الفصل الثالث
: انت بتعمل ايه منك ليها هنا . . ؟
قالها منصور بزهول زاعق متسع العينين . . لتختبئ حياة خلف قصي تشخص عينيها بخوف و حرج . . نظر اليه قصي قائلا ببرود يشير الى المنديل بين يديه
: بمسحلها وشها من العجين . .
: نعم . . ؟ عجين . . ؟
زعق بها منصور مستنكرا ما يقول . . و ترتجف الواقفه خلفه حرجا كالفرخ المبتل . . ليتحدث قصي يحجّم من الأمر يومأ له باطمئنان
: ماتخافش . . ده مسح في سياق الطبخ . .
نظر له منصور شزرا . . اقترب منهم ينظر الى تلك المرتجفه بسخط قائلا باستغراب . .
: وانتي ايه اللي بهدلك كده . . ؟
تسارعت نبضاتها تذدرد ريقها بارتباك ترفع سبابتها امام وجهها تقسم بنبرة متوترة دفعة واحدة .
: والله يا خالو هو . . هو اللي خضني و رد عليا وانا بكلم العجين . .
رفع قصي حاجبيه باستنكار ينظر اليها يجاهد بصعوبة في اخفاء ابتسامته . . بينما منصور ينظر اليها بدون تعابير وجه يحاول فهم ما تفوهت به و الموسيقى التصويريه (صوت صرصور الحقل) . . ليتحدث قائلا بتسائل مازال على تعابير وجهه .
: بتكلمي العجين ازاي يا حياة . . ؟
إلى هنا و ينتقل (صرصور الحقل ) بداخل اذنيها . . تنظر اليه ضاغطة على شفتيها حرجا حد البكاء و فكرة تطرح نفسها داخلها . . " سيظنون الان انها بلهاء . . كيف تتحدث إلى العجين . . ؟ " فقط مجرد ظن . . لم يتأكدوا بعد . .
: زي اي انسان طبيعي من حقه يتكلم مع العجين ويسأله . .
قالها قصي مدافعا عنها يصطنع الجد ظاهريا بمرح مبطن . . نظر منصور اليه باستغراب . . يتقاسم الآن و حياة صوت صرصور الحقل ذاته . . تحدث منصور ساخرا . .
: سؤال في سياق الطبخ بردو . . ؟
ضيق قصي ما بين حاجبيه يومأ له ايجابا تتراقص الابتسامه على وجهه محاولا اخفائها . . ليردف منصور قائلا بغيظ شديد . .
: اتفضل استناني في مكتبي و انا جاي وراك . .
التفت لها قصي يناولها المنديل خارجا يتجه نحو مكتب والده ليطلق العنان لضحكاته الكبوته . . بينما نظر منصور إلى هيئه حياة يكز على اسنانه قائلا . .
: على اوضتك امسحي المهزلة دي حالا و كلامي معاكي بعدين . .
اومأت حياة عدة مرات راكضة بخطوات متسارعة نحو غرفتها . .
نظر منصور في اثرها يزفر بيأس . . لترتسم على شفتيه ابتسامة هادئة سرعان ما تحولت إلى ضحكة خافتة . . ثم نظر نحو باب المكتب يحمحم بصوت عال يتصنع الغضب على ملامح وجهه متجها اليه . .
___________________________
ابتسم بتكلف ينهي المكالمة قائلا . .
: متشكر اوي يا فندم . . هنكون عند حضرتك في المعاد . .
نظرت اليه في اهتمام تام . . تتوهج جرتي العسل بعيونها . . تعكس احتراق ما بداخل روحها . .
اغلق الهاتف يبتسم اليها بهدوء مردفا . .
: ما تقلقيش . . هيمسك القضية اكبر محامي هنا . .
تنهدت بشرود تومأ له بصمت معاكس لفوضى افكارها و مشاعرها . . نظرت إلى اللا شيء تتجمد العبرات بعينيها تتحدث و قد التمس اسى نبرتها
: ماكانش باين خالص اول مرة لما قابلتهم انهم بالبشاعة دي . . او يمكن انا اللي ما كنتش شايفة . . حبيتهم و حسيت وسطهم بالامان و الدفا اللي اتحرمت منه طول عمري و كنت بحلم بيه . .
لم تكن تدرك ان حقيقة الدفء بين احضانهم . . ماهي سوى جحيم . . نال منها حد الهلاك . . أذابت النيران المشتعلة بداخلها عبراتها المتجمدة تنساب على وجنتيها . . نبرتها بمذاق الجحيم ذاته مردفة . .
: لدرجة اني فكرت افضل وسطهم . . اعيش معاهم على طول . .
شدد آدم على قبضة يديه بغضب عاصف يؤلم داخله . . يدمر قوى التحمل لديه . . كم كانت بحاجته و هو لايعلم بوجودها من الاساس . . اقترب منها و كان اقترابه اشبه بنسمة هواء جليديه تبيح لروحها التنفس من جديد . . شدد من احتضانها قائلا .
: انسي كل اللي فات يا سارة كأنه ما حصلش . . هنبتدي ايام و حياة حلوة من جديد . .
اخرجها من احضانه ينظر إلى عينيها مزيلا قطرات دموعها مردفا بابتسامة .
: ما فيهاش حزن و لا دموع . .
اهدته ابتسامة رائقة و ايمائة هادئة ليردف تتسع ابتسامته أكثر . .
: ما فيهاش غير ضحكتك الحلوة . .
القت بنفسها بين ذراعيه تعانقه بامتنان ليبادلها العناق بدوره . . تركها قائلا .
: هسيبك تجهزي عشان معادنا مع المحامي . .
ابتسم يغمز لها بعينيه مردفا .
: بعد كده بقى عايزك تسيبيلي نفسك خالص . . هخرجك خروجه ما خرجتيهاش في حياتك . .
ابتسمت . . سرعان ما اختفت ابتسامتها تسأله بحزن
: تفتكر هنعرف نجيب حقنا . .
اهداها نظرة اطمئنان قائلا .
: الورق اللي معانا و نتيجة التحليل بعد ما يظهر يضمن لنا كسب القضية . . آه كانت شهادة اللي اسمه اسماعيل ده هتفرق بس الاوراق اللي معانا تكفي . . مش عايزك تقلقي خالص . .
تنهدت تومأ له متذكرة ما حدث منذ ساعات . .
Flash back
على الطريق المؤدي إلى خارج البلدة كانت سيارة آدم تشق طريقها نحو نور الغد تاركة خلفها ظلام الماضي . . تجلس سارة جواره شبه شاردة . . صورته لا تبارح مخيلتها . . تستعيد ذكرى مقابلتهم القصيرة و المعدودة . . اللتي كان لها تأثير حفر اسمه بجدران قلبها . . اجفلت على صوت صراخ عجلات السيارة نتيجة إحتكاكها بالارض . . حيث ضغط آدم على مكابح السيارة بقوة في الوقت المناسب عندما قاطعت سيارة ما الطريق متوقفة امامه . . تحولت ملامحه إلى الغضب . . و اخذت خفقاتها تشتد بعيون متسعة عندما رأت سائق السيارة اللتي قطعت طريقهم . . هم آدم بالنزول يشتعل غيظا لما يحدث . . لتتشبث سارة بذراعه تحملق امامها بفزع تذدرد ريقها تتحدث بخفوت . .
: اسماعيل . .
نظر اليها بعدم فهم . . لتشتعل عيناه بغضب حارق يشد على قبضة يديه تعطشا للكم احدهم . . عندما اردفت سارة قائلة بنفس نبرتها الخافتة . .
: اخو سالم . .
نزل آدم سريعا يتوجه نحوه . . بينما ينزل اسماعيل يتقدم منه بثبات . . توقفوا سويا فى وضع مواجهة . . نزلت سارة واقفة جوار السيارة تشهق بخوف عندما رأت أخيها يباغت اسماعيل بلكمة قوية تتبعها ضربة رأس ترنح الاخير بعض الخطوات إلى الوراء أثرهم . . هم آدم بالهجوم عليه مرة أخرى ليسرع اسماعيل بفرد كفيه امامه مهدئا اياه بكلمات متسارعة . .
: وجف يا واد عمي صبرك بالله انا ماعايزش اتعارك معاك . .
توقف آدم ينظر اليه بحدة غاضبا . . تحترق انفاسه . . بينما الآخر اخرج منديلا من جيب عبائته يمسح تلك الدماء النازفة من انفه و فمه لاهثا كمن كان يركض . . بعد لحظات توقف اسماعيل ينظر إلى سارة الواقفة خلف آدم بأسف . . ليتحدث قائلا بحزن و ندم
: اني عارف ان اللي حصل ما هينفعش فيه اسف و لا اعتذار . . حجكم تعملوا اكتر من اكده بكتير . . و عارف كمان ان اللي هعمله دلوجت هدفع تمنه كبير جوي . . لكن هبجى راضي من جوايا عن نفسي . . او اجل ما فيها ابجى كفرت هبابه من ذنبي . .
نظر كل من سارة و آدم اليه بعدم فهم . .
يينما تبع حديثه بمد يديه داخل عبائته يخرج ظرف ما يقدمه لآدم قائلا .
: دي وصية عمي الله يرحمه . . اللي عيجول فيها ان ليه بت و واد من صلبه . . و ان الورث يتجسم بناتهم بما يرضي الله . . و مكتوب فيها اساميكم و اسامي امهاتكم . . عشان اكده خفيناها انا و سالم بعد ما ابونا باع نصيبه لعمي في الورث و مابجاش لينا ايتها حاجه . .
نظر آدم اليه بزهول لا يختلف كثيرا عما يتجسد بعيني سارة من صدمه . . التقط آدم منه الوصية . . ليخرج بعدها و رقة اخرى مردفا . .
: وده العجد العرفي اللي سالم خلاها تمضي عليه ..كان نفسي اجيب معاهم ورجة التنازل اللي مضت عليه غصب مع العجد . . لكن ما لجيتهاش
: تشهد بالكلام ده . . ؟
قالها آدم بنبرة حادة . . ليرخي اسماعيل عينيه إلى الارض ممسكا عن الكلام . . و قد تلقى آدم اجابة سؤاله . . رفع اسماعيل رأسه قائلا بحزن .
: اني عملت اللي يرضي ضميري جدام ربنا . . لكن مش هجدر اجف جصاد اخوي الكبير في المحاكم . .
ختم حديثه ناظرا نحو سارة يتجسد الندم بعينيه مردفا برجاء تستجديها نبرة صوته قائلا .
: سامحيني يا بت عمي . .
ثم التفت يركب سيارته عائدا إلى البلدة . .
___________________________________
بعد مرور عدة ايام ...
جمع رجولي غفير . . من كلتا العائلتين . . يجلس كبار البلدة في حلقة نصف دائرية . . و مين بينهم يجلس هو بشموخ صقر . . و غضب ليث يشتهي افتراس ذلك الشاب الذي يجلس قبالته . . يجلس بجواره اخيه . . مجلس تصالح . . وضع حد لإراقة دماء ابرياء و الذريعة ثأر . . نزاعات و مشادات بين مؤيد و معارض لبعض الحلول . . ليتحدث الشاب باندفاع غاضب يصوب نظرات الكره إلى سالم كأسهم من نار . .
: اني ماجصدهاش هي . . اني تاري معاك و انت المجصود بالرصاصة .
رغم اشتعال غضبه . . و الرغبة الملحة عليه بقوة في الفتك به . . نظر اليه سالم بسخرية يرفع رأسه بشموخ قائلا بنبرة ذات مغزى يتكئ على احرف جملته الأولى
: اني لما جتلت ابوك . . جتلته و انا باصص في عنيه . . ما ادارتش و اتخبيت وسط الناس . . عشان كنت صاحب حج . . خدت حجي و اني واجف جدام البلد كلاتها . . انما اللي يتخبى كأنه هيسرج و يضرب و يجري . . ما بجاش راجل و ما يبجاش له حق . . و ما لهوش عندي ديه . .
اشتعلت عينيهم غضبا مما تفوه به سالم . . ليتحدث أحدهم يحاول ايجاد حل ما و هو في موضع محايد لا ينتمي لكلتا العائلتين . .
: يا جماعه بكفاية دم عاد . . انا شايف ان النسب هو الحل الوحيد بينكم . . ان يبجى في عيال جذورها مشتركه بين العيلتين . .
عم الصمت و مفاده في عرفهم موافقة . . ليلتفت الرجل إلى سالم يكمل بما اخرج الليث عن غضبه الى حافة الجنون . .
: خلاص يا سالم . . اول ما بت عمك تشد حيلها و تجوم بالسلامه يكتب الكتاب عليها طوالي . .
حافة الجنون . . ربما حافة الجحيم . . جنون العاشق . . ثورة المحب . . صراخ القلب معترضا عن مجرد نظرة احدهم لصغيرته . . هب واقفا يزئر بغضب . . من يراه يترقب تحول هيئته إلى وحش ما على وشك الفتك بجميعهم و لا يبالي
: يكتب كتابه على مين يا واد المحروج انت . . انت واعي عتجول ايه . . يطخها و اجوزها له كيف يعني . . ؟ ناجص تجولي نلبسوا طرح كيف الحريم . .
ليرد الرجل باعتراض حاد قائلا .
: جرى ايه يا سالم . . ؟ اني اجصد خير . . بشوف حل يرضي الجميع . .
: ما تشوفش . . ماحدش طلب منك تحلها . . يا تجول كلام موزون يا تجفل خاشمك ما تنطجش . .
قالها سالم زاعقا تنتفخ أوداجه . . تحترق دمائه بداخل عروقه كمرجل متقد . .
عم الهرج و المرج بين الحاضرين . . ليطرق كبير المجلس بعصاه الأبنوسية الأرض عدة مرات . . قائلا بصوت شامخ له ما له من هيبته و وقاره ينهرهم . .
: جرى ايه . . مافيش احترام لوجودي و لا ايه . .
عم الصمت احتراما له . . ليجلس سالم يزفر بغضب فوهة بركان على وشك الانفجار . .
تحدث كبير البلدة قائلا بتروي حازم يوجه حديثه اليه قائلا .
: سالم يا ولدي . . هو ما غلطش في حاجه . . اني كمان شايف اكده . . و ان ده الحل المناسب بينكم هو النسب . .
بينما ابتسم كبير العائلة ينظر إلى حفيده بخبث نظرات ذات مغزى . . ليتحدث مصطنع الوداعه ينظر إلى سالم بتشفي قائلا . .
: و اني موافج . . اللي تجوله يا كبيرنا نمشيه على رجبينا . .
و قبل ان ينفجر البركان مدمرا ما يقابله تحدث كبيرهم قائلا بنبرة قاطعة لا حديث بعدها . . يوجه كلامه إلى الجد و قد ادرك نظراته و نواياه الخبيثة قائلا .
: حدد معاد نجيلكم فيه و اني بنفسي اللي هاجي اطلب يد بنتكم لاسماعيل اخو سالم الصغير . . و ما عايزش اسمع اعتراض من حد فيكم . .
تنفس قلبه الصعداء و قد اخمد قرار شيخهم نيران عشقه المشتعلة . . بينما يضغط الجد و من معه على اسنانهم غيظا . . حيث لا يمكنهم الاعتراض . . فمعارضة قرار كبيرهم تعد حرب أخرى ضد جميع البلدة . .
________________________
جلست في حديقة المنزل بملل . . زفرت تلتقط هاتفها يتذمر تطلبه . . و ما ان رد حتى تحدثت تعاتبه بحزن قائلة . .
: كده يا ابيه . . ؟ بقالك كام يوم بتسبني طول النهار و تخرج تيجي و انا نايمة . . مش بتقعد معايا و لا تخرجني . . و كمان مش عارفة ماما اشوف ماما بتخرج و انا نايمة و تيجي بعد ما انام . . و عمر و بابا مش بيردوا على تليفوناتهم خالص و لا بيجوا البيت . .
ابتلع غصته على الجانب الآخر من الهاتف . . يعلم انه اهملها في الآونة الأخيرة . . لكن رغما عنه . . مفعم هو بالأشغال حد الغرق في اتجاهات عدة . . ليتحدث قائلا .
: معلش يا حبيبتي حقك عليا . . الايام دي عندي ضغط شغل كبير هحاول اخلصه و اجي بدري . .
أيقن انه لا مفر من المماطلة في عدم اخبارها الحقيقة . . ليقرر اخبارها قائلا . .
: في موضوع مهم عاوز اتكلم معاكي في لما اجيلك . .
قطبت حاجبيها بتسائل . . ترد قائلة
: موضوع ايه ده يا ابيه . . ؟
رد عليها منهيا المكالمة بعجلة . .
: لما اجيلك يا يمنى انا مضطر اقفل دلوقتي و مش هتأخر عليكي . .
اغلقت الهاتف بتذمر متجهة نحو تلك الارجوحه الصغيرة . . جلست عليها تتصفح هاتفها بملل . . بينما على بعد امتار . . بجانب سور الحديقة الخلفي . . يقفز شخص ما قوي البنية متسلقا السور . . يتبعه قافزا شخص آخر . . يتسلل كل منهم بحذر . . يشير الاول إلي تلك الجالسة في هدوء . . ليتبعه الثاني مستجيبا لإشارته . . و على حين غِرة منها طبق احدهم على فمها كاتماً صرخاتها يحملها من خلف ذراعيها . . يينما اسرع الآخر يحمل قدميها . . تتحرك بين ايديهم بعنف و فزع تتسع عينيها بذعر تتساقط دموعها خوفا عندما اتجه كلاهما نحو باب المنزل . . يلقيانها بداخل سيارة ما بانتظارهم . . لتنطلق السيارة مغادرة في هدوء كما لم يحدث شيئا . .
________________________
اوقف سيارته يصفها امام ذلك المشفى الذي ترقد فيه جدة صديقه . . نزل يدخل إلى المشفى صاعدا إلى الغرفة الخاصة بها . . طرق الباب داخلا ينظر اليها بحزن . . يكن لها معزة خاصة . . طالما اعتبرها جدته تماما كحمزة . . اقترب منها يتنهد بحزن بحالها . . و من بين غفوة و يقظة فتحت عينيها تبتسم ما ان راته . . ليبتسم لها بدوره قائلا بمرح لم يجدي في اخفاء نظرة الحزن بعينه . .
: الف سلامة يا طوفي . . يتعرفي معزتك عندنا و لا ايه . . ؟
اتسعت ابتسامتها بيقين . . و كأنها تعلم ان النهاية آتيه لا محالة . . ليردف آدم مازحا . .
: يالا قومي بقى . . وحشني اكلك اوي . .
و مع اقتراب غيابها مرة اخرى اختفت ابتسامتها تحدثت تلقي كلماتها قبل الغرق في ظلام دوامتها توصيه قائلة . .
: حمزة . . حمزة يا آدم . .
هكذا فقط و غفت . . تأثر آدم ينحني مقبلا يديها . . يرد عليها رغم غياب وعيها قائلا .
: مش هسيبه ماتقلقيش . .
: انت ايه اللي جابك هنا . . ؟
بغضب حاد و قلب يتألم نازفا . . يحتضر . . زعق بها ذلك الواقف جوار باب الغرفة . . بعيون غائمة يتلون بياضها بلون الدماء . . معالم وجهه مجهدة . . و متألمة رغم الغضب البادي عليها . . تقدم آدم خارجا من الغرفة يقف امامه قائلا بلوم . .
: مالك يا حمزة . . ايه اللي غيرك ؟
انثنى فمه بابتسامة ساخره يرفع يديه حركة مسرحية قائلا .
: ابقى اسئل اختك ربة الصون و العفاف . .
احتدت نظرة آدم يحذره بنبرة زاعقة . .
: حمزه . . انا ساكت بس تقديرا للحالة و الظرف اللي بتمر بيه . . مش هسمحلك تعدي حدود انت مش قدها . .
ضحك حمزة بخفوت ساخر . . يقترب منه مربتا على صدره بجفاء قائلا باستهانة .
: لاء دكر . . ابقى خلي بالك بقى و اعمل حدود لاختك . .
ثم اقترب من اذنيه هامسا باشتعال يحرقه هو اولا
: عشان الحدود عندها سايبه . .
جز آدم على اسنانه يحاول كبح جماح غضبه . . ليتركه حمزه متجها نحو غرفة جدته ثم يعود خطوة للوراء يتصنع التذكر قائلا . .
: اه صحيح ..
نظر له آدم ليردف بنبرة قاسية .
: مش عايز اعرفك تاني . . و احسنلك ما اشوفش وشك تاني بعد كده . . عشان مش هبقي على اللي بينا يا آدم . .
ثم دخل و اغلق باب الغرفة . . زفر آدم بقلة حيلة ينظر إلى اعلى ثم نظر إلى باب الغرفة المغلق بيأس خارجا من المشفى . . بينما خلف الباب . . بعيدا عن عيون البشر . . يستند اليه برأسه باجهاد . . تنكمش معالم وجهه بألم . . و كأن احدهم يمسك بنصل ما ينتصب بحدة . . ينخر به في صميم قلبه . .
قالها منصور بزهول زاعق متسع العينين . . لتختبئ حياة خلف قصي تشخص عينيها بخوف و حرج . . نظر اليه قصي قائلا ببرود يشير الى المنديل بين يديه
: بمسحلها وشها من العجين . .
: نعم . . ؟ عجين . . ؟
زعق بها منصور مستنكرا ما يقول . . و ترتجف الواقفه خلفه حرجا كالفرخ المبتل . . ليتحدث قصي يحجّم من الأمر يومأ له باطمئنان
: ماتخافش . . ده مسح في سياق الطبخ . .
نظر له منصور شزرا . . اقترب منهم ينظر الى تلك المرتجفه بسخط قائلا باستغراب . .
: وانتي ايه اللي بهدلك كده . . ؟
تسارعت نبضاتها تذدرد ريقها بارتباك ترفع سبابتها امام وجهها تقسم بنبرة متوترة دفعة واحدة .
: والله يا خالو هو . . هو اللي خضني و رد عليا وانا بكلم العجين . .
رفع قصي حاجبيه باستنكار ينظر اليها يجاهد بصعوبة في اخفاء ابتسامته . . بينما منصور ينظر اليها بدون تعابير وجه يحاول فهم ما تفوهت به و الموسيقى التصويريه (صوت صرصور الحقل) . . ليتحدث قائلا بتسائل مازال على تعابير وجهه .
: بتكلمي العجين ازاي يا حياة . . ؟
إلى هنا و ينتقل (صرصور الحقل ) بداخل اذنيها . . تنظر اليه ضاغطة على شفتيها حرجا حد البكاء و فكرة تطرح نفسها داخلها . . " سيظنون الان انها بلهاء . . كيف تتحدث إلى العجين . . ؟ " فقط مجرد ظن . . لم يتأكدوا بعد . .
: زي اي انسان طبيعي من حقه يتكلم مع العجين ويسأله . .
قالها قصي مدافعا عنها يصطنع الجد ظاهريا بمرح مبطن . . نظر منصور اليه باستغراب . . يتقاسم الآن و حياة صوت صرصور الحقل ذاته . . تحدث منصور ساخرا . .
: سؤال في سياق الطبخ بردو . . ؟
ضيق قصي ما بين حاجبيه يومأ له ايجابا تتراقص الابتسامه على وجهه محاولا اخفائها . . ليردف منصور قائلا بغيظ شديد . .
: اتفضل استناني في مكتبي و انا جاي وراك . .
التفت لها قصي يناولها المنديل خارجا يتجه نحو مكتب والده ليطلق العنان لضحكاته الكبوته . . بينما نظر منصور إلى هيئه حياة يكز على اسنانه قائلا . .
: على اوضتك امسحي المهزلة دي حالا و كلامي معاكي بعدين . .
اومأت حياة عدة مرات راكضة بخطوات متسارعة نحو غرفتها . .
نظر منصور في اثرها يزفر بيأس . . لترتسم على شفتيه ابتسامة هادئة سرعان ما تحولت إلى ضحكة خافتة . . ثم نظر نحو باب المكتب يحمحم بصوت عال يتصنع الغضب على ملامح وجهه متجها اليه . .
___________________________
ابتسم بتكلف ينهي المكالمة قائلا . .
: متشكر اوي يا فندم . . هنكون عند حضرتك في المعاد . .
نظرت اليه في اهتمام تام . . تتوهج جرتي العسل بعيونها . . تعكس احتراق ما بداخل روحها . .
اغلق الهاتف يبتسم اليها بهدوء مردفا . .
: ما تقلقيش . . هيمسك القضية اكبر محامي هنا . .
تنهدت بشرود تومأ له بصمت معاكس لفوضى افكارها و مشاعرها . . نظرت إلى اللا شيء تتجمد العبرات بعينيها تتحدث و قد التمس اسى نبرتها
: ماكانش باين خالص اول مرة لما قابلتهم انهم بالبشاعة دي . . او يمكن انا اللي ما كنتش شايفة . . حبيتهم و حسيت وسطهم بالامان و الدفا اللي اتحرمت منه طول عمري و كنت بحلم بيه . .
لم تكن تدرك ان حقيقة الدفء بين احضانهم . . ماهي سوى جحيم . . نال منها حد الهلاك . . أذابت النيران المشتعلة بداخلها عبراتها المتجمدة تنساب على وجنتيها . . نبرتها بمذاق الجحيم ذاته مردفة . .
: لدرجة اني فكرت افضل وسطهم . . اعيش معاهم على طول . .
شدد آدم على قبضة يديه بغضب عاصف يؤلم داخله . . يدمر قوى التحمل لديه . . كم كانت بحاجته و هو لايعلم بوجودها من الاساس . . اقترب منها و كان اقترابه اشبه بنسمة هواء جليديه تبيح لروحها التنفس من جديد . . شدد من احتضانها قائلا .
: انسي كل اللي فات يا سارة كأنه ما حصلش . . هنبتدي ايام و حياة حلوة من جديد . .
اخرجها من احضانه ينظر إلى عينيها مزيلا قطرات دموعها مردفا بابتسامة .
: ما فيهاش حزن و لا دموع . .
اهدته ابتسامة رائقة و ايمائة هادئة ليردف تتسع ابتسامته أكثر . .
: ما فيهاش غير ضحكتك الحلوة . .
القت بنفسها بين ذراعيه تعانقه بامتنان ليبادلها العناق بدوره . . تركها قائلا .
: هسيبك تجهزي عشان معادنا مع المحامي . .
ابتسم يغمز لها بعينيه مردفا .
: بعد كده بقى عايزك تسيبيلي نفسك خالص . . هخرجك خروجه ما خرجتيهاش في حياتك . .
ابتسمت . . سرعان ما اختفت ابتسامتها تسأله بحزن
: تفتكر هنعرف نجيب حقنا . .
اهداها نظرة اطمئنان قائلا .
: الورق اللي معانا و نتيجة التحليل بعد ما يظهر يضمن لنا كسب القضية . . آه كانت شهادة اللي اسمه اسماعيل ده هتفرق بس الاوراق اللي معانا تكفي . . مش عايزك تقلقي خالص . .
تنهدت تومأ له متذكرة ما حدث منذ ساعات . .
Flash back
على الطريق المؤدي إلى خارج البلدة كانت سيارة آدم تشق طريقها نحو نور الغد تاركة خلفها ظلام الماضي . . تجلس سارة جواره شبه شاردة . . صورته لا تبارح مخيلتها . . تستعيد ذكرى مقابلتهم القصيرة و المعدودة . . اللتي كان لها تأثير حفر اسمه بجدران قلبها . . اجفلت على صوت صراخ عجلات السيارة نتيجة إحتكاكها بالارض . . حيث ضغط آدم على مكابح السيارة بقوة في الوقت المناسب عندما قاطعت سيارة ما الطريق متوقفة امامه . . تحولت ملامحه إلى الغضب . . و اخذت خفقاتها تشتد بعيون متسعة عندما رأت سائق السيارة اللتي قطعت طريقهم . . هم آدم بالنزول يشتعل غيظا لما يحدث . . لتتشبث سارة بذراعه تحملق امامها بفزع تذدرد ريقها تتحدث بخفوت . .
: اسماعيل . .
نظر اليها بعدم فهم . . لتشتعل عيناه بغضب حارق يشد على قبضة يديه تعطشا للكم احدهم . . عندما اردفت سارة قائلة بنفس نبرتها الخافتة . .
: اخو سالم . .
نزل آدم سريعا يتوجه نحوه . . بينما ينزل اسماعيل يتقدم منه بثبات . . توقفوا سويا فى وضع مواجهة . . نزلت سارة واقفة جوار السيارة تشهق بخوف عندما رأت أخيها يباغت اسماعيل بلكمة قوية تتبعها ضربة رأس ترنح الاخير بعض الخطوات إلى الوراء أثرهم . . هم آدم بالهجوم عليه مرة أخرى ليسرع اسماعيل بفرد كفيه امامه مهدئا اياه بكلمات متسارعة . .
: وجف يا واد عمي صبرك بالله انا ماعايزش اتعارك معاك . .
توقف آدم ينظر اليه بحدة غاضبا . . تحترق انفاسه . . بينما الآخر اخرج منديلا من جيب عبائته يمسح تلك الدماء النازفة من انفه و فمه لاهثا كمن كان يركض . . بعد لحظات توقف اسماعيل ينظر إلى سارة الواقفة خلف آدم بأسف . . ليتحدث قائلا بحزن و ندم
: اني عارف ان اللي حصل ما هينفعش فيه اسف و لا اعتذار . . حجكم تعملوا اكتر من اكده بكتير . . و عارف كمان ان اللي هعمله دلوجت هدفع تمنه كبير جوي . . لكن هبجى راضي من جوايا عن نفسي . . او اجل ما فيها ابجى كفرت هبابه من ذنبي . .
نظر كل من سارة و آدم اليه بعدم فهم . .
يينما تبع حديثه بمد يديه داخل عبائته يخرج ظرف ما يقدمه لآدم قائلا .
: دي وصية عمي الله يرحمه . . اللي عيجول فيها ان ليه بت و واد من صلبه . . و ان الورث يتجسم بناتهم بما يرضي الله . . و مكتوب فيها اساميكم و اسامي امهاتكم . . عشان اكده خفيناها انا و سالم بعد ما ابونا باع نصيبه لعمي في الورث و مابجاش لينا ايتها حاجه . .
نظر آدم اليه بزهول لا يختلف كثيرا عما يتجسد بعيني سارة من صدمه . . التقط آدم منه الوصية . . ليخرج بعدها و رقة اخرى مردفا . .
: وده العجد العرفي اللي سالم خلاها تمضي عليه ..كان نفسي اجيب معاهم ورجة التنازل اللي مضت عليه غصب مع العجد . . لكن ما لجيتهاش
: تشهد بالكلام ده . . ؟
قالها آدم بنبرة حادة . . ليرخي اسماعيل عينيه إلى الارض ممسكا عن الكلام . . و قد تلقى آدم اجابة سؤاله . . رفع اسماعيل رأسه قائلا بحزن .
: اني عملت اللي يرضي ضميري جدام ربنا . . لكن مش هجدر اجف جصاد اخوي الكبير في المحاكم . .
ختم حديثه ناظرا نحو سارة يتجسد الندم بعينيه مردفا برجاء تستجديها نبرة صوته قائلا .
: سامحيني يا بت عمي . .
ثم التفت يركب سيارته عائدا إلى البلدة . .
___________________________________
بعد مرور عدة ايام ...
جمع رجولي غفير . . من كلتا العائلتين . . يجلس كبار البلدة في حلقة نصف دائرية . . و مين بينهم يجلس هو بشموخ صقر . . و غضب ليث يشتهي افتراس ذلك الشاب الذي يجلس قبالته . . يجلس بجواره اخيه . . مجلس تصالح . . وضع حد لإراقة دماء ابرياء و الذريعة ثأر . . نزاعات و مشادات بين مؤيد و معارض لبعض الحلول . . ليتحدث الشاب باندفاع غاضب يصوب نظرات الكره إلى سالم كأسهم من نار . .
: اني ماجصدهاش هي . . اني تاري معاك و انت المجصود بالرصاصة .
رغم اشتعال غضبه . . و الرغبة الملحة عليه بقوة في الفتك به . . نظر اليه سالم بسخرية يرفع رأسه بشموخ قائلا بنبرة ذات مغزى يتكئ على احرف جملته الأولى
: اني لما جتلت ابوك . . جتلته و انا باصص في عنيه . . ما ادارتش و اتخبيت وسط الناس . . عشان كنت صاحب حج . . خدت حجي و اني واجف جدام البلد كلاتها . . انما اللي يتخبى كأنه هيسرج و يضرب و يجري . . ما بجاش راجل و ما يبجاش له حق . . و ما لهوش عندي ديه . .
اشتعلت عينيهم غضبا مما تفوه به سالم . . ليتحدث أحدهم يحاول ايجاد حل ما و هو في موضع محايد لا ينتمي لكلتا العائلتين . .
: يا جماعه بكفاية دم عاد . . انا شايف ان النسب هو الحل الوحيد بينكم . . ان يبجى في عيال جذورها مشتركه بين العيلتين . .
عم الصمت و مفاده في عرفهم موافقة . . ليلتفت الرجل إلى سالم يكمل بما اخرج الليث عن غضبه الى حافة الجنون . .
: خلاص يا سالم . . اول ما بت عمك تشد حيلها و تجوم بالسلامه يكتب الكتاب عليها طوالي . .
حافة الجنون . . ربما حافة الجحيم . . جنون العاشق . . ثورة المحب . . صراخ القلب معترضا عن مجرد نظرة احدهم لصغيرته . . هب واقفا يزئر بغضب . . من يراه يترقب تحول هيئته إلى وحش ما على وشك الفتك بجميعهم و لا يبالي
: يكتب كتابه على مين يا واد المحروج انت . . انت واعي عتجول ايه . . يطخها و اجوزها له كيف يعني . . ؟ ناجص تجولي نلبسوا طرح كيف الحريم . .
ليرد الرجل باعتراض حاد قائلا .
: جرى ايه يا سالم . . ؟ اني اجصد خير . . بشوف حل يرضي الجميع . .
: ما تشوفش . . ماحدش طلب منك تحلها . . يا تجول كلام موزون يا تجفل خاشمك ما تنطجش . .
قالها سالم زاعقا تنتفخ أوداجه . . تحترق دمائه بداخل عروقه كمرجل متقد . .
عم الهرج و المرج بين الحاضرين . . ليطرق كبير المجلس بعصاه الأبنوسية الأرض عدة مرات . . قائلا بصوت شامخ له ما له من هيبته و وقاره ينهرهم . .
: جرى ايه . . مافيش احترام لوجودي و لا ايه . .
عم الصمت احتراما له . . ليجلس سالم يزفر بغضب فوهة بركان على وشك الانفجار . .
تحدث كبير البلدة قائلا بتروي حازم يوجه حديثه اليه قائلا .
: سالم يا ولدي . . هو ما غلطش في حاجه . . اني كمان شايف اكده . . و ان ده الحل المناسب بينكم هو النسب . .
بينما ابتسم كبير العائلة ينظر إلى حفيده بخبث نظرات ذات مغزى . . ليتحدث مصطنع الوداعه ينظر إلى سالم بتشفي قائلا . .
: و اني موافج . . اللي تجوله يا كبيرنا نمشيه على رجبينا . .
و قبل ان ينفجر البركان مدمرا ما يقابله تحدث كبيرهم قائلا بنبرة قاطعة لا حديث بعدها . . يوجه كلامه إلى الجد و قد ادرك نظراته و نواياه الخبيثة قائلا .
: حدد معاد نجيلكم فيه و اني بنفسي اللي هاجي اطلب يد بنتكم لاسماعيل اخو سالم الصغير . . و ما عايزش اسمع اعتراض من حد فيكم . .
تنفس قلبه الصعداء و قد اخمد قرار شيخهم نيران عشقه المشتعلة . . بينما يضغط الجد و من معه على اسنانهم غيظا . . حيث لا يمكنهم الاعتراض . . فمعارضة قرار كبيرهم تعد حرب أخرى ضد جميع البلدة . .
________________________
جلست في حديقة المنزل بملل . . زفرت تلتقط هاتفها يتذمر تطلبه . . و ما ان رد حتى تحدثت تعاتبه بحزن قائلة . .
: كده يا ابيه . . ؟ بقالك كام يوم بتسبني طول النهار و تخرج تيجي و انا نايمة . . مش بتقعد معايا و لا تخرجني . . و كمان مش عارفة ماما اشوف ماما بتخرج و انا نايمة و تيجي بعد ما انام . . و عمر و بابا مش بيردوا على تليفوناتهم خالص و لا بيجوا البيت . .
ابتلع غصته على الجانب الآخر من الهاتف . . يعلم انه اهملها في الآونة الأخيرة . . لكن رغما عنه . . مفعم هو بالأشغال حد الغرق في اتجاهات عدة . . ليتحدث قائلا .
: معلش يا حبيبتي حقك عليا . . الايام دي عندي ضغط شغل كبير هحاول اخلصه و اجي بدري . .
أيقن انه لا مفر من المماطلة في عدم اخبارها الحقيقة . . ليقرر اخبارها قائلا . .
: في موضوع مهم عاوز اتكلم معاكي في لما اجيلك . .
قطبت حاجبيها بتسائل . . ترد قائلة
: موضوع ايه ده يا ابيه . . ؟
رد عليها منهيا المكالمة بعجلة . .
: لما اجيلك يا يمنى انا مضطر اقفل دلوقتي و مش هتأخر عليكي . .
اغلقت الهاتف بتذمر متجهة نحو تلك الارجوحه الصغيرة . . جلست عليها تتصفح هاتفها بملل . . بينما على بعد امتار . . بجانب سور الحديقة الخلفي . . يقفز شخص ما قوي البنية متسلقا السور . . يتبعه قافزا شخص آخر . . يتسلل كل منهم بحذر . . يشير الاول إلي تلك الجالسة في هدوء . . ليتبعه الثاني مستجيبا لإشارته . . و على حين غِرة منها طبق احدهم على فمها كاتماً صرخاتها يحملها من خلف ذراعيها . . يينما اسرع الآخر يحمل قدميها . . تتحرك بين ايديهم بعنف و فزع تتسع عينيها بذعر تتساقط دموعها خوفا عندما اتجه كلاهما نحو باب المنزل . . يلقيانها بداخل سيارة ما بانتظارهم . . لتنطلق السيارة مغادرة في هدوء كما لم يحدث شيئا . .
________________________
اوقف سيارته يصفها امام ذلك المشفى الذي ترقد فيه جدة صديقه . . نزل يدخل إلى المشفى صاعدا إلى الغرفة الخاصة بها . . طرق الباب داخلا ينظر اليها بحزن . . يكن لها معزة خاصة . . طالما اعتبرها جدته تماما كحمزة . . اقترب منها يتنهد بحزن بحالها . . و من بين غفوة و يقظة فتحت عينيها تبتسم ما ان راته . . ليبتسم لها بدوره قائلا بمرح لم يجدي في اخفاء نظرة الحزن بعينه . .
: الف سلامة يا طوفي . . يتعرفي معزتك عندنا و لا ايه . . ؟
اتسعت ابتسامتها بيقين . . و كأنها تعلم ان النهاية آتيه لا محالة . . ليردف آدم مازحا . .
: يالا قومي بقى . . وحشني اكلك اوي . .
و مع اقتراب غيابها مرة اخرى اختفت ابتسامتها تحدثت تلقي كلماتها قبل الغرق في ظلام دوامتها توصيه قائلة . .
: حمزة . . حمزة يا آدم . .
هكذا فقط و غفت . . تأثر آدم ينحني مقبلا يديها . . يرد عليها رغم غياب وعيها قائلا .
: مش هسيبه ماتقلقيش . .
: انت ايه اللي جابك هنا . . ؟
بغضب حاد و قلب يتألم نازفا . . يحتضر . . زعق بها ذلك الواقف جوار باب الغرفة . . بعيون غائمة يتلون بياضها بلون الدماء . . معالم وجهه مجهدة . . و متألمة رغم الغضب البادي عليها . . تقدم آدم خارجا من الغرفة يقف امامه قائلا بلوم . .
: مالك يا حمزة . . ايه اللي غيرك ؟
انثنى فمه بابتسامة ساخره يرفع يديه حركة مسرحية قائلا .
: ابقى اسئل اختك ربة الصون و العفاف . .
احتدت نظرة آدم يحذره بنبرة زاعقة . .
: حمزه . . انا ساكت بس تقديرا للحالة و الظرف اللي بتمر بيه . . مش هسمحلك تعدي حدود انت مش قدها . .
ضحك حمزة بخفوت ساخر . . يقترب منه مربتا على صدره بجفاء قائلا باستهانة .
: لاء دكر . . ابقى خلي بالك بقى و اعمل حدود لاختك . .
ثم اقترب من اذنيه هامسا باشتعال يحرقه هو اولا
: عشان الحدود عندها سايبه . .
جز آدم على اسنانه يحاول كبح جماح غضبه . . ليتركه حمزه متجها نحو غرفة جدته ثم يعود خطوة للوراء يتصنع التذكر قائلا . .
: اه صحيح ..
نظر له آدم ليردف بنبرة قاسية .
: مش عايز اعرفك تاني . . و احسنلك ما اشوفش وشك تاني بعد كده . . عشان مش هبقي على اللي بينا يا آدم . .
ثم دخل و اغلق باب الغرفة . . زفر آدم بقلة حيلة ينظر إلى اعلى ثم نظر إلى باب الغرفة المغلق بيأس خارجا من المشفى . . بينما خلف الباب . . بعيدا عن عيون البشر . . يستند اليه برأسه باجهاد . . تنكمش معالم وجهه بألم . . و كأن احدهم يمسك بنصل ما ينتصب بحدة . . ينخر به في صميم قلبه . .