الفصل السابع و الاربعين

الفصل السابع والاربعون ..
_____________________
طوت المنشفة واستدارت لتري ما الأمر ،
توقفت عن الحركة واتسعت عيناها .
كان آريستيد يقف أمام الباب متكئ علي الطاولة يراقبها ،
قالت له بفزع بعد شهقت بخفه :
-  منذ متي وأنت واقف هناك ؟!
اجابها وهو يبتسم على حمرة وجهها الظاهرة على وجنتيها :
-  ليس منذ وقت طويل ..
اقتربت من باب المطبخ وهي تسأله بقلق :
-  و أين ستيفاني ؟!
تقدم خطوة نحوها ليوقفها تن التقدم للخارج قبل أن يجيب :
لقد نامت علي الصوفا منذ عدة دقائق ..
ساد صمت للحظة قبل أن يسألها :
-   ما الذي كنت تفكرين فيه ؟ منذ قليل ، أقصد ..
أخبرتها نظراته أنه كان يعلم ما الذي كانت
تفكر به في وقت سابق ،
وعندما وجدته يحدق بها بشوق واضح ،
انتقلت نظراتها الي يديه ولأول مرة لاحظت أنه يحمل رزمة في كل يد ..
قالت له بحرج ، وامتنان في نفس الوقت :
-  ما كان عليك احضار هدايا لنا اليوم ..
قال لها وعيناه يحصران نظراتها التائهة :
-  لقد أردت أن أفعل ..
ثم اقترب منها أكثر وأصبح صوته منخفضا وهو يتابع :
-   هناك الكثير من الأشياء أريد القيام بها معك جيني .
صححت له :
-  جينيفر ..
-  ثم مدت يدها الي الرزمة الأكبر وتابعت :
- اعتقدت أنك تصغر اسم كل شخص الي مقطع واحد ،
جيني مقطعين !
قال لها بصوته الحالم :
-  أنت مختلفة عن الباقيين بالنسبة لي ..
هزت رأسها ورفعت ذقنها وهي تقول :
-  أنا لست لك بأي شيء ..
ابتسم لها آريستيد وقال :
-  ألن تفتحي هديتك ؟!
سألته باستفهام :
-  ما الذي أحضرته لي بكل الأحوال ؟!
قدم لها الصندوق وهو يبتسم ابتسامة ماكرة وهو يقول :
-   شيء عندما رأيته ذكرني بك ..
لكن علي أن أحذرك ، نحن عائلة آرنستو ،
مشهورين بقدرتنا علي تقديم هدايا توقظ الأفكار ...
مررت جينيفر ظفرها تحت الشريط ،
وهي مصممة أن تنتهي من كل ذلك ،
رفعت الهدية من الصندوق وهي تقول :
-   هل هذه هدية توقظ الأفكار ؟!
كانت الهدية عبارة عن زهرية في داخلها زهرة من مادة البلاستيك ، عليها نظارة شمسية ، وتحمل غيتار ،
تحركت وعلي صوت ضحكتها المتفاجئة بدأت بالعزف علي الغيتار ، فضحكت مرة ثانية .
تمتم آريستيد :
-  علمت أنها ستعجبك ..
ترنحت وتمايلت الزهرة ،
علي صوته الناعم تماما كما فعل قلبها ..
فسألته بتأثر :
-   وماذا يجب أن أفعل بهذه ؟!
اجابها وهو يقترب منها :
-  استمتعي بها ..
لم تستطع الا أن تبتسم لتلك النظرة الماكرة في عينيه وقالت :
-  حسنا ، وماذا يجب أن أفعل
بك أنت ؟!
ابتسم وهو يقول لها :
-  يمكنني قول ذات الشيء ،
لكنني اثق انني هدية ستيف علي العيد ..
حذرته وهي تضيق عينيها :
-  لا تشجعها ..
ثم اردفت :
-  أنا أحاول أن أشجعك أنت ، فهي بإمكانها دائما اعادتي ،
لكنني أخشي أن والداي لا يريدان استعادتي ..
ردد :
-  لا شك بذلك ..
ثم ابتسم لها ابتسامته الشهيرة ،
فوجدت جينيفر نفسها تتراجع خطوة للوراء ،
و هي تقول :
-  آريستيد ..
تقدم نحوها حتي شعرت بأنفاسه قربها ،
ثم كررت اسمه بصوت ناعم ، و نظرت الي عينيه ،
فقال لها بصوته المؤثر :
-  يبدو وكأنني تحت قرارك ، فافعلي ما تشائين ..
نادته ثانية ولكن هذه المرة صوتها قد اصبح متوترًا للغاية :
-  آريستيد .. توقف
ردد بصوت أجش :
-  جيني ..
سألته وجسدها يهتز :
-  أنا اقصد حقا ما قلته ..
قال لها وهو ما زال يقترب منها حتى التصق بها :
-  و أنا أيضا ..
للحظة ، فكرت جينيفر ما الذي يقصده بأن تفعل به ما تشاء ،
بعد ذلك انحني قليلا وعانقها بقوة ..
ابتعدت عنه وهي تدفعه برقة ..
فأمسك بالهدية الثانية وهمس وهو يقدمها لها :
-   والآن هذه ..
تمتمت من دون أن تنظر اليه :
-   آريستيد .. ما كان يجب أن تفعل ذلك ..
قال بإصرار قلت لك سابقا نحن رجال
آرنستو مشهورون بشراء الهدايا وهذا يسري في العائلة ،
أهدي أبي رحلة في البحر لأمي ..
ألم تخبرك لورين عن رحلة المنطاد الذي قدمها دريك لها في عيد ميلادها ؟!
هزت جينيفر رأسها ،
ولم تبذل أي عناية للورق فمزقته ورفعت الهدية من داخله ،
كانت مستعدة لترى أي نوع من الهدايا ولكن ليس هذا ،
مررت أصابعها فوق الصندوق المخملي ،
وببطء رفعت الغطاء ،
سمعت الموسيقي ناعمة من داخل الصندوق ،
ورأت راقصين يرقصان وكأنهما يطيران في
الهواء علي مسرح المرايا ..
تمتمت بحماس واعجاب كبير :
-   انها رائعة ..
ثم تنهدت بنعومة ،
لماذا هدية رائعة كهذه أشعرتها بكل هذه الأحلام ؟
قال لها باهتمام :
-  هناك المزيد ..
للحظة الموسيقي المنبعثة من الصندوق
وصوته العميق جعلاها تشعر وكأنها تستمع
الي أغنية حب ،
التقت عيناها بعينيه وطالت النظرة ،
نسيت جينيفر احساسها بالذنب ،
وكل ما يتعلق ببرنامج عملها المليء دائما ،
لتلك اللحظة ...
كانت مجرد امرأة متعلقة بصوت عميق لرجل ، وقد تأثرت بحنانه وسحره ، وذوقه ، ورقته معها .
قالت بدهشة :
-  هناك المزيد ؟
ثم وضعت علبة الموسيقي بجانب الزهرة ، وابتسمت للتناقض الواضح في الهديتين ،
واحدة مبهرجة والثانية في منتهي الأناقة ..
سألته بابتسامة طفلة مدللة :
-  ماذا يمكن أن تحضر لي بعد ؟!
بحث داخل صندوق الموسيقي ،
و أخرج مغلفا صغيرا ووضعه في يدها وهو يقول لها :
-  افتحي هذا واكتشفي بنفسك ..
فتحت المغلف وأخرجت شهادة مستطيلة الشكل ،
وشعرت باتساع عينيها ،
أخذ قلبها يضرب بعنف قبل أن يستقر بثقل واضح في صدرها نظرت الي الشهادة وتمنت لو أنه أحضر شيئا آخر .
لم يستطع أن يخفي دهشته وهو يقول لها :
-   انها منحة لتعلم دروس الرقص في استوديو في
فيلادلفيا ..
رددت بملامح متجهمة :
-  أنا أعلم ما هي ..
أصبح صوتها باردا ولم يعلم السبب فقال لها :
-  قلت لي أنك لا تجيدين الرقص ..
قالت له بهذه النظرة التي يعرفها :
-  أنا أعلم كيف أرقص ، آريستيد ... في الحقيقة ..
لقد كنت راقصة ، وهكذا تعرفت علي والد ستيفاني ،
لذا قلت لك أنني لا أريد أن
أرقص ..
الآن فكر بالأمر ، هذا ما قالته بالتحديد ،
فسألها بتعجب شديد :
-  لما لا ؟
وضعت الشهادة في المغلف وأعادته اليه وقالت له :
-   لماذا أمر غير مهم ..
اصر بصوت حاد :
-  انه مهم بالنسبة لي ..
لم يعجبه لهجة صوتها و لا العناد الواضح في رفع كتفيها ، وهي تقول له :
-   لا وقت لدي للقيام بذلك ..
ضيق عينيه ، و تصاعد الغضب لرأسه وهو يعاتبها بصوت حاول أن يجعله رقيق :
-  لا وقت لديك لتشرحي لي ... لماذا امرأة جميلة وامرأة كانت راقصة لا ترغب بالرقص معي ؟
رفعت عينيها اليه ومن خلال العاطفة القوية التي رآها هناك ،
ندم بشدة لأنه كان قاسيا بصوته معها ،
ابتعدت عنه فشعر أن أشياء كثيرة أصبحت مفهومة لديه ،
فقال بتفهم حاول ايضاحه :
-   أنت لا ترقصين بسبب ستيف ؟!
رفعت سبابتها على فمها وهي تحذره بقلق واضح :
-  شسش ، لا أريدها أن تسمعك ..
سألها بخفوت :
-  و ما علاقة ستيف برغبتك بالرقص ؟
سمع آريستيد من قبل كلام غير منطقي ،
حتي أنه كان يتفهم تلك الأمور فقال لها بهدوء :
-   حقيقة أنك لا ترقصين ، هذا لا علاقة له مطلقا بعدم قدرتها علي السير ، وأنت تعلمين ذلك ..
رفعت كتفيها قائلة :
-  هذا أمر غير مهم بالنسبة لي ..
حاول ان يشرح لها وجهة نظره :
-  هذا يشبه حبسك للأنفاس لتكوني بأمان ،
و أنت تقودين خلال قناة ضيقة ..
رددت وهي تذم شفتيها :
-  ربما ..
ثم لمعت الدموع في عينيها ،
فشعر آريستيد بقلبه يعتصر داخل صدره ،
لأنه شعر بأنه يعلم ما الذي حدث تحديدًا ...
انها تضع اللوم علي نفسها بإعاقة ابنتها ،
و هي تعاقب نفسها بعدم السماح لنفسها بالقيام بشيء تحبه .
هو يفهم اليد القاسية للإحساس بالذنب
علي الانسان ،
وهو يعلم أن لا شيء يستطيع قوله ،
أو حتى القيام به ليبعدها عن ذلك الاحساس ،
لكنه علم شيئا آخر أيضا ....
ومن أجل مصلحة جينيفر .. يريد آريستيد المحاولة بقوة ...
علم آريستيد ما الذي سيقوله بعد ،
كان يرغب في معانقتها ، لكنها كانت تتصرف بضيق و برودة ..
تمتمت دون أن تنظر اليه :
-   شكرا علي الهدايا ..
ارتجفت يداها وهي تقفل صندوق الموسيقي ،
ففتحه آريستيد ثانية ، ثم وضع شهادة تعلم ارقص بداخله .
أجاب وهو يفكر ما الذي عليه أن يفعله
ليجعلها تنظر اليه :
-   أنتِ على الرحب دائما ، فغداء العيد كان رائعا والرفقة كانت أفضل ...
رددت اسمه بصوتها المتأثر :
-  آريستيد ...
سألها مباشرة :
-  ما الذي ستفعلينه في ليلة رأس السنة ؟!
همست بضيق :
-  لا وقت لدي لمثل هذه الأمور ..
سألها بحزن ولكن نبرته كان عتاب صريح :
-  لا وقت لديك للقيام بماذا ، جيني ؟!
أخيرا رفعت عينيها اليه :
-   وقت للمرح ، وقت للمواعدة ، وقت لمطاردة كل العلاقات
الفارغة ..
آلمه ذلك ، لكن من خلال النظر الي عينيها ،
علم أنها جادة بما قالته ..
وهذه هي المشكلة ، فأخذ نفسا عميقا وقال :
-  أنت تعلمين ماذا يقال عن الكثير من العمل ،
و لا وقت للتسلية ..
أنهت الكلام عنه :
-  و هذا ما يجعلني انسانة مملة
جدا ، أعلم ذلك ...
نفى الأمر سريعًا وهو يوضح لها قصده :
-   كنت أفكر في نفسي ،
فأنت لست مملة نهائيًا ..
بل أنت مثيرة للاهتمام وتأسرين كل من يراك ، كما وأنك لا يمكن أن تكوني مملة ..
لم تعلم جينيفر ما الذي ستقوله ،
فهي لم تلتق مرة رجلا أكثر صعوبة من جعله يهرب عن
مقابلتها ..
نظر الي ساعته واستدار نحو غرفة
الجلوس ،
كل ذلك في حركة واحدة ، وهذا ما جعلها تشعر بدوار مفاجئ ..
في غرفة الجلوس حيث كانت ستيفاني نائمة علي الصوفا ،
فقال بنعومة :
-  علي أن أذهب الان ..
أعطته معطفه ومن ثم انحني ليمسك بالمزلاجين ،
ثم ارتدي معطفه دون أن يبعد نظره عنها ،
وهو يقول :
-  لم تجيبي علي سؤالي بعد ..
سألته هامسة :
-  أي سؤال ؟
رددت في نفسها أنها تهمس لأنها لا تريد ايقاظ ابنتها ،
لكنها كانت تعلم أن السبب ليس ستيفاني ،
همست لأنها عندما نظرت اليه كان يخفض جفنيه وهذا ما جعلها تفعل مثله .
فأجابها قائلًا :
-  لم تخبريني بعد ،
ماذا الذي ستفعلينه ليلة رأس السنة ؟!
مجرد ذكره للسنة الجديدة ذكرها ما الذي ستحضره معها هذه السنة ،
لمعت في فكرها صفحات دفتر المواعيد والتي ملأت بلقاءات مع العرسان ، و متعهدي الطعام ،
و كذلك مواعيد العلاج الفيزيائي ل ستيفاني ، فقالت له :
-  لدي عمل يا آريستيد ..
سألها باهتمام :
-  لديك حفل زفاف ليلة رأس السنة ؟!
وعندما أحنت رأسها تابع :
-  وهل ستبقين هناك طوال الليل ؟
هزت كتفيها بإقرار :
-  قد أفعل ذلك ..
رددت برأفة عليها :
-  ليلة رأس السنة هو الوقت المناسب للاحتفال ،
لا للعمل جينيفر ..
مع كلماته فكرت بتلك الصفحات الأخرى
في دفتر مواعيدها ، الصفحات التي تركتها فارغة بشكل مطلق ...
كان كل عمل ستيفاني طوال الخمس سنوات ،
و كل العلاج الفيزيائي ، و كل القلق ،
بالإضافة لكل أحلامها لابنتها ..
يقودها الي آخر أسبوع من يناير .. كانون الثاني ..
حيث ستخضع ستيفاني وكما تأمل جينيفر الي آخر عملية رئيسية ،
اذا تمت الأمور علي ما يرام أثناء العملية ،
ففي السنة الجديدة ستري ابنتها تسير بمفردها ..
,وهذا كان الهدف الوحيد ل
جينيفر طوال الخمس سنوات الماضية ،
منذ اليوم الذي وضع فيه الطبيب ستيفاني بين ذراعيها ،
منذ اليوم الذي بكت فيه أن هذه الطفلة الرائعة
ستواجه الحياة علي كرسي ،
ومنذ المرة الأولي التي سمعت فيها كلمتي تشويه خلقي،
حتي أقسمت أنها ستفعل كل ما باستطاعتها لتري ابنتها تمشي ..
لا يهم كم تشعر بالراحة قرب آريستيد ،
و لا يهم كم يشعرها بأهميتها ، و لا كم تشعر بالانجذاب نحوه ، فهي لا تستطيع
الاستسلام لهذا الانجذاب بأي شكل ،
ولمصلحة ستيفاني لا يمكنها التخلي عن أهدافها ..
فرددت بحزن ظهر في نظرة عينيها :
-   هناك أشياء أخري في الحياة بجانب
المرح ، كما تعلم ...
لم يزعج نفسه بالإجابة علي ذلك وقال بصوته المميز :
-   وماذا بعد أن ينتهي الزفاف ؟!
________________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي