الفصل الثامن

نهضت زينب اخيرًا عن مقعدها وسكونها المريب، كأنه تنفض عن نفسها جلباب الخنوع بمساعدة حبيبتها ومنقذتها دائمًا والدتها، نعيمة التي رفرف قلبها وهي تري ظهور الفرح جلياً على وجهه ابنتها زينب وتهللت اساريه امام صدمة صفا وسليمان، الذي اندفع كالثور ليهجم عليها بمجرد خروج الزائرين من باب البيت .
- بجى انتى بتكسرى كلمتى يابت ال.... وبتقللي من قيمتي قدام الناس الغريبة يامرة قليلة الحيا ، انا ان ماكسرتك النهاردة مابجاش انا .
قالها وهو يهجم عليها ممسكًا بشعرها يكاد ان يقتلعه بيديه، وباليد الأخرى يكيل لها باللكمات على وجهها واجزاءٍ متفرقة من جسدها، يدفعه الغل والكراهية لفعل ذلك دون رحمة، امام نظرات صفا المتشفيه وقد أسعدها المشهد وصرخات زينب و التى حاولت تخليصها ولم تقدر .
فتصرخ عليه بصوتها:
- سيب امى حن عليك يابوي، دي هاتموت فى يدك
صفا وهى متخصرة وتلوك فاهها :
- ماهو بصراحة امك اللي عملته ماينفعش يتسكت عليه، ودى عمله تعملها واحده محترمه جدام الناس الغريبة برضك؟ .
صاحت نعيمة بتحدى وشجاعة رغم شعورها بالألم واهدار الكرامة :
- اضرب ياسليمان وان شاء الله حتى ترقدني ميتة، لكن برضوا مش هاسيبك تضيع مستجبل بتى ياظالم يامفتري .
اشتعل غضبه أكثر وهو يزداد بعنفه معها :
انا ظالم يابت ال...... انا هدفنك حيه وخلى قلة حياكي ده تنفعك لما ارقدك سنتين تتعالجي فيهم من كسور جسمك .
لم تتحمل زينب فصرحت بأعلى صوتها ليترك والدتها :
- سيب امي كفاية بقى حرام عليك.
فكان رده ان صاح عليها محذرًا مع نظرة مخيفة :
- بعدي يابت الكل....... انتي ياتاخدي دورك معاها .
لم تنصاع زينب لأمره، وهي تغرز اظافر يداها الاثنتين على ذراعهِ ليترك والدتها حتى صرخت على صفا:
- خليه يحوش يده على امي ياصفا ، دي هاتموت في يده .
مصمصت صفا بادعاء الحزن :
- خلاص ياابو ناصر سيبها الولية هاتموت في يدك.
حدقت عليها زينب بقهر قبل ان تتفاجأة بصرخة خشنة من ابيها وهو يدفع بجسده الضخم حتى وقع على منضدة زجاجية صغيرة للصالون فكسرها وهبط هو بوزنه الثقيل على الأرض، ممسكًا بأنفهِ الذي ينزف الدم بغزارة وهو ينظر لبقعته في باطن كفهِ بصدمة، خرجت هذه المرة صرخة صفا بجزع حقيقي وهي تجثو بجواره لترفعه:
- يامراري ياحزني، انتي عايزة تموتي جوزي يابت هريدي ياقادرة يافاجرة ؟
اللتفت زينب الى والدتها تنظر لما فعلته بذهول، فعدلت نعيمة بيدها على شعر رأسها المشعث من اثار يدِ زوجها الهمجية، وفردت ظهرها وهي تخاطب الاثنان بتحدي :
- واموتك كمان معاه يابت زناتي بياع الملوحة
احتدت نظرات صفا اليها وزمجر سليمان بتوحش وهو يرى كرامته التي اهينت امام زوجته وابناؤه الصغار ناصر و شقيقته الصغيرة الواقفان على باب الغرفة مراقبان مايحدث برعب .
- انتي كتبتي شهادة وفاتك بانعيمة وانا النهارده هادخل فيكي السجن .
قالها وهو يحاول النهوض بجسده الصخم عن الارض بمساعدة زوجته صفا، تقدمت زينب لتدفع والدتها نحو باب الغرفة ولكن نعيمة رفضت التحرك وهي تنظر لسليمان بقوة قائلة بتحدي اجفله:
- طلجنى يا " سليمان وكل واحد فينا يروح لحاله، انا اكتفيت منك ومن ظلمك.
اربكه قولها وهو يحاول الوقوف جيدًا، فتابعت بقوه تكمل
- انا بجولهالك اها ياسليمان وبالفم المليان كمان، طلقني ياسليمان ، انا طول عمرى ساكته ومابتكلمش عن حجى كزوجة فايتها جوزها زى البيت الوجف ومش عادل مابينها وبين مرته التانية، بس دا كله يهون عشان بتى، بتي اللى انت عايز ترميها دلوك بجوازه اى كلام وتضيع مستجبلها ..لكن لحد هنا وخلصت .
توقف سليمان صامتًا لبعض اللحظات وانفاسه الخشنة تخرج بصوت واضح تزامنًا مع صعود صدره وهبوطه بسرعة وهو يحدق بعيناه نحوها بغموض، ثم مالبث ان يخرج صوته بفجيح قائلًا :
- انتي عارفة قيمتك كويس عندي، يعني مدام طلبتيها بنفسك ، فانا مستعد اطلقك حالًا دلوك، بس بجى ياحلوة مالكيش بنته عندي .
هذه المرة خرجت الصرخة من زينب فى ابيها ولم تنتظر رد والدتها :
- لاه يابوى ، لو فيها موتى انى اسيب امى هاموت نفسى ومش هافضل دقيقة من غيرها .
دفعها سليمان بيده بازدراء :
- كده طب غورى معاها ياروح امك، بس يكون في علمك؛ انتي ملكيش قرش هايتصرف عليكى مني لا على وكل ولا شرب ولا لبس، ولا حتى لما تتجوزى هدفع جرش فى جهازك، واما اشوف امك الناصحة هاتقدر تعلمك منين، سامعه ياعين امك، اعتبرى نفسك مالكيش اباهات واياكى اشوفك تيجى تطلبى منى مليم واحد ،ان شالله حتى تموتو من الجوع انتى وامك .
جذبت نعيمه ابنتها نحوها تضمها اليه وهي توجه كلماتها الى سليمان بتحدي :
- الله الغنى عنك وعن فلوسك كلها، وهايسترها معانا ومش هانحتاجك واصل ان شاء الله.
لوت صفا شفتيها وقالت بأسلوبها المستفز كالعادة:
- صح بطلوا ده واسمعوه ده،حريم جادره .

رفعت نعيمه راسها اليها ترد بإباء:
- انا طول عمرى عزيزة النفس وكريمة ، يعنى مش هارد على واحده زيك، كل شغلتها ان تلبس وتتزوج عشان تيجى تغيظ ضرتها، على اساس انها هاتموت وتعمل زيها هه؟ انتى ماخدتيش بالك ياصفا اني طول عمري ساكتة عن عمايلك دي ومافيش مرة اتكلمت؛ انا لو عايزاه كنت طالبت بحجى فيه، يعنى انا فايتهولك بخاطرى عشان مايلزمنيش من الأساس .
سليمان وقد اصابته الكلمه فى مقتل
- بجى انا ملزمكيش يابت ال... ، طب غورى وانتى طالج ومالكيش اى حق عندى .
نعيمه بابتسامه ساخره وهي تتحرك للخروج وبيدها ابنتها :
- مش عايز حقوق منك، وبجملت الخساير من عشرتك! وخلي الحساب يجمع، دا انا بحمد ربنا اني ماشية وطالعة من سجنك ، سايبهالك مخضره ياسليمان ،ياللا بينا يابنتي، وانتى يااختي اشبعى بيه .
قالت الاخيره لصفا التى اصابها الخرس من الكلمات اللازعة التى القتها نعيمه وافعالها المفاجئة، لقد اصبح لها انياب وتهاجم بها بضراوة، بعد كانت ضعيفة مستكينة، تتلقى الضربات ولا تصدر ردة فعل للدفاع حتى عن نفسها،
خرجت نعيمة من و بيدها زينب بعد ذلك على الفور .
************
بعد قليل وبداخل غرفة زينب، كانت
تلملم اشيائها وملابسها وتضعها فى الحقيبه المفرودة على تختها الصغير:
- هانروح فين ياما ؟؟.
سألتها لولدتها التي كانت تفعل نفس الشئ معها:
- هانروح على بيت جدك يازينب .
توقفت زينب عن ماتفعله تسأل نعيمة باندهاش :
- بيت جدى القديم! كيف يامّا ؟ دا بيت قديم وبالطوب النى كمان .
اللتفت اليها نعيمة ترد عليها وهي تطوي في ملاءة الفراش تدخلها عنوة داخل الحقيبة المتكدسة :
- وفيها إيه يعني لما تقعدي في بيت قديم وبالطوب الأخضر ؟ هو انتي عايشة في قصر مثلًا عشان تبقى صعبة عليكي السكنة فيه ؟
ردت زينب تدافع :
- لا والنبي يامّا انا مقصديش اتكبر ولا حاجة، انا بس شايفاه يعني مهجور من زمان ومحدش سكن فيه؟
حدقت بها نعيمة وهي تدخل تتناول كل العبوات والزجاجات المتراصة على تسريحة المراَة وتضعها بحركة سريعة داخل احدى حقائب اليد الخاصة بزينب، فقالت بحزم :
- ماتخافيش من بيت جدك يازينب وتقولي عليه مهجور ، سكنتنا فيه هاتعمره يابت بطني .
صمتت زينب بعد ان افحمتها نعيمة بردها فدنت على الأرض تلملم أحذيتها من أسفل التخت ومن ادراج الكمود، الا أنها استقامت فجأة تخاطب والدتها :
- طب احنا بدل ما نروح على بيت جدي مانروح عند خالى حسان احسن يامّا، و هو أكيد مش هايكشر فينا ولا يعترض.
زفرت نعيمة تهز برأسها فقالت بسأم :
مش عايزين نبجى تجال على حد يازبنب، ان كان خالك او مرة خالك، خلينا نشيل مسؤلية نفسنا من أولها يابتي وما نبقاش تقال على حد .
ردت زينب بامتعاض :
- يامّا بس احنا هانتحمل نجعد فى البيت الجديم ده ازاي بس ؟ بعد الشجج الزينه والسراميك والعفش الحلو، ننام على سرارير قديمة مكسرة وارض كلها تراب ؟
اوجست زينب في نفسها خيفةً حينما فاجئتها النظرة الحادة من والدتها التي اوقفت ماتفعله لتحدق بها عدة لحظات بصمت، قطعته بعد ذلك وهي تشير بيدها لابنتها وهي تجلس على طرف التخت قائلة بهدوء:
- خدي هنا يازينب، تعالي اجدي جمبي .
سألتها زينب بريبة :
- انتي زعلتي مني يامُا؟ معلش والنبي انا مقصديش.
امرتها نعيمة بصرامة:
- بات اخلصي وتعالي اقعدي جمبي، هو انا هاكلك .
اذعنت صاغرة زينب تجلس بجوارها على خوف لتفاجأ بكف نعيمة التي اطبقت تجذبها من ذراعها تقربها منه فق
فقال وهي تقرب وجهها منها:
اسمعيني كويس يازينب وجاوبي على سؤالي:
- تحبي يازينب امشي انا على بيت ابويا لوحدي، واسيبك انتي ترجعي لابوكي وصفا عشان يجوزوكي ابن صاحب،ابوكي تاجر الموالح ؟
هزت زينب راسها سريعًا بالرفض؛
- لا يامّا لا، لا وغلاوة النبي عندك ياشيخة، دا انا ماصدقت انك خلصتيني من الشبكة المهببة دي، دا جسمي قشعر بس من منظر سنانه الصفرا وخشمه اللي سود من كتر الدخان رغم صغر سنه .
تنهدت نعيمة فسالتها مرة اخرى بجدية :
- طيب مدام هو كده بقى .. يبقى البيت اللى بالطوب النى والعفش الجديم وانتى متعلمه ومعاكى جرشك من وظيفتك أحسن، ولا سكنك في بيت جديد ومتهانه فيه مع راجل مش حباه ولا هاتحسي بالراحة معاه احسن؟
ردت زينب على الفور :
- لا ياما البيت الجديم وانا متعلمة احسن مية مرة من جوازة عفشة من راجل عفش اهم حاجة عنده واحدة تخدمه وتقضي طلباته وخلاص .

..... يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي