الفصل السابع

دخل سليمان كالعاصفه هائج وثائر يدفع اى شئ يراه امامه فى شقة المسكينه نعيمه التى خرجت على صياحه مهروله من غرفة المعيشة.
- ايييه؟ بتزعج وتكسر في البيت هي الدنيا خربت؟
اطبق بكفيه الغليظتان غلى كتفيها النحيلتين، ليدفعها على حائط الصالة بعنف، حتى شعرت بالألم يقسم ظهرها ولكنها تماسكت امامه وهو يهدر بانفاس خارجة من صدره كادخان :
- انتى يامرة انتى اتجنيتى ولا اتخبلتى عشان تعصيني؟ لا وكمان ليكي عين تسوجي عليا الهبل على الشيطنة وتسالينى، مخك راح منك ياك ؟
ردت نعيمه بثبات رغم هذا الخوف الذي دب بداخل قلبها من توحش ملامح زوجها وهي تحاول جاهدة لعدم اظهاره :
- انا مسوجتش لا هبل ولا شيطنه ،انا من امبارح وانا جايلالك، بتى هاعلمها مش هاجوزها ياسليمان .
دفعها على الحائط بعنف مرة اخرى وهو يجز على اسنانه:
- مش بجولك اتجنيتى ولا اكنك اتخبطى فى عجلك ، ولا كانك اشتاقتي لعلقة من علق زمان، فاكراها يانعيمة ولا عايزاني افكرك ؟
ردت من بين اسنانها وهي مازلت محاصرة بكفيه القابضة على كتفيها ككلابتين من الحديد :
- لا ما نسيتش يا سليمان وعلى عمري هانسى في عمرى كله اي اهانة ولا كلمة عفشة قولتهالي بلسانك ده؛ قبل ما تتجوز حبيبة القلب وتعتقني لوجه الله وارتاح من خلقتك وضربك ليا على الفاضى والمليان .
قرب وجهه وانفاسه الهادرة تحرق وجهها ليردف بغل:
- اهو انا مستعد دلوك اكسر راسك واعجن عضمك وما اخلي في جسمك حتة سليمة على قلة حياكي ولسانك اللي عايز قصه ده،عشان تعرفي تردي عليا تاني كدة بقلب ميت؛ لكن اللي حايشني عنك بس؛ هما الناس اللي جاعدة فوق دلوك.
دفغها بقوة وهو ينزع كفيه عن كتفيها حتى كادت ان تقع وهو يصرخ على ابنته:
- اطلعيلي يابت يازينب على طول دلوك، اطلعي يابت .
جذبته نعيمة من ذراعه تهدر فيه:
- ملكش دعوة بزينب وخلي كلامك يبقى معايا .
رفع قبضته في الهواء ملوحًا :
- بعدي عني يامرة يامجنونة انتي، بدل مااديكي ضربة بيدي على مخك الزنح ده ارقدك فيها شهر وسيبيني اكلم بنتي ، بت يازينب انتي يابت
خرجت له زينب من غرفتها ترد عليه وهي مهرولة :
- ايوة يابوي انا جايا اها ، انا بس كنت بلبس حاجة زينة.
تفاجئت نعيمة وتوسعت عيناها بدهشة وهي ترى ابنتها خارجة لإبيها بملابس جيدة تصلح للمناسبة، القى نحوها سليمان نظرة انتصار قبل ان يخاطب زينب بصرامة:
- ولما انتي لابسة وجاهزة سايبة ليه امك الخرفانة تحرق في دمي وتقول ماطلعاش؟
رفعت زينب بصرها نحو والدتها المصدومة بخزي قبل ان تخفضهم للأرض مرة اخرى، غير قادرة على الرد.
تابع سليمان :
- اخلصي يابت جري عجلك واطلعي قدامي على طول .
سحبت اقدامها بصعوبة تتخطى والدتها نعيمة التي انعقد لسانها وتسمرت مكانها غير قادرة على الحركة ، حدجها سليمان بنظرة شامتة قبل ان يخرج هو الاَخر ويتركها كشئ ليس له قيمة او اعتبار .

داهما شعور بالدوار وكأن الشلل اصاب اطرافها تحاملت بصعوبة على اقدامها حتى ارتمت على اقرب كرسي، عيناها تنظر امامها بقهر، لقد خذلتها ابنتها وخرجت مع ابيها وتجاهلت دفاعها باستماتة عنها وعن حقها في التعليم، استسلمت من البداية! فكيف لها ان تكمل طريق بدايته كانت بالأستسلام ، ولكن زينب خرجت خائفة من بطش ابيها ، ابنتها الصغيرة والضغيفة ذهبت كاليتيمة دون امها، وقفت فجأة وهي تهمس لنفسها، يامرك يا نعيمة، هاتفضلي هنا مكانك تزعلي وتندبي في حظك وتسيبي بتك وسطيهم لوحدها، يحددوا مصيرها ومستقبلها بيدهم ؟ دا يبقى موتك احسن ياجزينة !
فجأة دبت القوة في جسدها واندفعت الدماء في عروقها ، فدخلت بسرعة على غرفتها لترتدي جلبابها الفضفاض وتناولت طرحتها السوداء تلفها على رأسها بعجالة لتخرج سريعًا من الشقة كلها وتصعد الى الطابق الثاني عند صفا وسليمان.!
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
فتح ناصر باب شقتهم ليفاجأ بزيارة زوجة ابيه الغريبة؛ والتي لم تحدث طوال سنوات عمره القصيرة الا قليلًا، ان لم يكن نادرًا ، وذلك كان حينما كانت تأتي مضطرة في مناسبات عائلية تحتم وجودها باالصورة، .
- خالتى " نعيمه " !!!
خرجت من ناصر بدهشة فردت نعيمة بوجه جامد:
- جاعدين فين ؟!
سألها ناصر بذهول:
- هما مين ؟
تحركت نعيمة لتدلف لداخل البيت وتتخطاه قائلة :
- انتي هاتسيبني كدة واقفة على الباب كتير؟ مش تقولي ادخلي الأول ؟
رد ناصر وهو يغلق باب الشقة وينظر لأثرها :
- وانا لسة هاقولك؟ ما انتي دخلتي اها من غير استئذان .
تجاهلته وهي تبحث بعيناها بالشقة يمينا ويساراً :
- ابوك والجماعه الضيوف قاعدين فين ياواض؟
- جاعدين جوا فى اؤضة الضيوف ومعاهم زينب بتك .
قالها " ناصر" مع اشاره بيده ناحية اليسار ، فتحركت تدلف فورًا لناحية الغرفة ودون استئذان .
..........................
- السلام عليكم
قالتها " نعيمه " وهى تقتحم الغرفه وسط مفاجأه من زوجها وصفا وابنتها التي اشرق وجهها، والعريس واهله المتمثلان في ابيه ووالدته المدعوة عايدة؛ والتي نهضت تقبلها في وجنتيها بترحيبٍ مبالغ فيه:
- يااهلًا ياأهلًا بام العروسة، القعدة كانت نقصاكي والنعمة، وانا من اول مادخلت سألت عليكي، حتى اسألي بتك أها.
القت نعيمة نظرة خاطفة نحو ابنتها التي اخفضت عيناها على الفور بخجل قبل ان تلتفت للمرأة وتومئ لها برأسها، قائلة بمجاملة :
- مش محتاجة اسأل ياخيتي، اقعدي اقعدي ياحبيبتي .
صافحت نعيمة والد العريس بعد ان ابتعدت عنها المرأة لترحب بالعريس ايضَا والتي ما أن وقعت انظارها عليه؛ القت نظرة اخرى نحو ابنتها، فوجدتها مازالت مخفضة رأسها ولم ترفعها.
حينما جلست وهي ترحب بالزائرين بمودة زائفة، انتبهت على نظرات زوجها الحارقة ورد فعل صفا التي اعوجت خط فمها المغلق بسخط، فتجاهلتهم عن قصد لتلفت نحو ابنتها ودت لو تضربها بالكف على رأسها؛ كي ترفع عيناها و تفرد ظهرها بعزة، فقد اَلمها هذا الإنكسار البادي على صغيرتها وشق قلبها نصفين . خاطبتها صفا بملاوعة كي تحرجها أمامهم :
- جيتي يعني بعد ما قولتي عيانة، دا احنا قلقنا عليكي وكنا عايزين نجيبلك الدكتور بعد الجماعة مايمشوا لما .
ردت نعيمة من بين اسنانها :
- لا اطمني ياغالية دول كانوا شوية صداع وراحوا لحالهم والحمد لله بالبرشامة.
- الف سلامة عليكي ياخالة .
قالها الشاب العريس فالتفتت نعيمة نحوه ترد المجاملة :
- الله يسلمك ياولدي فيك الخير .
قالتها وهي تمعن النظر اليه جيدًا فيه فخمنت بما اصاب ابنتها؛ ليجعلها بهذه الحالة فالشاب لم يكن سيئًا في الشكل، ولكن هيئته لم تريحها، جلسته بأريحية امامهم دون تقدير المناسبة، السيجارة التي بين اصابعه وهو ينفس دخانها دون النظر لضيق المساحة، شفتيه التي اسودت و اسنانه الصفراء توضح حجم ادمانه على المكيفات. فهل هذا يصلح لزينب؟!
سألته بجرأة امامهم :
- وانت ياعريس على كدة متعلم لحد كام ؟ا
رد العريس والذي كان اسمه محمود :
- واخد دبلوم تجاره ياخاله.
تدخل سليمان بالحديث مع الرجل في امر ما ولكنها تجاهلته لتكمل بجرأتها :
- طب انتي عارف طبعًا ان بتي طالعة من الثانوية العامة بمجموع كبير قوي، يعني ان شاء الله هتتدخل كلية زينة، هاترضى بقى لو حصل نصيب؟ ان بنتي تكمل تعليم فى بيتك؟
اثار سؤالها انتباه الجميع فقطعوا احاديثهم الجانبية ليتفتوا نحو الشاب الذي عقد حاجبيه بدهشه قبل ان يرد عليها:
- تكمل تعليمها؟! ليه يعني؟ هو انا هاتجوز عشان اجيبلي واحدة اعلمها ولا تخدمني وتشوف طلباتي؟
رفعت نعيمة زاوية فمها بشبه ابتسامة ساخرة ترد على قوله:
- يعني انت عايز خدامة على كدة مش مرة تتجوزها؟
ردت عايدة بسرعة :
- خدامة ايه بس ياختي ؟ هي الواحدة لما تخدم في بيتها يتقال عليها خدامة برضوا؟
ردت نعيمة ببعض الكياسة :
- لا طبعًا انا بس انا بتكلم على تعليمها ؟
اكمل والد العريس مهاجمًا :
- تعليم ايه اللي بتقولي عليه؟ انتي عايزانا نجوز بتك ولدنا ونعلمها عشان تبقى راسها براسه، لا وكمان تبقي اعلى منه لما تكمل الكلية ؟ طب قولنا انت ليه ياابو العروسة؟
رد سليمان والذي كان يلقى نظراته الحادة نحو نعيمة وهي غير مكترثة:
- لا نقول ولا نعيد ياابو محمود ، الكلام اصلًا خلصان، البت ملهاش غير بيت جوزها، وانا مطلبتش منكم تعلموها ولا الكلام الفاضي ده .
وزعت نعيمة نظراتها نحو الجميع حتى ابنتها التي رفعت رأسها اخيرًا مترقبة؛ فقالت بقوة :
- وانا امها وبقولها قدام الجميع، بتي مش هاجوزها غير لما تكمل تعليمها وان شالله حتى ما اتجوزت خالص .
اطلق والد العريس ضحكة ساخرة نحو سليمان؛ الذي تلجم لسانه من جرأة نعيمة، بل ووقاحتها امام صديقه وزوجته والعريس المستقبلي لابنته :
- ساكت ليه ياابو الرجال؟ دي المرة بتحكم وتأمر على بتها وانت قاعد معانا ومش ناطق كمان؟
هب سليمان عن مقعده هادرًا :
- كلام ايه اللي بتقوله دا ياحسين؟ مرة مين اللي هاتمشي كلمتها عليا كمان؟ شايفني هفق قدامك عشان تزلف من خشمك الكلام الماسخ ده؟
تدخلت صفا بخبث لتزيد من الأجواء توترًا :
- براحة ياجماعة واهدوا كدة، هو إيه اللي حاصل بس للعراك دا كله؟ ماهي البنية زي العسل ساكتة وراضية، يبقى لزمتوا ايه الكلام ده بقى؟ مش كدة برضوا يا زينب ياحبيبتي ؟
انتقلت انظار الجميع نحو زينب التي رفعت عيناها نحو والدتها برجاء تطلب منها الدعم، فهتفت نعيمة تدافع عن صغيرتها:
- مالكيش دعوة ببنتي يا صفا، والكلام يبقى معايا انا مش معاها .
هب والد العريس مستنكراً :
-- واه واه، دا انتى باينك شديده وكلمتك ماشيه ، واحنا بقى كفاية علينا لحد كدة ونلم نفسينا أحسن.
نهض خلفه سليمان مرددًا :
- تروح فين ياحسين ؟ هو احنا نلحقنا نقعد ولا نتكلم ؟
تجاهله الرجل في البداية وهو يشير بيده نحو ولده وزجته لينهضوا معه، قبل ان يرد على سليمان :
- لا ياصاحبي احنا نمشي احسن عشان القعدة مسخت ومابقاش ليها لازمة .
تحرك يخرج مع زوجته وقبل ان يصل الى البار استدار الى سليمان قالًا :
- عن اذنك بقى يا ابو صاحبه ، احنا اللي عندينا جولناه، ايه اللى يجبرنى احنا ناخد واحدة ونصرف على تعليمها كمان؟ وانتوا بقى فاضل كلمتكم اللي هاتردوا علينا بيها .
قالها وخرج على الفور مع ولده وزوجته التى كانت تنظر ل" نعيمه " باذدراء..
... يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي