رحلة معلم

NouraMohamed Ale`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-09-25ضع على الرف
  • 144.6K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الحلقة الاولي رحلة معلم

( ١)

رحلة معلم

بقلم نورا محمد علي


الحياة مراحل كأنها درجات سلم متحرك، والقادم أكثر من رحل..

قبل مائة عام من الآن ، لم يكن لنا وجود ، و بعد مائة عام اخري ، لن يبقي منا سوي الإسم!!

اجل الإسم وهو مايتبقي، بعد رحيل الشخص نفسه ياخذ الموت روحك, وجسدك, ولكن ما يتبقي منك ؟ هو عملك, وأسمك , و ما تتركه في النفوس من أثر وهيبة .

وقد يكون (مُتَعَلِم )وتجبره الحياة ليصبح( مَعَلِمْ) فهل هناك خطب اذا حدث ذلك؟ (العِلْمَ) ليس عبئ علي قلبك ,وعقلك, بل هو مفتاح للحياة نفسها.
ولكن في ذلك الوقت من يحمل ابتدائية فهو متلعم و قد يعمل مدرس أو موظف في الحكومة !و من درس في (الكُتَّابْ) فهو متعلم!
أم من حصل علي التوجهية فهو من علية القوم !! .
فما بالك بالعالمية، و اتقان اللغات ،و القلة من يستطيع أن يرسل اولاده ليحصلوا علي العلم في حين ان من يحمل صنعة حتي لو كان صناعة السلال او أدوات الزراعة البسيطة كالفأس او المنجل(أداه لقطع الزرع) فهو ذا شان ،و مكانة في البلد فكل اهل البلد يجمعهم الفقر المدقع ،وجع وألم و حياة علي الهامش، يعيشها الشعب ،منهم قلة يملكون! و الباقية ممتلكون !! و ما بين قلة الحال كان الكل يسعي خلف العمل يبحث عن كسرة خير في فتافيت الحياة، القليل قد يكفي ، في حين أن هناك يعيشون في دوار يشبه ألي حد كبير السريا ،حتي لو كانت من طابق واحد مساحة شاسعة ومضيفة واسعة، وابراج حمام، تلفت النظر وتميز المكان عن بعد ، هذا حال كُبَراتْ البلد او بمعني أدق بيت العمدة في أغلب البلاد !

في أحدى قري ريف مصر، بالتحديد( منشية سليم ) وسميت علي اسم( عائلة سليم) التي تملك اغلب أراضي البلد إنه زمن آخر قبل الاقطاع نفسه ؟!

يدخل (عبد الله )إلي المضيفة بهيئة وقار، وجسد ممشوق قوي، ولمحة من الجاذبية الخشنة، يجلس علي مقعدة الوثير، ينتظر احدى الخادمات تحضر له الفطور كما أمرت (فتحية) زوجته تلك الجميلة ذات العين العسلي و البشرة التي تعد فاتحة و جدائل شعرها الكثيفة الطويلة السمراء وبشرتها البيضاء المتشبعة بالحمرة هي لازالت جميلة رغم انها أم اولاده الأربعة (محمد) الذي تجاوز العشرين من سنتين وها هو يدرس (العالمية) او ما نسميه نحن (الجامعة) و (سليمان) عشرين سنة شديد الشبه بوالده، و "عاصم" في الثامنة عشر من عمره ،و ابنته الوحيدة (زينب) اصغراولاده ،وهي لم تكمل السابعة عشر و مع ذلك متزوجة!!

و هي تقترب لتجلس معه علي غير عادة هذه البلد فالمراة مكانها المطبخ او شئون البيت الا انه مختلف. فهو من ارسل اولاده الذكور ليدرسوا في القاهرة بينما يأجر العمال ليعملوا في أرضه الواسعة الشاسعة .

رفع عينه لينظر لها و ابتسامة تشق شفتيه الصارمة و هو يقول بصوت قوي

عبد الله : خير يا (فتحية) عاوزة تقولي ايه ؟!

فتحية: هروح اطل علي ( زينب)

عبد الله: مم وماله يا ام (محمد) ،بس ليه؟

فتحية :شكلها تعبانة و بعافية.

عبدالله: وانت شوفتي شكلها فين ؟!

فتحية: اصلها لو بخير كانت جات زي عاويدها! وبعدين انت عارف من يوم ما الدراسة بدأت و انا البيت فضي عليا انا وأم (سيد )

هز راسه وارتشف فنجان القهوة دون أن يرد ولكن إشارة راسه كانت كافية

فتحية : يعني اروح؟

عبدالله : روحي

ثم نهض بهدوء فتحركت لتمسح غبار واهي عن عبائته الفاخرة التي يضعها علي كتفيه وهو يحمل عصاه الابانوسية المطعمة بالفضة والتي لا يحتاجها بل هي فقط لتكملة الصورة و هو يتحرك إلي حيث (الكارته) وهي عربة خشبيه يجرها حصان .

(عبدالله )القي عليها السلام و تحرك إلي ارضه الشاسعة وقف ينظر إلي العمال، وذلك الخولي(مديرالعمال) المشرف عليهم ثم جلس تحت تلك المظلة ليستظل بها من لهيب الشمس التي ارتفعت إلي كبد السماء.

اما (فتحية ) كانت تستعد لتذهب إلي بيت ابنتها القريب نسبيا و هي تأخذ احدى الخادمات تحمل لها تلك الزيارة التي تساوي الكثير و طرقت باب ابنتها الوحيدة والتي تزوجت من فترة قريبة .

(زينب) فتاة متوسطة الطول تحمل ملامحها مزيج من ملامح امها الرقيقة و والده الحادة تعد جميلة بطريقة مختلفة بالإضافة إلي عائلتها الكبيرة و الغنية التي جعلتها مطمع للكثير و لكنها تزوجت (عبد المنصف ) دون أن تعرفه بما فبه الكفايا ان والدها و أخواتها الذكور اقتنعوا به فمن هي لتقرر مصيرها ؟!

فتحية : مالك يا (زينب)

زينب: مش عارفة يا امه؟

فتحية: هو ايه اللي مش عارفة ؟وشك اصفر، ومخطوف هو انت ما بتاكليش.؟

زينب : لا باكل! بس مفيش اكل بيفضل في معدتي، برجع و دايخه و مش مستحملة ريحة الأكل، ده حتي )عبد المنصف ) كلم امه تجيب واحدة تساعدني!.

بعد أن كانت (فتحية ) تكاد أن تنوى الهجوم علي زوج ابنتها ! تراجعت، و هي تسأل ابنتها بهدوء .

فتحية : من امتي ؟

زينب: ها ! هو ايه اللي من امتي ؟

فتحية : بترجعي؟

زينب : اسبوع عشان كده ما كنتش باجي.

فتحية: يا الف مبروك.

زينب : اني مش باجي ؟!

فتحية: لا يا خايبة انتى حامل .

نظرت لها (زينب ) بدهشة و هي تضع كفها علي معدتها المسطحة و ابتسامة بلهاء ترسم علي وجهها الجذاب، وهي تشعر بالفرح لما سمعته من فم امها .

اما هناك في الأرض مر عليه اليوم ،وهو يلقي التعليمات ،و يمر في الحقل حتي انه تناول طعام الغداء هناك ،كان يتكلم بالحزم الممزوج بالين هو خليط بين الاثنين و في المساء كان يرجع الي البيت.

في حين كان أولاده يرجعون إلي تلك الشقة التي يقيمون فيها نظر (محمد) إلي (عاصم) المتهرب من مساعدتهم في صناعة اي شىء داخل الشقة فهم لا يفعلون الكثير فقط نضج الطعام و لم السفرة بالإضافة الى غسيل تلك الاطباق التي يتناولوا فيها الطعام !

سليمان:علي فين يا فالح ؟

عاصم :على المذاكرة تصلها لفوق راسي انتو الاتنين عديتوها! انا لازم اركز عشان المجموع !؟

محمد :سيبك منه ده بيتهرب زي كل مرة.

سليمان :انت هتقولي !!

عاصم : والله عندي مذاكرة و تسميع انجليزي بكرة.

محمد: من غير ما تحلف روح روح أما نشوف اخرتها

عاصم: بكرة اطلع بعثة و ابقي قول الصغير اللي الكبير ما عملوش !

سليمان : ام نشوف ؟!

وما ان تحرك "عاصم" إلي غرفته

اقترب "سليمان" يجمع بقية الطعام و "محمد" يغسل الاطباق.

مرت الايام علي ذلك المنوال الحياة رتيبة من يعمل في حقول تأكله الشمس ،في الصيف و يجمده البرد في الشتاء، و من يدرس يسعي لتغير الواقع،او يصل إلي شىء لم يصل اليه ذويهم .

اجل فالاهل تسعي من أجل ان يصل اولادهم إلي مكانة اعلي .

و ها هو (محمد ) بصفته الاكبر يحَّرصْ علي أخواته فالحياة في القاهرة مختلفة كل الاختلاف عن الريف الذي أتوا منه و لكن هم هنا من الاجل العلم .

اما هناك كانت (زينب) تبشر زوجها بحملها فابتسم و هو يحرك اصابعه الي نهاية شاربه و كانه يرسمه او يشعر بالانتشاء فلقد مرت أشهر علي زواجهم و امه لم تكن تنفك أن تسأل عن أن كان هناك شىء في الطريق كنية عن ان كانت زوجته حامل ولكن امه لم تكن تقوي علي سؤال (زينب ) نفسها ؟ فهي لن تنسي ابنة من هي انها ابنة اغني رجل في البلدة بالإضافة الي انه العمدة .

ابتسم لها وهو يقول

: مبروك يا (زينب) مبروك يا غالية.

ابتسمت بحياء ولم تنبث بين شفتيها . اما هو

عبد المنصف : من الوقتي ما تتعبيش نفسك و تخليكي مرتاحة، و انا هكلم امي افرحها و خليها تشوف الداية .

هزت رأسها بموافقة فهي منذ فترة لا تقوي علي فعل شئ .علي الاطلاق ولذي لم تعترض .

ام هو قبل جبينها بمحبة ،و تحرك ليخرج من غرفة النوم ،عينه تحمل الكثير من الفرح ،و هو يتحرك إلي بيت والديه القريب نسبيا والذي لم يسكن فيه بعد الزواج ! لأن حماه الحاج (عبد الله ) طلب منه أن تستقل ابنته في بيت خاص كان هذا أحد الشروط حتي يوافق على الزواج .

وقتها لم يعترض اهله كما هو متوقع منهم فأمه تعرف مكانة زوجة ابنهاالمستقبلية
ولا تقوي علي رفع صوتها عليها ،لذي لم تعترض فلقد رفع الحاج (عبد الله ) عبئ وخوف من مشاكل لا قبل لهم لها....

مرت الأيام و (زينب ) تحظي بالرعاية سواء من الزوج او من امها و حماتها، وفي الحقيقة ليس الكل! محظوظ و لكن هل هي فعلا محظوظة ؟!

كانت الأسابيع تمر و الداية تتابعها وتطلبها لأكل انواع من الطعام لذيادة الفائدة والمساهمة في غذاء الجنين ولكن هل هي بحاجة لذلك ؟!هي ابنة الأسرة الكبيرة العريقة التي لم تحرم يوم من شىء ربما لم يغدر بها الزمن ولم تختبرها الأيام ولكن الوجع قد يأتي في اي وقت ؟؟

كان (عبد الله ) يقضي اليوم في المرور علي الأرض والإشراف عليها و علي الشونة التي تحفظ بها الحبوب وغيرها من المنتجات الزرعية ..

حتي اتي له أحد العمال يركض وكانه الدنيا تركض خلفه !وقف أمامه يلهث من فرط التعب وهو ينظر لها

عوض:سلام عليكم يا حاج (عبد الله)

عبدالله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، في ايه يا "عوض" مالك ؟ واخد السكة جري ايه اللى حصل؟!

عوض:في ناس بتسأل عليك يا حاج و لما قربت عرفت انه من تبع المأمور اللي في النقطة ( اسم يطلق على أقسام البوليس فى القرية ) قولت آجي اقولك قبل ما يجوا !

ضحك (عبد الله) وهز رأسه ينظر الي عوض، الذي يتكلم و يتصرف بدافع الخوف عليه، و على باب رزقه فهو يعمل مع (عبد الله ) في الأرض منذ زمن ربما منذ كان طفلا !.

اربت الحاج (عبدالله) علي كتفه.

عبدالله: اقعد بس اللقط نفسك يا ابني . بعد ما أن جلس حتي قال له

عبد الله: يعني انت جاي خايف عليا يا"عوض" يعني انت في فكرك كده هيكون عاوزين ايه ؟!

عوض:مش عارف يا حاج بس انا ..

لم يكمل كلامه عندما اقترب البوكس (سيارة الشرطه)ونزل منه المأمور وهو يلقي السلام بابتسامة

عزت:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا حاج (عبد الله)

(عبد الله) وهو يقف بهدوء كان اليوم كله أمامه قال:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا (عزت) بيه اتفضل أقعد .

نقل (عزت) نظره بين (عبدالله ) بابتسامة و بين (عوض ) الذي لا يعرف اسمه و لكنه جلس فهو اتي لطلب من الحاج (عبد الله) قطعة أرض ليتم بناء جامع عليها …!

عزت: يزيد فضلك، انا كنت عاوزك في موضوع بما انك من كبرات البلد؟

عوض: قصدك كبير البلد و البر كله (البلادالمحيطه) احنا عايشين بنفس الحاج يا (عزت) ببه !!

عزت: اه طبعا, انا عارف!

ابتسم له (عبدالله ) ينظر

عبد الله : الكبير ربنا يا (عوض) ما تخدش علي كلامه يا (عزت) بيه خير.

عزت:انت عارف اني اخدت اذن المركز علي بناء جامع بدل الزاوية .

(عبد الله )وهو يلتفت إلي الخزنة كان يقول:-

اه عارف كتر خيرك و طبعا أن تحت امرك في اي حاجة تنقص !؟

وأخرج من الخزنة عدة ورقات مالية فئة العشرة جنيهات تجاوزت المائة جنية !!!

عزت:ده العشم برضوايا حاج بس انا عاوز حاجة أكبر من الفلوس ؟!

نظر اليه ( عبد الله) باستفسار و كأنه ينتظر أن يكمل (عزت) ما يريد !!!

عزت :انا طمعان في كرمك ياحاج اللي البلد بتحكي عنه ؟

نظر اليه (عبد الله ) و انتظر ان يكمل!!!!

عزت :الاوقاف اختارت مكان مناسب و مستعدين يدفعوا التمن اللي تشوفه مناسب!!!

عبد الله:لايه بالظبط يا حضرة المأمور …؟!

عزت: حتة الأرض اللي في اول البلد القريبة من بيتك !؟

عبد الله: نظرة الصدمة علي وجه العمدة لم تكن كافية ، رغم انها تحمل الكثير من القوة والحدة

:انت ليك قد ايه معانا ياسيادة الرائد يعني كام سنة ؟!

عزت: كتير يا حاج (عبد الله )

عبد الله: طول السنين الكتير دي في مرة سمعت اني ببيع أرض من أرضي ؟؟؟

عزت :لا يا حاج بس انت عارف الغرض ,دي عشان يتبني عليها بيت لربنا ؟و انا عارف قد ايه انت عندك الأرض غالية! عشان كده جيت لحد عندك و طمعت في تدينك و انك مش هتبخل علي البلد بحتة أرض ؟!.

عبد الله: كلامك زين ،و عارف انت بتقول ايه؟ بس انا ما ببيعش ارضي يا (عزت) بيه !

هز (عزت) راسه وهو يفقد الأمل في موافقة (عبد الله) الذي اخرج من خزنته ما يعادل ثمن الأرض!حتي قبل أن يطلب "عزت" شىء

اما (عوض) كان يشعر بالارتباك!! هل كان خايف من لا شئ؟ هل اتي كل هذه المسافة ركض خوفا علي( عبد الله )الذي يعد ولي نعمته !وها هو يقف أمام المأمور بكل هدوء او بمعني أدق يجلس أمامه والآخر يحاول أن يقنعه؟ كل هذا كان في عقل العامل البسيط و لكن ما اخرجه من تفكيره صوت (عزت) الذي نهض

وما ان هم أن يلقي السلام ليذهب الي مكتبه بجر اذيال الهيبة ووقف فعلا

عزت : طيب السلام عليكم يا حاج...

عبد الله: انا قولت مش ببيع ارضي؟ بس ما قولتش اني مش هديك!!!

نظر اليه (عزت) بدهشة، وصدمة ،و كأنه لا يعرف ماذا يريد أن يقول الحاج (عبد الله)

عبد الله : انا هدي الأوقاف حتة الأرض اللي طلبوها بس، مش بيع وشرا، هديها ليهم هبة لبيت الله!

نظر اليه (عزت) بدهشة !! وهو يكاد لا يصدق ما يسمعه، لقد توقع أن يطلب الحاج (عبد الله) مبلغ كبير أو يصر علي الرفض ولن يستطيع احد اللوم عليه ، إلا أنه فاجأه بكل ما تشمل الكلمة من معني ، ولذي رفع وجهه ينظر له وكأنه إلي الآن لا يصدق ما قاله.

عزت : حضرتك قولت ايه يا حضرة العمدة ؟؟!

عبد الله : انت سامعتني كويس.. انا متبرع بالأرض لبيت ربنا في ايه في كلامي مش فاهمه يا سيادة الرائد

يتبع....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي