13
الفصل الثالث عشر:
رنا : شكراً لكِ ، علّ الله يرزقكِ مثلها ، فأنا لا أستطيع النوم إلا بغرفتي لهذا السبب .
سارة : ههه، حقكِ الطبيعي ، بالفعل مميزة .
رنا : أخبريني عنكِ هل تغيرت معاملة خالي معكِ أم أنه عصبي إلى الآن ؟
سارة : هو وعدني بأنه لن يعاقبني و لكنني أخاف منه من نظرة عينيه حينما يحدق بي أو يتحدث معي بأسلوب حاد ، لذا أنا سعيدة لمجيئي إلى هنا .
رنا : أوووه الحمدلله بأن أبي مسالم ، و لم تصدف و لا مرة بحياتي سمعت صوته يرتفع و لكن أمي شديدة نوعاً ما و لا تسمح لي ببعض الأمور .
سارة بنفسها : شديدة و قد جلبت لك غرفة كهذه يامتكبرة ، تحمدي الله فأمي لو فرشت لها الأرض وروداً لن تجلب لي نصفها .
سارة : و لكنها تتدللك و تجلب لك أفضل الأشياء ، فلتحمدي الله .
رنا بتعجرف : أجل و هذا لأنني جيدة معها و أعلم كيف أكسبها و أتظاهر لها بالسمع و الطاعة ، و لو فعلتِ هكذا مع أمكِ لكانت جلبت لكِ أي شيء تريدينه .
سارة بنفسها : هل هذه المغرورة أصبحت من الناصحين لي أيضاً ، أوووه يا آلاهي ليتني لم آتي إلى هنا .
سارة بهدوء و عدم مبالاة : حسناً ،أنا سيئة و لا أعرف كيف أتعامل مع أحد ، سأذهب لأرى عمتي ماذا تفعل .
رنا بنفسها : مابها هذه البلهاء ؟ لما شعرت بأنها غَضِبت ،فأنا لم أقول لها شيء ، هه هي حرة فلتغضب ما شأني بها .
خرجت سارة و هي تنفث ناراً و لكنها تحاول عدم إظهار غضبها ، أغلقت الباب بهدوء و سارت بأتجاه المطبخ لترى عمتها تقف بقرب الغاز الكبير و تحضر العشاء .
سارة : هل أساعدكِ بشيء ياعمتي ؟
مها : من أول يوم تريدين مساعدتي ؟ أنت ضيفة اليوم و من الغد سأجعلك تساعدينني لو شأتي .
سارة : لا ، أنا أحب أعمال المطبخ ، سأقف بجانبك و أرى ماذا تفعلين ،فهكذا أكون سعيدة .
مها : أذاً قومي بتجهيز الشاي و أغسلي الخيار و البندورة و ضعيها بأطباق ثم ضعي الأكواب و السكر على الطاولة هناك .
سارة و هي تبتسم : حسناً.
مها بنفسها : لو طلبتُ من أبنتي أن تساعدني لتحججت بمئة حجة كي لا تفعل شيء مفيد لأمها ، أنا حقاً مستغربة من فتاة كَ سارة لم تحضى بحياة سلمية ، قد تكون أفضل من ابنتي التي أعتقدت بأنها مطيعة و تمشي بخطوات صحيحة .
سارة : عمتي البيض يحترق ، هل أنت بخير ؟
مها بدهشة : أه أجل ، و لكنني سَرحت قليلاً.
سارة : هل هناك شيء يُشغل بالك ؟
مها : لا، لا ياعزيزتي ، أمور دوامي بالمدرسة لا أكثر .
سارة : حسناً أنا انتهيت من تحضير ماقلتهِ لي ، هل أقوم بشيئٍ آخر ؟
مها : لا عزيزتي لقد أنتهينا ، فقط نادي على رنا و الأولاد .
سارة بنفسها : هل بدوت الآن أشبه بالنادلة أم أنه يتهيء لي ؟ اوووف يال حياتي التافهة ، لا سامحكم الله يا أهلي كان يجدر بكم أن تكونوا سند لي لا أن ترمونني هكذا أعيش مذلولة بكل مكان أذهب إليه .
طرقت باب غرفة رنا دون أن تفتح باب غرفتها لأنها ستغضب إن لم تطلب هذا ،لذا تحدثت معها من الخارج .
سارة بصوتٍ عالٍ: رنا العشاء جاهز ، هيا تعالي .
رنا : حسناً أنا أتية .
سارة : وليد ، سالم هل أنتما هنا ؟
لم يسمعا لأنهم كانا مندمجين بألعاب الفيديو و كان الصوت مرتفع ، فتحت سارة الباب بعد سماعها الضجيج في الداخل .
سارة : مرحباً ، كيف حالكما ؟
وليد و سالم : أهلاً سارة .
سارة : كنت أنادي عليكما و لكن لم تسمعا ، هيا فالعشاء جاهز ، و عمتي تنادي عليكم .
وليد : قولي لها بعد قليل ، أريد الآن أن أفوز بهذه اللعبة .
سالم : أجل قولي هكذا .
ارخت ملامح وجهها بإمتعاظ و بدأت تعض على شفتها السفلى و ترفع إحدى حاجبيها و هي تستدير لتعود أدراجها إلى المطبخ .
سارة بنفسها : و هل أصبحت الآن مرسالاً لهؤلاء الأولاد ، ياربي هل بدوت أنا كثيرة الشكوى ؟ أم أن الأمور خرجت عن سيطرتها و لم يعد هناك أحداً يحترمني أو يعيرني أي قيمة ؟
كنت سعيدة لمجيئي إلى هنا و الابتعاد عن ضغط عمي ، حسناً إن بقيت الأمور هكذا للغد سأعود إلى هناك ، على الأقل فرح تحترمني و تُحبني ، اممم و لكن عمتي أيضاً ، أووف فأنا لم أعد أعرف أين هي سعادتي و مع من ، هل يوجد ضياع أكثر هذا ؟ ياربي فلتنقذني أنت .
تناولوا سوياً العشاء ما عدا زوجها الذي كان يزور صديقه في الحي و كانوا يتحاوران و يتحادثان عن أمور شعرت سارة بأنها سخيفة ، فكانت رنا تتحدث كيف بنات صفها يغارن منها و من لباسها الجميل و الأولاد يتراهنان من سيفوز بلعبة مبارة يوم غد .
كانت مها تراقب شطائر الجبن لتخرجها من الفرن أما سارة بقيت صامتة و هي تستمع لهمومهم و شكواهم التافهة مقارنة بما حدث معها ، بل و يتصارعان بشكل جدي على الأطباق و المعالق و الأكواب .
وليد : هذا الكوب لي لما تشرب به ؟
سالم : هل أسمك محفوراً عليه ؟
وليد : أنه لي ، جلبته أمي لي أنا ، أليس كذلك يا رنا ؟
رنا : أجل ، هيا أعطهِ أياه .
سالم : أنت لا تتدخلي ،لا شأن لكِ، فأنا اليوم أريد أن أشرب به هل ستخرب الحياة إن الصقت شفتاي الجميلتان عليه ؟
رنا و هي تُخرج لسانها : جميلتان ! أاااع
وليد بصراخ و قرف : عااااا، أمييي .
سالم : هيا أصرخ أعلى و نادي على أمك كالأطفال ، لن أعطيكَ أياه لو ناديت على الملك .
ثم قفز وليد من الخلف و أمسك بشعر سالم و كان يحاول عض أذنه و لكن سالم يحاول أبعاده عنه .
سالم : أبتعد عني أيها الغبي ، و ألا قمت بضربك ضرباً مبرحاً .
وليد : أعطني الكوب و سأتركك.
رنا بدلع : ماما ، ماما تعالي أنظري ماذا فعلوا ببعضهما .
أتت مها على صوت صراخهم لتحل الأمر بينهما ، فهذه هي مشاكل أولادها اليومية تكون بهذا الشكل المضحك .
تختلف طباع و أخلاق الأولاد من عائلة لآخرى ، قد يكون الموضوع مورثي أو تَطبع و تعويد أو بسبب الدلال الزائد و أمتلاك كل شيء يجعل الطفل متطلب ، كثير الشكوى و لا يقبل بأي شيء بسهولة ، كما أنه لن يفكر بوالديه و لايكترث لو أفلسا ، فالمهم لديهم أن يحضوا بنفس الحياة التي أعتادوها ، و لا ينظرون إلى تعب والديهم أبداً أو يقدرونه .
فالطفل الذي عاش ضمن بيئة عادية بسيطة لا يكون متطلب بل يكون طموح لينجح ليغير من حياة أهله ليعيشوا حياة كريمة تليق بهم ، وقد يضحي لأجلهم و ينسى نفسه و أحلامه التي تَكرّست معظمها في إسعاد والديه و تغيير حياتهم .
شعرت سارة بصدمة عارمة لِما يحصل أمامها فهي لم تتخيل بأن يكون الوضع بهذا السوء و التدقيق في كل شيء.
سارة بنفسها : هل للحياة قيمة أن أحارب لأجل شيء حقاً ، أم أنا التي صَغُرَ كل شيء في عيني ، ههه أنا لا أتخيل نفسي بأن أتشاجر مع أحد من أجل كوب أو طبق خاص بي أو أي شيء جماد ، فجميعها تتعوض.
أنتهوا من العشاء و من تبادل الأحاديث لتستأذن سارة لتنام .
سارة : أنا تعبت و أريد أن أنام ،أين عليّ أن أنام .
نظرت رنا بطرف عينها على أمها بإمتعاظ كي لا تقول بأن تنام معها لأنها لا تقبل بأن يشاركها أحداً غرفتها .
مها : حسناً يا سارة ستنامين اليوم هنا بغرفة الضيافة ، سأفتح لكِ إحدى الكنب لتصبح كالسرير و غداً سيسافر زوجي إلى أهله عدة أيام لذا ستنامين معي في غرفتي .
عَلت الصدمة على وجه رنا من الغيرة .
رنا بنفسها : هي لم تقول هذا لي يوماً ، هل تُحبها أكثر مني يا ترى ؟
سارة : شكراً لكِ يا عمتي .
ذهبت سارة إلى الغرفة المنشودة و أستلقت على ظهرها بعد أن أطفأت النور لتصبح الغرفة عاتمة تماماً و هذا الشيء أصبح يجعلها تشعر بالراحة بعد أعتيادها على الغرفة المعتمة ببيت عمها ، فلا أحد يشاهد دموعها و تقلب مزاجها و تنهداتها هكذا .
كانت تنظر للسقف و دموعها تسيل من الطرفين لتسقط على وسادتها البيضاء و هي تتحسر و تتألم من كل شيء يجري بحياتها ، باتت حياتها باهتة دون ألوان تزينها .
لم تشعر بأن أحدهم يعيرها الأولوية ، أو أنها الأهم و مستقبلها و نجاحها هو أكثر شيء يتمناه .
شعرت بالغيرة أكثر عندما رأت ماذا تفعل عمتها من أجل أبنتها فهي تضيع عمرها و أتعابها من أجل أن تنجح و أسمها يلمع و تسعى بأن تكون في سعادة و راحة تامة و الأهم لاتسمح لأحد بأن يتدخل بها من الأقارب .
دخلت مها إلى غرفتها لتتبعها رنا و هي تعقد حاجبيها .
رنا : هل كنتِ تريدين أن تنام سارة في غرفتي لتشت أفكاري و لا أستطيع التركيز بدراستي ؟
مها : لا ، و لكن تمنيت لو أنكِ طلبتِ منها ذلك، فهي لن تفعل شيء يا غيورة .
رنا بعجرفة : و لما أجعل أحداً ينام معي في غرفتي الجميلة ، هي لي فقط ، و أنت تعلمين بأنني لا أحب بأن يشاركني أحد أغراضي الشخصية .
مها بغضب : أوووف من هذه الفتاة النكدية و كثيرة الشكوى ، حسناً لن يحدث هذا يا غبية ، أغربي عن وجهي و نامي .
رنا : حسناً ، تصبحين على خير.
مها : أرجو أن تلاقي الخير مع كُبُر قليل لعقلك الصغير .
رنا : هههه، أحب نفسي كثيراً به .
أغلقت رنا باب غرفة أمها و هي تبتسم بأن أمها تهتم لمشاعرها و لن تسمح لأحد أستعمال أغراضها .
فكانت أكبر همومها بألا يقترب أحداً من خصوصياتها .
فعلاً هي شخص لم يملك أي هم و لكنها جنت على نفسها بكثرة المتطلبات و سلوكها السيء الذي جعل الجميع ينفر منها و من سخافة أفكارها السطحية التي لا تعطي أي أهمية للحياة أو للمستقبل .
كانت مهووسة بالفنانين و تمنحهم حيز كبير بحياتها و تسبب مشاكل مع الشخص الذي يتحدث عنهم بسوء ، قد تجد ذلك سخيفاً و لكنها شخص يحتاج بأن يُملئ طموحاته بشيء غير تمني منزل جميل و غرفة رائعة و هاتف حديث و ثياب راقية كما تطمح الآخريات لذا كانت أحلامها تافهة أيضاً مثل حلمها بأن تتزوج من ممثل تحبه و تدعي يومياً لأجل هذا أو تكتب لهم رسائل ورقية وتلصقها على الحائط بالقرب من صورهم التي كانت تشتريها .
البعض يجد هذه الأمور تافهة و البعض الآخر يجدها مسلية و ممتعة و القليل سيكون محايد بقول بأن كل شخص هو حر بأفكاره وبحياته التي سيعيشها وحده و يجازف بها سوآء للخير أو للشر و هو بكامل عقله و إن أطاح بها فهذا من شأنه و إن نجح علَّ من شأنه و شأن والديه ليكونوا فخورين به في المستقبل و بأن تعبهم و كدهم من أجله لم يذهبا هبائاً بل سيقولون بأن أبننا يستحق هذا العناء .
و لكن ماذا سيقولون عن ابنهم الذي جعلهم يدفعون دم قلبهم كي يدرسوا و ينجحوا و ابناؤهم آخر همهم مافعلوه له و لم يكترثوا لأجله ، بل نجحوا بالفشل المتكرر دائماً
في بيت أيمن
حيث كان مستلقي على سريره و مشغول البال بأمور الحياة و مصاريفها اليومية .
فرح : بماذا تفكر ياعزيزي ؟
أيمن : أشعر بأن الحياة أصبحت صعبة ، فكل يوم تصبح أضيق و أصعب و لاترحمنا و كل شيء أصبح سعره غالياً .
فرح : لا تُفكر كثيراً سيرزقنا الله حتماً و تتغير أحوالنا للأفضل ، و إن لم تتغير فالحمد لله ، المهم أنت و الأولاد بخير .
أيمن : أنا محظوظ ٌ بكِ أتعلمين هذا ؟
فرح : هههه ، أجل ، و أنا محظوظة بكَ أيضاً .
أيمن : هل تضنين أن سارة سعيدة عند عمتها أكثر من هنا ؟
فرح : أضن هذا لأن هناك ابنة عمتها تقريباً من عمرها و نفس تفكيرها .
أيمن : و وضعهم المادي أفضل و هنا حُرمت كثير من الأشياء حتى و الدها لم يعد يرسل لها مصروفاً خاص لها و أمها لا تهتم ، أحياناً أشفق عليها و لكن تصرفاتها تدعونني للجنون و عدم انضباطها و الإصغاء على أوامري .
فرح : أرجوك كن رحيم أنها تتغير و تتعلم رويداً رويداً ، لا تقسو عليها كي لاتنفر أكثر ، فهي بدأت تعتاد .
أيمن : لو أردت القسوة عليها لما سمحت لها بالذهاب لعمتها رغم أنني أعلم بأنها ستسمح لها عمتها بالتنزه و الخروج و التحدث على الهاتف ، و لكنني لا أريد ممارسة الضغط الدائم عليها أريدها أن تتعلم قليلاً من أخطاءها بأن ماتفعله خاطئ .
فرح : أرجو من الله بأن يغير حياتها للأفضل و تُرزق يوماً ما بزوج صالح و يحافظ عليها .
أيمن : آمين .
الحياة بدت متعبة و شاقة بالنسبة لأيمن و يومياً ينام و هو يفكر بأطفاله و كيف يستطيع تأمين أحتياجاتهم و متطلباتهم ، فهو يشعر بحمل ثقيل على كتفيه بأن تُنجب أطفالاً على هذه الحياة و لا يحضو بحياة كريمة ، و بالأخص أن أولاد عمومتهم جميعهم بحال أفضل لذا كان يشعر بالنقص تجاه أطفاله .
في مجتمعاتنا الحياة قاسية و كلام الناس لا يرحم و الحياة روتينية و مملة و ليس روايتي التي أصبح الكلام بها متشابه ، و لكنك ستجد بها أغلب الشخصيات البارزة في مجتمعاتنا التي يوجه عليها الضوء ، كالفئة المراهقة ،الشباب اللعوبين المخادعين ،و الصادقين منهم ، حياة العوائلة الغنية و الفقيرة ، حياة المرأة بلا زوج يسندها حيث أغلب الرجال تسافر و تترك وراءها أطفالاً تحمل مسؤوليتهم أم لا تسطيع حمايتهم من المجتمع الخارجي و الناس من حولهم ، كما تحدثنا عن الشخصيات القاسية و اللينة ، المتكبر و المتواضع ، التستر و من يحب الفضائح .
جميع هذه الشخصيات ستجدها تقريباً بحياة أي شخص و بروايتي سيجد الكثير بأن لديه حياة مشابهة أو مر بمرحلة منها أو يعرف أُناس مشابهون .
أرجو أن تأخذو من هذه الرواية عبرة أكثر من كونها قصة تتحدث عن حياة فتاة مراهقة ، فالتفاصيل مهمة جداً ، و قد يساعدكَ إحداها على فهم طفلك ، طفلتك أو أي شخصية تهمك .
قد تبدو الأيام في حياتنا متشابهة ، إذاً هكذا هي بالنسبة لسارة لذا لا تستغرب بعض الأحداث المتكررة لو صدفتها .
كانت سارة في تلك الليلة كئيبة و حزينة و فقدت الأمل من وجود سعادة حولها ، و قد خيم الحزن عليها و لون حياتها التي لم تتغير لشيء تتمناه .
كم هو مؤلم بأن تتحمس لأمراً ما و من ثم تُحبط عندما ترى الواقع المختلف عما كنت تتخيل لتصاب بصدمة ذهول و خيبة أمل قد لا تفارقك و تجعلك تندم على تفاعلك و تأملك الشديد لأي أمراً كان دون معرفة نتيجته .
يتبع ..
رنا : شكراً لكِ ، علّ الله يرزقكِ مثلها ، فأنا لا أستطيع النوم إلا بغرفتي لهذا السبب .
سارة : ههه، حقكِ الطبيعي ، بالفعل مميزة .
رنا : أخبريني عنكِ هل تغيرت معاملة خالي معكِ أم أنه عصبي إلى الآن ؟
سارة : هو وعدني بأنه لن يعاقبني و لكنني أخاف منه من نظرة عينيه حينما يحدق بي أو يتحدث معي بأسلوب حاد ، لذا أنا سعيدة لمجيئي إلى هنا .
رنا : أوووه الحمدلله بأن أبي مسالم ، و لم تصدف و لا مرة بحياتي سمعت صوته يرتفع و لكن أمي شديدة نوعاً ما و لا تسمح لي ببعض الأمور .
سارة بنفسها : شديدة و قد جلبت لك غرفة كهذه يامتكبرة ، تحمدي الله فأمي لو فرشت لها الأرض وروداً لن تجلب لي نصفها .
سارة : و لكنها تتدللك و تجلب لك أفضل الأشياء ، فلتحمدي الله .
رنا بتعجرف : أجل و هذا لأنني جيدة معها و أعلم كيف أكسبها و أتظاهر لها بالسمع و الطاعة ، و لو فعلتِ هكذا مع أمكِ لكانت جلبت لكِ أي شيء تريدينه .
سارة بنفسها : هل هذه المغرورة أصبحت من الناصحين لي أيضاً ، أوووه يا آلاهي ليتني لم آتي إلى هنا .
سارة بهدوء و عدم مبالاة : حسناً ،أنا سيئة و لا أعرف كيف أتعامل مع أحد ، سأذهب لأرى عمتي ماذا تفعل .
رنا بنفسها : مابها هذه البلهاء ؟ لما شعرت بأنها غَضِبت ،فأنا لم أقول لها شيء ، هه هي حرة فلتغضب ما شأني بها .
خرجت سارة و هي تنفث ناراً و لكنها تحاول عدم إظهار غضبها ، أغلقت الباب بهدوء و سارت بأتجاه المطبخ لترى عمتها تقف بقرب الغاز الكبير و تحضر العشاء .
سارة : هل أساعدكِ بشيء ياعمتي ؟
مها : من أول يوم تريدين مساعدتي ؟ أنت ضيفة اليوم و من الغد سأجعلك تساعدينني لو شأتي .
سارة : لا ، أنا أحب أعمال المطبخ ، سأقف بجانبك و أرى ماذا تفعلين ،فهكذا أكون سعيدة .
مها : أذاً قومي بتجهيز الشاي و أغسلي الخيار و البندورة و ضعيها بأطباق ثم ضعي الأكواب و السكر على الطاولة هناك .
سارة و هي تبتسم : حسناً.
مها بنفسها : لو طلبتُ من أبنتي أن تساعدني لتحججت بمئة حجة كي لا تفعل شيء مفيد لأمها ، أنا حقاً مستغربة من فتاة كَ سارة لم تحضى بحياة سلمية ، قد تكون أفضل من ابنتي التي أعتقدت بأنها مطيعة و تمشي بخطوات صحيحة .
سارة : عمتي البيض يحترق ، هل أنت بخير ؟
مها بدهشة : أه أجل ، و لكنني سَرحت قليلاً.
سارة : هل هناك شيء يُشغل بالك ؟
مها : لا، لا ياعزيزتي ، أمور دوامي بالمدرسة لا أكثر .
سارة : حسناً أنا انتهيت من تحضير ماقلتهِ لي ، هل أقوم بشيئٍ آخر ؟
مها : لا عزيزتي لقد أنتهينا ، فقط نادي على رنا و الأولاد .
سارة بنفسها : هل بدوت الآن أشبه بالنادلة أم أنه يتهيء لي ؟ اوووف يال حياتي التافهة ، لا سامحكم الله يا أهلي كان يجدر بكم أن تكونوا سند لي لا أن ترمونني هكذا أعيش مذلولة بكل مكان أذهب إليه .
طرقت باب غرفة رنا دون أن تفتح باب غرفتها لأنها ستغضب إن لم تطلب هذا ،لذا تحدثت معها من الخارج .
سارة بصوتٍ عالٍ: رنا العشاء جاهز ، هيا تعالي .
رنا : حسناً أنا أتية .
سارة : وليد ، سالم هل أنتما هنا ؟
لم يسمعا لأنهم كانا مندمجين بألعاب الفيديو و كان الصوت مرتفع ، فتحت سارة الباب بعد سماعها الضجيج في الداخل .
سارة : مرحباً ، كيف حالكما ؟
وليد و سالم : أهلاً سارة .
سارة : كنت أنادي عليكما و لكن لم تسمعا ، هيا فالعشاء جاهز ، و عمتي تنادي عليكم .
وليد : قولي لها بعد قليل ، أريد الآن أن أفوز بهذه اللعبة .
سالم : أجل قولي هكذا .
ارخت ملامح وجهها بإمتعاظ و بدأت تعض على شفتها السفلى و ترفع إحدى حاجبيها و هي تستدير لتعود أدراجها إلى المطبخ .
سارة بنفسها : و هل أصبحت الآن مرسالاً لهؤلاء الأولاد ، ياربي هل بدوت أنا كثيرة الشكوى ؟ أم أن الأمور خرجت عن سيطرتها و لم يعد هناك أحداً يحترمني أو يعيرني أي قيمة ؟
كنت سعيدة لمجيئي إلى هنا و الابتعاد عن ضغط عمي ، حسناً إن بقيت الأمور هكذا للغد سأعود إلى هناك ، على الأقل فرح تحترمني و تُحبني ، اممم و لكن عمتي أيضاً ، أووف فأنا لم أعد أعرف أين هي سعادتي و مع من ، هل يوجد ضياع أكثر هذا ؟ ياربي فلتنقذني أنت .
تناولوا سوياً العشاء ما عدا زوجها الذي كان يزور صديقه في الحي و كانوا يتحاوران و يتحادثان عن أمور شعرت سارة بأنها سخيفة ، فكانت رنا تتحدث كيف بنات صفها يغارن منها و من لباسها الجميل و الأولاد يتراهنان من سيفوز بلعبة مبارة يوم غد .
كانت مها تراقب شطائر الجبن لتخرجها من الفرن أما سارة بقيت صامتة و هي تستمع لهمومهم و شكواهم التافهة مقارنة بما حدث معها ، بل و يتصارعان بشكل جدي على الأطباق و المعالق و الأكواب .
وليد : هذا الكوب لي لما تشرب به ؟
سالم : هل أسمك محفوراً عليه ؟
وليد : أنه لي ، جلبته أمي لي أنا ، أليس كذلك يا رنا ؟
رنا : أجل ، هيا أعطهِ أياه .
سالم : أنت لا تتدخلي ،لا شأن لكِ، فأنا اليوم أريد أن أشرب به هل ستخرب الحياة إن الصقت شفتاي الجميلتان عليه ؟
رنا و هي تُخرج لسانها : جميلتان ! أاااع
وليد بصراخ و قرف : عااااا، أمييي .
سالم : هيا أصرخ أعلى و نادي على أمك كالأطفال ، لن أعطيكَ أياه لو ناديت على الملك .
ثم قفز وليد من الخلف و أمسك بشعر سالم و كان يحاول عض أذنه و لكن سالم يحاول أبعاده عنه .
سالم : أبتعد عني أيها الغبي ، و ألا قمت بضربك ضرباً مبرحاً .
وليد : أعطني الكوب و سأتركك.
رنا بدلع : ماما ، ماما تعالي أنظري ماذا فعلوا ببعضهما .
أتت مها على صوت صراخهم لتحل الأمر بينهما ، فهذه هي مشاكل أولادها اليومية تكون بهذا الشكل المضحك .
تختلف طباع و أخلاق الأولاد من عائلة لآخرى ، قد يكون الموضوع مورثي أو تَطبع و تعويد أو بسبب الدلال الزائد و أمتلاك كل شيء يجعل الطفل متطلب ، كثير الشكوى و لا يقبل بأي شيء بسهولة ، كما أنه لن يفكر بوالديه و لايكترث لو أفلسا ، فالمهم لديهم أن يحضوا بنفس الحياة التي أعتادوها ، و لا ينظرون إلى تعب والديهم أبداً أو يقدرونه .
فالطفل الذي عاش ضمن بيئة عادية بسيطة لا يكون متطلب بل يكون طموح لينجح ليغير من حياة أهله ليعيشوا حياة كريمة تليق بهم ، وقد يضحي لأجلهم و ينسى نفسه و أحلامه التي تَكرّست معظمها في إسعاد والديه و تغيير حياتهم .
شعرت سارة بصدمة عارمة لِما يحصل أمامها فهي لم تتخيل بأن يكون الوضع بهذا السوء و التدقيق في كل شيء.
سارة بنفسها : هل للحياة قيمة أن أحارب لأجل شيء حقاً ، أم أنا التي صَغُرَ كل شيء في عيني ، ههه أنا لا أتخيل نفسي بأن أتشاجر مع أحد من أجل كوب أو طبق خاص بي أو أي شيء جماد ، فجميعها تتعوض.
أنتهوا من العشاء و من تبادل الأحاديث لتستأذن سارة لتنام .
سارة : أنا تعبت و أريد أن أنام ،أين عليّ أن أنام .
نظرت رنا بطرف عينها على أمها بإمتعاظ كي لا تقول بأن تنام معها لأنها لا تقبل بأن يشاركها أحداً غرفتها .
مها : حسناً يا سارة ستنامين اليوم هنا بغرفة الضيافة ، سأفتح لكِ إحدى الكنب لتصبح كالسرير و غداً سيسافر زوجي إلى أهله عدة أيام لذا ستنامين معي في غرفتي .
عَلت الصدمة على وجه رنا من الغيرة .
رنا بنفسها : هي لم تقول هذا لي يوماً ، هل تُحبها أكثر مني يا ترى ؟
سارة : شكراً لكِ يا عمتي .
ذهبت سارة إلى الغرفة المنشودة و أستلقت على ظهرها بعد أن أطفأت النور لتصبح الغرفة عاتمة تماماً و هذا الشيء أصبح يجعلها تشعر بالراحة بعد أعتيادها على الغرفة المعتمة ببيت عمها ، فلا أحد يشاهد دموعها و تقلب مزاجها و تنهداتها هكذا .
كانت تنظر للسقف و دموعها تسيل من الطرفين لتسقط على وسادتها البيضاء و هي تتحسر و تتألم من كل شيء يجري بحياتها ، باتت حياتها باهتة دون ألوان تزينها .
لم تشعر بأن أحدهم يعيرها الأولوية ، أو أنها الأهم و مستقبلها و نجاحها هو أكثر شيء يتمناه .
شعرت بالغيرة أكثر عندما رأت ماذا تفعل عمتها من أجل أبنتها فهي تضيع عمرها و أتعابها من أجل أن تنجح و أسمها يلمع و تسعى بأن تكون في سعادة و راحة تامة و الأهم لاتسمح لأحد بأن يتدخل بها من الأقارب .
دخلت مها إلى غرفتها لتتبعها رنا و هي تعقد حاجبيها .
رنا : هل كنتِ تريدين أن تنام سارة في غرفتي لتشت أفكاري و لا أستطيع التركيز بدراستي ؟
مها : لا ، و لكن تمنيت لو أنكِ طلبتِ منها ذلك، فهي لن تفعل شيء يا غيورة .
رنا بعجرفة : و لما أجعل أحداً ينام معي في غرفتي الجميلة ، هي لي فقط ، و أنت تعلمين بأنني لا أحب بأن يشاركني أحد أغراضي الشخصية .
مها بغضب : أوووف من هذه الفتاة النكدية و كثيرة الشكوى ، حسناً لن يحدث هذا يا غبية ، أغربي عن وجهي و نامي .
رنا : حسناً ، تصبحين على خير.
مها : أرجو أن تلاقي الخير مع كُبُر قليل لعقلك الصغير .
رنا : هههه، أحب نفسي كثيراً به .
أغلقت رنا باب غرفة أمها و هي تبتسم بأن أمها تهتم لمشاعرها و لن تسمح لأحد أستعمال أغراضها .
فكانت أكبر همومها بألا يقترب أحداً من خصوصياتها .
فعلاً هي شخص لم يملك أي هم و لكنها جنت على نفسها بكثرة المتطلبات و سلوكها السيء الذي جعل الجميع ينفر منها و من سخافة أفكارها السطحية التي لا تعطي أي أهمية للحياة أو للمستقبل .
كانت مهووسة بالفنانين و تمنحهم حيز كبير بحياتها و تسبب مشاكل مع الشخص الذي يتحدث عنهم بسوء ، قد تجد ذلك سخيفاً و لكنها شخص يحتاج بأن يُملئ طموحاته بشيء غير تمني منزل جميل و غرفة رائعة و هاتف حديث و ثياب راقية كما تطمح الآخريات لذا كانت أحلامها تافهة أيضاً مثل حلمها بأن تتزوج من ممثل تحبه و تدعي يومياً لأجل هذا أو تكتب لهم رسائل ورقية وتلصقها على الحائط بالقرب من صورهم التي كانت تشتريها .
البعض يجد هذه الأمور تافهة و البعض الآخر يجدها مسلية و ممتعة و القليل سيكون محايد بقول بأن كل شخص هو حر بأفكاره وبحياته التي سيعيشها وحده و يجازف بها سوآء للخير أو للشر و هو بكامل عقله و إن أطاح بها فهذا من شأنه و إن نجح علَّ من شأنه و شأن والديه ليكونوا فخورين به في المستقبل و بأن تعبهم و كدهم من أجله لم يذهبا هبائاً بل سيقولون بأن أبننا يستحق هذا العناء .
و لكن ماذا سيقولون عن ابنهم الذي جعلهم يدفعون دم قلبهم كي يدرسوا و ينجحوا و ابناؤهم آخر همهم مافعلوه له و لم يكترثوا لأجله ، بل نجحوا بالفشل المتكرر دائماً
في بيت أيمن
حيث كان مستلقي على سريره و مشغول البال بأمور الحياة و مصاريفها اليومية .
فرح : بماذا تفكر ياعزيزي ؟
أيمن : أشعر بأن الحياة أصبحت صعبة ، فكل يوم تصبح أضيق و أصعب و لاترحمنا و كل شيء أصبح سعره غالياً .
فرح : لا تُفكر كثيراً سيرزقنا الله حتماً و تتغير أحوالنا للأفضل ، و إن لم تتغير فالحمد لله ، المهم أنت و الأولاد بخير .
أيمن : أنا محظوظ ٌ بكِ أتعلمين هذا ؟
فرح : هههه ، أجل ، و أنا محظوظة بكَ أيضاً .
أيمن : هل تضنين أن سارة سعيدة عند عمتها أكثر من هنا ؟
فرح : أضن هذا لأن هناك ابنة عمتها تقريباً من عمرها و نفس تفكيرها .
أيمن : و وضعهم المادي أفضل و هنا حُرمت كثير من الأشياء حتى و الدها لم يعد يرسل لها مصروفاً خاص لها و أمها لا تهتم ، أحياناً أشفق عليها و لكن تصرفاتها تدعونني للجنون و عدم انضباطها و الإصغاء على أوامري .
فرح : أرجوك كن رحيم أنها تتغير و تتعلم رويداً رويداً ، لا تقسو عليها كي لاتنفر أكثر ، فهي بدأت تعتاد .
أيمن : لو أردت القسوة عليها لما سمحت لها بالذهاب لعمتها رغم أنني أعلم بأنها ستسمح لها عمتها بالتنزه و الخروج و التحدث على الهاتف ، و لكنني لا أريد ممارسة الضغط الدائم عليها أريدها أن تتعلم قليلاً من أخطاءها بأن ماتفعله خاطئ .
فرح : أرجو من الله بأن يغير حياتها للأفضل و تُرزق يوماً ما بزوج صالح و يحافظ عليها .
أيمن : آمين .
الحياة بدت متعبة و شاقة بالنسبة لأيمن و يومياً ينام و هو يفكر بأطفاله و كيف يستطيع تأمين أحتياجاتهم و متطلباتهم ، فهو يشعر بحمل ثقيل على كتفيه بأن تُنجب أطفالاً على هذه الحياة و لا يحضو بحياة كريمة ، و بالأخص أن أولاد عمومتهم جميعهم بحال أفضل لذا كان يشعر بالنقص تجاه أطفاله .
في مجتمعاتنا الحياة قاسية و كلام الناس لا يرحم و الحياة روتينية و مملة و ليس روايتي التي أصبح الكلام بها متشابه ، و لكنك ستجد بها أغلب الشخصيات البارزة في مجتمعاتنا التي يوجه عليها الضوء ، كالفئة المراهقة ،الشباب اللعوبين المخادعين ،و الصادقين منهم ، حياة العوائلة الغنية و الفقيرة ، حياة المرأة بلا زوج يسندها حيث أغلب الرجال تسافر و تترك وراءها أطفالاً تحمل مسؤوليتهم أم لا تسطيع حمايتهم من المجتمع الخارجي و الناس من حولهم ، كما تحدثنا عن الشخصيات القاسية و اللينة ، المتكبر و المتواضع ، التستر و من يحب الفضائح .
جميع هذه الشخصيات ستجدها تقريباً بحياة أي شخص و بروايتي سيجد الكثير بأن لديه حياة مشابهة أو مر بمرحلة منها أو يعرف أُناس مشابهون .
أرجو أن تأخذو من هذه الرواية عبرة أكثر من كونها قصة تتحدث عن حياة فتاة مراهقة ، فالتفاصيل مهمة جداً ، و قد يساعدكَ إحداها على فهم طفلك ، طفلتك أو أي شخصية تهمك .
قد تبدو الأيام في حياتنا متشابهة ، إذاً هكذا هي بالنسبة لسارة لذا لا تستغرب بعض الأحداث المتكررة لو صدفتها .
كانت سارة في تلك الليلة كئيبة و حزينة و فقدت الأمل من وجود سعادة حولها ، و قد خيم الحزن عليها و لون حياتها التي لم تتغير لشيء تتمناه .
كم هو مؤلم بأن تتحمس لأمراً ما و من ثم تُحبط عندما ترى الواقع المختلف عما كنت تتخيل لتصاب بصدمة ذهول و خيبة أمل قد لا تفارقك و تجعلك تندم على تفاعلك و تأملك الشديد لأي أمراً كان دون معرفة نتيجته .
يتبع ..