الفصل السادس و الخمسون والأخير

الفصل السادس والخمسون ... والأخير ..
____________________

ظل يصغي الي أنفاس ستيف العميقة ،
ثم سمع أصواتا في القاعة فنظر ورأي جينيفر تقف بلا حراك عند الباب ...
همست :
-   يجب أن نتحدث بصوت منخفض ..
أمسك بيدها وتمتم :
-   لن يكون ذلك سهلا يا جيني ..
ثم ضمها اليه وعانقها ....
صوت في الغرفة المجاورة شد انتباهها ، شعرت بقلبها يضطرب ..
فأصغت لتسمع ذلك
الصوت ثانية متمنية أن تكون ابنتها بخير ...

صرخت ستيفاني مرة ثانية ، صرخة تظهر
بوضوح أن الطفلة خائفة ..
أسرعت جينيفر نحوها وهي ترتجف ،
رفعت ابنتها الي حضنها وقالت لها كلمات مشجعة و مريحة ،
كل ما يتعلق بأن الأمور ستكون بخير ،
وربتت علي شعرها الجميل وهذا ذكرها بأول ليلة بكت الفتاة كثيرا حتي نامت ،
و في تلك الليلة سألت عن والدها ..
في تلك الليلة لم تعرف جينيفر ماذا تقول ،
لكن بعد ذلك أخذت ستيفاني تسأل عن والدها كثيرا .
قالت لها ماذا يعمل وكيف هو وأين كانا يعيشان ..
وقالت لها أنه غادر بعد ولادتها بقليل لكنها لم تقل كيف كان الوقت قصيرا فهناك أشياء أفضل أن تبقي غير معلنة ...
سألت ستيفاني :
-  ماما ؟
-  ماذا حبيبتي ؟
-  أنا لا أحب تيفاني سيلفرستون ..
-  من ؟!
-  تيفاني سيلفرستون ،
انها جارة ايمي جو با ركر ، و هي في الصف الخامس ،
انها شريرة و قالت
لي أن أبي رحل لأنني معاقة ،
وقالت اذا أمها أنجبت طفلة مثلي كانت لتتركها في المستشفى ..
تمتمت جينيفر :
-  اذا أنا أشعر بالأسف من
أجل تيفاني سيلفرستون ،
لكن هل تعلمين علي من أشعر بالأسي أكثر ؟!
-  من ؟!
-  علي أمها ، لأنها لا تستطيع النظر أبعد من الشكل الخارجي للإنسان ، ولا تهتم للأمور المهمة حقا ..
سألت ستيفاني بصوت ضعيف :
-   حقا ؟!
-  بالتأكيد ، كما تعلمين .. عزيزتي ، لا يهم ما الذي سيحدث ،
-   فأنا أفضل أن تكوني ابنتي علي أي فتاة أخري في العالم .. ولم تقل جينيفر أي شيء آخر ، أغمضت ستيفاني عينيها و ببطء عادت للنوم ...
وضعت رأس ستيفاني بنعومة علي الوسادة
وغطت ابنتها جيدا ،
صوت قرب الباب شد انتباهها ، فوجدت آريستيد واقفا هناك ..
منذ دقائق كانت تشعر بكل الشوق اليه ،
لكن صراخ ابنتها أضاع تلك اللحظة ،
سأل آريستيد :
-   هل هي بخير ؟!
هزت رأسها ..
-  اذن عودي الي هنا ..
رأي رأسها ترتفع وكتفيها يرجعان الي الوراء ،
وهذا التصرف أصبح آريستيد يعرفه جيدا ،
هي تتصرف هكذا عندما تشعر بعناد قوي وها هي تضع الحواجز بينهما ثانية ،
لكن ان كانت تعرف ذلك أم لا ، فهي له ..
انه الفارس الأبيض ، قوي ومتأكد من قراراته ، وهي امرأة حياته ..
قالت من دون أن تنظر اليه :
-   أعتقد أن ستيفاني أفسدت تلك اللحظة ..
-   آه .. لا أعلم .. لكنني أعتقد أننا نستطيع العودة الي ما كنا عليه بسهولة ..
قالت بنعومة :
-   آريستيد يبدو أنني أنسي أعمالي المهمة ،
ويجب أن أحافظ عليها جيدا ،
ستيف تحتاجني أكثر بكثير مما كانت عليه ..
-  وما علاقة أعمالك بما بيننا ؟!
سألها وقد ضاقت عيناه ، عندما لم تجب أكمل :
-   اذن تريدينني أن أنسي ما الذي بيننا ؟!
-  أعتقد أن ذلك سيكون أفضل ..
أفضل ؟؟ هي تعتقد أن النسيان أفضل ؟
يعلم آريستيد أن النساء والرجال مختلفون ،
تبا .. كان هذا هو آخر ما يتوقعه ،
لم يكن يؤمن أنهما مختلفان الي هذه الدرجة ،
فليس هناك من مجال لينساها وهو متأكد أنها هي أيضا لا تستطيع نسيانه ، لسوء الحظ ...
جينيفر عنيدة جدا لدرجة أنها تعتقد انها تستطيع نسيانه ، والآن سيتركها تعتقد أنها تستطيع ..
أجبر نفسه علي القول بهدوء :
-   حسنا ، جيني .. ربما أنت علي حق ..
لم يكن ذلك الحديث الذي يرغب بمناقشته
لكنه وجد نفسه يسألها :
-   ما هي النسبة لطفل جديد لك أن يولد ولديه تشويه خلقي ؟!
-  لم يكن هناك سبب لتولد ستيفاني هكذا آريستيد ،
لكنني لا أستطيع المخاطرة ، لا أستطيع أن أسمح لأي طفل جديد أن يمر بكل هذا ،
وأنا أيضا لا أستطيع تحمل كل ذلك مجددا ..
شعر بأن عينيه تضيقان وعمل جاهدا ليسيطر علي صوته ،
أبقي صوته هادئا وهو يقول :
-  لن تكوني بمفردك عندما نتزوج ، سيكون طفلي أيضا .. جيني ..
نظرت له لفترة طويلة بنظرة قاسية وأخيرا
أجابت :
-   هذا ما قاله والدي ، وهذا ما قاله جوناثان أيضا ..
اذا فقد عادت لنقطة الصفر ، أليس كذلك ؟!
وضعته في ذات القائمة مع زوجها السابق ووالدها وقررت أن تتركه هناك ، لن تفعل ذلك مطلقا ..
قال لها بغضب :
-  لقد سئمت من ذلك الشجار ، جيني ،
لكنني أحبك ولهذا سأسامحك ، كما وأنني
مصمم علي اثبات أنك مخطئة بشأن قدرة الرجال علي التحمل ،
اذا كنت لا تريدين المزيد من الأطفال ، حسنا ..
سأصبح والد ستيف ، فهناك ما يكفي من الرجال في عائلة آرنستو ليحملوا اسم العائلة ..
كانت جينيفر تحدق به وكأنه أحمق لكنه تابع :
-   أنت تحبينني ، لكنك عنيدة لتعترفي بذلك ولكن هذا لا يهم ، فأنا باق حتي تدركين ذلك بنفسك ..
قال ذلك وخرج من الغرفة ، شعرت بأذنيها تطنان وبقلبها يضطرب بعنف ،
ألم تقسم من قبل أنها لن تسمح لنفسها بالشعور به مرة أخري.
انه يحبها ...
لقد قال ذلك من قبل لكنها لم تفكر بالأمر وافترضت أنه استعمل كلمة حب مكان اعجاب ..
والآن أدركت أنها كانت مخطئة ، هي منزعجة من الاحساس بالأمل الذي ملأ صدرها لأن الأمل يجعلها ضعيفة
والضعف يسبب أزمة في القلب ،
لا تستطيع أن تأمل بحب آريستيد لأنها لا تستطيع تحمل أزمة قلبية ثالثة ،
سارت بهدوء الي الغرفة التالية لتتأكد من نوم ستيفاني وكانت ابنتها تنام بسلام ،
خرجت من غرفتها و وجدت نفسها تحدق بالمرآة في غرفة النوم الثانية ..
عاودتها ذكريات التي التقت بها بآريستيد ..
ذكريات عن اللقاء الأ ول في زفاف دريك و لورين ،
وكيف ذهب الي بيتها صباح عيد
الميلاد ويداه محملتين بالهدايا ،
ذكريات عن بناء رجل الثلج ،
و ذكريات عن بناء عاطفة قوية بينهما ،
لقد قال لها أن يحبها من قبل, فلماذا لم تصغي ؟ وبدلا من أن تنهي علاقتهما ، وافقت أن تأتي معه الي عالم ديزني
، منذ اللحظة الأولي التي قابلته فيها .. فكرت بأن تبقيه بعيدا عنها .. منذ البداية ،
أرادت التركيز علي حلمها بشأن ستيفاني ،
حلمها بأن ابنتها ستسير بمفردها ، وبعد أن قابلت آريستيد بدا من الصعب عليها أن تركز علي حلم واحد ...
اعتقدت ان أبعدته عن بيتها ستبعده عن قلبها ،
لكنه كان في منزلها ،
كان في اللعبة التي تنام بجانب ستيفاني كل ليلة ،
في الصوت الذي تصغي اليه في الراديو ، كان في كل مكان .. في السيارة ، في اللوحات الاعلانية ،
في المجسم لرجل الثلج في مكتبها وفي الزهرة الراقصة علي طاولة الماكياج في غرفتها ، لقد كان في ذكرياتها والآن هو في قلبها ...
تجمدت ... انها تحبه ، حتي انها لا تستطيع
لومه كيف تسلل الي قلبها ، لقد أقدمت علي هذه العلاقة والي الآن يفاجئها .
-  آريستيد !
قاطعها :
-   اسمعي جيني ، ربما بالغت قليلا .. فأنت لا تدينين لي بشيء ، حتي ولا أي تفسير ،
لقد قلت لي منذ البداية أن ستيف هي أولي
اهتماماتك وأنا أحترم هذا ،
مع أنني لا أمانع أن أخبرك أنني أحب أن أشاركها ذلك المركز ..
أرادت أن تجادله لكنه تابع :
-   حقيقة الأمر ، أننا أتينا الي فلوريدا لنستمتع ونهرب من مشاكلنا ولعدة أيام قليلة ، وحتي الآن ،
أستطيع القول أن الرحلة ناجحة ، أليس كذلك ؟!
-  لا نستطيع أن نهرب من مشاكلنا ،آريستيد ..
-  هذه هي المشكلة بالتحديد ، لدينا يوم واحد قبل أن نعود للواقع ..
وكلانا يعلم أن عملية ستيف قريبة جدا ، وعلي أن أجد طريقة
لأتمكن من حضور حفلة العم مارتن بعد عدة أيام ،
أما الآن .. ما رأيك بالقيام باتفاقية ؟
سمعت صوت أغنية ناعمة في الغرفة الهادئة ..
انها أغنية أصبحت جينيفر تميزها جيدا ،
فكلمات الأغنية ناعمة ومؤثرة ..
" اذا عزيزتي .. اتركي الرقصة الأخيرة لي "
انها الأغنية الأولي التي أهداها اياها في الاذاعة ..
والآن ، كما حدث حينذاك .. تشعر بنفسها ضائعة ..
الرجل الواقف أمامها لا يتراجع أبدا ، لكنه لا يطلب أي شيء ، حتي انه لا يطلب أن تراقصه ،
لديهما يوم واحد قبل العودة الي
الواقع .. الي كريت ، والي عملها والي عملية ابنتها ،
يوم واحد فقط .. و جينيفر لا تريد أن تضيعه .
ببطء مدت يدها اليمني وقالت :
-   أنت تريد معاهدة ؟ اذا .. اتفقنا ..
أمسك يدها وشدها قليلا اليه ،
هو يعلم أن لديها تأثير قوي عليه ، عاطفيا ..
لقد جرحت كثيرا عندما هجرها والدها وهي طفلة ،
وعندما فعل زوجها ذات الشيء عندما
أصبحت في العشرين من عمرها ،
وأصبحت الآلام جروحا ، لديها أسباب قوية لتشك بقدرة الرجال علي البقاء ..
لكن آريستيد هو الشخص المناسب ليبرهن لها العكس .
*********
-  لا يا ماما ، لا .. سأشعر بألم كبير ،
لا تجعليني أقوم بها ، لا تجعليني ..
خرج الطبيب من غرفة ستيفاني ما أن دخل آريستيد ،
وضع آريستيد الصندوق الكبير تحت ذراعه وتنفس بعمق ،
وهو يشعر بضيق بالتنفس منذ دخوله المستشفى ،
وصراخ ستيفاني لا يخفف عنه أبدا ، نظر الي الطفلة
وهي مستلقية علي السرير ،
حاول ألا يتذكر الوقت الماضي ،
عندما رأي جاسون ممددا علي السرير مشابه .
حاول أن يظهر بعض الحماسة وأكثر مما يشعر ، فقال :
-  مرحبا ، صغيرتي .. ما الأمر ؟!
كانت جينيفر قلقة ،و هذا ما لا يعجبه مطلقا ،
فهو لا يشعر بأنه قوي , بل يشعر بالضعف وبعدم القدرة ،
لا .. هو لا يحب أن يري جينيفر قلقة وهو لا يحب أن يري ستيفاني هكذا أيضا ..
سأل الفتاة الصغيرة :
-   احزري من رأيت في الموقف ؟!
سألت بصوت مرتجف :
-   من ؟!
-  جارك .. وقد كان يركن سيارته في موقف كبير جدا عندما وصلت ..
ابتسمت كلا من ستيفاني و جينيفر بالرغم عنهما وقال :
-  لقد أحضرت لك شيئا ..
و وضع الصندوق قرب ستيفاني وقال :
-   هيا ، افتحيه ..
بتنهيدة بدأت ستيف تمزق الأوراق عن
الرزمة ، كانت هناك رزمتان في الداخل ..
لعبة لوح والثانية المزلاجين التي قدمهما لها في
العيد ، والتي لا تستطيع استعمالها بسبب
القضبان المعدنية ..
قال آريستيد واعدا :
-   اذا نجحت العملية ، ستيف ، ستتمكنين من استعمال هذين المزلاجين علي الأرض ..
وكردة فعل رمت ستيفاني المزلاجين علي الأرض ،
سمع وقع أقدام عند باب الغرفة ومع ضربة عصا وصوت يقول :
-  طفلتي ، أنت تدينين ل آريستيد باعتذار ، أليس كذلك ؟!
استدارت جينيفر عندما دخل السيد أبراثي وقال :
سيدة جينيفر ، لن ألمس شعرة من رأس ستيفاني ، لكن هناك شيئا يجب أن أقوله لها ولن آخذ أكثر من دقيقة واحدة ..
مد آريستيد يده ليمسك بيد جينيفر ومال برأسه نحو الباب ،
قادها خارج الغرفة وأغلق الباب ورائهما ،
شعر وكأنه ربان سفينة ..
احتاج لأكثر من لحظة ليدرك ان جينيفر
وضعت رأسها علي كتفه ، و همست :
-   هل تشعر أنك بخير ؟!
-  اني بخير ، ماذا عنك ؟!
-  سأكون سعيدة جدا عندما ينتهي هذا
النهار ..
أجاب :
-   لست الوحيدة التي لديها هذا الشعور ..
هذا هو اليوم الذي يخشونه جميعا ، جينيفر
وستيفاني وهو ،
وكل منهم لسبب مختلف ولسبب متشابه أيضا .
حتي اليوم لم يدرك آريستيد أن للخوف أشكال كثيرة ،
انه موجود في خوف ستيفاني من الألم ،
وفي قلق جينيفر ويأسها علي ألم ابنتها والخوف من المجهول القادم من العملية الجراحية ،
ومن خوف آريستيد الذي لا يستطيع ايضاحه ، بأن التاريخ قد يكرر نفسه ..
لقد وضعوا جميعا مخاوفهم جانبا عندما كانوا في عالم ديزني ، كان من الصعب عليهم أنهم
يصدقوا أنهم أمضوا يومين رائعين في فلوريدا ،
وبعد معاهداتهما بدأ في اليوم الثاني أكثر روعة من الأول ،
فبدت الألوان أكثر اشراقا والسماء أكثر زرقة والألعاب أكثر مرحا ،
قلقت جينيفر لدرجة المرض ولم يضع آريستيد أي لوم عليها ، لكنه يعلم أنها تقوم بالعمل الصحيح ،
تستحق ستيفاني كل فرصة لتصل الي الحياة العادية ، وعندما تنتهي العملية سيثبت لهما دائما وأبدا أنه يحبهما ،
وأنه لن يغادر ،ليس عندما تصبح الحياة قاسية ..
لن يغادر أبدا ..
همست جينيفر وهي تتنهد :
-   أتمني أن تتوقف ستيفاني عن عنادها لنتمكن من التفكير كيف ستصبح حياتها ان نجحت الجراحة ...
أجاب :
-  انها عنيدة جدا ، لكن هذا جزء من جمال شخصيتها ..
راقب آريستيد كيف نظرت جينيفر اليه وراقبها وهي ترفع كتفها وتبتسم اليه ،
بعد مرور عدة دقائق ، فتح السيد أبراثي الباب وقال :
-   آه ، سيدة جينيفر .. ادخلي ، لقد وافقت ستيفاني علي أجراء الجراحة وهي تشعر بالنعاس الآن بسبب الدواء ،
لكنها تريد أن تعانقك قبل ذلك علي ما أعتقد ..
نقل آريستيد نظره غير مصدق أن ستيفاني والتي كانت تجلس براحة والوسادة خلف رأسها ، وبين السيد أبراثي .
بعينيها المشعتين أسرعت جينيفر الي جانب ابنتها ،
لكن آريستيد تبع الرجل العجوز ،
قال الرجل مخاطبا آريستيد :
-  كم هو رائع منك أن تكون بالقرب من السيدة جينيفر ، آريستيد .. أنت رجل رائع ..
تناديني آريستيد ، لكنك تنادي جينيفر دائما بالسيدة لماذا ؟
وما الذي قلته ل ستيفاني وجعلها تغير موقفها من الجراحة ؟!
قال الرجل :
-  قلت لها الحقيقة ، ببساطة قلت لها أن أمنيتها للميلاد ستصبح حقيقة ..
سأله آريستيد :
-   وأي أمنية تلك ؟!
-  أمنية أن يصبح لها أب ..
لم يكن لدي آريستيد أي فكرة أن الرجل يعرف أمنية ستيفاني لكنه شعر بالأمل مثل ستيفاني فاذا حصلت علي أمنيتها سيحصل هو أيضا علي ما يتمناه .
فكر آريستيد لدي هذا الرجل أصدقائي رائعين ،
لقد كان صديقا رائعا ل ستيفاني ، ثم نظر اليه وقال :
-   أنت دائما تناديني آريستيد وماذا ينادونك أصدقائك ؟!
فتح باب المصعد وبعد أن خرج عدد من
الأشخاص منه ،
دخل السيد أبراثي واستدار لمواجهة آريستيد ..
للحظة لم يعتقد أن الرجل سيجيبه وبدأ الباب بالانغلاق فقال له وهو يبتسم :
-  نيكولاس .. أما بالنسبة لك فهو نيك ..
*********
وقفت جينيفر أمام النافذة ..
كانت تذرع الجناح ذهابا وايابا في المستشفى الكبير ،
كان قد مضي ثلاث ساعات وأصبح الانتظار مقلقا جدا .
تجمع أقارب آريستيد في غرفة الانتظار ، عارضين عليهما المساعدة المعنوية ..
دريك و لورين و لوكاس و سيلا ووالديهم ..
حتى ايد وماري آرنستو ..
حتى ابنة العم الضخمة التي عرف آريستيد عنها أنها
ترودي ، ابنة العمة ميلي ..
وكأن هذا التعريف كاف بحد ذاته ،
كل واحد منهم عرض خدمة ما ،
أحدهم بلمسة خفيفة والآخر بفنجان قهوة ، والآخر بضربة علي الظهر ومزحة ، وبدأت جينيفر تتفهم عمق العواطف
والارتباط الحق لأفراد هذه الأسرة مع بعضهم البعض ،
فهم يقفون مع بعضهم في الصحة والمرض ،
تماما كما يقف آريستيد قربها الآن ..
في لحظة نادرة حيث كانت جينيفر و آريستيد
بمفردهما في غرفة الانتظار انضم اليها قرب النافذة ، وعلي الرغم من توترها وقلقها ،
كانت لمسته مشجعة وحضوره كان محببا .
همس :
-   ستكون بخير ..
علم أن قلقها بابنتها لا يوصف ..
نعم .. كانت قلقة بشأن ستيفاني ، فهي تحب
الفتاة لدرجة أن قلبها يؤلمها من جراء ذلك ،
وهي تعلم أنها في تلك اللحظة ، مستلقية في غرفة وهي تحت يدي الجراح ..
تمتمت بصوت مرتعش :
-  بالطبع ستكون بخير .. ولا يهم ما هي نتيجة العملية .. فهي ستكون بخير لأنها قوية
ونشيطة ودائما مليئة بالأمل ،
ستأخذ دورا لها في هذه الدنيا ، آريستيد ،
حتي وان كانت تسير علي عكازتين ..
ضغط آريستيد علي ذراعها وتركت جينيفر رأسها يسقط علي كتفه ،
فمنذ اللحظة التي التقت به ، وهي تقارنه بوالدها و بجوناثان ، منتظرة أن يقوم بعمل خاطئ ،
وبدون وعي منها تنتظر أن يبتعد عنها كما فعلا هما ..
آريستيد لم يتخل عنها ، وقف بجانبها ، مع أنه
يحمل جروح الماضي ،
ومع أن المستشفيات تثير مخاوفه وتذكره بطفولته ، فها هو ينتظر قربها اليوم ..
سأل آريستيد :
-  هل لديك فكرة كم ستطول العملية ؟!
هزت رأسها وقالت :
-  أنا فقط سعيدة أنها أخيرا ارتاحت وتوقفت عن الشجار ..
-  يمكننا شكر السيد أبراثي علي ذلك ، لن
تعرفي مطلقا ما اسمه ..
-  اسمه يبدأ بحرف النون ، علي الأقل هذا ما كتب علي صندوق البريد .. ما اسمه ؟
-  نيكولاس ويختصر ب نيك ..
وهذا ما جعلها تضحك ، آريستيد دائما يجعلها تضحك , ..
تمتمت :
-   هذه صدفة غريبة ..
-  هل تعلمين ماذا قال لها ليبعد عنها التفكير بالعملية ؟
رفعت عينيها لتنظر اليه ، فتابع :
-   قال لها أن ما تمنته للعيد سيتحقق ، أنت تذكرين ماذا قالت لنا صباح العيد ..... انها طلبت والد ..
أدار كلا من آريستيد و جينيفر رأسيهما بسبب ضجة ورائهما ، ظهر رجل أسود الشعر والعينين مرتديا جاكت من الجلد وبنطال
جينز باهت اللون ،
لدي الرجل حضور قوي وحقيقة انه بدا كأنه لم ينم منذ عدة أيام لم تؤثر علي قوة شخصيته .
دخل الي الغرفة وسار بخطي واسعة ، توقف أمام خط من المقاعد وقال أخيرا :
-   مرحبا ، جينيفر ، لقد مضي وقت طويل ..
-  مرحبا جوناثان ..
يكره آريستيد المستشفيات ، يكره رائحتها ، وأكثر من كل شيء يكره أن حقيقة أن صديقه المفضل قد توفي في المستشفى منذ أكثر من عشرين عاما وها هو يخسر جينيفر في هذا اليوم .
خرجت من ذهولها وعرفته علي جوناثان كوهاهن ،
ساد صمت متوتر وبعد ذلك نظر الرجلان كل واحد منهما الي الآخر وجري حديث مقتضب بين جينيفر وجوناثان .
أخبرها جوناثان أنه رآها وستيفاني في برنامج صباح الخير يا كريت ،
وتابع شارحا أنه أنهي عمله في كاليفورنيا ليتمكن من الطيران الي هنا ..
لدي الرجل شخصية قوية وكان آريستيد راغبا في أن يكرهه لكن كان هناك شيء ما في عيني جوناثان وفي شخصيته ،
شيء من الصدق والنزاهة جعلت آريستيد غير قادر علي كرهه ولا يهم مهما حاول ،
من الواضح أن جينيفر أيضا لا تستطيع .
نظر آريستيد الي وجهها ، كانت تصغي باهتمام شديد الي جوناثان ولكن تعابير وجهها غير مقروءة ، كانت قد أغلقت نفسها أمام كل انسان .
بعد مرور دقائق متوترة ، سأل جوناثان عن
مكان القهوة ..
فكر آريستيد القلق كان مسيطرا بحضور جوناثان والآن بعد مغادرته أصبح حادا وكأنه يجرح .
كان آريستيد أول من تحدث :
-   أنت ستقولين له أن يرحل بعيدا ؟!
لسوء الحظ تحمل الأمر .. فصبره قليل وقد انتهي ،
لقد كان خائفا أن تنهار جينيفر وبدلا من أن تنهار وقفت
باستقامة وقالت :
-   انه حر في الذهاب ساعة ما يشاء ، وكذلك أنت ..
-  هكذا اذا ؟!
-  نعم ، كنت دائما أفكر بجوناثان وأن هناك شيء ما فيه يذكرني بأبي والآن أعلم ما هذا الشيء ،
أنتم جميعا من النوع العازب الذي يعيش علي هواه ..
شعر آريستيد وكأن الدماء تغلي في عروقه ،
كان صوتها منخفضا ولكنه شعر وكأن صوته يخرج
من فمه كالصراخ :
-   لقد قمت بكل ما أستطيع القيام به لأبرهن لك أنني لست كوالدك أو كزوجك السابق ، لكنك وضعتني في ذات القائمة معهما منذ اللحظة الأولي ولقد سئمت من البقاء هناك ..
-  لقد كنت صادقة معك من البداية ..
لم يرتفع صوتها و وجد آريستيد نفسه عاجزا عن الكلام وعندما وجد صوته بالكاد عرفه هو نفسه
وهو يقول :
-  اذا أنت ستتركين جوناثان يعود ثانية الي حياتك ؟!
-  لا .. انه والد ستيفاني ، واذا أراد أن يكون في حياتها فانه يستطيع ذلك ،
لكن رؤيته تذكرني بالألم الذي عانيته عندما رحل وكذلك تذكرني كم هو أفضل لي أن أبقي بمفردي ..
أراد آريستيد أن يمسك بكتفيها ويهزها ، أراد أن يضمها اليه حتي آخر العمر ، لكن صوتا قرب الباب شد انتباههما ،
دخل جوناثان الي الغرفة وكان الجراح ورائه .
همست جينيفر :
-  كيف هي ؟!
وهي تسرع الي الطبيب .. ابتسم الجراح الأبيض الشعر ابتسامة متعبة وقال :
-   انها بألف خير مع ان الوقت مازال باكرا لكن أستطيع القول أن الجراحة تمت بنجاح كامل ،
وكذلك في عضلات الساق اليمني ، انها صغيرة وقوية ومع العلاج الفيزيائي ، أعتقد أنها ستتمكن من السير ومن يعلم ، يوما ما ربما تستطيع أن تكون بطلة الركض ..
أسرع آريستيد الي أول الغرفة جاهزا ليأخذ
جينيفر بين ذراعيه لكن جوناثان سبقه الي
ذلك ، رفعها عن الأرض وهي تصرخ من الفرح ..
رؤية المرأة التي يحبها بين ذراعي رجل آخر
جمد آريستيد في مكانه ،
شعر بالدماء تتدفق في رأسه والغضب ملأ صدره .
كانت الدموع تبلل خدي جينيفر ..
أبعدت ذراعيها عن جوناثان ولمح آريستيد عاطفة ما في أعماق عينيها ...
الا حساس بالذنب ؟ الاحراج ؟ أراد آريستيد أن يقول لها أن لا داع لكلاهما ولكن قبل أن يقول أي كلمة قال الجراح :
-   ان ابنتك في غرفة الانعاش لكنها ستنقل الي الطابق العلوي بعد قليل ..
سألت جينيفر :
-   هل أستطيع رؤيتها ؟
-  نعم ..
أجاب الجراح واستدار الي جوناثان :
-   هل أنت والد الطفلة ؟
هز جوناثان رأسه وشعر آريستيد كأن هناك من ضربه علي معدته .
-  اذا أتيتما معي ، سأشرح لكما عن حاجات ابنتكما الطبية ..
مسحت جينيفر دموعها بأصابعها واستدارت نحو آريستيد ،
أثرت تعابير عينيها فيه بطريقة لم يكن يعتقد أنها ممكنة ، وبسرعة استدارت وتبعت الجراح ،
راقبها آريستيد تذهب وشعر بالهزيمة وهو يري أحلامه تذهب بعيدا ...
**************
قال لوكاس ما أن سدد دريك وربح المباراة ..
أخطأت ، آريستيد ..
قال آريستيد :
-   لا تصرخ بي ، فأنا لم أطلب منكما أن تجراني للعب كرة السلة في هذا الطقس البارد ..
كان كل ما يريده أن يبقي بمفرده لكن
ابناء عمه لم يفعلا ذلك أبدا ،
ليس عندما كان صغيرا وفقد أفضل أصدقائه ، وليس عندما أصبح رجلا ناضجا حزينا علي خسارته ل جينيفر .
سأل دريك :
-  هل أنت متأكد أن ليس هناك أمل بعلاقتك مع جينيفر ،
أقصد قالت لي لورين أنها كانت متحمسة للذهاب معك الي ديزني ، وهي وابنتها يحبانك جدا ،
هل أنت متأكد أن لا مستقبل لعلاقتكما ؟!
ضرب آريستيد الرصيف بالكرة ،
أمسك لوكاس الكرة ، ووضع ذراعا حول كتفي آريستيد :
-   هيا لندخل ، كما يبدو انك لن تنجح بربح تلك الجائزة من دريك مع ذلك الرهان الأخير ،
علي الأقل ليس الليلة في حفلة العم مارتن قد يكون هناك نساء في الخارج في مكان ما ، لكن من الواضح أنهن لا ترغبن في الخلاص من قبلنا ..
ترك آريستيد ابني عمه يقوداه للداخل وهما
يتحدثان بصورة دائمة ،
كان يفكر ب جينيفر وستيفاني طوال الوقت ، لقد ذهب الي المستشفى في وقت باكر بعد ظهر هذا اليوم ،
ربما لن يصبح والد ستيفاني لكنه يحبها وما زال قلقا عليها وعليه ان يتأكد أنها ستصبح بخير .
لم يمض أكثر من يومين علي العملية الجراحية لكن الفتاة كانت مذهلة ، لمعت عيناها عندما رأته وصرخت من الفرح عندما أعطاها هدية ،
وجد آريستيد نفسه يضحك ،وشعر بضحكته كأنها تخرج من فمه ، سأل بقدر ما يستطيع أن يخرج صوته بصورة عادية :
-   أين أمك ؟!
نظرت ستيفاني اليه بنظرة تظهر نضجا أكبر من عمرها وحركت رأسها تشير الي الباب :
-  ذهبت الي الكافتيريا مع جوناثان ، أنت تعلم .. بابا ..
جفل آريستيد من اختيار ستيف للكلمات تمني
لو أنها نادته أبي فكلمة بابا كلمة يريد أن يسمعها له هو .
-  هل تعتقد أنني يجب أن أناديه جوناثان يا آريستيد ؟!
أجابها :
-   أقول ان تسألي والدتك ؟!
شكرته ستيفاني علي الراديو الصغير الذي قدمه لها وتحدثت بدون انقطاع عن الممرضات وعن الأطفال في المستشفى .
ترك المستشفى من دون أن يلمح جينيفر ،
وتصور أن ذلك أفضل له ،
كان دائما يقول عن نفسه أنه شاب ولا يريد تحمل مصاعب الحياة ، وفجأة امتلأت حياته بالصعاب ،
لا شأن لديه هناك ، فان ستيفاني ليست ابنته وما الذي يعرفه عن الفتيات الصغيرات بكل الأحوال ؟
لكن المشكلة الأكبر ، ليست ستيفاني ، بل
هي جينيفر ، وكانت كذلك منذ ان التقي بها للمرة الأولي .
لدى آريستيد عائلة كبيرة وفي الحقيقة أقارب أكثر مما يريد .
هو يعلم أن جميعهم يحبونه لكنه يريد حب امرأة واحدة ولسوء حظه هي تفضل أن تعيش وحيدة علي أن تأخذ فرصة الوثوق به ...
حياته بدأت تصبح مليئة بالصعاب منذ أن التقي جينيفر ،
أخذ يفكر .. لقد تعامل مع تلك الصعاب بطريقة جيدة ، ولقد استمتع أيضا كثيرا ، لكن حتي تدرك جينيفر أنها
تستطيع الوثوق به ، لا شيء آخر يهمه ..
لا يستطيع أن يعلمها أن تثق به ، عليها أن
تتعامل معه لتحقق ذلك .. تخلص من تأملاته
وحاول ان يتابع نقاش لوكاس و دريك ، كانا يتحدثان عن حفلة العم مارتن ، و عن الفيلم
الذي صنعته بناته والذي يتعلق بالأخ الوحيد لهن جاسون .
وضع آريستيد يده في جيبه وبلع شتيمة كاد ان
يلفظ بها ، وكأن الحفلة الليلة لن تكون صعبة بما فيه الكفاية من دون ذلك الفيلم ، تصور أن روحه لن تكون متعبة ومرهقة أكثر ..
وعلم أن ليس هناك ما يستطيع القيام به ، فهناك شيء يؤلمه وكأنه ألم جسدي لا يستطيع أي طبيب شفاءه ..
لقد تمكن من التعامل مع الذهاب الي
المستشفى وأن الأمور ساءت الي الأسوأ بالنسبة له ، وأكثر مما يستطيع أن يتصور لكنه مع ذلك هو ممتن لأن جراحة ستيفاني
كللت بالنجاح ، وتمني ان يتمكن من امضاء سهرة الليلة دون ان يبدو تعيسا وحزينا بالكامل .
قال ل دريك و لوكاس أنه سيراهما الليلة ،
وذهب الي سيارته ، تبعاه الاثنان الي الموقف ،
لوكاس يسكب كلماته الحكيمة مثل .. هناك الكثير من السمك في البحر ونحن بدأنا للتو في المعركة ،
لكن دريك فقط نظر اليه بعينين ضيقتين وبقي هادئا .
تصور آريستي. أن دريك يتذكر اللقاءات الصعبة مع لورين وكيف كاد يخسرها ..
لقد نجحت علاقة دريك و لورين ، رغم ماضيه الصعب ،
أما آريستيد يعلم ان علاقته مع جينيفر لن تنجح ،
جلس في السيارة وغادر دون ان يقول شيئا .
**************

دخلت لورين الي غرفة ستيفاني مثل اعصار ،
صفقت ستيفاني بيدها وقالت جينيفر :
-   لورين ! لماذا لست في حفلة مارتن آرنستو ..
-  سأخبرك بعد دقيقة ، أولا ، اخبريني ستيفاني ، هل ما زال جوناثان هنا ؟
أجابت ستيفاني :
-   لقد غادر ولا أعتقد أنه سيعود قبل وقت طويل ،
خالتي لورين ، أنا أحبه ولكنه ليس مثل آريستيد ..
أكدت لها لورين :
-   بالطبع هو ليس مثل آريستيد انه ليس من عائلة آرنستو ..
شعرت جينيفر بأن كلمات صديقتها موجهة لها ، بالطبع آريستيد ليس مثل جوناثان ، آريستيد هو من عائلة آرنستو ،
قوي ويعيش مع ألمه ، لكن هذا لا يمنعه من حب ستيفاني أو هي ...
كانت لورين تتحدث مع ستيفاني لكن
جينيفر بالكاد سمعت ، كانت أفكارها مضطربة ، آريستيد يحبها .
لقد قال لها ذلك ، أثبت لها ذلك الحب بمائة طريقة مختلفة ، وما الذي فعلته هي ؟ أبعدته عنها !
مكررة مقارنته ب جوناثان وأبيها ، لماذا لم تر من قبل ؟
آريستيد آرنستو لا يشبه أحدا منهما ، كيف يمكن أن يكون مثلهما ؟ ان آريستيد فريد من نوعه ...
همست جينيفر :
-   هل تمانعين أن تبقي مع ستيف لفترة قصيرة ؟
-  ولم تعتقدين أنني هنا ؟!
بسرعة ضمت جينيفر لورين اليها ثم ضمت ابنتها واستدارت لتخرج مسرعة من الغرفة ،
لحقت بها لورين في منتصف القاعة وقالت :
أنت تعلمين كم يحبون رجال آرنستو تقديم الهدايا ، أعتقد أنك قد ترغبين بإعطاء آريستيد هذه ..
أمسكت لورين بكيس من الورق وأخرجت
الجائزة القديمة ، أعادت جينيفر الجائزة الي الكيس و أخذتها من يد لورين وهي تقول :
-   هل قلت لك كم أنا محظوظة ليكون لدي صديقة مثلك ..
-  في الحقيقة ، لقد فعلت .. أنت وأنا نعلم انني لست السبب الوحيد في كونك محظوظة ، ألا تعتقدين انه حان الوقت لتخبري آريستيد بذلك ؟
-  أريد سماع كل شيء عن ذلك في
الغد ، والآن اذهبي ، اذا أسرعت قد تتمكنين من انقاذه من براثن العمة ميلي ..
علمت جينيفر ان هناك خطأ ما أن خرجت من السيارة ، كانت السماء تتمط ، لكن لم يكن للطقس أي علاقة بإحساسها بالانزعاج
،
سارت نحو موقف الباب ونظرت حولها ، كان موقف السيارات مزدحما ، لكن لم يكن
هناك أي ضجة من الصالة الكبيرة .. ما الذي يحدث ؟ علي الحفلة أن تكون في أوجها الآن .
تساءلت ان كانت لورين بطريقة ما أعطتها
عنوان خاطئ ، نقلت جينيفر الكيس الذي كانت تحمله الي اليد اليسرى وهي تفكر أن لورين ذكية جدا ولا تقدم علي هذا النوع من الأخطاء ، وبانزعاج كبير ، أمسكت جينيفر الباب ودخلت الغرفة المظلمة .
-  مفاجأة .. سمعت فجأة الصراخ وبصوت عالي أنيرت الغرفة كلها .
عزاء جينيفر الوحيد أن ضيوف الحفلة كانوا متفاجئين مثلها ، وبحركة واحدة رأت الوجوه المألوفة لديها ، وكان تعبير الدهشة متماثل ..
صوت عال قطع الصمت وقالت : أنت لست مارتن ؟
قال أحد ما :
-   هل لاحظت ذلك بنفسك ، عمة ميلي ؟!
ومن مكان ما سمعت صفير وابتهاج ، علي الأقل عرفت جينيفر أنها في المكان الصحيح ،
هذه وبدون شك حفلة آل آرنستو ، وقبل أن تقول أي كلمة ... هواء بارد ضرب ظهرها ومن دون أن تستدير علمت جينيفر من القادم ، وبعد فوات الأوان أدركت أنها أفسدت المفاجأة .

الرجل الذي علي وشك أن يصبح في الستين من عمره يوم الغد ، كان مازال وسيما بشعره الرمادي وعيناه الزرقاوان ، نظر حوله وقال بصوت غاضب :
-  أحد ما أقام حفلة ونسي ان يدعوني ؟!
شخص ما كسر الصمت وصرخ :
-   مفاجأة ...
وبعد لحظة قال ذلك أشخاص آخرون وكرر ذلك أشخاص غيرهم وكأنهم الصدى لتلك الكلمة التي ظهرت في زاوية الغرفة وانتهت في الزاوية المقابلة .
-  أبي ، أين كنت ؟!
أجابت امرأة من المحتمل انها زوجة مارتن :
-  لقد علقنا في الطريق العام لتبديل اطار السيارة ولقد ظننت أننا لن نوصل الي هنا أبدا ..
وقف آريستيد وسط الغرفة والجميع حوله ، كان يسمع أصوات أعمامه وعماته ،
و أولاد أعمامه يضحكون ويتسامرون ، ومع كل الضجة بقي
آريستيد جامدا مركزا كل انتباهه علي المرأة التي ترتدي فستانا أزرق وعلي وجهها ابتسامة ساحرة .
فجأة قال دريك ووضع يده علي كتف آريستيد :
-  هذه هي امرأتك يا آريستيد ، اذهب وأنقذها من العمة ميلي ...
-  كان علي أن أعرف أنك ستقدم علي عمل
ما ، دريك ، وخاصة عندما لم تجبني علي سؤالي أين هي لورين ..

كان دريك قد ضحك ولكنه لم يقدم أي تفسير عن غياب لورين .. سمح آريستيد لنفسه أن يمر عبر أقاربه لكن لو مقابل حياته كله لم يكن يعرف ما الذي سيقوله لجينيفر عندما يصل اليها .
كانت العمة ميلي تقول :
-  يمكنني أن أقول لا ، أليس هذا صحيحا يا آريستيد ؟!
سألته المرأة ما أن وصل قربهما ..
تعلم آريستيد ، عندما يتعلق الأمر بالعمة ميلي ، فالأفضل أن يهز رأسه موافقا .. نظر الي جينيفر ورآها تراقبه ،
رأي الدفء والتصميم في عينيها وفي ابتسامتها ، لكنه لم يعرف ما الذي سيفعله بعد .
وضعت يدها علي ذراع ميلي وقالت وهي تقدم لها كيسا :
-   هل يمكنك وضع هذا مع هدايا مارتن ، ميلي ؟!
-  يسعدني ذلك ، عزيزتي ..
لم يفهم آريستيد الغمزة التي قامت بها ميلي
لجينيفر قبل أن تضع الكيس جانبا ، ولم يعلم لماذا أتت جينيفر الي هنا .
سألها :
-   هل كل شيء بخير مع ستيف ؟
ترددت جينيفر قليلا ، فقربه يثيرها ويقلقها ، فهناك الكثير الذي تريد أن تخبره به ، لكنها
لا تستطيع الافصاح عما تفكر به وهي تقف وسط حشد كبير .
-  ستيف بخير ، وقد رغبت لورين بالبقاء معها بينما أتيت أنا الي الحفلة ..
نظرت جينيفر حولها ولاحظت من خلال نظرة واحدة ان كل الناس يصغون الي حديثهما ،
استعملت ذراع آريستيد لتقف علي رؤوس أصابعها لتهمس قرب أذنه :
-  هل هناك مكان نستطيع التحدث فيه ؟!
-   لماذا ؟!
يا له من رجل مميز وحتي بدون صوته هو يملك قوة ليجعل قلبها سعيدا ومن أجل كل ذلك ، يستحق جوابا صادقا :
-   أتيت لأنني أدركت أخيرا أنه يمكنني الثقة بك ولأن أكثر الفرسان شجاعة ووسامة بحاجة لمن ينقذهم ..
راقبت جينيفر أثر كلماتها علي تعابير وجهه ،
بدا وكأنه يفكر في جوابها وبحذر فكر بكل كلمة وبعد وقت طويل قال :
-   أين جوناثان ؟
حولهما كان الجميع يتكلمون ، وعندما صفر
أحدهم من أجل ان يصمت الجميع ، بسرعة أصبحت الغرفة أهدأ وعم الصمت ..
همست جينيفر :
-  غادر بعد ظهر اليوم ..
سلم المذياع الي ابنة مارتن الكبرى والتي
أعطت شريط فيديو لزوجها ، خفضت الأنوار وأدير جهاز على الشاشة الكبيرة ..
وتبع ذلك شريط مسجل لحياة مارتن ، كان هناك صور لوالديه وأخوته وشقيقاته ، وفيلم بالأبيض والأسود لزفافه من كاثي منذ سبعة وثلاثين سنة .
-  هل تذكر ذلك اليوم ؟!
-  آه ، كان وسيما جدا ..
-  ماذا تقصدين كان ؟!
لم تدرك جينيفر من الذي يعلق ، كانت تدرك فقط أنها تشهد احتفالا عائليا لم تعرفه يوما الا بالقراءة ،
بعد ذلك ساد هدوء في الغرفة وعلي الشاشة الواسعة ركض طفل صغير علي العشب ومباشرة الي ذراع أمه ، جاسون آرنستو..
أمسكت بيد آريستيد وكان باستطاعتها أن تشعر بالتوتر الذي سيطر عليه ، كان يقف مستقيما ومتشنجا لدرجة أنها شكت أنه يشعر بقربها .
استمر الفيلم ومرت الثواني عبر السنين وأمام عيونهم ،
جاسون يضحك ويلعب ويكبر ، وأكثر من مرة كان هناك ثلاث صبيان يشاركون الفيلم مع ججاسون، ومن ثم ظهرت شقيقات جاسون سوزي واميليا .
قال أحد منهم :
-   انظروا ، هذه سوزي .. أعرف هاتين الساقين الضعيفتين في أي مكان ..
أجابت :
-   علي الأقل لم أفقد شعري ..
وساد الكثير من النقاش ، ونظرت جينيفر الي آريستيد ، وفكرت في كل الأوقات التي سألها فيها لترقص معه ،
وكل المرات التي رفضت أن تراقصه ، لكن آريستيد لم يدع ذلك يوقفه، بدأت تفهم أشياء قليلة عن آريستيد وفي نفس الوقت عن الحب .
همست وهي تشير الي شاشة التلفزيون :
-   تعلم .. آريستيد ، لن أمانع أن يكون لدي صبي صغير يشبهك تماما بشعره الأشقر وعينيه الزرقاوين ..
نظر آريستيد الي الشاشة وقال :
-   اعتقدت انك لا تريدين المزيد من الأطفال ..
وبينما كان الجميع يراقب سوزي واميليا
تكبران ، ومارتن و كاثي يصبحان عجوزين ، ويبحثون عن لمحات لهم في الحفلات أو اجتماع العائلة ،
قاد آريستيد جينيفر الي زاوية بعيدة عن كل شخص آخر في الغرفة قدر المستطاع ،
ومن النظرات التي كان يرميها الي الأشخاص الذين يمرون بهم ، عرفوا انه من الأفضل ألا يقاطعوه ، حتي العمة ميلي .
لم يعلم لماذا أتت جينيفر الي الحفلة ولكنه يعلم أن جوناثان بشعره الأسود وعينيه السوداوين ،
لن يعطيها طفلا أشقر وأزرق العينين ، ويريد آريستيد أن يعرف ماذا يجري .
في تلك الغرفة المكتظة بالناس ، لم تعرف

جينيفر من أين تبدأ ، وبعد أن تلعثمت
بثلاث بدايات مختلفة ، تخلت عن ذلك أخيرا وقالت بوضوح :
-   أتيت الي هنا الليلة لأخبرك انني أحبك ..
راقبت ملامح وجهه تتغير من الخوف الي
الدهشة ، فكرت أنه أمر جيد أن تكون هي
من تقوم بأمر غير متوقع علي سبيل التغيير ،
-  هذه الحقيقة آريستيد ، أنا أحبك .. ولقد عرفت منذ أسابيع لكنني لم أستطع أن أثق بعواطفي ..
-  لماذا ؟!
-  حتي بعد ظهر اليوم لم أكن متأكدة من نفسي ، لكن اليوم .. آريستيد .. أنا و جوناثان
تكلمنا وعرفت عنه أكثر مما عرفته في ثلاث سنوات زواج ، لقد أخبرني أخيرا لماذا غادر ، ولماذا لم يستطع مواجهة ستيف ، لأنه شعر بالمسئولية ثقيلة عليه ..
-  أنت تعلم آريستيد ، أنني كنت أعتقد دائما انه ولد وحيد ، لكن اتضح انه كان لديه شقيقة وقد ولدت بإعاقة منذ الولادة ، لم يتعامل والديه مع الأمر بحكمة وانتحرت الفتاة عندما أصبحت في السادسة عشر من عمرها ،
عندما نظر جوناثان الي ستيف علي الفور بعد الولادة ، كل الذي استطاع رؤيته هو عذاب أخته وما مرت به ،
بالنسبة اليه ، القرار الوحيد للتخلص من الألم كان الهرب .. سأل آريستيد :
-   اذا لماذا قرر العودة ؟!
-  أعتقد أنه عاد ليجعلنا أحرارا من الماضي ، وبطريقته الخاصة ، هو يحب ستيفاني ، لكن ليس الحب الذي يتحمل الألم والعذاب ، ليس كما تحبها أنت ، آريستيد ،
الحب الباقي الذي يملأ الغرفة الليلة ، ونوع الحب الذي نشعر به أنا وستيف تجاهك ..
حتي تلك اللحظة كان يقف هادئا ، أما الآن فقد ضمها اليه ، اقترب دريك منهما وقدم ل آريستيد الرزمة المغلفة التي أحضرتها جينيفر جينيف..
سأل آريستيد :
-   ما هذا ؟
تمتمت جينيفر :
-   كن حذرا من هدايا عائلة آرنستو ..
أصبح صوت دريك أعلي حين قال :
-   افتحها وانظر اليها ..
رفع آريستيظ الغطاء وأخرج جائزة والده القديمة ،
ضحك الجميع وانتظر دريك حتي يهدأ الجميع وقال :
-   الرهان هو الرهان ، آريستيد ، وأنت ربحت هذه الجائزة, ..
-   لكنني أقول أن الجائزة الحقيقية هو حب امرأة جيدة ,أليس كذلك ؟
-  أنت محق بشأن الجائزة الحقيقية ، دريك ، سأقول أنه يمكنك الاحتفاظ بتلك الجائزة القديمة ، فأنا لن أحتاجها أبدا ..
قالت ابنة العم ترودي :
-  آه ، هذا رائع .. يبدو و كأنه سيكون لدينا زفاف قريب في العائلة ..
توزع الجميع الي جماعات أصغر ، يضحكون ويتسامرون ، ليتحدثوا عن الماضي أو الأعمال ،
عن ذكريات الطفولة وعن الأطفال الذين لديهم الآن ، أصبحت جينيفر و آريستيد في منتصف الغرفة و وضع في أيديهم صحن الحلوى .
نظر الي عينيها وقال هامسا :
-   تريدين الذهاب من هنا ؟!
وضع الصحنين علي الطاولة وابتسمت وهي تستمع أغنية مألوفة لديها .
ضحك الضيوف بينما حدق آريستيد بعيني جينيفر .
قال لوكاس :
انظروا, لقد تحول المطر الي ثلج ..
همس آريستيد :
-  تقول ستيفاني أن ضوء المطر علي الثلج هو نوع من السحر ..
قالت جينيفر وهي تمسك بيديه :
-   الثلج في الخارج ، لكن ضوء القمر هو دائما في عينك آريستيد .
انتهت الأغنية الأولي وبدأت الأغنية الثانية
تعزف ، قادته الي ساحة الرقص وقالت وهي تنظر الي وجهه : - ارقص معي ..
شعرت بذراعيه حولها وهو يراقصها بنعومة ، حولهما كان هناك الكثير من الراقصين في مختلف الأعمار ، ابتسمت عند المقطع الأخير " عزيزتي ، اتركي الرقصة الأخيرة لي "
تمتمت من علي كتفه :
-   منذ الآن وصاعدا ، كل رقصاتي هي لك ، آريستيد كل أعمالي وأيامي هي لك ..
قال بصوته الرائع :
-   هل تتزوجين بي ؟
أجابت بهزة من رأسها وتوقفت عن الرقص ، وقفا في وسط الغرفة وهما يصغيان الي دقات قلبيهما ، سألها :
-   هل تعتقدين أن علينا الذهاب الي المستشفي لنخبر ستيف ؟!
جوابها كان في عينيها وشعر به في قلبه قال :
-   متي تعتقدين أنه يمكنك الزواج بي ؟
وبابتسامة جذابة :
-   كما تعلم أنا أعرف شركة للزفاف ، ولا تندهش ان كان بإمكانهم تخطيط زفاف رائع في غضون أسابيع قليلة ، هل هذا كاف ؟!
-  غدا لن يكون كاف ، لكن أعتقد أنني أستطيع الانتظار ..
ومع عاصفة من التصفيق وكثير من المزاح ،غادر آريستيد و جينيفر الحفلة بعد وقت قصير .
أسرعا بالخروج من الباب وهما يمسكان بيدي بعضهما البعض ويتجهان الي مستقبل مليء بالفرح والوعود ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي