الفصل السابع
قبل أن يُجيب يوسف هذه المرة أتى صوت متهالك من خلف تلك الأرفف القديمة قائلًا : خلصوا بقى أنا تعبت ليكم سلف ، إنتوا مين وعايزين إيه؟!
ذاك الصوت الذي أتى لـ اصالة كـ زلزال هز كيانها ، فور أن سمعت ذاك الصوت الذي أتى دون سابق إنذار لم تشعر بنفسها إلا وهي بين أحضان يوسف ، ذاك الأخير الذي ظل واقف موضعه لا يستطيع تمالك نفسه من الضحك على حالها تلك المجنونة التي كانت منذ لحظات معدودة تتحدث بثقه أنها لا تهاب شيء ولا تخاف من أحد الأن هي من شدده خوفها القت بنفسها بين أحضانه وهي لا تشعر .
للحظه هي الأخرى أفاقت منتبهه على حالها وعلى نفسها وكأنها طفله هربت مُهروله من ذاك الأسد الذي يُخيفها مهروله إلى أحضان والدها إلى ذاك المكان الذي لا شك لديها أنه سيحميها من أي خطر كان .
للحظه رفعت رأسها لأعلى لترى تلك الابتسامة التي تُزين وجهه فـ أمالت مجددًا برأسها على صدره ضاحكه هي الأخرى .
ضمها يوسف بهدوء إليه ثم تحدث مُبتسم : مش بتخافي صح ؟!
واضح جدًا إنك مش بتخافي وأنك أسد وكل الكلام إللي كنت بتقوليه من شويه ؟
هزت رأسها بهدوء وهي تميل بقوه على صدره مُبتسمه في خجل علامة على الإيجاب .
ذادت إبتسامتة هو الأخر متحدث لها : ماااااشي ، واضح جدًا جدًا . ما علينا .
تنهد بهدوء رافعًا ناظريه إلى مكان وإتجاه الصوت وأجاب قائلًا : السلام عليكم ورحمه الله وبركاته !!
مين بيتكلم ؟؟
خرج صاحب الصوت من خلف تلك الأرفف ، رجل عجوز في عقده الثامن تقريبًا قد ترك الزمن آثاره الواضحة على ملامحه ، منحني الظهر يمشى يعصى يتكئ عليها ، ملابس قديمة متهالكة .
تقدم إليهم ثم تحدث : وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ، أنا صاحب المكان ، خير انتوا مين وجايين هنا ليه ؟؟
يوسف بهدوء : حضرتك كنا جايين نشتري كتب .
أقترب العجوز إلى الكرسي الوحيد المتواجد في المكان ومن ثم جلس عليه وتحدث بابتسامة : أهلًا وسهلًا بيكم نورتوا المكان ، من كلامكم إللي سمعته من شويه وطريقتكم حسيت انكم قريبين أوي من بعض ، أنتم مرتبطين ؟!
نظرت اصالة إلى يوسف لوهله بعد تلك الجملة ذاك الذي بادرها نفس النظرات بابتسامة عذبه ، تلك النظرات التي تحمل بين طياتها آلاف الحكاوي والكلمات .
وكأن ذاك العجوز أتى على الجرح كما يُقال .
تنهد يوسف ثم تحدث وهو يضمها بحنان تحت إبطه ناظرًا إلى عينيها : أه يا فندم مرتبطين ، هي خطبتي وأنا فخور بـ ده .
نظرت إليه بعدم فهم ، لا تستوعب ما قاله أو تلك الكلمات التي وصلت إلى أُذنيها للتو .
هي نظرات كفيله بأن تتحدث وتبوح بما في القلب ، عينين لامعتين كأنهما نجمتان هبطا من السماء .
بقلبها تمنت أن يكون هذا الحديث واقع بالفعل ، شعرت للحظه وكأنه يعلنها صراحه ، وكأنه يخبر قلبها بشكل غير مباشر أنه لن يتركها ابدًا ، لن تسافر ، لن تغادر إلى أي مكان هو غير متواجد به .
زادت إبتسامة العجوز ثم تحدث : أهلًا بيكم مره تانية ، ربنا يديمكم لبعض يارب ، واضح جداً من طريقه كلامكم أنكم بتحبوا بعض جدًا ، بس نصيحه ديمًا أي علاقه حب بتنتهي بفشل أو بُعد الا إذا كان في العلاقة دي إهتمام قبل الحب .
الحب وحده مش بيقدر يكون علاقة ، مع مرور الوقت الطرفين بيملوا وبيوصلوا لفترة من ركود المشاعر بينهم ، أنه مش بقى في جديد ممكن يقولوه أو يعملوه ، في الفترة دي كل حاجه بتتحول تمامًا وبيموت الحب ، والشخصين بيميلوا لأي قلب جديد ممكن يدخل حياتهم ، اي قلب ممكن يصحي الركود الموجود في قلبهم من مشاعر أو حب .
لكن بوجود الإهتمام عمر ما هيحصل ركود ، انك تهتم بكل تفاصيلها اللي حتى ممكن تشوفها تافهه ده شئ بيزرع في قلبها حب إضافي ليك فوق حبها .
وإنك تحتويه وتخففي عنه تعب يومه وشغله والظروف الصعبة إللي أكيد بتحصل ليه في يومه ده كفيل أنه يزود حبه وحنانه تجاهك أضعاف في قلبه .
حبوا بعض بإهتمام وإحتواء ، إحتوا بعض عشان تكملوا مع بعض .
تحمحمت اصالة بخجل ثم تحدثت : إن شاء الله ، شكرًا جدًا على الكلام ده .
بس هو حضرتك هنا من زمان ؟!
اقصد يعني سمعت كل إللي حصل ؟!
العجوز على حالتها الباسمة : أه سمعت كل إللي حصل ، وأكيد هنا من زمان فـ زي ما قولت يعني إني صاحب المكان ده ، يعني في شخص عاقل يسيب مكان عظيم زي دا لوحده ؟!
نظر يوسف إلى المكان بنفس النظرات التي تحركت بها أعين اصالة ثم تحدثت : مكان عظيم ؟؟
مش شايفه أي عظمه في المكان يعني ؟!
دا مكان كله تراب وخيوط العنكبوت في كل مكان تقريبًا ، فين العظمة أو الجمال في المكان ؟!
دا شبه المقابر .
العجوز لأول مره تتحول ملامحه فتحدث بغضب : المكان دا شبه المقابر؟!
صحيح مش عندك نظر ولا فهم في أي حاجه ؟!
المكان مش بالشكل ولا الريحه ، عظمه وجمال المكان بتكمن في اللي جواه .
بس أقول اإيه ما إنت عيله متعرفيش قيمه الكتب إللي هنا دي .
كُتب تاريخ وأساطير وحاجات مش موجوده في أي مكان تان وحاجات أثريه تقولي شبه المقابر ؟؟
حاجات من قرون وألاف السنين لا تُقدر بثمن تقولي شبه المقابر ؟؟
اصالة بغضب : تصدق بالله ، لو مش إنت راجل كبير كان زماني رديت على الوقاحة اللي بتتكلم بيها معايا دي .
تحدث يوسف هذه المره محاول إنهاء الجدال الذي بدء يشتعل للتو فتحدث هامسًا : أهدي يا اصالة مش ينفع كده ، روقي بس خلينا نشوف إحنا جايين ليه .
صمت للحظات ثم وجه حديثه للعجوز : بنعتذر لحضرتك ، فعلًا المكان وعظمته بتكن بما يحتويه .
العجوز : المهم إنتم عايزين إيه ، أو بتدوروا علي ايه ؟!
يوسف بتنهيده : إحنا بندور على كتب اُسطورية وكتب ليها علاقه بـ آله الزمن وكده .
العجوز : وأنت بتصدق أن في حاجات كده برده ؟!
يوسف : مش عارف ، بس مش قصدي آلة زمن إللي هو تنقلك للمستقبل ، أقصد الكتب إللي فيها ربط بين عالمنا إللي إحنا عايشين فيه ده وعالم تانِ .
العجوز بشرود : عالم تانِ ؟!
بص يا بني مفيش عالم تانِ مرتبط بالعالم اللي إحنا عايشين فيه ده إلا عالم واحد بس .
اصالة بتساؤل : ويكون إيه العالم ده ؟!
أبتسم العجوز ثم تحدث : العالم الوحيد اللي ممكن يكون فيه ربط بينا وبينه هو عالم الجن .
نظرت اصالة ليوسف بقلق وكأن عيناها تفسران الرعب الذي بدء يظهر على وجهها جليًا .
تحدث يوسف : يعني مفيش أي عالم تانِ إلا ده ؟!
العجوز : أه ، بس قول ليا أنت عايز إيه بصراحه وأنا هساعدك .
تنهد يوسف ثم تحدث : بص يا فندم من الأخر مش هخبي على حضرتك حاجه .
من ست شهور تقريبًا وقع في إيدي كتاب عن الأساطير وكده ، الكتاب ده كان فيه رسمه لسرداب قديم ومكتوب إن السرداب ده قادر بيحولنا لعالم تانِ مختلف تمامًا عن العالم اللي إحنا متواجدين فيه .
سرداب لعالم مختلف تمامًا ، السرداب ده اختفى ومش بقى ليه أي وجود ولا فيه أي شخص عارف مكانه .
لكن الكتاب اللي سقط في إيدي مش كان فيه معلومات بشكل مفصل ، اللي هو فين مكان السرداب ، أو العالم التانِ ده يكون ايه ؟!
أو طريقه الدخول إزاي والخروج إزاي .
ده كل إللي ذكره الكتاب .
أكملت اصالة : عشان كده بندور على أي كتاب أو معلومة تخص السرداب ده .
تقريبًا ما يقارب الـ ست شهور بندور على حاجه ليها علاقه بـ السرداب لمن مفيش اي فايده .
كل المحاولات والتعب خلال ست شهور على الفاضي .
فور أن سمع العجوز ذاك الحديث تحولت ملامحه الباسمة تلك إلى توتر وقلق شديدين ، أنتبه اثنتيهم على التغير الذي اصابه فتحدث يوسف : حضرتك مالك؟!
تعرف حاجه عن الموضوع ده ؟؟
تنهد العجوز ثم تحرك من مكانه حتى صار واقفٌا في مواجهة أحد الأرفف تحدث : لا أبدًا مفيش حاجه ، بس الكلام غريب شويه بس .
اصالة : هو فعلًا غريب جدًا ، بس تعبنا من إننا نوصل لحاجه من غير أي نتيجة .
تحرك العجوز مجددا خلف الرف ليجد سرداب : تعالوا ورايا .
فور أن أنهى جملته دلف بهدوء إلى السرداب ، ذاك الأمر الذي بدء يزرع الرعب في قلب اصالة ويوسف .
المكان في حد ذاته مُرعب للقلب ، فما بالك إذًا بذاك المكان الذي يهوي إليه ؟
تنهد يوسف بهدوء محاول السيطرة على أنفاسه وعلى أعصابه ثم تحرك خلف العجوز بثبات .
أما عن تلك التي ما زال قلبها يهوى ويتخبط بين دروب ذاك المكان الغريب ، تعلقت بذراع يوسف كأنها طفله تتشبث بملابس ولادها هاربه من شئ ما ثم تحركت بخطوات مطباتئه كأن أقدامها مقيده بأكياس من الرمال ..
دلف العجوز إلى السرداب ومن خلفه اثنتيهم .
فور أن وصل السرداب سحب أحد الكراسي المتواجدة في المكان وجلس إلى طاوله هي الوحيدة المتواجدة في تلك الغرفة .
هو مكان في حد ذاته يُزيد الرعب والقلق ، نظر يوسف إلىة بعين متوترة .
غرفه صغيره الحجم يتوسطها طاوله وبعض الكراسي الخشبية المتهالكة .
غرفه مليئة بـ أرفف الكتب القديمه وايضًا خيوط العنكبوت المتواجده في كل أرجاء المكان .
العجوز بهدوء : اتفضلوا استريحوا .
جلس اثنتيهم بهدوء ، أكمل العجوز حديثه بعد أن سحب ذاك الكتاب المتواجد على الطاوله : بصوا يا شباب ، من اللحظه الأولى ليكم في المكان ومنم اول لحظه في ليا معاكم وأنا شوفت الجديه الإصرار في كلامكم على معرفه أيه السرداب ده أو إيه هو سره .
هنا هتعرفوا السر ، هنا هتعرفوا كل حاجه ليها علاقه بالسرداب ، لكن قبل ما اتكلم عن أي حاجه من اللحظه إللي هتكلم فيها الموضوع مش هيكون عباره عن شغف وفضول لمعرفه تكلمه حكايه في روايه لكاتب مشهور زي عمرو عبد الحميد مثلًا أو لكاتبه مشهوره زي شيمو أو دنيا آل شملول .
الموضوع من اللحظه إللي هتكلم فيها هيتحول لواقع ، واقع صعب الخروج منه سواء انتم أو أي حد من إللي حوليكم .
من اللحظه دي الموضوع هيتحول من شغف وفضول إلى واقع لا مفر منه ، فكروا كويس وحددوا .
نظرت اصالة ليوسف برعب محاوله تفسير هذا الحديث الذي يُزيد القلب رعب ذاك الذي بادلها نفس النظرات لكنها وبكل هدوء أعادت بناظريها إلى العجوز متحدثه : أتفضل اتكلم ، انت تعرف حاجه عن السرداب ؟!
العجوز بهدوء : تمام ، نبدء ، أه أنا أعرف السرداب .
يوسف بشغف : طب اتفضل أتكلم ، اتفضل إحنا سامعين !
العجوز : السرداب إللي أنتم بتتكلموا عنه ده حقيقه مش حكايات مكتوبه على ورق زي ما بعض الناس بتقول .
هو واقع ومتواجد بالفعل ، السرداب ده بيربط بين العالم إللي إحنا عايشين فيه ده وبين عالم تان خالص ، عالم مختلف تمامًا عن العالم إللي إحنا متواجدين فيه شكلًا ومضمونًا .
العالم اللي بيودي ليه السرداب عالم مكون من شريحتين ، شريحه من البشر ، لكن البشر هناك غير ، الحياه هناك غير .
أصالة : يعني إيه البشر هناك غير ؟!
العجوز : الشخص الواحد هناك إرتفاعه ما يقارب إرتفاع ناطحه سحاب من المباني العملاقة هنا .
احنا بـ النسبه ليهم مجرد نمل ماشي على الأرض يدوس علينا من غير ما يحس ولا يشعر بـ حاجه .
أصالة بقلق : ايه ده ؟!
دول شبه يأجوج ومأجوج زي ما ذكر القران والسنه يعني ولا هما ولا ايه ؟!
العجوز بإبتسامه : لا لا مش للدرجه دي .
هما فعلًا شبيهين بيهم لكن مش هما ، بصي هو الخوف أو القلق الحقيقي مش من البشر دول على أي حال دول بشر مهما إختلف تركيبهم الجثماني من قوه او صلاده غلا انهم بيفضلو بشر في النهاية ، القلق الحقيقي من الشريحة التانية الموجودة في العالم ده .
يوسف : ومين الشريحة التانية ؟!
نهض العجوز من كرسيه ثم تحرك من موضعه في أرجاء المكان بهدوء : الشريحه التانيه من العالم التانٍ هم الجن والشياطين
ذاك الصوت الذي أتى لـ اصالة كـ زلزال هز كيانها ، فور أن سمعت ذاك الصوت الذي أتى دون سابق إنذار لم تشعر بنفسها إلا وهي بين أحضان يوسف ، ذاك الأخير الذي ظل واقف موضعه لا يستطيع تمالك نفسه من الضحك على حالها تلك المجنونة التي كانت منذ لحظات معدودة تتحدث بثقه أنها لا تهاب شيء ولا تخاف من أحد الأن هي من شدده خوفها القت بنفسها بين أحضانه وهي لا تشعر .
للحظه هي الأخرى أفاقت منتبهه على حالها وعلى نفسها وكأنها طفله هربت مُهروله من ذاك الأسد الذي يُخيفها مهروله إلى أحضان والدها إلى ذاك المكان الذي لا شك لديها أنه سيحميها من أي خطر كان .
للحظه رفعت رأسها لأعلى لترى تلك الابتسامة التي تُزين وجهه فـ أمالت مجددًا برأسها على صدره ضاحكه هي الأخرى .
ضمها يوسف بهدوء إليه ثم تحدث مُبتسم : مش بتخافي صح ؟!
واضح جدًا إنك مش بتخافي وأنك أسد وكل الكلام إللي كنت بتقوليه من شويه ؟
هزت رأسها بهدوء وهي تميل بقوه على صدره مُبتسمه في خجل علامة على الإيجاب .
ذادت إبتسامتة هو الأخر متحدث لها : ماااااشي ، واضح جدًا جدًا . ما علينا .
تنهد بهدوء رافعًا ناظريه إلى مكان وإتجاه الصوت وأجاب قائلًا : السلام عليكم ورحمه الله وبركاته !!
مين بيتكلم ؟؟
خرج صاحب الصوت من خلف تلك الأرفف ، رجل عجوز في عقده الثامن تقريبًا قد ترك الزمن آثاره الواضحة على ملامحه ، منحني الظهر يمشى يعصى يتكئ عليها ، ملابس قديمة متهالكة .
تقدم إليهم ثم تحدث : وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ، أنا صاحب المكان ، خير انتوا مين وجايين هنا ليه ؟؟
يوسف بهدوء : حضرتك كنا جايين نشتري كتب .
أقترب العجوز إلى الكرسي الوحيد المتواجد في المكان ومن ثم جلس عليه وتحدث بابتسامة : أهلًا وسهلًا بيكم نورتوا المكان ، من كلامكم إللي سمعته من شويه وطريقتكم حسيت انكم قريبين أوي من بعض ، أنتم مرتبطين ؟!
نظرت اصالة إلى يوسف لوهله بعد تلك الجملة ذاك الذي بادرها نفس النظرات بابتسامة عذبه ، تلك النظرات التي تحمل بين طياتها آلاف الحكاوي والكلمات .
وكأن ذاك العجوز أتى على الجرح كما يُقال .
تنهد يوسف ثم تحدث وهو يضمها بحنان تحت إبطه ناظرًا إلى عينيها : أه يا فندم مرتبطين ، هي خطبتي وأنا فخور بـ ده .
نظرت إليه بعدم فهم ، لا تستوعب ما قاله أو تلك الكلمات التي وصلت إلى أُذنيها للتو .
هي نظرات كفيله بأن تتحدث وتبوح بما في القلب ، عينين لامعتين كأنهما نجمتان هبطا من السماء .
بقلبها تمنت أن يكون هذا الحديث واقع بالفعل ، شعرت للحظه وكأنه يعلنها صراحه ، وكأنه يخبر قلبها بشكل غير مباشر أنه لن يتركها ابدًا ، لن تسافر ، لن تغادر إلى أي مكان هو غير متواجد به .
زادت إبتسامة العجوز ثم تحدث : أهلًا بيكم مره تانية ، ربنا يديمكم لبعض يارب ، واضح جداً من طريقه كلامكم أنكم بتحبوا بعض جدًا ، بس نصيحه ديمًا أي علاقه حب بتنتهي بفشل أو بُعد الا إذا كان في العلاقة دي إهتمام قبل الحب .
الحب وحده مش بيقدر يكون علاقة ، مع مرور الوقت الطرفين بيملوا وبيوصلوا لفترة من ركود المشاعر بينهم ، أنه مش بقى في جديد ممكن يقولوه أو يعملوه ، في الفترة دي كل حاجه بتتحول تمامًا وبيموت الحب ، والشخصين بيميلوا لأي قلب جديد ممكن يدخل حياتهم ، اي قلب ممكن يصحي الركود الموجود في قلبهم من مشاعر أو حب .
لكن بوجود الإهتمام عمر ما هيحصل ركود ، انك تهتم بكل تفاصيلها اللي حتى ممكن تشوفها تافهه ده شئ بيزرع في قلبها حب إضافي ليك فوق حبها .
وإنك تحتويه وتخففي عنه تعب يومه وشغله والظروف الصعبة إللي أكيد بتحصل ليه في يومه ده كفيل أنه يزود حبه وحنانه تجاهك أضعاف في قلبه .
حبوا بعض بإهتمام وإحتواء ، إحتوا بعض عشان تكملوا مع بعض .
تحمحمت اصالة بخجل ثم تحدثت : إن شاء الله ، شكرًا جدًا على الكلام ده .
بس هو حضرتك هنا من زمان ؟!
اقصد يعني سمعت كل إللي حصل ؟!
العجوز على حالتها الباسمة : أه سمعت كل إللي حصل ، وأكيد هنا من زمان فـ زي ما قولت يعني إني صاحب المكان ده ، يعني في شخص عاقل يسيب مكان عظيم زي دا لوحده ؟!
نظر يوسف إلى المكان بنفس النظرات التي تحركت بها أعين اصالة ثم تحدثت : مكان عظيم ؟؟
مش شايفه أي عظمه في المكان يعني ؟!
دا مكان كله تراب وخيوط العنكبوت في كل مكان تقريبًا ، فين العظمة أو الجمال في المكان ؟!
دا شبه المقابر .
العجوز لأول مره تتحول ملامحه فتحدث بغضب : المكان دا شبه المقابر؟!
صحيح مش عندك نظر ولا فهم في أي حاجه ؟!
المكان مش بالشكل ولا الريحه ، عظمه وجمال المكان بتكمن في اللي جواه .
بس أقول اإيه ما إنت عيله متعرفيش قيمه الكتب إللي هنا دي .
كُتب تاريخ وأساطير وحاجات مش موجوده في أي مكان تان وحاجات أثريه تقولي شبه المقابر ؟؟
حاجات من قرون وألاف السنين لا تُقدر بثمن تقولي شبه المقابر ؟؟
اصالة بغضب : تصدق بالله ، لو مش إنت راجل كبير كان زماني رديت على الوقاحة اللي بتتكلم بيها معايا دي .
تحدث يوسف هذه المره محاول إنهاء الجدال الذي بدء يشتعل للتو فتحدث هامسًا : أهدي يا اصالة مش ينفع كده ، روقي بس خلينا نشوف إحنا جايين ليه .
صمت للحظات ثم وجه حديثه للعجوز : بنعتذر لحضرتك ، فعلًا المكان وعظمته بتكن بما يحتويه .
العجوز : المهم إنتم عايزين إيه ، أو بتدوروا علي ايه ؟!
يوسف بتنهيده : إحنا بندور على كتب اُسطورية وكتب ليها علاقه بـ آله الزمن وكده .
العجوز : وأنت بتصدق أن في حاجات كده برده ؟!
يوسف : مش عارف ، بس مش قصدي آلة زمن إللي هو تنقلك للمستقبل ، أقصد الكتب إللي فيها ربط بين عالمنا إللي إحنا عايشين فيه ده وعالم تانِ .
العجوز بشرود : عالم تانِ ؟!
بص يا بني مفيش عالم تانِ مرتبط بالعالم اللي إحنا عايشين فيه ده إلا عالم واحد بس .
اصالة بتساؤل : ويكون إيه العالم ده ؟!
أبتسم العجوز ثم تحدث : العالم الوحيد اللي ممكن يكون فيه ربط بينا وبينه هو عالم الجن .
نظرت اصالة ليوسف بقلق وكأن عيناها تفسران الرعب الذي بدء يظهر على وجهها جليًا .
تحدث يوسف : يعني مفيش أي عالم تانِ إلا ده ؟!
العجوز : أه ، بس قول ليا أنت عايز إيه بصراحه وأنا هساعدك .
تنهد يوسف ثم تحدث : بص يا فندم من الأخر مش هخبي على حضرتك حاجه .
من ست شهور تقريبًا وقع في إيدي كتاب عن الأساطير وكده ، الكتاب ده كان فيه رسمه لسرداب قديم ومكتوب إن السرداب ده قادر بيحولنا لعالم تانِ مختلف تمامًا عن العالم اللي إحنا متواجدين فيه .
سرداب لعالم مختلف تمامًا ، السرداب ده اختفى ومش بقى ليه أي وجود ولا فيه أي شخص عارف مكانه .
لكن الكتاب اللي سقط في إيدي مش كان فيه معلومات بشكل مفصل ، اللي هو فين مكان السرداب ، أو العالم التانِ ده يكون ايه ؟!
أو طريقه الدخول إزاي والخروج إزاي .
ده كل إللي ذكره الكتاب .
أكملت اصالة : عشان كده بندور على أي كتاب أو معلومة تخص السرداب ده .
تقريبًا ما يقارب الـ ست شهور بندور على حاجه ليها علاقه بـ السرداب لمن مفيش اي فايده .
كل المحاولات والتعب خلال ست شهور على الفاضي .
فور أن سمع العجوز ذاك الحديث تحولت ملامحه الباسمة تلك إلى توتر وقلق شديدين ، أنتبه اثنتيهم على التغير الذي اصابه فتحدث يوسف : حضرتك مالك؟!
تعرف حاجه عن الموضوع ده ؟؟
تنهد العجوز ثم تحرك من مكانه حتى صار واقفٌا في مواجهة أحد الأرفف تحدث : لا أبدًا مفيش حاجه ، بس الكلام غريب شويه بس .
اصالة : هو فعلًا غريب جدًا ، بس تعبنا من إننا نوصل لحاجه من غير أي نتيجة .
تحرك العجوز مجددا خلف الرف ليجد سرداب : تعالوا ورايا .
فور أن أنهى جملته دلف بهدوء إلى السرداب ، ذاك الأمر الذي بدء يزرع الرعب في قلب اصالة ويوسف .
المكان في حد ذاته مُرعب للقلب ، فما بالك إذًا بذاك المكان الذي يهوي إليه ؟
تنهد يوسف بهدوء محاول السيطرة على أنفاسه وعلى أعصابه ثم تحرك خلف العجوز بثبات .
أما عن تلك التي ما زال قلبها يهوى ويتخبط بين دروب ذاك المكان الغريب ، تعلقت بذراع يوسف كأنها طفله تتشبث بملابس ولادها هاربه من شئ ما ثم تحركت بخطوات مطباتئه كأن أقدامها مقيده بأكياس من الرمال ..
دلف العجوز إلى السرداب ومن خلفه اثنتيهم .
فور أن وصل السرداب سحب أحد الكراسي المتواجدة في المكان وجلس إلى طاوله هي الوحيدة المتواجدة في تلك الغرفة .
هو مكان في حد ذاته يُزيد الرعب والقلق ، نظر يوسف إلىة بعين متوترة .
غرفه صغيره الحجم يتوسطها طاوله وبعض الكراسي الخشبية المتهالكة .
غرفه مليئة بـ أرفف الكتب القديمه وايضًا خيوط العنكبوت المتواجده في كل أرجاء المكان .
العجوز بهدوء : اتفضلوا استريحوا .
جلس اثنتيهم بهدوء ، أكمل العجوز حديثه بعد أن سحب ذاك الكتاب المتواجد على الطاوله : بصوا يا شباب ، من اللحظه الأولى ليكم في المكان ومنم اول لحظه في ليا معاكم وأنا شوفت الجديه الإصرار في كلامكم على معرفه أيه السرداب ده أو إيه هو سره .
هنا هتعرفوا السر ، هنا هتعرفوا كل حاجه ليها علاقه بالسرداب ، لكن قبل ما اتكلم عن أي حاجه من اللحظه إللي هتكلم فيها الموضوع مش هيكون عباره عن شغف وفضول لمعرفه تكلمه حكايه في روايه لكاتب مشهور زي عمرو عبد الحميد مثلًا أو لكاتبه مشهوره زي شيمو أو دنيا آل شملول .
الموضوع من اللحظه إللي هتكلم فيها هيتحول لواقع ، واقع صعب الخروج منه سواء انتم أو أي حد من إللي حوليكم .
من اللحظه دي الموضوع هيتحول من شغف وفضول إلى واقع لا مفر منه ، فكروا كويس وحددوا .
نظرت اصالة ليوسف برعب محاوله تفسير هذا الحديث الذي يُزيد القلب رعب ذاك الذي بادلها نفس النظرات لكنها وبكل هدوء أعادت بناظريها إلى العجوز متحدثه : أتفضل اتكلم ، انت تعرف حاجه عن السرداب ؟!
العجوز بهدوء : تمام ، نبدء ، أه أنا أعرف السرداب .
يوسف بشغف : طب اتفضل أتكلم ، اتفضل إحنا سامعين !
العجوز : السرداب إللي أنتم بتتكلموا عنه ده حقيقه مش حكايات مكتوبه على ورق زي ما بعض الناس بتقول .
هو واقع ومتواجد بالفعل ، السرداب ده بيربط بين العالم إللي إحنا عايشين فيه ده وبين عالم تان خالص ، عالم مختلف تمامًا عن العالم إللي إحنا متواجدين فيه شكلًا ومضمونًا .
العالم اللي بيودي ليه السرداب عالم مكون من شريحتين ، شريحه من البشر ، لكن البشر هناك غير ، الحياه هناك غير .
أصالة : يعني إيه البشر هناك غير ؟!
العجوز : الشخص الواحد هناك إرتفاعه ما يقارب إرتفاع ناطحه سحاب من المباني العملاقة هنا .
احنا بـ النسبه ليهم مجرد نمل ماشي على الأرض يدوس علينا من غير ما يحس ولا يشعر بـ حاجه .
أصالة بقلق : ايه ده ؟!
دول شبه يأجوج ومأجوج زي ما ذكر القران والسنه يعني ولا هما ولا ايه ؟!
العجوز بإبتسامه : لا لا مش للدرجه دي .
هما فعلًا شبيهين بيهم لكن مش هما ، بصي هو الخوف أو القلق الحقيقي مش من البشر دول على أي حال دول بشر مهما إختلف تركيبهم الجثماني من قوه او صلاده غلا انهم بيفضلو بشر في النهاية ، القلق الحقيقي من الشريحة التانية الموجودة في العالم ده .
يوسف : ومين الشريحة التانية ؟!
نهض العجوز من كرسيه ثم تحرك من موضعه في أرجاء المكان بهدوء : الشريحه التانيه من العالم التانٍ هم الجن والشياطين