الفصل الثالث

و في كليه الطب قالت تغريد بحيرة :
مش عارفة ياسوسن ، ، صدقينى انا مش عارفة.
قالت صديقتها سوسن بحدة : مش عارفة ايه بس يا تغريد ، ، انتى متعلقة بحبال دايبة على فكرة و بتستهبلي و تعبطي يا حلوه والله .
نظرت اليها في تلك اللحظه تغريد بعتاب فتنهدت سوسن قائلة : أنا آسفة يا تيتو ، ، بس بصراحة حالك مش عاجبنى خالص ، ، يعنى ايه تفضلى عايشة على ذكرى حب مراهقة اهبل و لا عبيط ، ، والحب ده حبتيه لواحد محبهولكيش أساسا ولا حس بيكى ، ، لأ و كمان سافر من سنين و احتمال كبير يكون هو حب واحدة واتنين وتلاتة ، ، ده غير انه اصلا ميعرفش انك بتحبيه عارفه يا تغريد انتى ، ، بجد بتضيعى من ايدك فرصة كبيرة اوى بسبب أوهام ، ،. دا دكتور عاصم اللى مش همك ده ولا بتفكرى فيه ، ، غيرك كتير بيتمناه ، ، بس مع الاسف هو مهتم بيكى انتى ، ، دا حتي مش بينزل عينه طول المحاضرة من عليكى انتى ، ، و لو شاف منك بس لمحة اهتمام او ريق حلو هيتقدملك على طول .
زفرت تغريد قائلة : دكتور عاصم ايه بس ، ، للأسف يا سوسن مش هتقدرى تفهمينى ولا تحسى بية ، ، ريان بالنسبة ليا حلم فضلت أحلمه سنين طويله ، ، ده اول واحد قلبى دق له..مش عارفة ازاى او من امتى حبيته بس صدقينى احساسى من ناحيته مش مشاعر طفلة ولا حب مراهقة ، ، انا حاولت كتير أنساه لما سافر ، ، حاولت أفكر نفسى بالفرق الكبير بينى وبينه وانه لا يمكن فى يوم يبصلى او يحس بيا ، ، بس مقدرتش لقيته بيوحشنى وحبه فى قلبى بيكبر و يزيد اكتر من الاول ، ، بستنى أخباره ويوم رجوعه بفارغ الصبر ، ، انتى تعرفى النهارده لما عرفت انه راجع قلبى كان هيقف من الفرحة.
قالت سوسن فى حيرة و هي تنظر الي تغريد :
طيب يا تغريد ، ، افرضى انه رجع و لسه شايفك تغريد الطفله أم ضفيرتين صغيرين ، ، واللى كانت دايما وراه فى كل حتة زى ضله ، ، و اللي هو برده كان بيعاملها زى اخته الصغيره ، ، افرضى انه بيبصلك على انك تغريد بنت حمديه الدادة ، ، ثم قطعت سوسن كلماتها وهى تضع يدها على فمها فى صدمة ، ، وهى ترى ترقرق الدموع فى عينى صديقتها الجميلتين لتقول تغريد:
ما تكملى يا سوسن سكتى ليه مره واحده ؟ أيوة أنا تغريد بنت الست حمديه الدادة مبنكرش ده ولا بتكسف منه ، ، صحيح عيلة بابا اتبرت منه عشان حب ماما واتجوزها..بس هى بعد موته فضلت عايشة على ذكراه ، ، اشتغلت و كافحت عشان تربينى احسن تربية وتدخلنى كلية الطب ، ، ماما دى تبقى حياتى ، ، دي هى اللى خلتنى تغريد اللى الكل بيحلف بأخلاقها وتفوقها .
قالت سوسن بحزن فهي لم تقصد كلامها هذا و اهانه صديقتها اطلاقا فهي تعتبرها اختها : عارفة والله يا تغريد ، ، أنا بجد متأسفة انا بجد مش قصدي خالص ان انا أقلل منك ، ، وانتى عارفة انا بحبك قد ايه وبحب طنط حمديه وبقدرها هى كمان قد ايه ، ، بس انا حبيت احط أمامك كل حاجة عشان متتصدميش بعدين علشان خاطرى متزعليش منى يا توتي .
قالت تغريد برقة وهى تربت على يد صديقتها :
مش زعلانة و مش عاوزاكي تقلقي عليا يا سوسو ، ، دا أنا حور السيد انا لو حسيت للحظة ان ريان مش بيحبنى او حتى ممكن يحبنى أقل ما انا بحبه ، ، أو حسيت فى لحظة انه هيقلل منى بأى شكل من الأشكال هنساه خالص ، ، هعتبره صفحة فى حياتى وانتهت وهفكر بس فى مستقبلى و كل الي جاي .
ابتسمت سوسن قائلة: هى دى توتي صاحبتى و اختي القمر اللى بموت فيها .
بادلتها تغريد ابتسامتها و لكن من داخلها كان لديها ذلك الشك و الذى يقتلها ، ، تتسأل هل هي حقا قادرة على نسيانه ام لا ؟
-  -

ابتسم فارس وهو يترجل من على جواده و يمسك بلجامه ليمنحه الى السايس وهو يلتفت الى أخيه قائلا : انت واقف بقالك كتيرو لا اي يا فهد باشا؟
ابتسم فهد قائلا : لا بس بقالي حوالي عشره دقائق بس ، ، اي أخبارك إيه ؟
قال فارس بمرح : أكيد انا الحمد أحسن منك .
ابتسم فهد ليقول فارس بجدية: قولى بقى ايه سبب الزيارة الغريبة دي يا فهد ؟
قال فهد باستنكار و هو ينظر الي فارس : هو لازم يبقى فيه سبب عشان أزوركم ولا اي ؟
نظر فارس اليه بنصف عين قائلا : من يوم ما انت اتجوزت ، ، يعنى تقريبا من سنة وانا مبشوفكش غير لما يكون وراك حاجة ، ، وده نادرا طبعا ، ، ذي ما يكون ريناد هانم موصياك متجيش المزرعة عشان مبتحبهاش .
قال فهد بحده و غيظ : ما تلم نفسك يا فارس هو انا يعنى لعبه فى ايد مراتى ، ، عشان تقولى اروح فين واجى منين ، ، عموما يا سيدي انا غلطان انى جيت ، ، آل وانا فاكر ان انت اللى هتقدر تساعدنى قال .
والتفت يغادر بعصبية ليمسك فارس بيده قائلا: تعالى بس انت رايح فين ؟ انت مش هتبطل العصبية بتاعتك دى ، ، علي فكره يا فهد انا بهزر يا اخي بهزر واخدها قفش ليه يا باشا ؟
ابتسم فهد وهو يتذكر كلمات حور عن عصبيته ليلتقط فارس تلك الابتسامة ويقول فى هدوء: لأ ده الموضوع شكله كبير، ، تعالى نقعد هناك ونشرب كوبايتين شاى وتحكيلى كل حاجة بالتفصيل الممل .
أومأ فهد برأسه فى استسلام وهو يتبع أخيه الذى شعر ببعض القلق من حال فهد وما هو على وشك البوح به الان .
-  -
أحست سهيله باليأس من اكتسابها لثقة فادي وحبه واهتمامه وتفاعله معها ، ، كانت تحاول بشتى الطرق فى الفترة الماضية أن تجعل فادي يشارك معها ومع فريده فى تلك الأنشطة التى أعدتها لهم ، ، لتقابل كل محاولاتها بالتجاهل من قبل فادي العنيد بينما تفاعلت معها فريده بحماس ، ، لم تستطع التغلغل الى اعماق ذلك الفتى الحساس والذى لاحظت حساسيته منذ يومها الاول ، ، لاحظت أيضا بعض النظرات المسترقة منه عندما يصدر منها كلمة تشجيع او لمسة حانية ، ، ليعود اليه ذلك القناع البارد على الفور عندما يلاحظ انها تنظر اليه ، ، لا تدرى لما يذكرها فادي بوالده كثيرا ، ، فهو لا يحمل ملامح والده بحسب بل صفاته أيضا ، ، ربما لم يمر عليها الكثير فى هذا المكان الا انها باتت تعرف طبائع المحيطين بها ، ، هى لم تتعامل سوى مع القليلين مثل الدادة نوال وهى سيدة طيبة للغاية وحنونة أيضا ، ، والسيدة مريم تلك الام الحنونة والجميلة والرقيقة فى نفس الوقت تشعر انها تشبهها فى الاهتمامات والطباع أيضا تعشق مثلها الرسم و القهوة ، ، و يجلسون كل يوم قبل غروب الشمس يحتسون القهوة و يرسمون بعض المناظر الطبيعية الخلابة خاصة لمنظر الغروب عشقهم الأبدى ، ، أما فارس دق قلبها عند تذكرها له ، ، لا تعلم لماذا ربما بسبب غموضه الذى تحاول فك شفرته ، ، فهو يبدوا أحيانا رائعا ، ، خاصة عند وجوده مع ولديه و أحيانا يبدو باردا و متباعدا و صلبا لا تتحرك مشاعره أو ملامحه قيد أنملة وغضبه يا الله ، ، كم هو قاس عند غضبه ، ، تتذكر البارحة عندما كان السائق يحضر التوأمين من المدرسة ليتوقف فى منتصف الطريق و ينزل من السيارة ليحضر بعض السجائر، ، ليخرج التوأمين من السيارة الى الشارع حتى كادت فريده أن تقع فى الترعة لولا وصول أبيهم اليهم فى نفس اللحظة حيث كان يسير بنفس الطريق ليقفز من السيارة ويسرع بانقاذ ابنته قبل أن تقع فى المياه ، ، ليأخذ أطفاله معه الى السيارة كما أخبرتها فريده و يأمر طه السائق بأن يسبقه الى هناك ، ، و فى الفيلا وأمام الجميع انهال عليه بالتقريع لإهماله الذى كاد يودى بحياة ابنته بل كان سيبلغ عنه ويلقيه فى السجن لولا توسل أمه له أن يدعه وشأنه فاكتفى بأن قام بطرده و أخبره أنه إن وقعت عليه عيناه مرة أخرى سيقوم بالابلاغ عنه ، ، ليسرع طه بالهرب من أمامه و يلتفت اليهم لترى سهيله نظرة غضب سوداء فى عينيه تبددت على الفور عندما اقترب منه كل من فادي و فريده لينزل على ركبتيه ويحتضنهما فى حنان وهو يغمض عينيه ويزفر فى راحة ، ، وكأنه يتخيل ما كان ممكن أن يحدث لولا وصوله فى اللحظة الاخيرة ، ، وكأن أبنائه هما فقط من يعيش لأجلهما لترى سهيله دواخله فى تلك اللحظة التى فتح فيها عينيه لتتقابل مع عينيها فى نظرة طويلة معبرة ليقطع هو نظرتهم وهو ينهض ليمسك بيدى ولديه ويتجه بهما الى حجرته ليناما بجواره تلك الليلة .
ثم أفاقت من أفكارها على صوت فريده وهى تقول : تفتكرى عمو ريان فاكرنا يا مس سهيله ؟
نظرت اليها سهيله فى حيرة قائلة: عمك ريان ؟
ابتسمت فريده قائلة: أيوة يا مس سهيله ، ، عمو ريان انتى مشفتهوش عشان هو مسافر من زمان ، ، بابا قالى ان احنا كان عندنا ساعتها سنتين ، ، وحكالنا عنه كتير وشوفنا صوره كمان ، ، بس هو جاى آخر الأسبوع وهنشوفه كلنا ، ، ومشفتيش كمان عمو فهد ومراته ، ، مش عارفة اسمها عشان مش بعرف أنطقه ، ، بصي أنا بحب عمو فهد بس مش بحب مراته عشان بتزعقلى كتير أنا و فادي .
قال فادي بغضب: خلاص يا فريده ، ، مس سهيله مش لازم تعرف كل حاجة عننا يعني .
ابتسمت سهيله فلأول مرة ينطق فادي اسمها ويتدخل فى حديثهما لتتوجه بالحديث الى فريده قائلة : فادي معاه حق يا حبيبتي ، ، مينفعش نقول تفاصيل حياتنا لحد وخصوصا لو كان غريب عننا فهمتي .
قالت فريده بحيرة و هي تنظر لهم : بس انتى مش غريبة يا مس سهيله .

قال فادي بحده و هو ينظرالي فريده اخته : لأ دي تبقا غريبة يا فريده .
لتقول فريده بتصميم و عناد : لأ مش غريبة يا فادي .
لتقاطعهم سهيله قائلة بحنان و هي تنظر لهم : خلاص يا اولادي الحلوين ، ، خلينا دلوقتى فى درسنا ، ، هعملكم امتحان صغير ولو حليتوا كويس هعملكم مفاجأة حلوة قوي .
ظهرت السعادة واضحة على وجه فريده التي تحمست كثيرا ، ، بينما لمحت سهيله نظرة حماس و سعاده فى عينى فادي ، ، و لكنه أخفاها بسرعة تحت قناع البرود ، ، لتبتسم داخلها وهى تشعر بقرب هدم ذلك الجدار الذى بناه حوله ذلك الطفل البرئ الفادي الروح .
-   -
كان فارس يستمع الى أخيه بهدوء بينما تتصارع داخله الأفكار ، ، لا يدرى بم يجيبه على تساؤلاته ، ، فأخيه قد بدأ يشعر بما رآه الجميع من حوله ، ، فالكل يعلمون أن حور تعشق فهد منذ الصغر ، ، ورأو عذابها فى قربه وتجاهله لمشاعرها رأوها يوم زفافه وهى شاحبة كالموتى ظلا لامرأة ، ، حتى أنها لم تستطع أن تكمل الحفل لتسقط مغشيا عليها وتظل مريضة لشهرين كاملين لتعود بعدها الى حياتها الطبيعية تحاول أن تقنع الجميع أنها على ما يرام ، ، وظن الجميع ذلك ، ، ولكن فارس فقط من ظل يرى ما بداخلها عندما تنظر الى فهد دون ان يلاحظ أحد ، ، ويبدو أيضا ان فهد فى طريقه لاكتشاف مشاعره التى كان غافلا عنها حتى عندما حذره فارس من تسرعه فى الزواج من ريناد لم يعير تحذيره اى اهتمام ، ، و الآن فات الأوان فا فهد لن يكون قادرا على هدم بيته ولا هو قادرا ايضا على اتباع مشاعره ليفيق من أفكاره على صوت فهد يقول بعصبية : هو أنا بحكيلك عشان تفضل ساكت كدة يا فارس و لا اي ؟
قال فارس بهدوء: اهدى بس ، ، كل الموضوع انى مش عارف أقولك ايه بصراحة يا فهد .
قال فهد بسخرية: جبتك ياعبد المعين تعيني ، ، طلعت انت عاوزاللي يعينك اخويا في الله .
قال فارس باستنكار: عبد المعين ، ، طب اسمع بقى أنا هسألك شوية أسئلة و انت تجاوبنى ومن اجاباتك ممكن تعرف ايه جواك بس بصراحه ؟
نظر اليه فهد فى شك إلا أنه أومأ برأسه موافقا ليقول فهد : ريناد بالنسبة ليك ايه ؟
قال فهد و هو ينظر له : مراتى يا فارس .
قال فارس بهدوء شديد : وحبيبتك يا فهد و لا ؟
ارتبك فهد قليلا ليقول : آه طبعا وحبيبتي ، ، بس يمكن مشاعرنا هديت شوية بعد الزواج ، ، الشراره دى اللى كانت موجودة قبل الزواج وده تقريبا حال كل المتزوجين يا فارس .
قال فارس فى هدوء: مين اللي قالك الكلام ده بس ، ، اوعى تصدق الناس اللى بتقول الجواز مقبرة الحب واذا دخل الجواز من الباب هرب الحب من الشباك ، ، الحب لو موجود فى الجواز ، ، بيزيد كل ما الوقت بيعدى الشرارة بتكبر مع العشرة الطيبة ، ، والشوق والعشق بيزيدوا مش بيقلوا بشوية اهتمام ومشاعر من الطرفين شرارة الحب بتقيد وبتبقى لهيب ، ، و اكبر دليل عندك ماما وبابا ولا ايه ؟
تنهد فهد قائلا و هو ينظر الي الفراغ : معاك حق يا فارس .
ثم قال فهد بتردد: هي دى كانت مشاعرك مع نوران ؟
مرت لمحة حزينة فى عينى فارس وهو يقول:
أنا ونوران كنا حالة مختلفة شوية ، ، جوازنا كان جواز مصلحة مبنى علي العقل ، ، اتنين متفقين فى الانطباع و هي كانت طيبة أوى الله يرحمها ، ، عمرها ما عصتنى ولا نيمتنى زعلان ، ، بس عمر الشرارة اللى بقولك عليها دى ما كانت موجودة بينا .
قال فهد بتفهم: الله يرحمها ، ، فعلا كانت طيبة اوى كفاية انها جابتلنا فادي و فريده اجمل حاجه في حياتنا و نور البيت كله .
ابتسم فارس عند ذكر ولديه وقفزت الى عقله صورتهما لينضم الى تلك الصورة فتاة ذات شعر بنى ناعم مسترسل وعينين لامعتين وابتسامة تظهر غمازتيها لينفض تلك الصورة بعنف ويفيق من أفكاره على صوت أخيه وهو يقول: وسؤالك التانى ؟
تنحنح فارس قائلا و هو ينظر له باهتمام : احم حور بالنسبة ليك ايه يا فهد ؟
ابتسم فهد بتلقائية وهو يقول بشرود: حور دى نسمة هوا فى يوم حر بتخلينى قادر استحمل يومى ، ، او نقطة مية فى صحرا من غيرها ممكن اموت ، ، حور دي اختى و صديقتي الوحيده واقرب حد ليا ، ، والوحيدة اللى بحس معاها براحة نفسية وكأنى قاعد مع نفسى فعلا هي حوري .
فغر فارس فمه من قوة و روعة الوصف لينظر اليه فهد و يدرك ما قاله دون وعى منه ، ، لتتسع عينا فهد ويعرف فارس ان فهد قد أدرك مشاعره تجاه حور ليقول فارس بهدوء:
دلوقتى أقدر أقول انك عرفت ايه اللى جواك بس المشكلة بقت ازاى هتقدر تتعامل معاه ؟
نظر إليه فهد فى حيرة يعلم أن هذا السؤال سيظل وقت طويل بلا إجابة .
# يتبع
فاطمه محمد
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي