام منزله . . فتح الباب ببطء قاتم . . مظلم كما هي نظرة عينيه . . فاقد الروح . . محترق الانفاس . . اما عن القلب . . فقد تركه نازفا هناك . . ترقص على دمائه تحت قدميها . . و ربما تستبدلها بحناء العروس . . مرارة تجسدت بضحكة ساخرة جوار ثغره . . كلماتها كانت كنصل حاد . . مسموم . . يحمل لعنة ما تبقيه على قيد الحياة فاقد القلب و الروح . . و يتوالى فقد الأشياء التي لا يمكن استعادتها . . حيث اتسعت عينيه لآخرهما بقبضة بركانيه تقضي على ما بقى له من نور . . عندما رأى عصا جدته ملقاه بعشوائية مخيفه وسط المنزل . . و بعدها بعدة أمتار يهوي جسدها أرضا في استسلام تام لإرادة القدر . .
: تيتا . . تيتا ؟
صرخ بها حمزة بجنون و كأن نبرة صوته تستجدي نورها البقاء بين ظلامه . . لم تستجيب له . . اسرع بفزع يخرج هاتفه من جيبه فلم يجده بحوزته . . نظر حوله يبحث بهيستريا ليجد هاتفها ملتقطا اياه بجنون لاهثا بأنفاس متقطعه واضعا اياه على اذنيه صارخا
: اسعاف بسرعه ارجوك . .
تركته شمسه آبيه . . غير راضية عن ترك شعاع نور واحد له . . تتبعها النجوم تاركة سماء حياته معتمة . . مظلمة تماما . . تلائم ظلمتها فراغ روحه . .
_______________________
يقال ان الغاية تبرر الوسيلة . . و غايته هو لا تبرر فقط . . بل تتيح خداع الوسيلة . . اغوائها . . تضليلها . . جذبها لتحقيق غايته . . انثنى ثغره بابتسامة شيطانية تنبأ عن بلوغ مبتغاه قريبا . . يجلس على كرسي مكتبه باسترخاء تام . . يتحدث إلى أحدهم هاتفيا . . تلتمع عينيه و كأنه يراها امامه . . وسيلته ..
: متأكد من اللي بتقوله ده . . ؟
ليأتيه رد الطرف الآخر عبر الهاتف قائلا
: عيب يا باشا انت عارفني . . متأكد ميه في الميه . .
اتسعت عينيه بابتسامة ماكرة قائلا .
: اسمعني كويس . . عاوز كل حاجه عنها . . اي معلومة حتى لو مالهاش لازمه . . كل حاجه تخصها بالتفصيل . . فهمت .
: تمام يا باشا . . طب و التانيه سعادتك . . ؟
اعتدل في جلسته يتنهد بظفر قائلا .
: التانية انا عارف هجيبها ازاي . . المهم تخلص اللي قولتلك عليه . .
: أوامر معاليك يا مراد بيه . .
انهى المكالمة ينظر امامه بشرود و ابتسامة قاتمة . . بضعة خطوات فقط و يحصل على ما يريد . .
اخرج من درج مكتبه بطاقة ذاكرة ليوصلها بجهاز الحاسوب الخاص به . . تحتوي على ملف واحد فقط بداخله فيديو صغير . . بضع ثواني لا أكثر . . سيصقل بها خطته الدنيئة . . ابتسم بفخر و انتشاء . .
يضحك بخفوت . . ثم علت ضحكاته شيئا فشيئا حتى دوت من حوله بصخب و خلل هيستيري . .
____________________________
في صباح اليوم التالي ...
جلس امامها و كأنه ينظر لعالمه . . لعلة وجوده في الحياة . . حتمية وجودها معه امر بديهي . . مسلم به . . هي له . . جزء منه . . و ان كل منهما للآخر فكر راسخ بداخله . . كيف و متى . . ؟ لا يعلم . . يتلخص الجواب بسرمديه مبهمه . . تفتح عينيها بتثاقل . . ثم تغلقهما سريعا بقوة و تفتحهما شيئا فشيئا لإعتياد ضوء الغرفة . . و ابتسامه تنضح بالعشق الذي فرض سطوته على قلبه . . و ما ان التقت نظراتهم حتى تشوقت أذنيه لهفة لاستماع صوتها من جديد . .
: سالم . .
اختفت ابتسامته فجأه . . باتساع طفيف بحدقتيه . . نبرة صوتها . . لم تكن نبرة تلك الطفلة كما كان يظن . . بل نبرة ناعمه ذات دفئ خاص . . أذابت مشاعره في انصهار تام . . اذدرد ريقه متعطشا للمزيد من " سالم " تخرج من بين شفتيها . . بينما اكتملت رؤيتها له بجوارها تلتهم عيونها ملامحه . بخوف . . تتفقده . . لتتحدث سريعا بلهفة و كلمات مبعثرة . .
: انت زين صح . . ؟ . . كان في واحد متخفي . . ماسك سلاح . . كان عايز يطخك و انت ما شايفهوش . .
انهت كلماتها لاهثة و كأنها تركض خلف جواد ما . . و غارق هو حد الثمالة بصوتها و نظرة عينيها . . بلع ريقه متحدثا بإيمائة هادئة و ابتسامة صغيرة
: ما تشغليش بالك . . لمهم انتي دلوجت . . حمدالله على سلامتك يا جمر . . ليه عملتي اكده . . ؟
تسارعت خفقاته تنبض بعنف مع سؤاله الأخير . . اراد اجابة معينه بذاتها . . متلهفا لسماعها . . و ان لم يكن فذلك لن يغير من معتقدات عشقه . . اما هي . . نظرت الى عينيه مباشرة للحظات . . تتسائل . . اتخبره بحقيقة عشقها له و انها على استعداد و بكامل الرضا ان تعيد الكرة اذا لزم الأمر . . ؟ اخفضت نظراتها عنه تجاوبة بما لم يروي لهفته قائلة .
: اني . . كنت واجفه في الشباك . . شوفتك انت و ....
صمتت بوجوم . . تتحول نظراتها لنظرة اسى . . متذكرة عرسه و عروسه و ذلك اليوم الذي رأته فيه خارجا من غرفتها بهيئة مبعثرة . . لتبتلع غصة قاتلة تشق داخلها مرورا بقلبها تكمل بخزي لم يلاحظه هو
: انت و عروستك . . و لمحت حد واجف بعيد . . لافف حاجه على وشه . . و ماسك سلاح . . و لما لجيته قاصدك . . ناديت عليك بس ما سمعتش .. ماسمعتنيش . . ما دريتش بحالي غير و انا واجفه جدامك مافكراش حاجه واصل بعدها . .
اتسعت عينيها لآخرهما تضع يديها على فمها . . نظرت اليه تنقل يديها الى رقبتها مردفة بفرح و سعادة . .
: اني ناديت عليك . . ايوه . . صوتي رجع . . صوتي رجع تاني . .
قابل سعادتها بابتسامة واسعة قائلا .
: حمدالله على سلامته . . و سلامتك يا جمري . .
و عقب كلمته الأخيرة مباشرة تساقطت امطار دموعها . . بين فرح و حسرة و لا يستطيع احد ان يفرق بينهما سواها . . ليكمل هو على ما تبقى لها من ثبات امام دفئ لمسة يديه مزيلا بها دموع عينيها قائلا بحزن مصطنع .
: بكفايا خلاص ما تبكيش . . ما هجولكيش يا صوت البجعة تاني ما تخافيش . . و لو ان صوت البجعة ارحم . .
و من بين بكائها ضحكت بخفوت . . لتتألم بعدها تضع يديها على صدرها مكان الرصاصة . . و يشتعل الغضب بداخله متمنيا فقط رؤية من الحق بها ذلك الأذى امامه . . فقط يراه و لن يترك له بقايا على قيد الحياة . . لتسأله و كأنها خاطرت افكاره قائلة
: مين ده و كان عايز يطخك ليه . . ؟
تحولت عينيه ينظر امامه بنظرات شرسة . . فاتكه . . يتحدث متوعدا له بشر .
: تار ابوه اللي جتلته عشان اخد بتار عمي الله يرحمه . . بس ورحمة ابوكي و ابويا في تربته لهخليه يشوف نار جهنم على الارض . . و ما هيكفيني فيها دم عيلته كلاتها .
: لا . . احب على يدك يا واد عمي . . بكفايا دم . . اني زينه اهه . . ما تضيعش نفسك عشان خاطري . .
قالتها بلهفة خائفة و عبرات متجمده داخل عينيها . . تتشبث بأكمام ثوبه بهلع . . ليقاطعهم دخول فاطمه . . تطلق زغاريد فرحه لنجاة ابنتها الوحيدة . . لتبتسم لها قمر تمد لها يديها قائلة .
: بكفايا يا اما احنا في المستشفى مش في الدار . .
اندفعت فاطمة تحتضنها مفرقة اياها بوابل من القبلات تتحدث و تسبق دموعها حروفها قائلة .
: حمدالله على سلامتك يا بتي . . الف حمد و شكر ليك يارب . .
استقام سالم منسحبا بهدوء عندما دخلت جدته إلى الغرفة تتجنب النظر إليه تتوجه بكرسيها نحو قمر قائلة
: كيفك دلوجتي يا بتي . . ؟
: زينة يا جدتي . .
قالتها قمر بفرحة ترفع صوتها عن قصد . . لتتحدث جدتها تربت على كتفها قائلة .
: اتحوشت صوتك جوي يا بتي . . سبحان الخالج . . جمر و كيف الجمر صح . .
جلسوا جميعهم بتبادلون الحمد و الثناء لسلامتها لتتحدث قمر بتندر متسائلة .
: اومال فينها بت عمي . . ؟ ما جاتش تطمن على صحتي يعني . . ؟ آه معلهش نسيت انها عروسة ما هتخرجش من الدار . .
و مهما بلغت طيبة القلب فغيرة العشق تطغو . . و في قاموس العشق تعد هي غريمتها ، لتلاحظ تبادل نظرات الحزن بين جدتها و والدتها . . مررت نظرها بينهم بتسائل قلق تردف بخفوت خائف .
: اوعى تجولي جرالها حاجه يا اما . . ؟
نفت فاطمة براسها تتساقط عبراتها قائلة .
: لا يا بتي ما جراش حاجه هي . . زينه . . ده حتى كتر خيرها . . لحجتك من الموت . . لولاها ما كنتش شوفتك تاني يا نضري . .
ضيقت قمر ما بين حاجبيها بتسائل لتقص على مسامعها ما حدث في الليلة الماضية . .
: حاجة يابتي لو اختك بت امك و ابوكي ما كانتش هتعمل اكده . .
اطرأت قمر برأسها آسفة . . تنهر نفسها . . شاعرة تجاهها بالامتنان لترد قائلة . .
: فينها يا اما . . ؟ ما جاتش معاكم ليه . . ؟
لتجيبها الجدة قائلة .
: مشت مع اخوها يا بتي . .
بعدم فهم نظرت لها قمر لتردف الجدة بما جعلها تشهق متسعة العينين باستنكار . .
: بعد ما سالم واد عمك اخد ورثها ، و هتك عرضها بالغصب . .
و اتبعت كلامها بنظرة حزن ساخرة .
: و جرر يكفر عن غلطه و يتجوزها . .
عاصفة ما . . اقتلعت افكارها نحو دوامة لا نهاية لها . . ظنت ان الامر تم بموافقتها . . باغوائها له . . عندما رأته خارجا من غرفتها ظنت هكذا . . هتك عرضها قسرا . . كيف له ان يفعل . . ؟ أخذت افكارها تدور حول حديث جدتها البركاني . . تتركز على فكرة واحدة . . ليتها لم تنجو . . ليتها كانت الرصاصة القاتلة و ما بعدها موت . .
________________________________
جلس بمكتب صديقه الطبيب الذي أخبره بضرورة اللحاق به إلى مكتبه . . ينتظر وصوله بالأشعة الخاصة بحالة جدته . . استقام يسأله بلهفة . . قائلا
: خير يا حازم . . فيها ايه الاشاعة . .
حاول صديقه الابتسام يتصنع عدم القلق قائلا
: اهدى يا حمزة واقعد ما تقلقش . .
جلس كل منهما . . ليتفحص الطبيب الاشعة امامه بتركيز . . ينظر حمزة الى عينيه مباشرة بترقب قلق . . نزع الطبيب نظارته واضعا ما بيده على سطح المكتب . . يمسح على وجهه بعنف . . ليزفر قائلا بأسف .
: انا كنت شاكك من الاول . . لكن الأشعة دي بتثبت ان شكوكي في محلها . .
: حازم اخلص لو سمحت بدون مقدمات . .
قالها بنفاذ صبر و اندفاع . . ليتحدث الطبيب قائلا . .
: جدتك بتعاني من مرص خبيث في المخ . . و للأسف في حالة متأخره جدا . . العلاج معاها مضيعة وقت . . مافيش امل غير انها تعمل عملية نسبة النجاح فيها ضعيفة جدا . . انا اسف يا حمزة . .
اخذ حديث صديقه يتردد صداه موازاة لخطواته بالرواق المؤدي الى غرفتها . . فتح الباب ببطء . . ينظر اليها بعبارات متساقطة و بكاء حار . . تقدم يجلس امامها قائلا . .
: كده يا طوفي . . عايزة تسيبيني انتي كمان . . انا ما ليش غيرك . . عشان خاطري ما تسيبنيش . .
وضع جبهته على حافة السرير باكيا . . و من بين غفوتها رفعت يديها تربت على رأسه بوهن شديد . . ليرفع نظراته اليها بلهفة من بين عبراته المتساقطة . . لتهديه بمشقة شبه ابتسامة و نظرة اخيرة قبل انسدار ستائرها في غفلة أخرى . . ليلتقط يديها مقبلا اياها غارقا في بكاء مرير . .
____________________________
وقفت تعد اطيب و اشهى الطعام على قدم و ساق . . فقد اخبرها منصور صباحا قبل ذهابه إلى العمل بحضوره على الغداء . . تبرع و تفنن في الكثير من الأصناف . . تقف هي جوارها . . يبدو انها تساعدها . . لكن في الحقيقة هي غارقة في ذلك الوعاء بين يديها . . تتحدث بتذمر و ارهاق تكاد تبكي قائلة .
: يا ماما يعني لازم فطير . . ايه لازمته على الغدا طيب . . ده انتي عاملة وليمة مش غدا . .
نظرت لها حنان نظرة جانبية قائلة بابتسامة حنون
: انا بحبه و باباه بيحبه يبقى اكيد هو كمان بيحبه . .
بنبرة شبه باكية تحدثت حياة قائلة .
: انا مش بحبه . . و ايدي وجعتني اوي من العجينه دي . . و شعري اتفك و بيدايقني بقى . .
: يالا يا حياة بطلي دلع خلينا نخلص قبل الغدا . . و ادي شعرك اهو يا ستي . .
قالتها حنان و هي تهم بلملمة شعرها بعشوائية إلى أعلى . . ليستمع كلاهما الى جرس المنزل فتتحدث حنان خارجه .
: دي اكيد الحاجه اللى انا طالباها وصلت . . اعجني كويس عشان العجينة تلم معاكي بسرعة يا حياة . .
نظرت حياة في اثرها بزهول لتتحدث قائلة .
: حاجات من بره ؟ كل العمايل دي و جايبة كمان بره . . ؟
بينما خارجا . .
فتحت حنان الباب لتجده امامها . . فتطل البهجة على قلبها باشراق . . ينثني فمها بابتسامة وسع الكون سعادة . . تحتضنه قائلة . .
: اهلا يا حبيبي تعالى ادخل . .
ولج قصي الى المنزل خلفها لتسئلة باستغراب قائلة
: الله . . ؟ اومال فين منصور . . ؟ ده قال انكم هتيجو سوا على الغدا . .
: انا لسه هروح الشركه . . جيت اخد منك شوية اوراق محتاجها . .
طلب منها بعض الأوراق اثبات شخصيته كإبناً لهم . .لتتركه حنان بسعادة بالغة صاعدة نحو غرفتها تحضر كل ما يحتاجه . . جلس ينتظر نزول والدته . . اراد السؤال عنها لكنه ظن انها مازالت نائمة . . لينتقل الى مسامعه صوتها الرقيق حانقا يأتي من خلفه . .
: يا ماما كل ده بتجيبي ايه . . ؟ تعالي شوفي خلاص كده و لا لسه . . ؟ انا تعبت . .
نظرت إلى العجين بداخل الوعاء . . تتحدث اليه بغيظ قائلة .
: هي امه و بتحب الفطير و باباه بيحب الفطير يبقى لازم هو يكون بيحبه . .؟ طب كانت تسأله طيب ما يمكن مش بيحبه . .
وقف خلفها ينظر اليها كليا و ابتسامة عاشقة ترتسم اعلى ثغره . . و قد بدت بعفوية مهلكة . . اقترب منها بخفة يهمس جوار اذنيها قائلا بخفوت . .
: بحبه على فكرة . .
تصلبت نظراتها فوق العجين بعدم فهم . . لينظر هو بامتعاض إلى ما بين يديها قائلا باستنكار
: انتي بتزغزغي العجين يا حياة . . ؟
التفتت شاهقة تدفعه بيديها الممتلئة بالعجين في صدره تبتعد عدة خطوات إلى الخلف بعيون متسعة وقلب خفقاته تدوي كالطبول . . تنظر اليه بصدمة . .
بينما هو ينظر إلى كفي يديها من العجين ملتصقتان على صدر قميصه دون تعابير وجه مقرؤه . . ظل هكذا للحظات حتى ظنت انه غاضب من تصرفها الغير مقصود . . رفع وجهه نحوها ببطء . . مازال على جموده . . ليقترب منها بخطوات بطيئه . . أكدت نظرته لها انه غاضب . . الآن ستبكي . . لا ليس الآن . . لاحظت نظراته الموجهه نحو شعرها لترفع يديها عفويا تضعها على شعرها . . فالتصق العجين بشعرها كليا . . توقفت خطواته ينظر إلى ما تفعله يحاول كبح جماح ابتسامته . . انزلت يديها ببطء تنظر اليها و قد اتسعت عينيها اكثر تلطم وجنتها بكفها الآخر قائلة بحسرة
: شعري . .
و قد كان لوجنتها حظا مما ناله شعرها و قميص قصي . . نظرت الى كفيها معا تتجمع العبرات بعينيها قائلة بحسرة .
: وشي . .
لينفجر قصي ضاحكا مما تفعله . . الآن حان وقت البكاء . . بكت تمسح دموعها بإحراج فازداد الأمر سوءاً . . حيث تمسح دموعها بكفيها الممتلئة بالعجين . . صمتت . . و لحظة استدراك لهيئتها التي تبدو عليها الآن . . ثم انفجرت في البكاء . . هدأ من ضحكاته بصعوبة . . اقترب منها جاذبا كفيها نحو الحوض يفتح المياه مزيلا بقايا العجين من بين يديها . . انتهى من غسل يديها ليلتقط منديل ورقي بجواره مزيلا به بقايا العجين بوجهها . . مازالت تبكي ليتحدث قائلا يحاول منع ابتسامته . .
: خلاص بتعيطي ليه بقى . . ؟
نظرت إلى وعاء العجين تتساقط دموعها اكثر قائلة
: الفطير باظ . .
رفع حاجبيه بتعجب و لسان حاله يتسائل . .( فطير . . ؟ ) لكنه تحدث بدفء و ابتسامة صغيرة قائلا .
:فداكي . .
نظرت اليه ببرائة قاتلة . .
: بس انت بتحبه . .
مسح دموعها ينظر إلى وعاء العجين خلفه يخفى امتعاضه قائلا .
: مش عارف ليه حاسس اني ممكن اغير رايي . . جايز اطلع ما بحبوش . .
مسحت دموعها تبتسم بلهفة قائلة بعفوية تامة .
: بجد . . ؟ طب الحمد لله . . اصل انا على طول ببوظه كل ما . .
ادركت عفويتها لتنظر اليه تحاول اصلاح صورتها امامه مردفة بارتباك . .
: مش على طول يعني . . سعات و سعات . .
اومأ إيجابا بثقة و كأنه على علم تام بما تقول .و.
انتفضت بفزع تذدرد ريقها بخوف تختبأ خلفه عندما آتاها صوت منصور زاعقا من خلفهما قائلا .
: انت بتعمل ايه منك ليها هنا . . ؟
: انت كويس . . ؟ . . انت كويس صح ؟ . . صح . . ؟
نظر قصي إلى منصور مستغربا حالتها . . ليلاحظ نظراته لها بألم . . دائما ما كانت روحها حانيه هادئة لا يشوبها ذلك الخلل كما هي الان . . اومأ لها قصي يطمئنها قائلا و قد ادرك مصدر خوفها
: انا كويس ما تخافيش . . مش هتقدر تعمل حاجه . .
إلى هنا و قررت عينيها افراغ حمولتها . . لتتساقط دموعها سريعا تحتضنه بقوة . . بادلها هو الاحتضان لتتركه تنفي برأسها بعنف قائلة .
: هتاخدك مني تاني . . ؟ مش هسيبها تاخدك مني تاني .
تبادل و منصور نظرات قلقة ليقترب منصور منها يحيط كتفيها بذراعيه في احتواء يبتسم بهدوء قائلا .
: حنان . . ما تقلقيش مش هيحصل . . مافيش حد هيقدر ياخده مننا تاني .
وضعت يديها على فمها تكتم شهقات بكائها ليحتضنها منصور يشير إلى حياة بعينيه ان تتقدم . . لتمسح الأخيرة دموع عينيها سريعا بظهر يديها تقترب منه ليتحدث قائلا .
: خديها تستريح فوق شوية . . اومأت له تسندها من بين يديه تتجه بها نحو الدرج . . تنهد منصور بحزن يتجه نحو مكتبه مشيرا لقصي باتباعه . .
ولج كل منهما إلى المكتب ، ليتحدث منصور قائلا و قد ظهر اشتعال جمرات الغضب بعينيه .
: في وسط مستشفى و حراسه و كاميرات و قدرت تهرب . . قدرت تهرب من تحت ايدي تاني . . و يا عالم هتقدر تعمل ايه تاني . .
التفت الى ولده ينظر اليه بحزن مردفا
: انا اكتر واحد عارف اسلوبها الحقير و طريقة تفكيرها القذر . . بس مش قادر افكر ممكن تكون هربت فين . .
اطلق قصي ضحكة ساخرة خافته يتحدث . بمرارة . . نظرته و كأنها تمتلك شهادة خبرة في الألم قائلا .
: بيتهيئلك . . ما حدش يقدر يعرف هي بتفكر ازاي . . بس اللي انا عارفه كويس انها بتعرف ازاي تستخدم اللي حواليها لصالحها . . و انها مش هتقدر تأذيني ما تقلقش . .
: انت مش هدفها . . و عمرك ما كنت هدفها يا ابني . . انت كنت و سيلة لتدمير الهدف . .
قالها منصور بنبرة مدركة تماما لمدى مفعول السم بتفكيرها . .
نظر اليه مطولا و قد بدت شارات الحرب بحدقتيه . . ليكمل منصور قائلا بجد و يبدو انه ادرك نظرات ولده ملطقتا منه شارات الاستعداد .
: المهم . . احنا مش هنستنا كده لحد ما تعمل مصيبة تانيه . . لازم نعمل حاجه . .
يعجز الجميع عن فهم سياستها . . عن اختراق سواد افكارها . . اختبار على اي درجة من الظلام هي . . و هو استثناء . . حيث رد قائلا بنظرة غامضة
: ما فيش قدامنا غير حل واحد . . لازم نستنى . . لحد ما نمسك الخيط اللي هيوصلنا ليها . . او الشخص اللي هتحركه . .
حيث تلك المنافسه بينهم . . ما هي إلا رقعة شطرنج . . يجيد هو خوضها . . و ليصل إلى تحقيق الفوز . . سيتيح لها فرصة تحريك أول بيدق . .
________________________
في وقت متأخر من الليل . .
صعد الدرج وصولا امام منزله . . فتح الباب ببطء قاتم . . مظلم كما هي نظرة عينيه . . فاقد الروح . . محترق الانفاس . . اما عن القلب . . فقد تركه نازفا هناك . . ترقص على دمائه تحت قدميها . . و ربما تستبدلها بحناء العروس . . مرارة تجسدت بضحكة ساخرة جوار ثغره . . كلماتها كانت كنصل حاد . . مسموم . . يحمل لعنة ما تبقيه على قيد الحياة فاقد القلب و الروح . . و يتوالى فقد الأشياء التي لا يمكن استعادتها . . حيث اتسعت عينيه لآخرهما بقبضة بركانيه تقضي على ما بقى له من نور . . عندما رأى عصا جدته ملقاه بعشوائية مخيفه وسط المنزل . . و بعدها بعدة أمتار يهوي جسدها أرضا في استسلام تام لإرادة القدر . .
: تيتا . . تيتا ؟
صرخ بها حمزة بجنون و كأن نبرة صوته تستجدي نورها البقاء بين ظلامه . . لم تستجيب له . . اسرع بفزع يخرج هاتفه من جيبه فلم يجده بحوزته . . نظر حوله يبحث بهيستريا ليجد هاتفها ملتقطا اياه بجنون لاهثا بأنفاس متقطعه واضعا اياه على اذنيه صارخا
: اسعاف بسرعه ارجوك . .
تركته شمسه آبيه . . غير راضية عن ترك شعاع نور واحد له . . تتبعها النجوم تاركة سماء حياته معتمة . . مظلمة تماما . . تلائم ظلمتها فراغ روحه . .
_______________________
يقال ان الغاية تبرر الوسيلة . . و غايته هو لا تبرر فقط . . بل تتيح خداع الوسيلة . . اغوائها . . تضليلها . . جذبها لتحقيق غايته . . انثنى ثغره بابتسامة شيطانية تنبأ عن بلوغ مبتغاه قريبا . . يجلس على كرسي مكتبه باسترخاء تام . . يتحدث إلى أحدهم هاتفيا . . تلتمع عينيه و كأنه يراها امامه . . وسيلته ..
: متأكد من اللي بتقوله ده . . ؟
ليأتيه رد الطرف الآخر عبر الهاتف قائلا
: عيب يا باشا انت عارفني . . متأكد ميه في الميه . .
اتسعت عينيه بابتسامة ماكرة قائلا .
: اسمعني كويس . . عاوز كل حاجه عنها . . اي معلومة حتى لو مالهاش لازمه . . كل حاجه تخصها بالتفصيل . . فهمت .
: تمام يا باشا . . طب و التانيه سعادتك . . ؟
اعتدل في جلسته يتنهد بظفر قائلا .
: التانية انا عارف هجيبها ازاي . . المهم تخلص اللي قولتلك عليه . .
: أوامر معاليك يا مراد بيه . .
انهى المكالمة ينظر امامه بشرود و ابتسامة قاتمة . . بضعة خطوات فقط و يحصل على ما يريد . .
اخرج من درج مكتبه بطاقة ذاكرة ليوصلها بجهاز الحاسوب الخاص به . . تحتوي على ملف واحد فقط بداخله فيديو صغير . . بضع ثواني لا أكثر . . سيصقل بها خطته الدنيئة . . ابتسم بفخر و انتشاء . .
يضحك بخفوت . . ثم علت ضحكاته شيئا فشيئا حتى دوت من حوله بصخب و خلل هيستيري . .
____________________________
في صباح اليوم التالي ...
جلس امامها و كأنه ينظر لعالمه . . لعلة وجوده في الحياة . . حتمية وجودها معه امر بديهي . . مسلم به . . هي له . . جزء منه . . و ان كل منهما للآخر فكر راسخ بداخله . . كيف و متى . . ؟ لا يعلم . . يتلخص الجواب بسرمديه مبهمه . . تفتح عينيها بتثاقل . . ثم تغلقهما سريعا بقوة و تفتحهما شيئا فشيئا لإعتياد ضوء الغرفة . . و ابتسامه تنضح بالعشق الذي فرض سطوته على قلبه . . و ما ان التقت نظراتهم حتى تشوقت أذنيه لهفة لاستماع صوتها من جديد . .
: سالم . .
اختفت ابتسامته فجأه . . باتساع طفيف بحدقتيه . . نبرة صوتها . . لم تكن نبرة تلك الطفلة كما كان يظن . . بل نبرة ناعمه ذات دفئ خاص . . أذابت مشاعره في انصهار تام . . اذدرد ريقه متعطشا للمزيد من " سالم " تخرج من بين شفتيها . . بينما اكتملت رؤيتها له بجوارها تلتهم عيونها ملامحه . بخوف . . تتفقده . . لتتحدث سريعا بلهفة و كلمات مبعثرة . .
: انت زين صح . . ؟ . . كان في واحد متخفي . . ماسك سلاح . . كان عايز يطخك و انت ما شايفهوش . .
انهت كلماتها لاهثة و كأنها تركض خلف جواد ما . . و غارق هو حد الثمالة بصوتها و نظرة عينيها . . بلع ريقه متحدثا بإيمائة هادئة و ابتسامة صغيرة
: ما تشغليش بالك . . لمهم انتي دلوجت . . حمدالله على سلامتك يا جمر . . ليه عملتي اكده . . ؟
تسارعت خفقاته تنبض بعنف مع سؤاله الأخير . . اراد اجابة معينه بذاتها . . متلهفا لسماعها . . و ان لم يكن فذلك لن يغير من معتقدات عشقه . . اما هي . . نظرت الى عينيه مباشرة للحظات . . تتسائل . . اتخبره بحقيقة عشقها له و انها على استعداد و بكامل الرضا ان تعيد الكرة اذا لزم الأمر . . ؟ اخفضت نظراتها عنه تجاوبة بما لم يروي لهفته قائلة .
: اني . . كنت واجفه في الشباك . . شوفتك انت و ....
صمتت بوجوم . . تتحول نظراتها لنظرة اسى . . متذكرة عرسه و عروسه و ذلك اليوم الذي رأته فيه خارجا من غرفتها بهيئة مبعثرة . . لتبتلع غصة قاتلة تشق داخلها مرورا بقلبها تكمل بخزي لم يلاحظه هو
: انت و عروستك . . و لمحت حد واجف بعيد . . لافف حاجه على وشه . . و ماسك سلاح . . و لما لجيته قاصدك . . ناديت عليك بس ما سمعتش .. ماسمعتنيش . . ما دريتش بحالي غير و انا واجفه جدامك مافكراش حاجه واصل بعدها . .
اتسعت عينيها لآخرهما تضع يديها على فمها . . نظرت اليه تنقل يديها الى رقبتها مردفة بفرح و سعادة . .
: اني ناديت عليك . . ايوه . . صوتي رجع . . صوتي رجع تاني . .
قابل سعادتها بابتسامة واسعة قائلا .
: حمدالله على سلامته . . و سلامتك يا جمري . .
و عقب كلمته الأخيرة مباشرة تساقطت امطار دموعها . . بين فرح و حسرة و لا يستطيع احد ان يفرق بينهما سواها . . ليكمل هو على ما تبقى لها من ثبات امام دفئ لمسة يديه مزيلا بها دموع عينيها قائلا بحزن مصطنع .
: بكفايا خلاص ما تبكيش . . ما هجولكيش يا صوت البجعة تاني ما تخافيش . . و لو ان صوت البجعة ارحم . .
و من بين بكائها ضحكت بخفوت . . لتتألم بعدها تضع يديها على صدرها مكان الرصاصة . . و يشتعل الغضب بداخله متمنيا فقط رؤية من الحق بها ذلك الأذى امامه . . فقط يراه و لن يترك له بقايا على قيد الحياة . . لتسأله و كأنها خاطرت افكاره قائلة
: مين ده و كان عايز يطخك ليه . . ؟
تحولت عينيه ينظر امامه بنظرات شرسة . . فاتكه . . يتحدث متوعدا له بشر .
: تار ابوه اللي جتلته عشان اخد بتار عمي الله يرحمه . . بس ورحمة ابوكي و ابويا في تربته لهخليه يشوف نار جهنم على الارض . . و ما هيكفيني فيها دم عيلته كلاتها .
: لا . . احب على يدك يا واد عمي . . بكفايا دم . . اني زينه اهه . . ما تضيعش نفسك عشان خاطري . .
قالتها بلهفة خائفة و عبرات متجمده داخل عينيها . . تتشبث بأكمام ثوبه بهلع . . ليقاطعهم دخول فاطمه . . تطلق زغاريد فرحه لنجاة ابنتها الوحيدة . . لتبتسم لها قمر تمد لها يديها قائلة .
: بكفايا يا اما احنا في المستشفى مش في الدار . .
اندفعت فاطمة تحتضنها مفرقة اياها بوابل من القبلات تتحدث و تسبق دموعها حروفها قائلة .
: حمدالله على سلامتك يا بتي . . الف حمد و شكر ليك يارب . .
استقام سالم منسحبا بهدوء عندما دخلت جدته إلى الغرفة تتجنب النظر إليه تتوجه بكرسيها نحو قمر قائلة
: كيفك دلوجتي يا بتي . . ؟
: زينة يا جدتي . .
قالتها قمر بفرحة ترفع صوتها عن قصد . . لتتحدث جدتها تربت على كتفها قائلة .
: اتحوشت صوتك جوي يا بتي . . سبحان الخالج . . جمر و كيف الجمر صح . .
جلسوا جميعهم بتبادلون الحمد و الثناء لسلامتها لتتحدث قمر بتندر متسائلة .
: اومال فينها بت عمي . . ؟ ما جاتش تطمن على صحتي يعني . . ؟ آه معلهش نسيت انها عروسة ما هتخرجش من الدار . .
و مهما بلغت طيبة القلب فغيرة العشق تطغو . . و في قاموس العشق تعد هي غريمتها ، لتلاحظ تبادل نظرات الحزن بين جدتها و والدتها . . مررت نظرها بينهم بتسائل قلق تردف بخفوت خائف .
: اوعى تجولي جرالها حاجه يا اما . . ؟
نفت فاطمة براسها تتساقط عبراتها قائلة .
: لا يا بتي ما جراش حاجه هي . . زينه . . ده حتى كتر خيرها . . لحجتك من الموت . . لولاها ما كنتش شوفتك تاني يا نضري . .
ضيقت قمر ما بين حاجبيها بتسائل لتقص على مسامعها ما حدث في الليلة الماضية . .
: حاجة يابتي لو اختك بت امك و ابوكي ما كانتش هتعمل اكده . .
اطرأت قمر برأسها آسفة . . تنهر نفسها . . شاعرة تجاهها بالامتنان لترد قائلة . .
: فينها يا اما . . ؟ ما جاتش معاكم ليه . . ؟
لتجيبها الجدة قائلة .
: مشت مع اخوها يا بتي . .
بعدم فهم نظرت لها قمر لتردف الجدة بما جعلها تشهق متسعة العينين باستنكار . .
: بعد ما سالم واد عمك اخد ورثها ، و هتك عرضها بالغصب . .
و اتبعت كلامها بنظرة حزن ساخرة .
: و جرر يكفر عن غلطه و يتجوزها . .
عاصفة ما . . اقتلعت افكارها نحو دوامة لا نهاية لها . . ظنت ان الامر تم بموافقتها . . باغوائها له . . عندما رأته خارجا من غرفتها ظنت هكذا . . هتك عرضها قسرا . . كيف له ان يفعل . . ؟ أخذت افكارها تدور حول حديث جدتها البركاني . . تتركز على فكرة واحدة . . ليتها لم تنجو . . ليتها كانت الرصاصة القاتلة و ما بعدها موت . .
________________________________
جلس بمكتب صديقه الطبيب الذي أخبره بضرورة اللحاق به إلى مكتبه . . ينتظر وصوله بالأشعة الخاصة بحالة جدته . . استقام يسأله بلهفة . . قائلا
: خير يا حازم . . فيها ايه الاشاعة . .
حاول صديقه الابتسام يتصنع عدم القلق قائلا
: اهدى يا حمزة واقعد ما تقلقش . .
جلس كل منهما . . ليتفحص الطبيب الاشعة امامه بتركيز . . ينظر حمزة الى عينيه مباشرة بترقب قلق . . نزع الطبيب نظارته واضعا ما بيده على سطح المكتب . . يمسح على وجهه بعنف . . ليزفر قائلا بأسف .
: انا كنت شاكك من الاول . . لكن الأشعة دي بتثبت ان شكوكي في محلها . .
: حازم اخلص لو سمحت بدون مقدمات . .
قالها بنفاذ صبر و اندفاع . . ليتحدث الطبيب قائلا . .
: جدتك بتعاني من مرص خبيث في المخ . . و للأسف في حالة متأخره جدا . . العلاج معاها مضيعة وقت . . مافيش امل غير انها تعمل عملية نسبة النجاح فيها ضعيفة جدا . . انا اسف يا حمزة . .
اخذ حديث صديقه يتردد صداه موازاة لخطواته بالرواق المؤدي الى غرفتها . . فتح الباب ببطء . . ينظر اليها بعبارات متساقطة و بكاء حار . . تقدم يجلس امامها قائلا . .
: كده يا طوفي . . عايزة تسيبيني انتي كمان . . انا ما ليش غيرك . . عشان خاطري ما تسيبنيش . .
وضع جبهته على حافة السرير باكيا . . و من بين غفوتها رفعت يديها تربت على رأسه بوهن شديد . . ليرفع نظراته اليها بلهفة من بين عبراته المتساقطة . . لتهديه بمشقة شبه ابتسامة و نظرة اخيرة قبل انسدار ستائرها في غفلة أخرى . . ليلتقط يديها مقبلا اياها غارقا في بكاء مرير . .
____________________________
وقفت تعد اطيب و اشهى الطعام على قدم و ساق . . فقد اخبرها منصور صباحا قبل ذهابه إلى العمل بحضوره على الغداء . . تبرع و تفنن في الكثير من الأصناف . . تقف هي جوارها . . يبدو انها تساعدها . . لكن في الحقيقة هي غارقة في ذلك الوعاء بين يديها . . تتحدث بتذمر و ارهاق تكاد تبكي قائلة .
: يا ماما يعني لازم فطير . . ايه لازمته على الغدا طيب . . ده انتي عاملة وليمة مش غدا . .
نظرت لها حنان نظرة جانبية قائلة بابتسامة حنون
: انا بحبه و باباه بيحبه يبقى اكيد هو كمان بيحبه . .
بنبرة شبه باكية تحدثت حياة قائلة .
: انا مش بحبه . . و ايدي وجعتني اوي من العجينه دي . . و شعري اتفك و بيدايقني بقى . .
: يالا يا حياة بطلي دلع خلينا نخلص قبل الغدا . . و ادي شعرك اهو يا ستي . .
قالتها حنان و هي تهم بلملمة شعرها بعشوائية إلى أعلى . . ليستمع كلاهما الى جرس المنزل فتتحدث حنان خارجه .
: دي اكيد الحاجه اللى انا طالباها وصلت . . اعجني كويس عشان العجينة تلم معاكي بسرعة يا حياة . .
نظرت حياة في اثرها بزهول لتتحدث قائلة .
: حاجات من بره ؟ كل العمايل دي و جايبة كمان بره . . ؟
بينما خارجا . .
فتحت حنان الباب لتجده امامها . . فتطل البهجة على قلبها باشراق . . ينثني فمها بابتسامة وسع الكون سعادة . . تحتضنه قائلة . .
: اهلا يا حبيبي تعالى ادخل . .
ولج قصي الى المنزل خلفها لتسئلة باستغراب قائلة
: الله . . ؟ اومال فين منصور . . ؟ ده قال انكم هتيجو سوا على الغدا . .
: انا لسه هروح الشركه . . جيت اخد منك شوية اوراق محتاجها . .
طلب منها بعض الأوراق اثبات شخصيته كإبناً لهم . .لتتركه حنان بسعادة بالغة صاعدة نحو غرفتها تحضر كل ما يحتاجه . . جلس ينتظر نزول والدته . . اراد السؤال عنها لكنه ظن انها مازالت نائمة . . لينتقل الى مسامعه صوتها الرقيق حانقا يأتي من خلفه . .
: يا ماما كل ده بتجيبي ايه . . ؟ تعالي شوفي خلاص كده و لا لسه . . ؟ انا تعبت . .
نظرت إلى العجين بداخل الوعاء . . تتحدث اليه بغيظ قائلة .
: هي امه و بتحب الفطير و باباه بيحب الفطير يبقى لازم هو يكون بيحبه . .؟ طب كانت تسأله طيب ما يمكن مش بيحبه . .
وقف خلفها ينظر اليها كليا و ابتسامة عاشقة ترتسم اعلى ثغره . . و قد بدت بعفوية مهلكة . . اقترب منها بخفة يهمس جوار اذنيها قائلا بخفوت . .
: بحبه على فكرة . .
تصلبت نظراتها فوق العجين بعدم فهم . . لينظر هو بامتعاض إلى ما بين يديها قائلا باستنكار
: انتي بتزغزغي العجين يا حياة . . ؟
التفتت شاهقة تدفعه بيديها الممتلئة بالعجين في صدره تبتعد عدة خطوات إلى الخلف بعيون متسعة وقلب خفقاته تدوي كالطبول . . تنظر اليه بصدمة . .
بينما هو ينظر إلى كفي يديها من العجين ملتصقتان على صدر قميصه دون تعابير وجه مقرؤه . . ظل هكذا للحظات حتى ظنت انه غاضب من تصرفها الغير مقصود . . رفع وجهه نحوها ببطء . . مازال على جموده . . ليقترب منها بخطوات بطيئه . . أكدت نظرته لها انه غاضب . . الآن ستبكي . . لا ليس الآن . . لاحظت نظراته الموجهه نحو شعرها لترفع يديها عفويا تضعها على شعرها . . فالتصق العجين بشعرها كليا . . توقفت خطواته ينظر إلى ما تفعله يحاول كبح جماح ابتسامته . . انزلت يديها ببطء تنظر اليها و قد اتسعت عينيها اكثر تلطم وجنتها بكفها الآخر قائلة بحسرة
: شعري . .
و قد كان لوجنتها حظا مما ناله شعرها و قميص قصي . . نظرت الى كفيها معا تتجمع العبرات بعينيها قائلة بحسرة .
: وشي . .
لينفجر قصي ضاحكا مما تفعله . . الآن حان وقت البكاء . . بكت تمسح دموعها بإحراج فازداد الأمر سوءاً . . حيث تمسح دموعها بكفيها الممتلئة بالعجين . . صمتت . . و لحظة استدراك لهيئتها التي تبدو عليها الآن . . ثم انفجرت في البكاء . . هدأ من ضحكاته بصعوبة . . اقترب منها جاذبا كفيها نحو الحوض يفتح المياه مزيلا بقايا العجين من بين يديها . . انتهى من غسل يديها ليلتقط منديل ورقي بجواره مزيلا به بقايا العجين بوجهها . . مازالت تبكي ليتحدث قائلا يحاول منع ابتسامته . .
: خلاص بتعيطي ليه بقى . . ؟
نظرت إلى وعاء العجين تتساقط دموعها اكثر قائلة
: الفطير باظ . .
رفع حاجبيه بتعجب و لسان حاله يتسائل . .( فطير . . ؟ ) لكنه تحدث بدفء و ابتسامة صغيرة قائلا .
:فداكي . .
نظرت اليه ببرائة قاتلة . .
: بس انت بتحبه . .
مسح دموعها ينظر إلى وعاء العجين خلفه يخفى امتعاضه قائلا .
: مش عارف ليه حاسس اني ممكن اغير رايي . . جايز اطلع ما بحبوش . .
مسحت دموعها تبتسم بلهفة قائلة بعفوية تامة .
: بجد . . ؟ طب الحمد لله . . اصل انا على طول ببوظه كل ما . .
ادركت عفويتها لتنظر اليه تحاول اصلاح صورتها امامه مردفة بارتباك . .
: مش على طول يعني . . سعات و سعات . .
اومأ إيجابا بثقة و كأنه على علم تام بما تقول .و.
انتفضت بفزع تذدرد ريقها بخوف تختبأ خلفه عندما آتاها صوت منصور زاعقا من خلفهما قائلا .
: انت بتعمل ايه منك ليها هنا . . ؟