الفصل الحادي و الخمسون
الفصل الحادي والخمسون ...
_______________
تقدمت ستيفاني خطوة نحو آريستيد ،
غير قادرة علي تذكر العادات المهذبة من تشتتها ، ولكنها استعاد الاهم منها وهي تقول :
- سيد أبراثي ، هذا هو آريستيد آرنستو ..
قال لها باقتضاب :
- نعم .. انا أعرف هذا ..
سيد أبراثي ، سيد أبراثي ..
صرخت ستيفاني من الجهة المقابلة ،
فلوح الرجل لها ..
ثم ودع آريستيد و جينيفر ، و سار نحو ستيفاني ..
تمتم آريستيد عندما أصبح الرجل بعيدا عن سماعهما :
- تصرف وكأنه يعرفني ..
همست بتفهم :
- هو أحيانا يقول أشياء غريبة ، لكنه رجل رائع على كل حال ...
سألها باستنكار :
- اذا أنت لا تكرهين الرجال ؟!
تفاجأت لتبديله الموضوع فقالت :
- بالطبع .. أنا لا أفعل ..
ابتسم لها مرة ثانية فتذكرت جينيفر المرة
الأولي التي رأته فيها ،
ذلك اليوم اعتقدت أنه متفاخر بنفسه ،
تذكرت كيف بدا بعد ظهر
اليوم عندما سألته ستيفاني عن ابن عمه جاسون .
فشردت قليلا قبل ان تقول له :
- "ربما السيد أبراثي علي حق آريستيد ،
ربما أنت وأنا أصبحنا صديقين ..
ردد بضيق :
- صديقين !
كادت أن تضحك من خيبة الأمل التي
ظهرت علي وجهه ، لكنها قالت له بثبات :
- نعم صديقان ،
لقد قلت لك سابقا أن لا وقت لدي لإقامة أي علاقة ،
و لكنني لا أظن أن هناك من يرفض أن يكون لديه أصدقاء أكثر ..
لم يعرف آريستيد كيف فكرت بذلك ،
لكن قبل أن يتمكن من الاجابة ،
صفقت بيديها لتبعد الثلج عن قفازيها ،
ثم شكرته لمساعدتها في بناء رجل الثلج ،
و قالت له أن يمر هنا عندما يحتاج الي صديقة ..
ثم تركته واقفا هناك ،
يتساءل كيف تتمكن دائما من أن تسبقه بخطوة ،
و كيف تمكنا أن يفترقا كصديقين ..
قال السيد أبراثي ل ستيفاني :
- هذا رجل ثلج رائع ..
ضحكت ستيفاني قبل أن تهمس له :
- لقد عاد آريستيد ، سيد أبراثي ، تماما كما طلبت ..
قال لها بحماس يشبه حماسها :
- لقد رأيته ، هل أنت تحبين آريستيد عزيزتي ؟!
هزت رأسها بقوة قائلة :
- آه .. نعم .. وكذلك أمي ..
للحظة اندهشت ستيفاني من لمعان عيني صديقها ،
وهو يسألها :
- أخبريني صغيرتي ، كيف تعلمين أن أمك تحبه ؟!
قالت له ببراءة ؛
- لأنها تنظر اليه كثيرا ..
بدأ السيد أبراثي بالضحك وهو يسألها :
- وكيف تنظر اليه ؟!
اقتربت من أذنه وهي تقول له بهمس :
- هي تحاول أن لا تفعل ،
لكنها تنظر اليه هكذا ..
وأخفضت ستيفاني جفنيها ،
و نظرت الي عينين أصفي من السماء ،
و قبل أن تنتهي عاد السيد أبراثي للضحك ثانية وقال :
- أخشي أن حقيقة عدم رغبتها في النظر اليه أمر مثير
للقلق ..
قالت له بإقرار وثقة :
- لكنهما سيغرمان ببعضهما ، أنا أعلم ذلك ..
ربت على كتفها وهو يحدثها بهدوء و بتعقل :
- لا تضع العربة قبل شراء الحصان صغيرتي ،
إن الحب لا تستطيعين استعجاله ، يجب أن تكوني
صبورة ..
قالت له بحزن بالغ :
- لكنه رائع .. ويحب الضحك و التسلية ..
قال له بتفهم :
- فهمت ،
حتي ولو كان كذلك ، عليك أن تتذكري أن تكوني صبورة . ماذا كان أبي يقول ؟
ثم قال وهو يفرك جبهته :
- آه نعم ، الآن تذكرت ،
لا يمكنك أن تستعجل الحب ..
قالت بحزن ظهر في نظرة عينيها :
- لا نستطيع ابدًا ؟!
اجابها بتعقل :
- لا صغيرتي ، لا أحد يستطيع ..
قالت بإصرار :
- انه أمر مؤسف ، وذلك لأنني لا أستطيع الانتظار ..
قرص وجنتها برقة قائلًا :
- لكن الانتظار جزء من المرح ..
ونظر السيد أبراثي الي رجل الثلج فضحكت ثانية ، و هي تردد ..
- و نحن قد مرحنا اليوم كثيرًا ...
*****************
أبعد آريستيد الحليب ونظر الي نوع العصير قرب الأجبان داخل براد دريك وصرخ به :
- عصير تفاح ! لقد كنت تكره عصير التفاح !
أمسك آريستيد باثنين من عصير الليمون ،
و قدم واحدة لأخيه وفتح غطاء زجاجته ،
ثم شرب دريك قليلا من العصير وقال له :
لورين و جدي يحبان عصير التفاح ، وعلي أن أعترف انه ليس بسيئ كما كنت اعتقد ..
قال آريسنيد بعد أن شرب وارتوي من العصير :
- ربما تناولك الطعام الجيد ، هو السبب أنك ربحت اثنين من المباريات الثلاثة التي لعبناها قبل قليل ..
ضاقت عينا دريك وهز رأسه ببطء و قال :
- لا .. لقد ربحت في مباراة كرة السلة ،
لأن أفكارك لم تكن في اللعبة ، ما الأمر يا صديقي ؟
لم يجبه آريستيد ، وبعد أن تبع دريك عبر الدرج الي غرفة الجلوس الأنيقة قال :
- ما الذي يجعلك تعتقد أن هناك شيء ما ؟!
رمي وسادة علي الأرض ، و جلس عليها ونظر حوله في الغرفة وهو يقول له :
- لأنني أعرفك جيدًا ،
أنت لم تكن علي طبيعتك بعد عودتنا ،
كما وأنك لست كما أنت و نحن نلعب كرة السلة الليلة كذلك ،
مر لوكاس منذ عدة أيام ،
و أخبرني عن رهانك الأخير المتعلق بامرأة يائسة ،
أنت تعلم أن الأمر غير مهم اطلاقا ،
من يربح جائزة أبي للبولينغ ، علي الأقل ليس الآن ،
الجائزة هو حب امرأة رائعة ..
ثم توقف قليلا عن الكلام وأضاف :
- هل تقابل فتاة ما ؟
أخيرا نظر آريستيد الي صديقة الوحيد وابن عمه الذي يعتبره أخيه الاصغر :
- نعم و لا ..
ضيق دريك عينيه متسائلا :
- ما الأمر ؟ هل هي متزوجة ؟
سمع هتاف من علي التلفاز ولكنه لم ينظر
ليري من أحرز نقطة ، قال :
- الأمر أسوأ من ذلك ، هي تريد أن نكون صديقين ..
ضحك دريك بصوت عالي :
- وان كنت تذكر منذ خمسة أشهر لم تكن لورين ترغب بأكثر من مغامرة ،
وانظر كيف تحولت الأمور بيننا ،
اذا كانت تلك المرأة تريد أن تكونا صديقين فابدأ من هناك ، من يعلم الي أين ستصل الأمور ..
سأله باهتمام :
- أنت تعتقد أنني مازلت أحظي بفرصة معها ؟!
رفع دريك كتفيه :
- لا أعلم .. فأنت لم تخبرني اسمها ، و لكن ما الذي
ستخسره ؟!
فتح الباب في الدور الأرضي وسمع صوت لورين و اكزاني معا ، وقالت لورين :
- ها قد عدنا الي االمنزل ..
رددت اكزاني الذي بالكاد تبلغ عمرها ثلاث سنوات :
عدنا الي المنزل ..
ثم سمع صوت خطواتها علي الدرج ،
و بعد لحظات كانت اكزاني
تجري نحو عمها وهو يبتسم ابتسامة كبيرة ولم تكن لورين بعيدة عنها ...
وجد آريستيد نفسه يتمني لو أن ستيفاني
تستطيع صعود الدرج بسهولة مثل اكزاني ،
وأكثر من أي شيء آخر .. تمني أن تنظر جينيفر الي عينيه كما تنظر لورين الي عيني دريك ...
ليردد بداخله ..
نبدأ كصديقين ؟!
فإن صديقان هو أبعد ما يريده آريستيد لهما ،
فهو كالمراهق ومنذ أسابيع وهو يحلم بها لكن ، لما لا ؟
فإن جينيفر ، تجعله يفكر وتجعله
فضولي ، و بشوق دائم ..
بالكاد يري الأمور علي حقيقتها ، المشكلة أنها ليست مستعدة لإقامة أي علاقة الآن ،
تماما كما كانت عندما التقي بها ،
هناك شيء يمنعها ، وكان آريستيد يخشي أن يكون ذلك الشيء هو الثقة ..
تري كيف يمكن لرجل أن يربح ثقة امرأة مميزة جدا مثلها ؟
ربما دريك علي حق ، ربما الصداقة هي أفضل ما يمكن البدء به الأن ...
*****************
بصورة أوتوماتيكية نظرت جينيفر الي
ساعتها عندما رن جرس الهاتف ،
انها العاشرة ليلا و ستيفاني في السرير منذ ساعتين ولم تكن جينيفر تتوقع أي اتصال !
لذلك من المحتمل انه آريستيد ..
واذا تعلمت شيئا عن آريستيد آرنستو طوال الأسابيع القليلة الماضية ، فانه من النادر أن يفعل ما تتوقعه ..
- هذا صديقك عازف الموسيقي يتصل
بأحدي أفضل مستمعاته لإلقاء التحية عليها ..
سألته وهي تبتسم :
- ما الذي يجعلك تعتقد أنني أصغي لمحطتك ؟!
قال لها بمرح :
- ها أنت تؤذينني الأن ..
وجدت جينيفر نفسها تضحك وهي تقول :
- لا, لم تصب بأذى ، ومن أجل وضع الأمور في نصابها ،
ستيفاني تضع محطتك في راديو السيارة ، وترفض أن تسمع لأي محطة أخري ..
ردد بفخر :
- طفلة ذكية ..
لم تر جينيفر آريستيد منذ أن ساعدها هي
وستيفاني في صنع رجل الثلج منذ أربعة أيام ،
لكن هذه هي المرة الثانية التي يتصل فيها بها ،
في المرة الأولي ، مثل الليلة ..
وجدت نفسها تضحك وهو يخبرها بقصص عن مغامرات الاخوة آرنستو ، كما يقول ..
في المرة السابقة ، ومثل الليلة ، شعرت براحة وهي تستمع الي الحديث الطويل مع آريستيد ،
وصوت موسيقي خافتة تمر عبر الهاتف ..
فالموسيقي هي جزء من صوته العميق والذي لا يقاوم ،
أخبرته عن الأب الكريم للعروس الذي تحدثت معه ذلك الصباح ، وأخبرها عن مدير الاذاعة الذي يرتدي بدلة بثلاث قطع ،
وفي الوقت الذي انتهي فيه آريستيد من تقليد
صوت مديره ،
كانت جينيفر تمسك بأضلاعها من شدة الألم وهي تقول له :
- آه آريستيد ، توقف ،
نني أضحك بشدة لدرجة أنني أبكي وأنا لا أبكي أبدا ..
توقف عن الكلام للحظة وقال :
مطلقا جيني ؟ حتي وعندما كنت طفلة ؟!
قالت بهدوء :
- كل الأطفال يبكون ..
قال لها بجدية :
- و ما الذي جعلك تبكين جيني ؟! اقصد عندما كنت طفلة ؟
فكرت بسؤاله وتذكرت كل تلك الأوقات التي بكت فيها عندما كانت صغيرة ،
هي لم تخطط لتخبره عن طفولتها ،
لكن كان هناك شيء ما في صوته يدعوها لذلك ،
فنظرت الي ضوء القمر من خلال النافذة ،
وبدأت تقص عليه بعض القصص :
- كنت في السادسة من عمري عندما رحل والدي ،
عاد مرة وليس ليقول وداعا لي ولأمي ،
ولكن ليأخذ أغراضه ، فقط هكذا .. ونسي بأمرنا تماما ..
قال بصوته الحنون :
- لا أعتقد أن هذا ممكنا ، يمكنني القول أنه لا يمكن نسيانك أبدا ..
خففت كلماته من حدة الألم في صدرها ،
فابتسمت وقالت له :
- أعلم لماذا أنت مشهور جدا ،
فذلك الصوت الناعم بإمكانه أن يؤثر علي نمر غاضب ..
قال لها بدون تردد :
- افضل أن يؤثر عليك أنتِ ..
هناك انجذاب قوي بينهما ينشأ وحتي عبر
أسلاك الهاتف ،
لو أن الأمور مختلفة ، لو أن هجران والدها لم يترك كل ذلك الغضب وعدم الايمان بالرجال ،
و لو لم يعمل جوناثان علي انهاء ذلك الايمان كليا منذ خمس
سنوات ،
لكانت استسلمت لذلك الانجذاب بدون تردد :
- لحسن حظي أعلم الكثير كي لا أتأثر
بأي تأثير للرجال ..
لم يعلم آريستيد ما الذي يدور في فكرها ،
ذكر هجران والدها بدل لهجة صوتها ،
لا تثق بأحد لتقترب وهو يريدها أن تقترب منه ...
أن تقترب كثيرا ..
وما أن تشعب الحديث الي مواضيع أخري ، بدأ آريستيد يفهم أشياء قليلة عن جينيفر ..
بالطبع هو يسمع حبا كبيرا عندما تتحدث عن ستيفاني ، لكنه يسمع ذلك الصوت أيضا عندما تتحدث عن لورين ودريك ،
أو عن أمها ، والجيران ..
حتي عن بعض الزبائن ، فهي تهتم كثيرا وبعمق
لأصدقائها وعائلتها ،
لكن ليس لديها رجل في حياتها و منذ وقت طويل .
هي لا تكره الرجال لكن بطريقة ما فقدت الايمان بالرجل ،
و آريستيد هو الرجل المناسب ليعيد لها ذلك الايمان .
سمعها تتثاءب وتخيل أنها تجلس في منزلها
...
مرتاحة وجاهزة للنوم ، تلك كانت الصورة التي رافقته بعد أن ودعها وأنهي الاتصال ،
و بقيت معه وهو يدخل الي غرفة الحمام ليستحم .
جينيفر تبتعد عن أي علاقة مع أي رجل ،
هذا ما قالته .
لكنها لا تبتعد عنه ،
آه .. ربما تقول لنفسها أن كل ما تريده منه هو الصداقة ، لكن آريستيد يعلم ما الذي تريده .... انه تريده
... هو ...
قليل من المرح والكثير من سحر آرنستو .
وقف تحت الماء وهو يفكر بأول مرة رآها فيها في زفاف دريك و لورين ،
وفكر في أول مرة لمسها وكيف بدت في تلك الليلة عندما قالت له أنها لا ترقص ،
فكر كيف ضحكت
الليلة .. وكيف أن صوتها الأجش يحرك أعماقه بقوة ...
**************
كانت سيارة آريستيد في الموقف عندما وصلت جينيفر و ستيفاني الي الطريق الفرعية في
اليوم التالي ،
وفي الوقت الذي ساعدت فيه جينيفر ابنتها لتخرج من السيارة ، كان آريستيد يسير علي الرصيف وهو يحمل بين يديه كيسا من المشتريات بين ذراعيه ..
سألته جينيفر :
- ما كل هذا ؟!
بعد أن لمس آريستيد أنف ستيفاني بمرح وسألها عن الرسومات التي صممتها في المدرسة ...
قال وهو ينظر الي الكيس :
- هذا عشاء ..
قالت وهي تبتسم :
- فهمت ، لكن ما الذي يفعله هنا ؟!
وضع يده فوق قلبه وتظاهر أنه أصيب بجرح هناك :
- فكرت في أن أحضر العشاء
لأصدقائي ..
ثم تبعهما الي البيت وقال :
- انها حقا غلطة لو ، لقد اتصل بي في العمل اليوم ليذكرني بالرهان القائم بيننا ،
وقال لي للمرة الألف أن المكان المناسب للقاء النساء الجميلات هو المحلات الكبرى ..
وضع كيس المشتريات علي طاولة المطبخ فوجدت جينيفر نفسها تنظر الي عينيه وهي تقول :
- وهل حالفك الحظ ؟!
غمز بعينيه وقال بمرح :
- لا ، لكنني أحضرت كمية كبيرة من صلصة المعكرونة ..
أشرقت ستيفاني :
- مم ، معكرونة ، لنسرع ماما
لأنني جائعة جدا ..
قالت جينيفر لابنتها :
- حسنا عزيزتي ..
- ثم سألت آريستيد :
- اذا أنت و ابن عمك مازلتم تراهنون علي
تلك الجائزة القديمة ؟!
من دون أن يبعد نظره عن محتويات الكيس قال لها :
- لا ، لقد قلت ل لو ، أن وقت الرهان مضي ،
أعتقد أنه حان الوقت لتقاعد هذه الجائزة الي الأبد ..
شعرت جينيفر أن شيئا ما تحرك داخل
صدرها ،
شيء تستطيع تسميته بالأمل ، ولم تشعر به منذ وقت طويل ،
هذه الليلة ... لم تعاين الشعور كثيرا ، هي لا تريد أن تفسد مزاجها السعيد بأي شكل .
مرة ثانية حضرت ستيفاني الطاولة ، ومرة ثانية حافظت علي مجري الحديث ..
وهي تقول :
- تقول ايمي جو باركر أن والدها يطهو
بطريقة جيدة جدا ، هل تعلم أنهم دعوا الطفل الجديد كريستوفر ؟!
وقبل أن تقول جينيفر أنها سمعت بذلك عشرات المرات ،
نظرت ستيفاني الي آريستيد و قالت :
- هل تعتقد أن عليهم تسميته كريستوفر ؟!
آريستيد ، الذي كان علي وشك تذوق صلصة
المعكرونة ،
لعق شفتيه و قال :
- هذا اسم طويل ومزعج لطفل صغير ، أنا أفضل أن أناديه
كريس ..
- هذا ما قاله السيد أبراثي ، هل تعتقد أنه يحب المعكرونة ؟!
أجابها آريستيد :
- أعتقد أن كل شخص يحب المعكرونة ..
قالت ستيفاني بحزن :
- السيد أبراثي سيغادر المنطقة ..
- سيفعل ماذا ؟!
ونظرت جينيفر الي ابنتها التي قالت لها :
- سيرحل في غضون عدة أسابيع ..
همست جينيفر :
- آسفة لسماعي ذلك
عزيزتي ،
أعلم كم هو صديق عزيز بالنسبة اليك ..
قالت ستيفاني :
- نعم ولكنه سيستمر برؤيتي ، كما و أنني سأراسله ..
دهشت جينيفر كيف تمكنت ابنتها من التعامل مع الأخبار الجديدة ،
اعتقدت أن عيني ابنتها ستمتلآن بالدموع ، و بدلا من ذلك ها هي تتقبل رحيله كأمر واقعي في الحياة .
كانت جينيفر تشعر بالقلق علي ابنتها كي لا تتعلق ب آريستيد أيضا ، ربما ابنتها ليست
شديدة الحساسية كما هي تعتقد ،
و ربما ابنتها الصغيرة تستطيع التكيف مع الأصدقاء أكثر منها ..
بعد مرور عدة دقائق أخرج آريستيد الأم وابنتها من المطبخ ، فذهبت جينيفر لمساعدة ابنتها بتبديل ملابسها الأنيقة ،
بثياب أكثر راحة ،
رائحة شيء ما يحترق جعلت جينيفر تركض الي المطبخ بعد مضي وقت قصير .
كان آريستيد يقف قرب الفرن ،
و يضع منشفة مطبخ علي كتفه ، و يحمل بيده المغطاة بقفاز سميك مقلاة ملئ بالخبز الأسود المحروق ..
قال لها :
- أعتقد أن فرنك شديد الحرارة ..
أخذت المنشفة من علي كتفه وحملت الصينية الحارة ، وضعتها علي الفرن وأطفأته .
للحظة كانت تقف قرب آريستيد والكتف للكتف ،
حدقت بالدخان الأسود المنتشر في المطبخ .
لتجده يقول لها :
- أتعتقدين أن والد ايمي جو باركر يحرق العشاء أيضا ؟!
كلماته جذبت نظراتها ، و نظرة المرح في عينيه دفعتها لتضحك ، وهذا ما فعله هو أيضا ،
وجدت جينيفر نفسها قربه ،
و قد وضع ذراعيه حولها ،
كانت رائحته قليلا من الخبز المحروق ومن رائحة نسيم الشتاء ، ولا شيء يشبه أحدا من أصدقائها ..
كان يراقبها فرأت جينيفر الضحكة التي
تشاركا بها منذ قليل ،
ما زالت تلمع في عينيه ، لكنها رأت شيئا آخر أيضا ،
لقد وجدت نعومة أذهلتها ..
انحني وعانقها بنعومة ،
ثم عاد آريستيد للعمل علي صلصة المعكرونة ،
وكأن معانقتها أمر طبيعي جدا في حياته ،
ثم قال لها بمرح :
- لدي عمة تأكل التوست المحروق كل صباح ،
و لكنني أخشي أن هذا الخبز محروق جدا. ، حتي العمة ميلي لا تستطيع أكله ..
سمعت وقع عكازين ستيفاني في غرفة الجلوس ،
ف تراجعت جينيفر قليلا الي الوراء ،
و هي لا تزال تبتسم ،
هزت رأسها وعملت علي مساعدة آريستيد علي اعداد العشاء ، وتساءلت ما الذي كان يضحكها في هذه الدنيا قبل أن تقابل آريستيد آرنستو .
**********
- خالتي لورين ، ما هو الأخ بالزواج ؟!
سألت ستيفاني لحظة دخول لورين واغلاقها الباب ورائها .
بدت لورين مشرقة بسبب رحلتها الي
الباهامس في شهر العسل ،
ضحكت وهي
تنزع الثلج عن معطفها وحذائها قرب الباب وقالت :
- الأخ بالزواج هو اما أخ زوجك ، أو
زوج أختك ..
كانت جينيفر تحاول أن تنزع معطف
ستيفاني من علي ذراعها ،
و هي تدفعها للداخل قبل أن تتمكن من أن تسأل سؤالا آخر ،
وتمنت أيضا لو أن ستيفاني تتعاون معها بدلا من مراقبة لورين بكل حركة تقوم بها ..
سألتها لورين بتعجب :
- لماذا ؟ هل تخططين للزواج في
وقت قريب ؟
ضحكت الطفلة و وضعت يدها فوق فمها وقالت :
- لا هذا كلام سخيف ، فأنا ما زلت
طفلة ،
من المحتمل أنني لن أتزوج حتي أصبح عجوزا ...
و ربما عندما أصبح في السادسة عشر ..
صححت جينيفر لهل :
- علي الأقل في الخامسة والعشرين ..
سألت ستيفاني :
- كم كان عمرك عندما تزوجت خالتي لورين ؟!
قالت لها لورين :
- في التاسعة و العشرين ..
سألتها ستيفاني :
- وكم هو عمر أخيك بالزواج ؟!
رددت لورين بتساؤل :
- أخي بالزواج ؟!
قالت لها ستيفاني بحماس :
- أنت تعرفينه ، آريستيد ..
ضمت لورين حاجبيها متسائلة بدهشة :
- و كيف تعرفت علي آريستيد ؟!
لم تكن لورين تنظر الي الطفلة ،
و حينها أدركت جينيفر أن ما جعل
صديقتها شخصية رائعة ، هو أنها تهتم كثيرا بكل شيء ...
_________________
_______________
تقدمت ستيفاني خطوة نحو آريستيد ،
غير قادرة علي تذكر العادات المهذبة من تشتتها ، ولكنها استعاد الاهم منها وهي تقول :
- سيد أبراثي ، هذا هو آريستيد آرنستو ..
قال لها باقتضاب :
- نعم .. انا أعرف هذا ..
سيد أبراثي ، سيد أبراثي ..
صرخت ستيفاني من الجهة المقابلة ،
فلوح الرجل لها ..
ثم ودع آريستيد و جينيفر ، و سار نحو ستيفاني ..
تمتم آريستيد عندما أصبح الرجل بعيدا عن سماعهما :
- تصرف وكأنه يعرفني ..
همست بتفهم :
- هو أحيانا يقول أشياء غريبة ، لكنه رجل رائع على كل حال ...
سألها باستنكار :
- اذا أنت لا تكرهين الرجال ؟!
تفاجأت لتبديله الموضوع فقالت :
- بالطبع .. أنا لا أفعل ..
ابتسم لها مرة ثانية فتذكرت جينيفر المرة
الأولي التي رأته فيها ،
ذلك اليوم اعتقدت أنه متفاخر بنفسه ،
تذكرت كيف بدا بعد ظهر
اليوم عندما سألته ستيفاني عن ابن عمه جاسون .
فشردت قليلا قبل ان تقول له :
- "ربما السيد أبراثي علي حق آريستيد ،
ربما أنت وأنا أصبحنا صديقين ..
ردد بضيق :
- صديقين !
كادت أن تضحك من خيبة الأمل التي
ظهرت علي وجهه ، لكنها قالت له بثبات :
- نعم صديقان ،
لقد قلت لك سابقا أن لا وقت لدي لإقامة أي علاقة ،
و لكنني لا أظن أن هناك من يرفض أن يكون لديه أصدقاء أكثر ..
لم يعرف آريستيد كيف فكرت بذلك ،
لكن قبل أن يتمكن من الاجابة ،
صفقت بيديها لتبعد الثلج عن قفازيها ،
ثم شكرته لمساعدتها في بناء رجل الثلج ،
و قالت له أن يمر هنا عندما يحتاج الي صديقة ..
ثم تركته واقفا هناك ،
يتساءل كيف تتمكن دائما من أن تسبقه بخطوة ،
و كيف تمكنا أن يفترقا كصديقين ..
قال السيد أبراثي ل ستيفاني :
- هذا رجل ثلج رائع ..
ضحكت ستيفاني قبل أن تهمس له :
- لقد عاد آريستيد ، سيد أبراثي ، تماما كما طلبت ..
قال لها بحماس يشبه حماسها :
- لقد رأيته ، هل أنت تحبين آريستيد عزيزتي ؟!
هزت رأسها بقوة قائلة :
- آه .. نعم .. وكذلك أمي ..
للحظة اندهشت ستيفاني من لمعان عيني صديقها ،
وهو يسألها :
- أخبريني صغيرتي ، كيف تعلمين أن أمك تحبه ؟!
قالت له ببراءة ؛
- لأنها تنظر اليه كثيرا ..
بدأ السيد أبراثي بالضحك وهو يسألها :
- وكيف تنظر اليه ؟!
اقتربت من أذنه وهي تقول له بهمس :
- هي تحاول أن لا تفعل ،
لكنها تنظر اليه هكذا ..
وأخفضت ستيفاني جفنيها ،
و نظرت الي عينين أصفي من السماء ،
و قبل أن تنتهي عاد السيد أبراثي للضحك ثانية وقال :
- أخشي أن حقيقة عدم رغبتها في النظر اليه أمر مثير
للقلق ..
قالت له بإقرار وثقة :
- لكنهما سيغرمان ببعضهما ، أنا أعلم ذلك ..
ربت على كتفها وهو يحدثها بهدوء و بتعقل :
- لا تضع العربة قبل شراء الحصان صغيرتي ،
إن الحب لا تستطيعين استعجاله ، يجب أن تكوني
صبورة ..
قالت له بحزن بالغ :
- لكنه رائع .. ويحب الضحك و التسلية ..
قال له بتفهم :
- فهمت ،
حتي ولو كان كذلك ، عليك أن تتذكري أن تكوني صبورة . ماذا كان أبي يقول ؟
ثم قال وهو يفرك جبهته :
- آه نعم ، الآن تذكرت ،
لا يمكنك أن تستعجل الحب ..
قالت بحزن ظهر في نظرة عينيها :
- لا نستطيع ابدًا ؟!
اجابها بتعقل :
- لا صغيرتي ، لا أحد يستطيع ..
قالت بإصرار :
- انه أمر مؤسف ، وذلك لأنني لا أستطيع الانتظار ..
قرص وجنتها برقة قائلًا :
- لكن الانتظار جزء من المرح ..
ونظر السيد أبراثي الي رجل الثلج فضحكت ثانية ، و هي تردد ..
- و نحن قد مرحنا اليوم كثيرًا ...
*****************
أبعد آريستيد الحليب ونظر الي نوع العصير قرب الأجبان داخل براد دريك وصرخ به :
- عصير تفاح ! لقد كنت تكره عصير التفاح !
أمسك آريستيد باثنين من عصير الليمون ،
و قدم واحدة لأخيه وفتح غطاء زجاجته ،
ثم شرب دريك قليلا من العصير وقال له :
لورين و جدي يحبان عصير التفاح ، وعلي أن أعترف انه ليس بسيئ كما كنت اعتقد ..
قال آريسنيد بعد أن شرب وارتوي من العصير :
- ربما تناولك الطعام الجيد ، هو السبب أنك ربحت اثنين من المباريات الثلاثة التي لعبناها قبل قليل ..
ضاقت عينا دريك وهز رأسه ببطء و قال :
- لا .. لقد ربحت في مباراة كرة السلة ،
لأن أفكارك لم تكن في اللعبة ، ما الأمر يا صديقي ؟
لم يجبه آريستيد ، وبعد أن تبع دريك عبر الدرج الي غرفة الجلوس الأنيقة قال :
- ما الذي يجعلك تعتقد أن هناك شيء ما ؟!
رمي وسادة علي الأرض ، و جلس عليها ونظر حوله في الغرفة وهو يقول له :
- لأنني أعرفك جيدًا ،
أنت لم تكن علي طبيعتك بعد عودتنا ،
كما وأنك لست كما أنت و نحن نلعب كرة السلة الليلة كذلك ،
مر لوكاس منذ عدة أيام ،
و أخبرني عن رهانك الأخير المتعلق بامرأة يائسة ،
أنت تعلم أن الأمر غير مهم اطلاقا ،
من يربح جائزة أبي للبولينغ ، علي الأقل ليس الآن ،
الجائزة هو حب امرأة رائعة ..
ثم توقف قليلا عن الكلام وأضاف :
- هل تقابل فتاة ما ؟
أخيرا نظر آريستيد الي صديقة الوحيد وابن عمه الذي يعتبره أخيه الاصغر :
- نعم و لا ..
ضيق دريك عينيه متسائلا :
- ما الأمر ؟ هل هي متزوجة ؟
سمع هتاف من علي التلفاز ولكنه لم ينظر
ليري من أحرز نقطة ، قال :
- الأمر أسوأ من ذلك ، هي تريد أن نكون صديقين ..
ضحك دريك بصوت عالي :
- وان كنت تذكر منذ خمسة أشهر لم تكن لورين ترغب بأكثر من مغامرة ،
وانظر كيف تحولت الأمور بيننا ،
اذا كانت تلك المرأة تريد أن تكونا صديقين فابدأ من هناك ، من يعلم الي أين ستصل الأمور ..
سأله باهتمام :
- أنت تعتقد أنني مازلت أحظي بفرصة معها ؟!
رفع دريك كتفيه :
- لا أعلم .. فأنت لم تخبرني اسمها ، و لكن ما الذي
ستخسره ؟!
فتح الباب في الدور الأرضي وسمع صوت لورين و اكزاني معا ، وقالت لورين :
- ها قد عدنا الي االمنزل ..
رددت اكزاني الذي بالكاد تبلغ عمرها ثلاث سنوات :
عدنا الي المنزل ..
ثم سمع صوت خطواتها علي الدرج ،
و بعد لحظات كانت اكزاني
تجري نحو عمها وهو يبتسم ابتسامة كبيرة ولم تكن لورين بعيدة عنها ...
وجد آريستيد نفسه يتمني لو أن ستيفاني
تستطيع صعود الدرج بسهولة مثل اكزاني ،
وأكثر من أي شيء آخر .. تمني أن تنظر جينيفر الي عينيه كما تنظر لورين الي عيني دريك ...
ليردد بداخله ..
نبدأ كصديقين ؟!
فإن صديقان هو أبعد ما يريده آريستيد لهما ،
فهو كالمراهق ومنذ أسابيع وهو يحلم بها لكن ، لما لا ؟
فإن جينيفر ، تجعله يفكر وتجعله
فضولي ، و بشوق دائم ..
بالكاد يري الأمور علي حقيقتها ، المشكلة أنها ليست مستعدة لإقامة أي علاقة الآن ،
تماما كما كانت عندما التقي بها ،
هناك شيء يمنعها ، وكان آريستيد يخشي أن يكون ذلك الشيء هو الثقة ..
تري كيف يمكن لرجل أن يربح ثقة امرأة مميزة جدا مثلها ؟
ربما دريك علي حق ، ربما الصداقة هي أفضل ما يمكن البدء به الأن ...
*****************
بصورة أوتوماتيكية نظرت جينيفر الي
ساعتها عندما رن جرس الهاتف ،
انها العاشرة ليلا و ستيفاني في السرير منذ ساعتين ولم تكن جينيفر تتوقع أي اتصال !
لذلك من المحتمل انه آريستيد ..
واذا تعلمت شيئا عن آريستيد آرنستو طوال الأسابيع القليلة الماضية ، فانه من النادر أن يفعل ما تتوقعه ..
- هذا صديقك عازف الموسيقي يتصل
بأحدي أفضل مستمعاته لإلقاء التحية عليها ..
سألته وهي تبتسم :
- ما الذي يجعلك تعتقد أنني أصغي لمحطتك ؟!
قال لها بمرح :
- ها أنت تؤذينني الأن ..
وجدت جينيفر نفسها تضحك وهي تقول :
- لا, لم تصب بأذى ، ومن أجل وضع الأمور في نصابها ،
ستيفاني تضع محطتك في راديو السيارة ، وترفض أن تسمع لأي محطة أخري ..
ردد بفخر :
- طفلة ذكية ..
لم تر جينيفر آريستيد منذ أن ساعدها هي
وستيفاني في صنع رجل الثلج منذ أربعة أيام ،
لكن هذه هي المرة الثانية التي يتصل فيها بها ،
في المرة الأولي ، مثل الليلة ..
وجدت نفسها تضحك وهو يخبرها بقصص عن مغامرات الاخوة آرنستو ، كما يقول ..
في المرة السابقة ، ومثل الليلة ، شعرت براحة وهي تستمع الي الحديث الطويل مع آريستيد ،
وصوت موسيقي خافتة تمر عبر الهاتف ..
فالموسيقي هي جزء من صوته العميق والذي لا يقاوم ،
أخبرته عن الأب الكريم للعروس الذي تحدثت معه ذلك الصباح ، وأخبرها عن مدير الاذاعة الذي يرتدي بدلة بثلاث قطع ،
وفي الوقت الذي انتهي فيه آريستيد من تقليد
صوت مديره ،
كانت جينيفر تمسك بأضلاعها من شدة الألم وهي تقول له :
- آه آريستيد ، توقف ،
نني أضحك بشدة لدرجة أنني أبكي وأنا لا أبكي أبدا ..
توقف عن الكلام للحظة وقال :
مطلقا جيني ؟ حتي وعندما كنت طفلة ؟!
قالت بهدوء :
- كل الأطفال يبكون ..
قال لها بجدية :
- و ما الذي جعلك تبكين جيني ؟! اقصد عندما كنت طفلة ؟
فكرت بسؤاله وتذكرت كل تلك الأوقات التي بكت فيها عندما كانت صغيرة ،
هي لم تخطط لتخبره عن طفولتها ،
لكن كان هناك شيء ما في صوته يدعوها لذلك ،
فنظرت الي ضوء القمر من خلال النافذة ،
وبدأت تقص عليه بعض القصص :
- كنت في السادسة من عمري عندما رحل والدي ،
عاد مرة وليس ليقول وداعا لي ولأمي ،
ولكن ليأخذ أغراضه ، فقط هكذا .. ونسي بأمرنا تماما ..
قال بصوته الحنون :
- لا أعتقد أن هذا ممكنا ، يمكنني القول أنه لا يمكن نسيانك أبدا ..
خففت كلماته من حدة الألم في صدرها ،
فابتسمت وقالت له :
- أعلم لماذا أنت مشهور جدا ،
فذلك الصوت الناعم بإمكانه أن يؤثر علي نمر غاضب ..
قال لها بدون تردد :
- افضل أن يؤثر عليك أنتِ ..
هناك انجذاب قوي بينهما ينشأ وحتي عبر
أسلاك الهاتف ،
لو أن الأمور مختلفة ، لو أن هجران والدها لم يترك كل ذلك الغضب وعدم الايمان بالرجال ،
و لو لم يعمل جوناثان علي انهاء ذلك الايمان كليا منذ خمس
سنوات ،
لكانت استسلمت لذلك الانجذاب بدون تردد :
- لحسن حظي أعلم الكثير كي لا أتأثر
بأي تأثير للرجال ..
لم يعلم آريستيد ما الذي يدور في فكرها ،
ذكر هجران والدها بدل لهجة صوتها ،
لا تثق بأحد لتقترب وهو يريدها أن تقترب منه ...
أن تقترب كثيرا ..
وما أن تشعب الحديث الي مواضيع أخري ، بدأ آريستيد يفهم أشياء قليلة عن جينيفر ..
بالطبع هو يسمع حبا كبيرا عندما تتحدث عن ستيفاني ، لكنه يسمع ذلك الصوت أيضا عندما تتحدث عن لورين ودريك ،
أو عن أمها ، والجيران ..
حتي عن بعض الزبائن ، فهي تهتم كثيرا وبعمق
لأصدقائها وعائلتها ،
لكن ليس لديها رجل في حياتها و منذ وقت طويل .
هي لا تكره الرجال لكن بطريقة ما فقدت الايمان بالرجل ،
و آريستيد هو الرجل المناسب ليعيد لها ذلك الايمان .
سمعها تتثاءب وتخيل أنها تجلس في منزلها
...
مرتاحة وجاهزة للنوم ، تلك كانت الصورة التي رافقته بعد أن ودعها وأنهي الاتصال ،
و بقيت معه وهو يدخل الي غرفة الحمام ليستحم .
جينيفر تبتعد عن أي علاقة مع أي رجل ،
هذا ما قالته .
لكنها لا تبتعد عنه ،
آه .. ربما تقول لنفسها أن كل ما تريده منه هو الصداقة ، لكن آريستيد يعلم ما الذي تريده .... انه تريده
... هو ...
قليل من المرح والكثير من سحر آرنستو .
وقف تحت الماء وهو يفكر بأول مرة رآها فيها في زفاف دريك و لورين ،
وفكر في أول مرة لمسها وكيف بدت في تلك الليلة عندما قالت له أنها لا ترقص ،
فكر كيف ضحكت
الليلة .. وكيف أن صوتها الأجش يحرك أعماقه بقوة ...
**************
كانت سيارة آريستيد في الموقف عندما وصلت جينيفر و ستيفاني الي الطريق الفرعية في
اليوم التالي ،
وفي الوقت الذي ساعدت فيه جينيفر ابنتها لتخرج من السيارة ، كان آريستيد يسير علي الرصيف وهو يحمل بين يديه كيسا من المشتريات بين ذراعيه ..
سألته جينيفر :
- ما كل هذا ؟!
بعد أن لمس آريستيد أنف ستيفاني بمرح وسألها عن الرسومات التي صممتها في المدرسة ...
قال وهو ينظر الي الكيس :
- هذا عشاء ..
قالت وهي تبتسم :
- فهمت ، لكن ما الذي يفعله هنا ؟!
وضع يده فوق قلبه وتظاهر أنه أصيب بجرح هناك :
- فكرت في أن أحضر العشاء
لأصدقائي ..
ثم تبعهما الي البيت وقال :
- انها حقا غلطة لو ، لقد اتصل بي في العمل اليوم ليذكرني بالرهان القائم بيننا ،
وقال لي للمرة الألف أن المكان المناسب للقاء النساء الجميلات هو المحلات الكبرى ..
وضع كيس المشتريات علي طاولة المطبخ فوجدت جينيفر نفسها تنظر الي عينيه وهي تقول :
- وهل حالفك الحظ ؟!
غمز بعينيه وقال بمرح :
- لا ، لكنني أحضرت كمية كبيرة من صلصة المعكرونة ..
أشرقت ستيفاني :
- مم ، معكرونة ، لنسرع ماما
لأنني جائعة جدا ..
قالت جينيفر لابنتها :
- حسنا عزيزتي ..
- ثم سألت آريستيد :
- اذا أنت و ابن عمك مازلتم تراهنون علي
تلك الجائزة القديمة ؟!
من دون أن يبعد نظره عن محتويات الكيس قال لها :
- لا ، لقد قلت ل لو ، أن وقت الرهان مضي ،
أعتقد أنه حان الوقت لتقاعد هذه الجائزة الي الأبد ..
شعرت جينيفر أن شيئا ما تحرك داخل
صدرها ،
شيء تستطيع تسميته بالأمل ، ولم تشعر به منذ وقت طويل ،
هذه الليلة ... لم تعاين الشعور كثيرا ، هي لا تريد أن تفسد مزاجها السعيد بأي شكل .
مرة ثانية حضرت ستيفاني الطاولة ، ومرة ثانية حافظت علي مجري الحديث ..
وهي تقول :
- تقول ايمي جو باركر أن والدها يطهو
بطريقة جيدة جدا ، هل تعلم أنهم دعوا الطفل الجديد كريستوفر ؟!
وقبل أن تقول جينيفر أنها سمعت بذلك عشرات المرات ،
نظرت ستيفاني الي آريستيد و قالت :
- هل تعتقد أن عليهم تسميته كريستوفر ؟!
آريستيد ، الذي كان علي وشك تذوق صلصة
المعكرونة ،
لعق شفتيه و قال :
- هذا اسم طويل ومزعج لطفل صغير ، أنا أفضل أن أناديه
كريس ..
- هذا ما قاله السيد أبراثي ، هل تعتقد أنه يحب المعكرونة ؟!
أجابها آريستيد :
- أعتقد أن كل شخص يحب المعكرونة ..
قالت ستيفاني بحزن :
- السيد أبراثي سيغادر المنطقة ..
- سيفعل ماذا ؟!
ونظرت جينيفر الي ابنتها التي قالت لها :
- سيرحل في غضون عدة أسابيع ..
همست جينيفر :
- آسفة لسماعي ذلك
عزيزتي ،
أعلم كم هو صديق عزيز بالنسبة اليك ..
قالت ستيفاني :
- نعم ولكنه سيستمر برؤيتي ، كما و أنني سأراسله ..
دهشت جينيفر كيف تمكنت ابنتها من التعامل مع الأخبار الجديدة ،
اعتقدت أن عيني ابنتها ستمتلآن بالدموع ، و بدلا من ذلك ها هي تتقبل رحيله كأمر واقعي في الحياة .
كانت جينيفر تشعر بالقلق علي ابنتها كي لا تتعلق ب آريستيد أيضا ، ربما ابنتها ليست
شديدة الحساسية كما هي تعتقد ،
و ربما ابنتها الصغيرة تستطيع التكيف مع الأصدقاء أكثر منها ..
بعد مرور عدة دقائق أخرج آريستيد الأم وابنتها من المطبخ ، فذهبت جينيفر لمساعدة ابنتها بتبديل ملابسها الأنيقة ،
بثياب أكثر راحة ،
رائحة شيء ما يحترق جعلت جينيفر تركض الي المطبخ بعد مضي وقت قصير .
كان آريستيد يقف قرب الفرن ،
و يضع منشفة مطبخ علي كتفه ، و يحمل بيده المغطاة بقفاز سميك مقلاة ملئ بالخبز الأسود المحروق ..
قال لها :
- أعتقد أن فرنك شديد الحرارة ..
أخذت المنشفة من علي كتفه وحملت الصينية الحارة ، وضعتها علي الفرن وأطفأته .
للحظة كانت تقف قرب آريستيد والكتف للكتف ،
حدقت بالدخان الأسود المنتشر في المطبخ .
لتجده يقول لها :
- أتعتقدين أن والد ايمي جو باركر يحرق العشاء أيضا ؟!
كلماته جذبت نظراتها ، و نظرة المرح في عينيه دفعتها لتضحك ، وهذا ما فعله هو أيضا ،
وجدت جينيفر نفسها قربه ،
و قد وضع ذراعيه حولها ،
كانت رائحته قليلا من الخبز المحروق ومن رائحة نسيم الشتاء ، ولا شيء يشبه أحدا من أصدقائها ..
كان يراقبها فرأت جينيفر الضحكة التي
تشاركا بها منذ قليل ،
ما زالت تلمع في عينيه ، لكنها رأت شيئا آخر أيضا ،
لقد وجدت نعومة أذهلتها ..
انحني وعانقها بنعومة ،
ثم عاد آريستيد للعمل علي صلصة المعكرونة ،
وكأن معانقتها أمر طبيعي جدا في حياته ،
ثم قال لها بمرح :
- لدي عمة تأكل التوست المحروق كل صباح ،
و لكنني أخشي أن هذا الخبز محروق جدا. ، حتي العمة ميلي لا تستطيع أكله ..
سمعت وقع عكازين ستيفاني في غرفة الجلوس ،
ف تراجعت جينيفر قليلا الي الوراء ،
و هي لا تزال تبتسم ،
هزت رأسها وعملت علي مساعدة آريستيد علي اعداد العشاء ، وتساءلت ما الذي كان يضحكها في هذه الدنيا قبل أن تقابل آريستيد آرنستو .
**********
- خالتي لورين ، ما هو الأخ بالزواج ؟!
سألت ستيفاني لحظة دخول لورين واغلاقها الباب ورائها .
بدت لورين مشرقة بسبب رحلتها الي
الباهامس في شهر العسل ،
ضحكت وهي
تنزع الثلج عن معطفها وحذائها قرب الباب وقالت :
- الأخ بالزواج هو اما أخ زوجك ، أو
زوج أختك ..
كانت جينيفر تحاول أن تنزع معطف
ستيفاني من علي ذراعها ،
و هي تدفعها للداخل قبل أن تتمكن من أن تسأل سؤالا آخر ،
وتمنت أيضا لو أن ستيفاني تتعاون معها بدلا من مراقبة لورين بكل حركة تقوم بها ..
سألتها لورين بتعجب :
- لماذا ؟ هل تخططين للزواج في
وقت قريب ؟
ضحكت الطفلة و وضعت يدها فوق فمها وقالت :
- لا هذا كلام سخيف ، فأنا ما زلت
طفلة ،
من المحتمل أنني لن أتزوج حتي أصبح عجوزا ...
و ربما عندما أصبح في السادسة عشر ..
صححت جينيفر لهل :
- علي الأقل في الخامسة والعشرين ..
سألت ستيفاني :
- كم كان عمرك عندما تزوجت خالتي لورين ؟!
قالت لها لورين :
- في التاسعة و العشرين ..
سألتها ستيفاني :
- وكم هو عمر أخيك بالزواج ؟!
رددت لورين بتساؤل :
- أخي بالزواج ؟!
قالت لها ستيفاني بحماس :
- أنت تعرفينه ، آريستيد ..
ضمت لورين حاجبيها متسائلة بدهشة :
- و كيف تعرفت علي آريستيد ؟!
لم تكن لورين تنظر الي الطفلة ،
و حينها أدركت جينيفر أن ما جعل
صديقتها شخصية رائعة ، هو أنها تهتم كثيرا بكل شيء ...
_________________