الفصل الثاني

☆الفصل الثاني ☆


خطي أمير بساقية إلي مسكنه بصحبة طفلته التي دلفت تهتف بإسم والدتها وتبحث عنها بمرح ولكنها لم تجيب وتُقابلها بالضحكات والأحضان الحانية ككُل يوم

إستغربَ أمير هدوء المكان وخلوةِ من مرح زوجتهِ الجميله وأنتظارها لهما كعادتها
دلف لداخل غرفتهما معاً ظناً منهٌ أنها بداخلها، ولكنهٌ وجد الغرفه خالية دلف للمرحاض و إنزعجَ عندما وجدهٌ أيضاً خالياً منها

إرتعبَ داخلهٌ عندما إستمعَ لصراخ طفلته وهي تناديه بهلع  : 
_ باااابي، إلحق مامي يا بابي


جري مٌسرعً يتتبع منبع خروج صوت صغيرته،  وصل إلي المطبخ وجدها تجلس بجانب والدتها الغائبة عن الوعي وتُحركها وتصرُخ هلعاً



جحظت عيناه حين وجدها علي تلك الحالة ، إرتمي علي الأرض بجانبها ورفع رأسها بين كفيه وبدأ بخبط صَدغِها بيده بخفه وهو يحدثها والقلق بنهش داخلة  : 
_أمل،  فوقي يا حبيبي، فوقي يا أمل أبوس أديكي

ثم نظر إلي طفلتهِ التي تصرخ بلا إنقطاع بإسم والدتها وأمسك يدها وتحدث ليطمئنها بعدما تحسسَ نبض زوجته وعلم أنها ما زالت على قيد الحياة

أردف أمير بطمأنينه  :
_  إهدي يا كارما و ما تخافيش يا حبيبتي، مامي كويسه يا قلبي

ثم وضع رأسها من جديد فوق الارض بعناية وهب واقفً مُنتفضً من مكانه علي عجل، وجلب كوبً من الماء وبدأ بسكب بعض القطرات منه علي وجهها مما جعلها تتملل و بدأت بإستعادة وعيها شيئاً فشيئا

تنفس براحه حين وجدها تفتح عيناها من جديد ، أما كارما فا أرتمت داخل أحضانها و هي تبكي وتتحدث بصوتٍ باكي  : 
_ خوفتينا كتير عليكي يا مامي، ليه نايمة هنا في المطبخ  ؟ 


نظرت لهما بإستغراب، وأردفت بصوتٍ ضعيف بالكاد يُسمع  :
_  هو فيه أيه، أيه إللي حصل يا أمير ؟

سحبها أمير بلهفة لداخل أحضانه وأجابها بنبرة قلقة  : 
_ مش عارف يا حبيبتي ، إحنا لقيناكي واقعه هنا و فاقدة الوعي تماماً

وقف و أوقفها معه وتحرك بها سانداً إياها إلي الخارج وأجلسها فوق المقعد وتسائل بإهتمام  : 
_ مالك يا أمل، أيه إللي حصل لك وخلاكي حتي ما تقدريش تسيطري علي نفسك بالشكل ده  ؟

تنفست بهدوء وهي تحتضن طفلتها التي مازالت مُرتعبه وأردفت متذكرة  : 
_ مش عارفه أيه إللي حصل لي بالظبط، كل اللي فكراه إني فجاة حسيت بدوخة شديدة وبعدها ما حسيتش بأي حاجه غير وإنتوا جنبي


أجابها بهدوء  : 
_الحمدلله يا قلبي إن البوتجاز كان مقفول ،أكيد إللي حصل لك ده علشان مبتفطريش

وأكمل بنبرة معاتبً إياها  :
_  كام مرة قولت لك تفطري لما تقومي من النوم وبلاش تهملي في نفسك بالطريقه دي

أجابته بإستسلام وضعف  :
_حاضر يا حبيبي، إن شاء الله هفطر بعد كده

ومر اليوم بسلام ، وتوالت الأيام و بدأت أمل تشعر بألام جديدة عليها تقتحم جسدها وهزلان وغثيان في بعض الأحيان

لاحظت والدتها جسد إبنتها الهزيل الذي إفتقد الكثير من وزنه وشحوب وجهها الذي إنطفئ بريقهُ فبادرت هي وأخذتها إلي الطبيب في زيارة للإطمئنان علي غاليتها،  وبعد الكشف الأولي طلب منها الطبيب إجراء بعض الفحوصات للإطمئنان علي صِحتها ومعرفة شكواها


عادت إلي منزلها بعد يومٍ مٌتعب شاق قضتهُ داخل معمل الفحوصات بصحبة والدتها و شقيقتها اللتان إهتما بها لأبعد الحدود،  وجدت المنزل خالي من زوجها وصغيرتِها تنهدت بحُزن

وأمسكت هاتفها وضغطت زر الإتصال وأنتظرت حتي أتاها الرد من أمير الذي أردف قائلاً  : 
_ أيه يا حبيبي وصلتي البيت ؟

أردفت بصوتٍ مٌجهد  :
_  أنا لسه واصلة حالاً و أفتكرتك هتكون موجود إنتَ وكارما !


أجابها بصوتٍ هادئ  :  
_ معلش يا حبيبتي بس ماما لما عرفت إنك مش موجودة في البيت عزمتنا علي العشا أنا وكارما ، علي العموم هنتعشي ونيجي لك علي طول

وأكملَ مٌتسائلاً  : 
_ مش محتاجه حاجه أجيبها لك معايا من برة  ؟

ردت بصوتٍ حزين مهموم لعدم إكتراث زوجها لحالتها ولا حتي مجرد السؤال عن صِحتها  : 
_ مٌتشكرة يا أمير أنا مش محتاجه حاجه بس يا ريت تيجوا بسرعة علشان كارما وحشتني ومحتاجة اخدها في حُضني


إستمعت لصوت والدتهٌ الرخيم وهي تستدعيه لتناول الطعام، أجابها بنبرة صوت مٌتعجلة  : 
_ هقفل يا أمل وهكلمك وإحنا راجعين في الطريق

أغلقت معهٌ وتنهدت وتحركت لتخلع عنها ثيابها وتأخذ حمامً دافئً علهٌ يُزيلٌ عنها همومها وحزنها الذي اصاباها


علي الجانب الأخر تحدثت والدتهُ بنبرة ساخطة  : 
_يدوب إن الهانم إفتكرت إن ليها راجل وبنت ليهم حق عليها،  بسلامتها جاية تسأل عليكم أخر الليل  ؟ 

أجابها وهو يضع الطعام داخل صَحن صغيرته بإهتمام  : 
_ هتسأل علينا إزاي بس يا ماما و هي كانت في المعمل طول اليوم 

صاحت هاتفه بنبرة متذمرة  : 
_ وكان لزمته إية المعمل والتحاليل من أصلة يا أبني ولا هي بعزقت فلوس علي الفاضي ، هي كل اللي تدوخ لها شوية تجري علي الدكاترة وتعمل تحاليل وإشاعات؟
طبعاً ما هي شيفاك مدلوق وما بترفضلهاش طلب من حقها تعمل أكتر من كده


واكملت بضيق وتذمر : 
_هو آنتَ هتسد عليها منين يا أبني لده كُله، أكل ولا شُرب ولا اعياد الميلاد اللي مبتخلصش،  إيشي عيد ميلادها وعيد ميلاد البنت وعيد جوازكم، وأهي كملت بالدكاترة والدلع الماسخ بتاعها



زفر مصطفي وتحدث معترضً علي حديث زوجته  :
_  يا راوية إتقي الله وخافي ربنا وإنتِ بتتكلمي عن الولايا،  ده بدل ما توصي إبنك وتقولي يخلي باله من مراته ويهتم بيها وهي تعبانه علشان ربنا يكرمة ويكرمك،  تقومي تقوميه عليها بكلامك الفارغ ده

اجابته بنبرة حادة  : 
_ هي مين دي اللي تعبانة يا راجل،  هو أنتَ بيخيل عليك كُهن الستات ده،  دي زي القردة وصحتها أحسن مننا كُلنا،  ده دلع بنات ماسخ

تنهد أمير وتحدث مُعترضً علي حديث والدته وهو يُتابع نظرات صغيرتهُ التي تتنقلها بين الجميع بترقب وذكاء  : 
_خلاص يا ماما لو سمحتي،  بلاش كلامك ده قدام البنت وياريت متنسيش إن اللي بتتكلمي عليها دي تبقا مامتها

تحدثت بنبرة حادة  : 
_ خلاص يا سي أمير، هتخرص في بيتي وأسكت علشان ترتاح إنتَ وأبوك

إنتهي العشاء وأخذ طفلته وتحرك بسيارته الذي إبتاعها بضمان من البنك بالتقسيط المريح، وتحرك عائداً إلي مسكن الزوجيه

ثم تحدث إلي طفلتهِ التي تُجاوره  : 
_كوكي،  إنتِ طبعاً عارفة إن نانا بتحب مامي جداً،  هي بس كانت متضايقة شويه إنهاردة فتكلمت عنها بطريقة مش كويسه،  فياريت متقوليش لمامي اي حاجه من اللي سمعتيها علشان مامي مش تزعل وتضايق


أجابتهُ ذات الست سنوات بذكاء وفطانة  :
_  أنا عارفة كل الكلام ده يا بابي،  وكمان مامي قالت لي إن مينفعش نسمع كلام من حد ونوصله لحد تاني،  علشان كده ربنا هيزعل مننا

واكملت بفِطرة :
_  وأنا بحب ربنا أوي ومش عوزاه يزعل مني

إبتسم لذكاء طفلته وتحدث بفخر :
_برافوا عليكي يا كوكي،  ربنا يحميكي يا حبيبتي

وصلا لمنزلهُ بصحبة طفلته،  دلف للداخل وجدها تجلس أمام شاشة التِلفاز تنظر عليها بشرود ووجهٍ شاحب

جرت عليها طِفلتها وارتمت داخل أحضانها وتحدثت  : 
_وحشتيني يا مامي

إبتسمت لها وبادلتها الاحتضان، حين تحدث وهو يُميل بجذعهِ عليها مُقبلاً وِجنتها  :
_  إزيك يا حبيبتي

أجابته بملامح وجهٍ مُبهمه  :
_  الحمدلله

تسائل هو بإهتمام  :  
_إتعشيتي مع طنط  ؟ 

هزت رأسها بنفي وتحدثت بنبرة مُلامة  : 
_ماما عزمت عليا إننا ندخل أي مطعم ونتعشي فيه،  لكن انا إعتذرت لها إفتكرتك مستنيني إنتَ وكوكي وقُلت نتعشي مع بعض


تحمحمَ مُعتذراً بنبرة خجِله  : 
_معلش يا حبيبتي أصل ماما كلمتني بالصدفة بعد ما آنتِ خرجتي ولما عرفت إنك برة مع طنط عزمتني أنا وكارما علي العشا

وأكمل متسائلاً  : 
_ عملتي التحاليل  ؟ 

أومأت لها دون النظر لعيناه ووقفت مستأذنه  :
_  أنا داخلة أنام علشان تعبانه شوية، ومن فضلك نيم كوكي في سريرها وإطمن عليها
أومأ لها وفعل كل ما طلبت 

______________________


بعد يومان كان موعد إستلام نتيجة الفحوصات من المعمل وأخذِها للطبيب حتي يستعرض ما تحتوية وتفهم هي طبيعة ما يحدث مع جسدها مؤخراً


ذهب معها أمير بصُحبة والدتها وذلك كي يعوضها غيابهُ معاها تلك المرة الفائتة بعدما لاحظ حُزنها منه وتغيُرها معهُ، وأخذوا الفحوصات من المعمل وأتجهوا إلى الطبيب


وبعد مدة نظر لها الطبيب مطولاً وبدون رحمةً ولا شفقة أدلي ما بدلوهٍ قائلاً بطريقة عملية  :  _ للأسف يا مدام أمل، التحاليل والأشعه اللي قدامي بتأكد إن حضرتك عندك لوكيميا


إهتز كيانها بالكامل وصٌعقت روحها وكأنها إصتُدمت بكل قوة وعٌنف بجدارٍ صلب مما تسبب لها بإهتزاز بجسدها وتشوش بعقلها حتي أنها لم تعٌد تَعِي لما يُقال أو يدور من حولها وكأنها إنفصلت عن الواقع تماماً


شهقت والدتها واضعة يدها فوق فاهها وبدأت بهز رأسها بطريقة هيستيرية غير مستوعبة لما إستمعتهُ آذناها للتو

أما أمير الذي إنصدمَ بشدة ونظر إلي أمل بذهول ثم حول بصرةٍ إلي الطبيب وتسائل مُستفسراً  : 
_ حضرتك متأكد من الكلام ده يا دكتور، مش يمكن ٠


كادَ أن يٌكمل لولا مقاطعة الطبيب لهٌ متحدثً بتأكيد ونبرة واثقه  : 
_  للأسف يا أفندم ، التحاليل والإشاعات اللي قدامي مظبوطه جداً، أنا أساساً كٌنت شاكك في المرض من أول ما كشفت علي مدام أمل لكن قٌلت أعمل تحاليل دقيقة في معمل موثوق فيه علشان أتأكد قبل ما أفاتحكم في الموضوع


كانت شاردة ناظرة للأسفل وبلحظة هبطت دموعها وأنهمرت فوق وجنتيها، إنتفضت سحر من جلستِها وأسرعت وحاوطت صغيرتها وأحتضنتها كنوعٍ من المؤازرة

رفعت أمل نظرها إلي الطبيب وأردفت قائلة بدموع وصوتٍ بائس   :
_   فاضل لي قد أيه في الدُنيا يا دكتور ؟

شددت والدتها من إحتضانها وأردفت سريعاً بلهفة وخوف  :
_  بعد الشر عنك يا حبيبتي،أوعي اسمعك تقولي كده مرة تانية

وأكملت بنبرة حماسية بذلت أقصى ما عِندها لتُظهرها كي تشجيع إبنتها وتحِثُها علي التفاؤل وطرد تلك الفكرة التشاؤمية من تفكيرها  : 
_إنتِ هتتعالجي وهتخفي وهتبقي زي الفل


ثم حولت بصرها إلي أمير الذي شلت الصدمة جميع حواسه وصمتَ شارداً من شدة ذهولهُ
وأردفت قائلة لحثهِ علي التحدث والتحرك إلي زوجتة والوقوف بجانبها في أزمتها تلك  : 
_مش كدة ولا أيه يا أمير ؟

أفاق من ذهولهُ علي كلمات والدة زوجته وقفَ وأقترب من زوجته وتحدث بصوتٍ مختنق من شدة حٌزنهِ وألمه  :
_أكيد طبعاً يا ماما

ثم نظر إلى أمل بإبتسامة مٌصطنعه تحامل علي حاله لإخراجها  :
_  إن شاء الله هتتعالجي وهتبقي كويسه علشاني أنا وكارما وماما

هزت رأسها بيأسٍ وأبتسامة ساخرة

يُتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي