الفصل الاول

قد تعني الهزيمة موت . . اما الاستسلام فسقوط
الموت في الأولى عزة ..  علو . . مجد
اما السقوط في الثانية عار . . ذل . . مهانة
______________________
توقفت السيارة في وسط الطريق حيث أحد كمائن الشرطة . . دنا الضابط ناظرا داخل السيارة يحدث السائق بإقتضاب . .
: رخصك و بطاقتك . . ؟
ناوله الرجل اياهما . . ليتحقق منهما ناظرا مرة أخرى داخل السيارة قائلا بإيمائة صغيرة دون ابتسام
: الف مبروك . .
ليرد سالم بحفاوة مصطنعة
: الله يبارك فيك يابيه ربنا يحفظك . .
ثم انطلقت السيارة مرة أخرى . .
(الف مبروك )
انتقلت تتسرب إلى مسامعها بثقل كابوسي . .
(الف مبروك )
تسللت عبر ذلك الضباب الذي يلف أفكارها . .
(الف مبروك )
يتردد صداها داخل فراغ روحها ساخرا . . حيث الصورة عروس تطرأ برأسها خجلا في سكون . . بينما لم يكن الإطراء سوى كسرا . . اما السكون فسقوط . . و بين هزيمة و استسلام نالت هي الأنصاف . . هزيمة دون موت وسقوط بلا استسلام . . نظر إليها نظرة جانبية يتحسس ذلك الجرح أعلى ذراعه قرب كتفه . .

Flash back

تمددت على جنبها أرضا في سكون كورقة خريف جافة . . تنظر الى الفراغ أمامها بعيون متورمة . . مازالت دموعها تتساقط بصمت لا يقطعة سوى تلك الشهقات المتتالية . . انتفضت بفزع ما ان استمعت إلى رنين جرس المنزل . . استقامت بانهاك و عيون شبه متسعة تنظر من خلال ثقب الباب . . قبضت على ملابسها بذعر ترجع خطوات عدة إلى الوراء تعثرت في شيئا ما فسقطت ثم قامت سريعا و عيونها معلقة بباب المنزل . . حيث تجسد ظلامها واقفا خلف الباب . . التقطت هاتفها سريعا تحاول الإستغاثة بأحدهم . . بيد مرتعشة . . و جسد يرتجف . . و انفاس كالجليد . . حاولت الإتصال بمنصور . . بصديقتها . . لم تلقى إجابة فهواتفهم مغلقة . . مازال جرس الباب يرن كناقوص بداية حرب . . أو موت . .
لا يوجد أمامها سوى شخص واحد . . رقمه مدون بشاشة الهاتف أمامها . . شخص تأبى كرامتها او ما تبقى منها الإستغاثة به مرة ثانية بعد إستماعها لحديث جدته . . و بين ضعف و خوف و كرامة أبت الخضوع . . انبعثت قوة ما تحثها على الإنتقام . . ركضت سريعا بارتجاف نحو المطبخ . . و فكرة الخلاص تتهيأ امامها في سكين حاد بين يديها . . باتت الأنفاس حارقة . . اشتعلت نيران داخلها تدفعها لرؤية دمائه بين يديها . . فتحت له باب المنزل . . تخبئ يديها خلف ظهرها بالسكين . . دخل سالم ببطء و ابتسامة جانبية ساخرة تؤكد لها هزيمتها أمامه . . توقف يوليها ظهره . . أغلقت هي باب المنزل . . تنظر إليه صدرها يعلو و يهبط في تأجج غافل هو عن صرخات نيرانه تعطشا لرؤية لدمائه . . التفت لها قائلا باستهزاء
: كيفك يا عروسة . . ؟ بجى تمشي لحالك اكده من غير ما تخبري جوزك  . . ؟
اقترب منها خطوتين يضيق عينيه مردفا بنبرة مهددة
: اني هعديهالك المرة دي . . عشان كانت بمزاجي . . حاجة كنت عاوز اوصلها . .
ثم ابتسم بانتصار مردفا .
: و وصلت . . همي جدامي عشان نلحجوا نوصل . . البلد كلاتها مستنيانا . . همي يا عروسة . .
لم تبدي أي ردة فعل ، فقط تتظر إلى عينيه بغضب ، تحترق أنفاسها . . إقترب منها خطوة أخرى ، هيئتها امامه أصابته بوخذة داخل ضميره . . إذا كان يحمل بقاياه . . ليتحدث بنبرة جافة رغم هدوئها
: بصي يا بت الناس ، اني ما جورتش عليكي . . حجك و نصيبك من ريع الأرض و التجارة هتاخديهم على داير مليم ، مالياش صالح بيهم . . أكتر من إكده ما تحلميش . . و هتبجي مرتي جدام الناس و جدام ربنا . .
: ربنا . . ؟
قالتها بصراخ حارق ..
: و انت ما عملتش حساب ربنا ليه . . ما افتكرتوش ليه قبل ما تضيعني و تضيع حياتي . .
تتناثر دموعها حول وجهها بعيون متسعة جاحظه غضبا تلهث كمن تعدو في سباق ما . . و لمحة من الألم مرت بنظرة عينيه . . قبضة ندم و حزن تعتصر داخله . . أردفت بانهيار و دموع حارقة توجه اليه نظرات حسرة و كره قائلة . .
: ليه . . ؟ عشان الفلوس . . ؟ الورث . . ؟ . . كنت خدتهم . . كنت خدت كل حاجة و سبتني . .
شرد للحظات ثم تنهد بثقل يمد يديه نحو مرفقها قائلا بلا مبالاة .
: يلا عشان ما نتأخروش ع . .
: أوعي إيدك ما تلمسنيش ..
قاطعت حديثه و امتداد يديه صارخة تطعنه بذلك السكين بين يديها بصدره . . و في حركة سريعة منه تفاداها ممسكا بيديها و السكين معا . . لتصيبه بجرح غائر أعلى ذراعه قرب كتفه . . ليتحدث بغضب متألما . .
: هتعملي إيه يا بت المركوب . . عاوزة تجتليني . . ؟
تتحرك بعنف بين يديه تدفعه بكل قوتها تحاول الفكاك منه . . ليتحدث قرب أذنيها بما جعلها تسكن تماما في زهول . . في ظلام آخر أحلك سوادا ، بنبرة حارقة ضاغطا على أسنانه يكاد يسحقها غضبا
: اسمعيني زين يا بت عمي ، لو لوعتي معايا و ركبتي راسك الجزمة دي . . ديتها رصاصة . . و هلبسك اسود على دكتور البهايم حبيب الجلب . .
قال ما قاله ثم تركها تشرد بخوف امامها . . تعيد كلماته بثقل . . ببطء داخل رأسها . . التفتت إليه تنظر له بخوف . . و قد حصل هو على ما يريد . . تلك النظرة التي ستنصاع بها تحت أوامره . . ليردف بتوعد قائلا
: عجلك في راسك . . تعرفي خلاصك . . جدامي يلا . .
جذبها من مرفقها كالمغيبة خارجا بها نحو تلك السيارة اللتي كانت تتبعها منذ خروجها من البلدة . .
_______________________
: يعني ايه . . إزاي هربت يا شريف . . ؟
هتف بها بمنصور بصوت جهوري غاضب امام باب غرفة العناية بالمشفى . . ليحاول شريف تهدئته قائلا
: اهدى يا منصور بيه . . أرجوك اهدى و احنا هنتصرف ما تقلقش . .
نظرة جنون و ابتسامة ساخرة و صوت هادئ وجهه منصور إليه .
: أهدى . . ؟
ثم تحولت نبرته إلى نبرة حادة زاعقة مردفا
: واحدة خطفت ابني و حرمتني منه 25 سنة . . و متهمة في جريمة قتل . . عيلتي في خطر بسببها . . و تقولي اهدى ؟
رد شريف بتروي مازال يحافظ على هدوئه
: ارجوك يا منصور بيه العصبية دي مش هتساعدنا في شيء . .
تركه منصور تتزايد نيران غضبه . . و وقودها الخوف . . زاعقا في رواق المشفى .
: انا عاوز مدير المستشفى . . إزاي مريضة في غيبوبة متهمة بجريمة قتل تهرب كده بكل سهولة . . إزاي . . ؟
و في آخر الرواق يتقدم إليه طبيب ما بخطوات سريعة يعدل من نظارته بارتباك ، وقف امامه قائلا . .
: انا المدير ، أرجوك يا فندم حافظ على هدوئك . . انت في مستشفى م . .
ليقبض منصور على تلابيب معطفه الطبي يهزه بعنف قائلا بغضب .
: انا عاوز أعرف حاجة واحده بس . . ازاي كان عندها غيبوبة و تهرب . . ؟
اتسعت عيني الطبيب بخوف مما يواجهه من شرارات تنبعث من عين منصور فحاول شريف تخليص الطبيب من بين يديه ليردف الطبيب قائلا بنبرة تقريرية سريعة . .
: يا فندم ما يصحش كده . . المريضة جات هنا في حادث كسر مضاعف في الذراع و الكتف و نتيجة اصتدام تضرر الرأس فدخلت في غيبوبة مؤقتة و دي ممكن تفوق منها في اي وقت . .
انهى كلامه ينظر إلى منصور بفزع . . ليتركه منصور بنظرات حائرة ثم ترك المشفى بأكمله خارجا منه يحاول الاتصال بقصي . . فكانت الإجابة ان هاتفه مغلق . . تفاقم الخوف بداخله حتى استطاع تذوق مرارته بحلقه . . ليحاول التماسك و الاتصال مرة أخرى و لا مجيب . . ليتصل بحنان و ما ان ردت حتى سارع قائلا بلهفة و قد تسلل لها الخوف من خلال نبرته بالهاتف .
: حنان انتو كويسين . . ؟ قصي فين . . ؟
اذدردت ريقها ترد بترقب مستمع .
: قصي بيوصل حياة البيت . . في ايه يا منصور . . ؟
أغمض عينيه بقوة متنهدا بتعب قائلا .
: ناهد هربت . .
جملة واحدة كانت كفيلة بحبس أنفاسها . . تهاوت على المقعد خلقها بزعر يخرج صوتها خفيض جدا تكاد تتحدث بلا صوت .
: هربت إزاي . . ؟
زفر منصور يجيب عبر الهاتف
: هربت من المستشفى . . المهم اقفلي عشان اتصل بحياة قصي تليفونه مقفول . .
اتسعت عينيها تتسارع خفقاتها بعنف تغلق الهاتف وصوت خاقت هامس يخرج منها بإسمه
: ابني . . مازن . .
________________________
بداخل منزل يبدو عليه القدم ، مجلس عائلة يترأسه شيخ كبير . . دخل حفيده في تبجل و احترام ينحني مقبلا يديه ثم جلس جواره قائلا بحنق
: كنا خلصنا عليه على الطريج يا جدي . . ما جادرش اصبر لآخر اليوم لاجل اشفي غليلي و اخد بتار ابوي . .
نظر اليه الجد بفخر و ابتسامة صغيرة قائلا بصوت متحشرج رخيم . .
: كله بآوانه يا ولدي . . كله بآوانه . .
تنهد بنفاذ صبر ليردف الجد .
: لولا وصية ابوك الله يرحمه و هو بيموت بين ايديه انك انت اللي تاخد بتاره . . كنت خليت حد من اعمامك يشفي غليلي و فجعتي في ابوك من زمان . . لاجل يرتاح في تربته صبرت و استنيت لما عودك شد وجه آوان رد الدم . .
نظر اليه حفيده تشتعل عينيه بنار الثأر ، تلك النيران التي لن تخمدها سوى إراقة الدماء . . ليكمل الجد بحقد
: هتنفذ الليلة في عز فرحته . . هتاخد تار ابوك و تريحه في تربته . . هترفع راسنا وسط البلد بعد ما كسرها حزننا على ابوك يا ولدي . .
التمعت عينيه بابتسامة جانبية يرى مراده على وشك التحقق . . تنهد بحماس يستأذن جده خارجا استعدادا للأخذ بالثأر . .
__________________






فتحت عينيها بتثاقل . . و ألم حاد يدور داخل رأسها . . رفعت يديها تمسك رأسها بتأوه . . سرعان ما اكتملت الرؤية لديها لتجد امامها مجرد ظلام راكض عبر نافذة السيارة . . انتفضت بعنف تنظر حولها فوجدته يسوق السيارة بهدوء . . لتتحدث بعدم فهم . .
: ايه اللي حصل . . ؟
نظر اليها . . إلى عينيها مباشرة لعدة لحظات . . ثم تحدث بنبرة مستنكرة . .
: مش فاكرة ايه اللي حصل . . ؟
ضيقت ما بين حاجبيها تحاول التذكر ، تنفي برأسها قائلة .
: انت . . كنت بتحكي انك اتحبست في اوضة ضلمة وااا . .
صمتت تتنهد متذكرة حديثه بالكامل . . و تلك الذكرى العابرة دون موعد . . لكنها حقا لا تذكر شيء آخر . . لتسأله بعدم فهم مستغربة . .
: افتكرت افتكرت . . بس انا نمت ازاي . . ؟
و تذكرت انه كلما مرت تلك الذكرى بمخيلتها تفقد الوعي مباشرة . . تذكرت بعد فوات الأوان
: في حضني . . اول ما خدتك في حضني نمتي . .
اجابها بابتسامة مراوغة و صدق تام . . لتلتفت إليه سريعا حتى كادت رقبتها ان تكسر . . نظرت اليه بعيون متسعة قائلة بحدة .
: ايه اللي انت بتقوله ده . . ؟ انت اتجننت . . ؟
رد عليها بهدوء .
: مش مصدقاني . . ؟
لترد و مازالت الحدة بصوتها .
: لا طبعا مش مصدقاك ، انت كذاب . .
: جايز . .
و الرد غير عابئا منه بتهمة الكذب . . لتنظر هي أمامها غاضبة من ادعائه نومها بأحضانه . . لتلاحظ سير السيارة بسرعة و سلاسة . . اتسأله مرة أخرى
: انت لقيت ميكانيكي فين . . ؟
لم يلتفت لها بل رد ناظرا امامه .
: ما لقيتش . .
: اومال العربية مشيت ازاي . . ؟  مين صلحها . . ؟
: انا . .
يبدو ان صدقه هذا سيلازمه طويلا . . ضيقت عينيها لما مر بخاطرها . . لتسأله بشك .
: و مين عطلها . . ؟
نظر اليها يحاول كبح جماح ابتسامته بصعوبة ثم نظر امامه بدون رد . . و تنظر هي اليه بترقب . . لتتسع عينيها بصدمة عندما آتاها رده قائلا بأريحية .
: أنا اللي عطلت العربية . .
ثم اخرج هاتفه يضعه امامه بدون نطق . . و هي في حالة زهول و غضب . . ذلك الخوف و تلك الحالة التي تكره دائما ان تكون عليها . . ذلك الظلام الذي تمقت مروره بذاكرتها . . كان هو المتسبب فيه عن قصد . . بنبرة هادئة تعاكس ذلك الاشتعال بداخلها رغم حدتها
: انت اللي عطلت العربية . . و ما نسيتش تليفونك زي ما قولت . . وقفت بينا في مكان مقطوع و ضلمه . . تقدر تقولي ليه . . ؟
و الإجابة لم تكن تتوقعها تماما . . رد بتأكيد و كأنه يطمئنها .
: على فكرة انا خدتك في حضني بس . . ما تخافيش . . تقريبا في منوم في الجاكيت . . اول ما حضنتك نمتي على طول . .
تلون وجهها بحمرة قانية . . مابين خجلا و غضبا تجيب مبررة بعيون تلتمع بها الدموع . . ترد سريعا دون توقف .
: على فكرة بقى انا ما نمتش انا فقدت الوعي و دي حالة بتجيلي لما بفتكر حاجة معينة بيبقى غصب عني ما بحسش بعدها بأي حاجة . . و انا مش فاكرة اساسا اللي انت بتقول عليه ده . .
اذدردت ريقها تتنفس سريعا و نظرة ندم لاحت بعينيها لما افشت به من سريرتها . . تلك النظرة يدركها جيدا . . ليمرر الأمر بهوان يتصنع عدم الاهتمام بما قالته يسألها بمشاكسة .
: طب انتي متضايقة دلوقتي عشان مش فاكرة الحضن و لا عشان نمتي . . ؟
نظرت له بصدمة و مجددا إجاباته غريبة الأطوار تثير بداخلها غيظ شديد . . لم يجد غضبها بدا من ذلك لترد بتهور و صوت حاد .
: انت قليل الأدب . . وقف العربية دي و نزلني . .
لم يعيرها اي اهتمام فاكمل طريقه ناظرا امامه
لتردف بنبرة زاعقة .
: بقولك وقف العربية انت ما بتفهمش . . ؟
ضغط فجأة بقوة على مكابح السيارة لتتشبث هي جيدا بالكرسي تنظر إليه بفزع لترى امامها نظرة ارعبتها لاول مرة ترى تلك النظرة بعينيه . . ليتحدث قصي بهدوء رغم اشتعال نظراته . .
: وقفت العربية . . هتنزلي فين بقى . . ؟
اتسعت عيونها ما ان لاحظت خلو المكان من حولهم يوجد انارة خفيفة بعكس ذلك المكان المظلم تماما من قبل . . لكنه خالي تماما من البشر . . انتفضت بفزع ما ان زعق بها قائلا .
: ردي هتنزلي فين . . ؟
تسارعت انفاسها يعلو صدرها و يهبط . . يخفق قلبها بعنف . . يتجسد هلاكها خلف باب تلك السيارة بمجرد الخروج . . لتبتلع غصة ما بحلقها . . تمد يديها ببطء مرتعش نحو الباب ، بهت وجهها يتصبب منه العرق تشعر ببرودة كالجليد تحيط بجسدها . . فتحت باب السيارة تنزل منه بخوف شديد . .
: ها ااا..هنزل هنا . .
ليفتح هو الباب ناحيته بعنف يتوجه إليها بخطوات غاضبة . . تعاند رغم انها تكاد تموت رعبا و هذا يبدو بشدة على هيئتها . . وقف قبالها يتحدث بحنق قائلا .
: ايوه و بعدين . . ؟
نظرت حولها ثم نظرت اليه لتلاحظ ذلك الفارق المتفاوت في نسبة حجم الكتلة بينها و بينه . . اذدردت ريقها بخوف قائلة .
: مش هركب معاك تاني . . بعد إذنك اتفضل امشي . . انا اللي غلطت من الأول اني وافقت و خليتك توصلني . .
نظرت جوارها تربع يديها امام صدرها . باعتراض . . ليضيق هو عينيه قليلا . . سرعان ما فتحها متحدثا بهدوء . . و يبدو انه ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة . .
:حياة . . اطلعي العربية حالا . .
همت ان تتحدث باعتراض لتتفاجأ بنبرته الزاعقة و نظرات عينيه معلقة خلفها تتناثر منها شرارات الغضب
: قولتلك اطلعي واقفلي عليكي يلا . .
و ما ان تحركت خطوة واحدة حتى توقفت امامهم سيارة ضخمه ينزل منها 3 اشخاص . . ليجذبها قصي خلف ظهره هامسا لها دون ملاحظتهم . .
: اركبي و اقفلي عليكي . . لو حصل ايه ما تفتحيش الباب . . دوري العربية وامشي . .
__________________________
تتسابق افكارهم . . الوقت يشكل لهم الآن عدو . . عليهم التغلب عليه . . تقطع السيارة الطريق امامهم كالشهب . . يحاول آدم الاتصال بها و لا مجيب . . رغم ما يتجسد بعينيه من خوف ، يمني نفسه انها بخير . . اما فاقد الروح جواره . . يتأمل صورتها الأخيرة في ظلام الطريق . . و المارد بداخله يثور . . يتوعد لمن أطفأ شمسه بالهلاك . . يضغط على اسنانه غضبا يكاد يسحقها . . هناك ألم ينهش داخله بنهم . . يريد الصراخ . . تهشيم رأس أحدهم . . ضمها بقوة داخل أحضانه . . شيء من هذا القبيل او ما شابه . . ليتنهد باحتراق يسأل آدم .
: فاضل كتير . . ؟
ليرد آدم يذدرد ريقه بقلق .
: لاء قربنا خلاص . .
زفر بنفاذ صبر عائدا مرة اخرى لصورتها و شروده وظلمة الطريق . .
_______________________
وققت كالصنم تتشبث بملابسه من الخلف بقوة . . تتسع عيونها بخوف ناظره اليهم . . جذبها سريعا يلقي بها إلى داخل السيارة مغلقا الباب جيدا . . نظرت اليه بلهفة خائفة تستند بكفيها على زجاج النافذة . . و من ثم لم ينظر اقترابهم أكثر ، بل توجه اليهم بثبات يلكم أحدهم لكمة قاسية ، و الآخر أسدى له ركلة عنيفة . . بينما يقف الثالث بتروي و هدوء مستندا إلى سيارته و كأنه ينتظر انتهاء العرض امامه . . استقام أحدهم من الأرض يباغت قصي بضربة رأس قوية . . ترنح آثرها لكن سرعان ما استعاد توازنه . . اصدر زمجرة بصوت عال لم تنكر نظراتهم انها دبت الرعب بداخلهم . . ليمسك كل منهم بذراعي قصي مقيدين حركته . . و الثالث يتقدم ناحيته بخطوات ثابتة . . ينظر اليه قصي بغضب يحاول دفعهم عنه والتحرر من قبضتهم ..  و هي تشاهد ما يحدث بدموع كالشلال تطرق الزجاج امامها بعجز وخوف . . أخرج الرجل من جيب سترته هاتف ما يتحدث إلى شاشته قائلا .
: تمام يا باشا مع سيادتك اهو . .
ثم وجه شاشة الهاتف نحو قصي . . اتسعت عينيه للحظة سرعان ما صرخ بغضب امام الهاتف تحترق انفاسه . . عندما رأى مراد يبتسم له بتشفى و ما ان صرخ حتى دوت ضحكاته خارجة من الهاتف باستمتاع متحدثا بسخرية .
: والله و وحشتني يا ابن الزيني . . اوعا تفكر انى شيلتك من دماغي . . مش هسيبك غير لما اخد اللي ليا عندك . . آه بالمناسبة ، في حاجه تخصك معايا . . هستناك تيجي تاخدها .
رد قصي بصوت كالجحيم و نبرة متوعده
: مش هسيبك . . مش هسيبك يا مراد لو روحت آخر الدنيا . .
: مستنيك . . مستنيك يا ابن الزيني
قالها مراد بنبرة متمنيه كمن يعد فخا ما للهدف ثم يثير إستفزازه للتقدم . .
هكذا فقط و انتهى الاتصال . . ليأخذ الرجل هاتفه يتجه نحو السيارة مشيرا لهم باتباعه . . دفع كل منهما قصي راكضين نحو سيارتهم لتنطلق كما لم يكن لها وجود . .
وقف ناظرا إلى أثرهم بشرود غاضب . . عينيه فوهة بركان . . انفاسه لهيب محترق . . نزلت من السيارة تتجه إليه باكية تمسك بين يديها علبة المناديل الورقية الخاصة بسيارته . . تنظر إلى تلك الدماء المتدفقة بغزارة من أنفه بأسف . . رفعت يديها بورقة منديل تسد بها نافورة الدماء تلك . . تتساقط دموعها قائلة بجزع
: مين دول . . و كانوا عايزين ايه منك . . ؟
صوتها الباكي اعاده من شروده المحترق . . و قد حازت هي على نظرة بركانية لم يكن يريد لها رؤيتها ..  أجفلت مبتعدة إلى الوراء تذدرد ريقها بخوف . . ليتركها متجها إلى السيارة و قبل ركوبه اهداها زعقة واحدة كانت كفيلة بجلوسها جواره في جزء من الثانية . .
: اركبي . .
يخفق قلبها بشدة لرؤيته هكذا . . لأول مرة تشعر بذلك الخوف تجاهه . . انطلق بالسيارة غير عابئا بتلك الدماء ، ليرى يديها ممتدة في الهواء بتردد تناوله عدة مناديل تشير نحو أنفه قائلة بصوت مختنق . . و ربما خائف . .
: في دم كتير . .
التقط ما بين يديها يسد انفه متنهدا بإنزعاج لذلك الخوف البادي في عيونها ، ظنت هي انه منزعج لتصرفها او لوجودها و ربما كان غير راغبا فيها بالمرة . . و يبدو ان حواء تلك اسنثناء . . حيث في جميع اوقاتها يفرض غبائها سطوته . .
__________________
انوار متراقصة . . مزامير و طبول . . زغاريد تشق مسامع البعيد و القريب . . عصى تتراقص بأيدي الرجال . . و أخرى تتبارز . . احصنه مزركشة تتراقص على انغام الفرح . . بينما بالداخل مجلس النساء . . بين ضحكات و مباركات و تهليل و رقص . . تقف فاطمة تصب ذلك المشروب الاحمر الخاص بالافراح في اكواب توزعهم على الحضور بكل فرح و حب . . بينما إحدى الجيران تسألها بفضول .
: اومال فينها بتك جمر يا اختي . . ما شايفهاش واصل . . ؟
لترد فاطمة بابتسامة حزن لم تستطيع اخفائها
: بعافية حبتين . . دلوجتي تلاقيها نازلة . . ؟
: عجبالها لما ربنا يعدلها و يفرحك بيها و تشوفيها في بيت العدل . .
قالتها السيدة منصرفة تاركة فاطمة في شرود حالم و شبه ابتسامة . . تتمنى رؤية ابنتها يوم زفاقها في ذلك الفستان الابيض كما تتمنى كل ام . . فاقت من شرودها على صوت إطلاق النيران يصدح خارجا معلنا عن وصول العروسين . . طلقات كان لصداها اثر وقوع صخور ما فوق رأس تلك الأميرة النائمة . . التي فقدت أمل الرجوع إلى الحياة بقبلة الحبيب . . او بالأحرى فقدت الحبيب نفسه . . استقامت بفزع و دموع ملئ عينيها تنظر من شرفة غرفتها المطلة على جميع انحاء الحديقة . . و بين قسوة الشعور و فقد القدرة على التعبير هي غارقة حد الإختناق . . لا وسيلة لإفراغ الألم سوى تلك الدموع النازفة . . و لا تجدي نفعا . . تراه ينزل امامها بشموخ يلتف حول السيارة ليخرج العروس من الناحية الأخرى . . ابتسمت بشرود . . حيث العروس تتقافز فرحا تتشيث برقبته غير عابئة بالحضور من حولها . . تهمس له قرب أذنيه " احبك كثيرا " . . اتسعت ابتسامتها اكثر . . حيث بادلها العريس بقوله " و انا ايضا أحبك كثيرا " ترى العروس هي . . و مع صفعة واقع هي بصدد قتله . . تغازرت دموع عينيها . . حيث العروس لم تكن سوى سارة . . مطرأه الرأس تنظر إلى اللا شيء بوجوم . . معالم وجهها غير مقرؤه . . يخطو بجانبها يحي من حوله في شبه ابتسامة مصطنعة . . جمع غفير يبتسم فرحا . . بينما قلوب تحترق من حولهم و لا يبالي . . جمع غفير . . وقف سالم و سارة بينهم حيث وصلة رقص ألأحصنة على انغام المزامير أمامهم . .
جمع غفير . . و زاوية فارغة احدهم يختبأ بها يمسك بين يديه سلاح ناري . .
جمع غفير و من بينهم لم يكن السلاح موجه لاحد سواه . .
يخطو فتتحرك فوهة السلاح نحوه وتتوقف حيث يقف . .
لا يراه غيرها . . تسارعت نبضاتها تخفق بعنف . . تتسع عيونها تشير بهلع . . لم تلفت انتباه احد . . تلهث بجنون و كأن شيئا ما بداخلها ينازع للخروج . . تردد اسمه بصمت . . توقف عن الحركة و توقف السلاح باتجاهه يقترب حامله بتركيز للتصويب . .
: ساااااالم . .
و عاد صوت العصفور يغرد . .
او يستغيث . .
لا يهم . .
تتنفس بصعوبة و دون ادراك منها لرجوع صوتها مرة أخرى إلى الحياة . . ركضت كمن تصارع الموت . . تنادي باسمه . . ركضت بلهفة . . فزع . . خوف . . انهيار . .
تنزل درجات السلم امام الجميع صارخة .
: سالم . .
تنظر اليها والدتها بفرحة عارمة لاستماع صوتها و دهشة مستغربة لركضها بفزع هكذا . .
خرجت من بوابة المنزل مهرولة تدفع الجميع امامها . . تحارب للوصول إليه . . تراه على مقربة منها . . تناديه فلا يستمع . . و مع دفعتها للشخص الأخير بينها و بينه كان انطلاق رصاصة من بين باقي الرصاصات . . لكنها تختلف . .
رصاصة توقف كل شيء بعدها . .
رصاصة حلت عقدة لسانها و قلبه . .
نظر امامه و حوله بعيون متسعة هلعا . . و هي بين يديه تغرق دمائها ملابسه . . تنظر اليه و تبتسم . . تناديه بخفوت . .
: سا ..س..سالم . .
تكاد عينيه تخرج عن محجرهما . . يصرخ قلبه و قد تحطمت اسوار حصنه . . ذلك الحاجز الذي كان يمنعه عن رؤية ساكنه . . و نبرته هو عدم تصديق . . إنكار . . انها بين يديه تلفظ آخر انفاسها . . يمر امامها الآن شريط حياتها . . و أمامه . . تفقد هي الحياة و هو يفقدها . . و كلاهما موت . . أتت والدتها مهرولة تجثو ارضا صارخة .
: بتي . . حبيبتي . . بتي . .
ابتسمت بشحوب تنظر إلى عينيه ترفع يديها تتحسس وجنته . . اغمضت عينيها باسترخاء . . سقطت يديها أرضا و سقط معها قلبه نحو هاوية الجحيم بلا رجوع . .
و مازالت افكاره . . نظرته . . انفاسه . . و كل حواسه تنكر ما يراه امامه . . تنكر فقدها . . نظر حوله بتيه . . سارة تقف بعيون متسعة فاقدة للشعور بمن حولها وكانها تمثال من الشمع . . و الدتها تصرخ باكية تلطم وجهها حاملة تراب الأرض إلى رأسها . . وعى اخيرا كونه يغرق الآن بدمائها . . نظر اليها و دموع متتالية تتساقط من عينيه لاول مرة بحياته . . ضمها بقوة نحو قلبه . . و صرخة ذبيحه مدوية شقت سكون الكون من حوله . .
: جمر . .
صرخة بدت كلحن موت ايقظ الطيور النائمة بأعشاشها في سلام . . صرخة بكت لها نجوم السماء . . حيث غاب القمر . . تاركا جفاء الارض . .و ظلمة السماء . . إلى مكان طالما كان يستحقه . .
_____________________



__________

هرولة . . صراخ . . دموع . . استغاثات . . و جسد بلا روح تتسع عيونه بهلع يحمل قلبه بين يديه راكضا . . انفاسه كالجليد . . بينما فؤاده يحترق . . جميع حواسه تتعلق بأمل كلمة صدرت من أحدهم بأنها لاتزال على قيد الحياة . . افكاره تقايضه . . محدثا نفسه . . أن تبقى . . أن تبقى و فقط . . و يرحل الجميع . . كل شيء . . هو ذاته اذا تطلب الأمر . . اتى الطبيب بخطوات راكضه يشير اليه نحو السرير بداخل غرفة الحالات الطارئة . . مددها سالم تتبعه فاطمه باكية . . تأتي من خلفها سارة و نظرة عدم التصديق مازالت باقية بعينيها . . و الجدة تنوح مولولة تجرها ام السعد بكرسيها المتحرك . . وقفوا جميعهم خارج الغرفة بعدما زعق فيهم الطبيب بالخروج . . لتنوح فاطمة باكية تلطم وجهها قائلة .
: بتي . . بتي اللي ماحلتيش غيرها . . مالحجتش افرح برجوعها تتكلم من تاني ما صدجتش نفسي لما سمعت صوتها . .
ثم تتسع عينيها بزهول و نظرة جنون تردف بنبرة متسائلة .
: تروح مني . . ؟ تروح مني اكده في غمضة عين . . ؟ليه  ، ليه . . ؟
و سريعا تتجه سارة ناحيتها تحاول تهدئتها قائلة و ذلك الجمود قد سكن معالم وجهها لكنها حانية النبرة . .
: ما تخافيش . . هتبقى كويسه . .
توطدت علاقتها بقمر بعض الشيء في الآونة الأخيرة . . لكن جمود ما قد تمكن من مشاعرها ككل . . اذدردت ريقها تنظر بكره شديد إلى ذلك الذي في عالم آخر غير عالمهم تعجز عن تفسير حالة الذعر التي يبدو عليها . . معللة عدم ثبوت ما يدل على وجود تلك المشاعر الانسانية بداخله . . بينما هو . . خارج نطاق الوجود . . عازل ما يعزل عنه السمع و البصر . . ينظر فقط إلي دمائها بين يديه . . تلك الدماء التي فرضت حمرتها بسخاء فوق بياض عبائته . . فوهة زمنيه القت به في مكان خال لاوجود فيه لغيره و تلك الدماء . . أجفل على فتح باب الغرفة و خروج الطبيب . . ليلتف الجميع حولة بلهفة و ترقب للإطمئنان عليها . . تحدث الطبيب قائلا . .
: الحمد لله ربنا ستر . . الرصاصة جت في تجويف الصدر ما بين القلب و الرئة اليسرى بدون ما تخترق مكان حيوي . .
أطلقت الأنفاس المحبوسة . . عادت قلوبهم تنبض من جديد . . بين حمد و ثناء و سجود شكر من فاطمة . . ليردف الطبيب آسفا .
: لكن لسه في حطورة شديدة على حياتها لانها فقدت كمية دم كتيرة جدا و احتمال نحتاج متبرع . . اتجه سالم نحو الطبيب مباشرة بلهفة . . عيونه تلتمع بالدموع قائلا .
: خد مني اللي انت عايزه يا دكتور . . بس تجوم . . تفضل عايشة . .
و تتحدث فاطمة بقلب ام ملتاع .
: و اني . . و اني يا دكتور . . خدو مني جلبي و بتي تعيش . .
تحدث الطبيب يهم بالمغادره قائلا .
: بإذن الله خير . . هتدخل عمليات دلوقت . . اتفضلوا حضراتكم عشان نختبر العينات . .
و ما ان انهى حديثه حتى خرجت ممددة على ذلك السرير النقال شاحبة الوجه بلا حراك . . يتجه بها كلا من الطبيب و بعض افراد التمريض نحو غرفة العمليات . . ترك روحه معلقة بجسدها الواهي يتحرك بالاتجاه المعاكس ترافقه فاطمة لاختبار عينة الدماء . . بينما هي تحيطها هالة داكنه من الاستنكار . . تلك اللهفة . . الدموع بعينيه . . لم تراها من قبل . . تحمل نفس صفة القرابة بالنسبة له . . كيف له التبدل بشخص آخر يحمل تلك المشاعر الإنسانية بعكس ظلمه وقسوته معها . .
______________________
صمت تام يضفي سطوته بينهم . . تغتلس هي بعض النظرات نحوه في ريبة . . بينما هو جامد الملامح . . حاد النظرة . . يحلل بدقة شديدة حديث مراد الموجه إليه عبر تلك المكالمة منذ قليل  . .
: لو سمحت ممكن تفتح تليفونك . . ؟ زمانهم قلقانين علينا . .
قالتها حياة بنبرة ناعمة متوترة . .
نقل نظراته اليها حانقا . . سرعان ما ابعد عنها نظراته عندما لمح بعينيها بعض الخوف الذي تحاول جاهده اخفائه بفشل . . التقط هاتفه يضغط على زر الغاء القفل ثم وضعه مرة اخرى و ما ان تركه من بين يديه حتى اخذ الهاتف بالإهتزاز معلنا عن تلقي مكالمة ما . . فتحه بمكانه ضاغطا على زر مكبر الصوت ليصل إلى مسامعهم صوت منصور الهادر بغضب اتسعت له عيون حياة يخفق قلبها بعنف . .
: انت فين بكلمك من الصبح . . ؟
تنهد قصي بنفاذ صبر  . . لكنه استطاع التحكم بنبرة صوته يرد بهدوء . .
: انا في الطريق . .
ثم نظر نحوها يكمل بنبرة ممتعضة .
: بوصل المدام . . و التليفون كان فاصل
نظرت له بزهول لجرئته و حزن داخلي من طريقته في الحديث . . تعجز كل العجز عن تفسير ردوده و افعاله . .
تشعر و كأنه لا يرغب بوجودها . . ليأتيه صوت منصور من خلال الهاتف و قد هدأ قليلا قائلا .
: ناهد هربت من المستشفى . .
شهقت هي بفزع . . بينما هو لايزال على جموده غير مبديا ردة فعل واحده لمشاعره الغاضبه ، فقط شرد بتفكير للحظات . . ليرد قائلا بثبات .
: دقايق و اوصل عندك . .
: انا في الفيلا عندك مع حنان مش في البيت . .
اجابه قصي
: تمام . . هوصلها و اجيلك . .
اتسعت عينيها على آخرهما تتجمد أطرافها تكاد تبكي من فرط الإحراج . . عندما تحدث منصور عبر الهاتف مندفعا بنهي ثم أخفض من نبرته قليلا قائلا .
: لاء . . ما تسيبهاش في البيت لوحدها . .
تسارعت خفقاتها أكثر تتمنى ان يصمت . . ان لا يخبره . . اطال قصي النظر بتركيز تام إلى عينيها التي على وشك طرد تلك الدموع و لفظها خارجا . . ليسأله بفضول و مازالت نظراته  معلقة بعينيها . .
: ليه . . ؟
: عندها رهاب . . بتخاف تقعد لوحدها . .
أغمضت عينيها تضغط على أسنانها بقوة . . اضطهاض نظرته لها . . و شعورها بالقهر لعلمه بأعظم مخاوفها . . كان كافيا بالسماح لعينيها بفك أسر دموعها . .
: تمام . . هجيبها معايا . .
قالها و قد تأكد من تلك الشكوك التي تنتابه عندما يراها على تلك الحالة المزرية . . ليتحدث منصور سريعا
: خليك معاها و انا جاي . .
انهى المكالمة . . نظر اليها وجدها تنظر إلى الجهة الأخرى تضغط على يديها بشدة يبدو انها تبكي . . انزعج بشدة . . و للمرة التي لا يعلم عددها . . اراد احتضانها بقوة  .. ادرك تماما الآن ان ذلك الرهاب نتيجة لعتمة ما مرت بها صغيرته . .
______________________________



وقف آدم بسيارته داخل البلدة يسئل أحد الماره عن منزل عائلة حافظ . . فرد الرجل يجيبه بأسى و اسف يحوقل ضاربا كفا بكف . . مما اثار دهشة حمزة ، وصف لهم الطريق ثم استرد قائلا .
: بس ما هتلاجيش حد من اهل البيت هناك . .
نظر آدم إلى حمزة بتوجس قلق ليلتقط حمزة نظراته محدثا نفسه . . ترى لم يأتي بها إلى هنا و مازال بالقاهرة . . ؟ . . لتتسع عينيه فجأه يقع قلبه في في أخمص قدميه خافقا بعنف عندما اردف الرجل قائلا .
: كلاتهم راحو المستشفى  . . كان فرح سالم بيه انهارده . . و عيجولو بت عمه اتضربت بالنار . .
نظر آدم إلى الرجل و شعور ما يعتصر قلبه . . ليتحدث حمزة و قد حضرت شياطين غضبه تتلاعب بأفكاره بين يديها . .
: مستشفى ايه . . ؟
____________________
وقفت امام غرفة العمليات تدعي القوة . . تتصنع اللامبالا فلم يعد لها شيء إطلاقا لتخسره  . . بينما ذلك النابض بداخلها يرتجف خوفا على ساكنه . . يتوقف . . يختبر الموت في كل لحظة تتذكر فيها تهديد سالم لها بقتله ما ان حاولت الهروب . . شعرت بالقهر يقيدها ان تظل بهذا الجحيم . . لن تستطيع البقاء . . و لا تملك خيار الفرار . . استمعت إلى صوت الأخير زاعقا ثائرا بغضب و توسلات فاطمة الباكية . . تأتي من آخر الرواق . . توجهت ناحية ضجة اصواتهم بخطوات رتيبة . . فوجدت سالم يمسك بتلابيب شخص ما يهزه بعنف صارخا بجنون .
: يعني ايه . . يعني ايه اللي عتجوله ده . . ؟
ليتحدث الرجل بين يديه بصبر تقديرا لخطورة حالتهم . .
: يا افندم  فصيلة دم حضرتك مختلفة عن فصيلة المصابة .
ردت فاطمة بلهفة و استجداء .
: اني امها يا ابني . . خدو اللي انتوا عايزينه مني
: ما ينفعش يا حاجه . . حضرتك مريضة بمرض مزمن يمنع التبرع . .
ضربت فاطمة على فخذيها بقلة حيلة باكية . . و هم هو بتعنيف الطبيب بين يديه اكثر ليوقف ثلاثتهم صوت سارة ثابتا بجمود .
: انا هتبرع ، لو ينفع . . ؟
تخلص الطبيب من قبضة سالم حول ملابسه يشير اليها لسحب العينة . . و الأخير مازال على وضعيته و كأن الطبيب يقف بين يديه ، تتعلق عينيه بها بزهول شارد . .
بينما هي وقفت بعدما دخل الطبيب ليختبر توافق الفصيلة  تتجاهل النظر اليه كرها . .
بعد دقائق خرج الطبيب يبشرهم بخطوات متسارعة قائلا .
: نفس الفصيلة ، المصابة في خطر و ما فيش وقت هنضطر ندخلك مع الحالة العمليات نقل الدم هيبقى مباشر بينك و بينها . .
ابتهجت الأم تلتقط كف سارة مقبلة اياه قائلة ببكاء
: احمدك يارب و اشكر فضلك ، يدك احب عليها يا بتي . .
سحبت سارة يديها سريعا مربتة على كتفها بشبه ابتسام . . لاح بعينيها نظرة تردد . . ألم ما تجسد داخل حدقتيها بارتعاش . . لتبتلع غصة مريرة ترمش بأهدابها في توتر و إيمائة موافقة تليها خطواتها المتسارعة خلف الطبيب نحو الباب الخاص بدخول الأطباء إلى غرفة العمليات . .
نظر في أثرها بشرود مفكر . . و انتباهة متأخرة لتضائل قيمته داخل نفسه . . دنو مبادئه و ما اصبح عليه من حقارة . .
_____________
بعد مرور ساعة تقريبا . .
توقفت السيارة امام الباب الرئيسي للمشفى لينزل منها كل من آدم و حمزة بلهفة و تسارع ، و كان للأخير أسبقية الوصول امام الرواق المؤدي لغرفة العمليات ، أظلمت عينيه . . تتسابق خطواته . . انفاسه . . نبضاته . . نيران تدفعه راكضا بقوة صاروخية . . عندما رآه واقفا بنهاية الرواق . . انقض يسحق معالم وجهه تحت لكمات من قبضة كالحديد  . . دون انذار . . دون تريث . . و من بين لكماته يزمجر صارخا بصوت كالجحيم  .
: عملت فيها ايه يا *** يابن ال*** عملت فيها اييييه ؟
تولول فاطمة بإستغاثة . . بينما الجدة تحدق فيهما بصمت . . حمله آدم من الخلف ينهره قائلا بغضب
: مش كده يا حمزة . . انت اتجننت . . ؟ اصبر لما نتطمن على سارة . . استنى بره دلوقت . .
استقام سالم محاولا الاتزان يتحسس تلك الدماء الغزيرة التي اخذت تتدفق كالشلال من جميع الجهات بوجهه . . علم هويته سريعا . . التفت له آدم يدفعه دفعة عنيفة بصدره ترنح سالم أثرها خطوات للوراء . . نظر له بغضب مستعر متحدثا بحده بما جعل سالم يذدرد ريقه متسع العينين بصدمة . .
: اوعى تفكر انك هتقدر تفلت مني بعملتك السودة . . او اني هسيبك في حالك . . قسما عظما لهاخد حق اختي منك تالت و متلت . . بس اطمن عليها الأول . .
عيون الجميع تتسائل بعدم فهم ( من اخته ؟ ) ليتذكر هو ما يخفيه خلف باب خزانته في سبيل الحقد و الطمع . .
هم حمزة بمهاجمته مرة أخرى عندما اطال الصمت ليدفعه آدم خارج الرواق يستجديه بالانتظار خارجا يعده بالخروج سريعا إليه . . دخل يقف امامهم ، ينظر إلى سالم بغضب و احتقار . . ليتحدث بما جعل عيون كل من الجده و فاطمه تتسع بصدمة و عدم تصديق
: انا آدم فؤاد حافظ . . ابن فؤاد حافظ الله يرحمه . . و اخو سارة فؤاد حافظ . .
شهقت الجدة تضع يديها على صدرها موضع القلب . . فاطمة في حالة زهول تام . . اما هو . . انكسرت نظرته أرضا . . لم يستطيع رفعها امام وجهه . . صرخ آدم فيه بغضب أعمى مما جعل فاطمة ترد سريعا .
: اختي فين . . ؟
: جوه في العمليات يا ولدي . . مع بتي . .
اندفع يمسك سالم من تلابيبه صارخا .
: لو جرالها حاجه هموتك . . حصلها ايه انطق . . ؟
____________________
بينما خارجا . .
تحترق الأرض تحت خطواته الغاضبة ذهابا و إيابا . . معالم وجهه في حالة اشتعال شيطاني ، رغبة شديدة تلح عليه بالفتك به  . . شرارات نارية تتناثر من عينيه رغم ظلمتها . . و بنظرة جانبية ابتهج داخله لرؤيتها سالمة امامه . . تخطو بتروي تمسك ذراعها بألم . . يبدو عليها الانهاك . . اسرع راكضا نحوها بلهفة عندما اختل توازنها . . اسند ذراعها بكلتا يديه تتسع عينيه يسألها بخوف عندما لاحظ شحوب بشرتها .
: سارة انتي كويسه . . ؟
دوار . . كانت تشعر بدوار بسيط ، الآن هي بصدد عاصفة . . نظرت امامها تنكر اذنيها الاستماع إلى صوته . . التفت تنظر بجانب عينيها نحو وجهه . . لتتسع عينيها بخوف ما ان رأته . . خفقاتها تكاد تسمعها اذنيها تزلزل انفاسها . . دفعته تلتصق بالحائط خلفها تنظر حولها بفزع و كأنها تبحث عن أحد ما . . يناظرها هو بدهشة لردة فعلها . . يعلو صدرها و يهبط تتنفس الصعداء لتسأله .
: انت ايه اللي جابك . . جيت هنا ازاي . . ؟
: جيت أخدك . . يالا نمشي من هنا . .
قالها بدناميكية امر واقع . . مفترض . . جذب يديها خارجا ليتفاجأ بها تنفض يديه بعنف تتحدث بحدة
: تاخد مين و نمشي ايه ؟ . . انت اتجننت . . ؟
و الصدمة تتجسد بنظراته إليها . . اما هي وجدت ثغرة ما للحفاظ على حياته . . لرحيله عنها للأبد ربما . . همسة متسائلة خرجت منه بكلمة واحدة  .
: سارة . . ؟
فرصة لن تمررها من بين يديها . . ستضغط على قلبها حد الاختناق . . الموت . . و ستكون ممتنة . .
: انا متجوزة دلوقتي يا دكتور حمزة اللي انت بتعمله ده ما يصحش . .
صفعة مدوية ألمت به . . نظر لها بألم . . بعدم فهم يسألها بفضول .
: متجوزة . . ؟ امته و ازاي . . ؟
ابتلعت غصة ما تتمنى رحيله الآن . . و للعبث . . تمنت بشدة الذهاب برفقته . . أجابته ببرود مصطنع تاركه اياه .
: ده شيء ما يخصكش . . عن إذنك . .
اخذت افكاره تتسائل . . هل انتهى الأمر الآن . . ؟ هكذا فقط و ترحل . . ؟
قبض على مرفقها بعنف يلفها إليه . . و قد حازت أفكاره على اجابة . . و كانت مرضيه . . مرضية حد الإشتعال . . حيث نظر إليها بشرارات غضب مشتعل لا يحرق سواه . . يضغط على اسنانه بغيظ قائلا
: و اما جيتي لحد بيتي كان شيء يخصني . . ؟ . . لما حكيتي لجدتي عن اللي حصلك و الجريمة اللي أبن عمك عملها كان شيء يخصني . . ؟ . . مش انتي اللي تحددي . . لان انتي نفسك بقيتي شيء يخصني
اغمضت عينيها بألم . . تحاول استعاد ثباتها . . ثم فتحتها تنظر جانبه في محاولة للتهرب من نظراته خلاياها . . قلبها . . جميع حواسها . . تحترق . . و يبدو انه سينال قدرا لا بأس به من الاحتراق . . تصنعت البرود تنظر في جميع الاتجاهات عدا عينيه . . تبتلع غصة قاتلة بمثابة سم ما . . ترد بصوت مرتعش . .
: ما عملش جريمه . . كان بموافقتي  . . و لما ندمت مشيت و رجعت و اتجوزنا . .
ارادت انقاذ حياته من رصاصة قاتلة . . فأجادت نحر قلبه بكلماتها . . استرخت معالم وجهه . . اظلمت . . بينما ما يشعر به  . . موت . . ألم بمثابة موت لا شيء آخر . . تركها يحدق فيها للحظات . . رفعت نظراتها ببطء لتنظر إليه . . لو كان فقط أباح لعينيها لقاء نظراته لعلم على الفور انها كاذبة . . فقبل ان تتقابل نظراتها بخاصته ، كان كفه في مقابلة قاسية مع وجهها . . صفعة قوية . . حادة . . صفعة كانت كختم انتهاء طلب ما . . صفعة بقدر احتراق وجنتها ألما . . اراحت قلبها تجاهه . . الآن فقط سيكون بمأمن . . تحترق انفاسه ينظر إليها باحتقار . . قبض على خصلات شعرها بقسوة يجرها خلفه متجها بها نحو رواق غرفة العمليات . . تفقد القدرة على المثابرة . . فتسقط و يرفعها هو جاذبا خصلات شعرها بعنف يكاد يقتلعه من جذوره حتى وقف امامهم دافعا إياها أرضا . . و تتألم هي بصمت . . نظرة تفاجئ من الجميع قابلها هو ببصقة . .
اتسعت عيني آدم بجنون يساعدها على الوقوف صارخا
: حمزة . . انت اتجننت . . ؟
ابتسم بسخرية قائلا .
:اختك ال***** اهي . . مش عايز اعرفها و لا اعرفك . .
قالها بوجه ساخر . . ثم خرج بقلب نازف
و مع نزول اول دمعة لها سقطت بين يدي آدم فاقدة للوعي بجسد كالثلج . .
وصل قصي بسيارته امام منزل منصور بعد مدة قصيرة . . نزلت حياة سريعا ما ان توقفت السيارة تتجه نحو باب المنزل . . تبعها إلى الداخل بعدما صف سيارته بابتسامة مراوغة تاركا باب المنزل مفتوحا . .
. . دخلت إلى المنزل مجاهدة في حبس تلك الدموع و عدم إظهارها ، ما ان همت في صعود الدرج المؤدي إلى غرفتها حتى توترت جميع حواسها عندما تحدث قصي قائلا بمكر .
: انتي هتسيبيني اقعد لوحدي . . ؟
" و نبرته تلومها حيث عليها ان تقوم بواجب الضيافة " . . التفتت ترفرف اهدابها بتوتر . . رغم ان المنزل يعد منزله . . إلا ان قواعد الزوق تحتم عليها مضايفته . . همت بالاقتراب جالسه حتى باغتها قائلا بنبرة ذات مغزى في تأثر و أسف مصطنع يحاول كبح جماح ابتسامته .
: انا كمان ساعات بخاف اقعد لوحدي . .
نظرت له بغيظ ضاغطة على شفتيها . . و ليذهب واجب الضيافة برفقة قواعد الزوق إلى الجحيم . . ربعت يديها قائلة تتصنع الثقة . .
: انا مش بخاف اقعد لوحدي . . خالو مكبر الموضوع عشان بيقلق عليا بس . .
نظرت جانبا بغضب عندما نظر اليها بعدم تصديق في نظرة مفادها " حقا ؟ " . .
: مضايقة عشان عرفت نقطة ضعفك . . ؟
نظرت إليه تزفر بحنق . . تتمنى قدوم خالها سريعا ترد معانده .
: انا ماليش نقطة ضعف . .
تعلم و يعلم انها كاذبة . .
ابتسم رافعا حاجبه الأيسر مشيرا برأسه نحو باب المنزل المفتوح قائلا بتحدي .
: يعني لو إستغلتها دلوقتي ، مش هتخافي . . ؟
اذدردت لعابها بخوف تجسد في اهتزاز  حدقتيها . . تسارعت خفقاتها تتنفس سريعا ما ان خطا قصي ببطء نحو باب المنزل , تتحدث افكارها ذعرا . ." لن يترككِ . . لن يستطيع "
خطوة واحدة فقط و يصبح خارجا ، و ذعرا تحثها الأفكار من جديد . . فقط ان تتوسله البقاء . . انكمشت معالم وجهها بخوف في بكاء طفولي . . لتتفاجأ به يخالف توقعاتها " كما هو دائما " . . تنظر اليه بترقب و عدم فهم . . و يبدو انها ستختبر خوفا من نوع آخر . . حيث اغلق باب المنزل موصدا اياه من الداخل . . يلتفت إليها بتعابير وجه مبهمة و نظرة غامضة لم تستطيع تفسيرها . . يتقدم نحوها ببطء ليدب فيها الخوف مسيطرا على جميع خلاياها . .
___________________________________
تأهب الجميع بقلب خائف مرتجف لحظة خروج الطبيب من غرفة العمليات . . الجميع عاداه . . حيث توقف قلبه عن النبض و لم يلبث في استعادة نبضاته حتى تحدث الطبيب قائلا بانهاك
: الحمد لله . . جميع اعضائها في نشاطها الحيوي الطبيعي ، فقدت دم كتير جدا و لولا وجود متبرع كان زماننا فقدناها . . حمدالله على سلامتها
انهي الطبيب حديثه ذاهبا بينما فاطمة تتمتم بين حمدا و ثناء . . تنفست الجده الصعداء ببال منشغل بما حدث منذ قليل ، ناظره إلى سالم تنهره بعتاب . . بينما روحه . . انفاسه . . نظراته عالقة بملاكه النائم على ذلك السرير النقال يتقدم نحوه شيئا فشيئا . . يتنهد بارتياح لسلامتها يريد فقط رؤية وجهها و يعوق رؤيته ذلك الجهاز الخاص بالتنفس يشغل معظم ملامحها . . وجنان عينيها تغلق امامه ابوابها في سكون . . مرت من امامه ليذهب بخطوات خلفها دون ادراك . . فتفاجئ بجدته توقفه ممسكة بمرفقه تتحدث بحزم جاف رغم الكبر لايزال صوتها يملك هيبة التهذيب قائلة .
: استنى عندك يا ولدي . . ما انتش منجول من اهنه غير لما اعرف ايه اللي بيحصل ما اعرفوش . . في عينك كلام رايده اسمعه  . .
نظرت إلى فاطمة مردفة
: فاطمة . . همي ويا بتك خليكي جارها . .
و اشارت لام السعد التي بدا عليها الخوف و الارتباك باتباع فاطمة . . نظرت اليه تستكمل حديثها
: اجعد يا ولدي . . عاوزة اعرف كل حاجه و يستحسن تجولي بنفسك . . عملت ايه يا ولدي . . ؟
جلس سالم على المقعد جوارها يذدرد ريقه بخزي يبرر بعصبية قائلا .
: اني حافظت على ورث ابوي و جدي . . اللي بنوه طول حياتهم و تعبو فيه لاجل يبجالنا جيمه و كلمه وسط كبارات البلد . . مش عشان تاجي بت مفعوصة تكوش على كل حاجه و تضيع اسم و هيبة بجالها سنين . .
ضيقت الجده عينيها تنظر اليه بشك قائلة بتروي .
: فرطت في ايه بالمجابل يا ولدي . . ؟ عشان تحافظ على الورث ضحيت بايه . . ؟
نظر اليها للحظات ثم اذدرد ريقه ينظر ارضا قائلا  يتصنع عدم الشعور بالأسف .
: اني اتجوزتها خلاص يا جدتي ما عادش له لازمه الحدي . .
صفعة قاطعت حديثه بغتة . . صفعة رغم وهن اليد و تجاعيد بشرتها . . ألمته . . اصابت رجولته في الصميم نظر اليها يضيق ما بين حاجبيه بغضب لترد الجدة بدموع عينيها و نبرة لوم و زهول . .
: فرطت في عرضك يا ابن زياد . . فرطت في عرضك يا ابن ابني . . كيف . . ؟ و بت عمك ..  ؟ كيف جدرت كيف ؟
و الأخيرة خرجت منها بقهر يعادل سنوات عمرها . . ليستقيم سالم تنتفخ اوداجه زاعقا .
: كنت عايزاني اعمل ايه . . اشوف عيلة مفعوصة بتبعتر شجانا و ارضنا على كيفها . . و لا كنت جعدت كيف الحريم ايدي على خدي و استنيت المحروس أخوها لما يظهر و يكوش على كل حاجه . . كنتي عايزه ايه . . ؟
نظرت له بزهول و عدم تصديق قائلة .
: كنت تعرف . . ؟ تعرف انه واد عمك و ساكت . . ؟
تحولت نظراتها إلى نظرات امتعاض عندما نظر جانبا يعض شفتيه بغضب مردفه .
: فرجت ايه دلوجتي انت عن الحريم . . ؟ الحريم طلعت أصيله عنيك يا ولدي . . و العيلة اللي جنيت عليها هي نجت بتنا من الموت . .
نظر اليها بشرود يبلع لعابه لتردف بحزن و نظرة ساخرة
: زمان . . بعد جدك ما مات ابوك كان هيبيع ارضنا للغريب عشان يرمح ورا الغوازي . . اللي وجف جصاده عمك فؤاد . . ولدي . . منعه من بيعها و لما ابوك ركب راسه و صمم يبيع جاله اشتريها منيك . . و لا ان الغريب يدوس ارض ابوي . . جال جمله ياولدي لساتني فاكراها لكن ما فهمتهاش وجتها . . جاله ( الأرض . . كيف العرض . . واني ما رايدش افرط في الاتنين . . ) ما كنتش اعرف وجتها يجصد ايه . .
امتلئت عينيه بالدموع ينظر إلى جدته بندم لتستكمل الجدة ببكاء تنحي رأسها بعيدا عنه قائلة .
: بعد عن وشي . . بعد . . ما عيزاش اشوفك . . ما عيزاش . . جلبي و ربي غضبانين عليك . .
ذهب سالم من امامها و أخذت هي تردد آخر جملةلها ببكاء حارق . .
___________________
تمددت امامه في استرخاء . . جلس جوارها يملس على منابت شعرها السوداء برفق . . و حب . . حب نادر . . فريد من نوعه . . اسمى علاقة على وجه الأرض . . تلك التي لا حدود فيها للعطاء . . فقط نبذل ما بوسعنا لينال كل شق مننا سعادته . . يبتسم بحزن . . رآها فقط مرات معدودة . . و مع ذلك يشعر نحوها بعاطفة ابويه جامحه . . و كأنها عطية القدر . . راحة عجيبة يشعر بها جوارها . . سكن . .
وقف سالم امام باب الغرفة ينظر اليهما بمعالم وجه غير مقروءه . . التفت آدم عندما لاحظ حركة بجوار الباب . . تبدلت ابتسامته بنظرة مظلمه . . تحولت معالم وجهه إلى شراسة يصك اسنانه ببعضها . . و مع اول خطوة له داخل الغرفة كان هو كشعلة منطلقه . . دفعة بركانيه اطاحت بسالم إلى خارج الغرفة يضع مرفقه امام رقبة سالم في وضع الإختناق . . يتحدث من بين اسنانه بغضب .
: مش هقولك ما تلمسهاش و ما تأذيهاش . . لاء . . المكان اللي هي فيه . . رجلك ما تعتبوش . . و لا انا  و لا هي عايزين نشوف و شك ال *** ده . . سامعني
كانت كلمته الأخيرة بنبرة صارخه . . استيقظت أثرها تلك النائمة بالداخل لتتفاجا بخرطوم ما رفيع شفاف يتصل بسائل معلق جوارها يمر من خلاله وصولا إلى وريدها مباشرة . . و يبدو لها ان احدهم يتشاجر خارجا . . استقامت تنزع ذلك الخرطوم من يديها تتجه إلى خارج الغرفة بلهفة خائفة . . ظنا منها ان حمزة مازال بالمشفى و تلك الجلبة نتيجه شجاره و سالم . . بينما خارجا . .
دفعه سالم بصدره يرفع رأسه قائلا بتبجح
: سارة مرتي . . اشوفها و ادخلها كيف ما احب و وجت ما احب .
تستند هي بجوار الباب ترى سالم يقف قبالتها لكنه لا يراها . . و شخص آخر يوليها ظهره مستديرا . . لا يشبه حمزة فذلك هيئته اضخم . . لا تستطيع تحديد هويته . .
ابتسم ادم ابتسامة باردة يقترب ببطء حتى وقف امامه مباشرة ينظر إلى عينيه قائلا بصوت قد وصل إلى مسامعها كصاعق كهربائي . . غير مميت . . بل ذلك الصاعق الذي يعيد النبضات . . يعيد الحياة . . عندما تحدث آدم قائلا بتقطع و تروي .
: و انا بقولك . . رجلك . . ما تعتبش المكان . . اللي اختي فيه .
و المقطع الأخير تحول فيه التروي إلى صرخه تزين نهايتها ضربة رأس منه إلى منتصف وجه سالم . .
ترنح للوراء يحاول الاستناد إلى الحائط خلفه فيفقد توازنه ساقطا ممسكا بوجهه في ألم و دوار . .
و تلك الواقفة خلفهم متسعة العينين بزهول تضع يديها على فمها بصدمة . . تتسارع خفقاتها . . نظرتها له تشبث . . مناداة . . تطرح افكارها مئات التسائلات . . لم يكتفي آدم . . ليتقدم منه جاذبا اياه من تلابيب ملابسه الى أعلى يتمايل امامه آثر الضربة . . اردف آدم قائلا بحدة امام وجهه و شرارات الغضب تتناثر من عينيه . . يبتسم بشر ساخرا
: اوعى تكون مفكر اني خواجه يا روح امك و هسكتلك . . لاء فوق . .
اختفت الابتسامة مردفا باشتعال .
: حق اختي مش هسيبه . . و حقي عندك مش هسيبه . . و ما بتكلمش على الورث لاء . . حق سارة هجيبهولها و هتدفع تمنه . . و حقي في غلطك مع اختي . . ده اللي انت مش هتقدر تدفع تمنه . .
و ضربة اخرى بركبته اصابت بطن سالم لينحني إلى الأمام متألما . . دفعه آدم بعنف يستدير عائدا نحو الغرفة . . فتفاجأ بها تقف جوار الباب في حالة من الصمت و الزهول . . تتعلق نظراتها به متسعة العينين و كأنها في واد آخر . . تتساقط قطرات الدماء من يديها أرضا عبر ذلك الجزء البلاستيكي الموصل بوريدها . . ليلتقط يديها سريعا عائدا بها إلى الداخل يجلسها معيدا السائل عبر الخرطوم إلى وريدها قائلا بنبرة حانية تتعاكس تماما مع ذلك البركان الذي ابرح سالم ضربا خارجا قائلا .
: انتي ايه اللي قومك . . ؟ حد يشيل الكالونا كده . . ؟
و مازالت هي على حالتها . . تنظر إليه غارقة فقط في كلمة " اختي " انتهي ينظر اليها بابتسامة هادئة  .. و نظرة لم ترى لها مثيل . . لكنها تعلمها . . تعرفت عليها سريعا . . تلك النظرة التي كانت تنتظرها . . تتمنها . . تراها دائما فقط بالأحلام . . نظرة بمثابة احتواء . . احتضان . . تشبث . . تحدث قائلا
: عارف انك مستغربة . . بس دي الحقيقة اللي انا نفسي إتفاجئت بيها اول مرة سمعت فيها اسمك . . جلس جوارها ينظر امامه و هي تحدق به و بمعالم وجهه ليقص على مسامعها ما حدث له منذ طفولته مرورا بوفاة والدته و اكتشاف الحقائق . . حتى وصوله مصر بحثا عن ابيه . . شلالات متدفقه من الدموع تجري متساقطة فوق وجنتيها كينبوع الماء الصافي . . التفت إليها يبتسم بحزن يحتضن وجهها بين يديه يمسح دموعها بإبهاميه و تنظر هي اليه بعدم تصديق . . ليستكمل حديثه قائلا
: و اتكعبلت فيكي صدفه و انا بتعاقد مع شركه المنياوي عشان المشروع بتاعي . .
تنهد جاذبا اياها داخل صدره يحتضنها قائلا
: ما تعيطيش . . مش عايز اشوف دموعك دي تاني . .
اراد ابعادها ليكمل حديثه فتفاجأ بها تتشبث بأحضانه بقوة تشبث غارق ما بطوق نجاة . . نظر اليها بقلق ليشد من احتضانها إليه أكثر مردفا .
: ما تخافيش . . مش عايزك تخافي انا جمبك . .
و هي ترتجف بين يديه تهتز بعنف مازالت على تشبثها به . . ليناديها بقلق و خوف .
: سارة . . ؟ سارة اهدي . .
و تهمم داخل احضانه . . تأن . . و كأنها تشكو اليه . . ثم تنفجر في البكاء . . تنتحب كطفلة صغيرة تشكو لأبيها كابوسا مزعجا يوأرق نومها . . يحاول هو تهدئتها . . و يفشل . . و بدون ان يدرك تساقطت الدموع من عينيه . . اخرجها بقوة من أحضانه يحتضن وجهها بين يديه باكيا و يترجاها ان تكف عن البكاء . . تشهق بنشيج باكي تحاول التحدث من بين بكائها فتعجز و تنخرط في البكاء . . يومأ لها عدة مرات بلهفة و كانه يخبرها . . ( تحدثي . . انا اسمعك ) .
من بين انينها تحاول التحدث يعوق مرور حروفها شهقات البكاء قائلة بتقطع .
: ان..ان ..انا ..انا تت..تعبت ..تعبت اوي ..
فيضمها سريعا إلى صدره بقوة . . لتطلق العديد من الآهات . . و يطلق بدوره تنهيده محترقة من بين بكائه قائلا بوعد و توعد .
: مش هسيبه . . هجيبلك حقك منه . . خلاص مافيش تعب تاني . . انا جمبك . . مش هسيبك
اخذ يهدئها بتلك الكلامات النابعة من صميم قلبه بصدق . . حتى هدئت بين ذراعيه . . استكانت تنعم بدفء احضانه . . حصنها المنيع . . جدارها الحامي . . ضد مخاوف الحياة . .
____________________________



توقف امامها مباشرة وغموض نظراته بدا الآن مختلف . . يمكن تصنيفه حسب استقرار انفاسها . . سكون ليل عينها فوق غابات عينيه . . انه امان . . اطمئنان . . تبديد ذلك الخوف من أصوله . . تحدث بنبرة بها دفئ رجولي خاص . . تعانق نظراته ملامح وجهها قائلا . .
: مش عايز اشوف الخوف ده في عنيكي . . مش عايزك تظهريه لأي حد . .
شاب بعض الخوف نظرتها . . ليختطفها في ابتسامة لا تليق بسواها قائلا بمرح يميل إلى الجديه
: الا انا طبعا . .
و مجددا تصيب الحيرة نظرتها . . يدرك جيدا ثقل نهج حياته . . عمق افكاره حد الظلمه . . مقابل رقة روحها و نقاء فطرتها . . رفع يداه اليسرى يحيط بها يمين وجنتها . . غرق كلا منهما بنظرات الآخر . . حلق طائرا تحت سماء ليلها الهادئ . . و نعمت هي باسترخاء نظرتها فوق عشب غاباته الزيتون خاصته . . يلفها صوته و كأن العالم يصمت تماما و لا يتحدث سواه . .
: تعرفي انك محظوظة . . ؟
تسأله بخفوت و نظرتها تتقافز ببهجه من عين إلى أخرى .
: ليه . . ؟
ابتسم ببساطه يجيبها و قد استشعرت الألم في نبرته
: عشان عندك حد تأمنيه على نقطة ضعفك . . تحكيله اللي مخوفك من غير ما تندمي . .
و اكثر ما تستبعده رقة و حالمية الاحظة . . دموع التأثر التي تتجمع داخل عينيها . . لتتسع ابتسامته غامزا لها بعينيه في اختطاف آخر
: اقولك على حاجه كمان . . ؟
و تبتسم بإيمائة صغيرة مصدرهافقط رؤية ابتسامته . . ليردف قائلا .
: عمري ما حكيت مع اي مخلوق عن حاجه جوايا . . و لا حتى اقرب صاحب ليا . . انتي اول حد اتكلم معاه عن حاجه تخصني . . اول حد اشاركه اسراري كان انتي يا حياة . .
تنتقل الابتسامة لا اراديا إلى عينيها . . و تسري بهجة عجيبة بين حواسها تشتد لها خفقاتها راقصة . . بنبرة فرحه تسأله
: بجد . . ؟
ضيق ما بين حاجبيه يتصنع الجد و شبه ابتسامه بين شفتيه يؤكد لها قائلا .
: بجد .
اطلقت ضحكة خافتة . . على نغمتها تراقصت نبضاته . . لتسأله من جديد بفضول . .
: طب انت ليك نقطة ضعف . . ؟
شرد بعينيها للحظات . . ثم اومأ لها إيجابا بجمود و مازالت نظرته معلقة بعينيها . .
اسبلت عينيها بدفء فطري زادها فتنة مردفة
: ايه هي . . ؟
تنهد بعمق . . يبتسم باتساع . . و ابتسامته تحت قواعده الغامضة تعد اجابه . .  لن تدرك هي معناها . . مقصدها . . حيث تتلخص نقطة ضعفه بكلمة واحده ( هي ) . .
ابتسمت كالبلهاء لمجرد ابتسامته فجذبها نحوه في عناق كالمطر . . يروي شقوق روحه يغمض عينيه مستنشقا عبيرها متنفسا بعمق . . بعد لحظات . . لم بتبدي فيها حركة قط . . تحدث يسألها باستنكار
: حياة . . ؟ اوعي تكوني نمتي تاني . . ؟
تلخص ردها في ضحكة خافته . . ليتفاجأ كلاهما برنين جرس الباب . . و يتفاجأ هو بردة فعل منها اقرب للعته من الحماقة . . حيث دفعته بذعر تقبض كفيها امام فمها متسعة العينين هاتفة بخوف . .
: خالو . .
ارتفع حاجبيه للأعلى بدهشة و استغراب يرد قائلا باستنكار . .
: انتي بتعملي كده ليه هو انا مأجرك . . انا جوزك يا حياة . . و بعدين خالك ده اللي هو ابويا عارف اني معاكي . . و هو اللي قايلي . .
نظرت إلى اللا شيء . . بدت و كأنها تفكر متذكره لتصفع جبهتها تضيق عينيها ناظرة اليه بأسف . . نظر لها بامتعاض يتجه نحو الباب ليفتحه . .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي