الفصل التاسع

ممرضة دمرت حياتي

الحلقة التاسعة
........................

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

أمسك الحاج غنيم هاتفه وكلما حاول الإتصال بـحلا للإطمئنان عليها تردد خوفا من رد فعلها على هذا الإتصال .
وأثناء انشغاله بهاتفه قطعت عليه علا حواره الداخلي وتردده في الإتصال بقولها وهي تقترب منهبشدة، فلا يكاد يفصل بينه وبينها إلا بضع سنتيمترات بسيطة، جعلته يشعر بحرارة أنفاسها ...أنا هنا
يا حاج في الخدمة لو عايز أي حاجة ، تحت أمرك .

فابتعد الحاج غنيم سريعا عنها بعد أن شعر بالحرج متمتما ...أستغفر الله العظيم، ثم قال لها بلهجة حادة ...بت أنتِ احترمي نفسك ، واوعي تعملي كده تاني .

علا بدلال ...أنا عملت إيه يا حاج ، ده ولا حاجة لو بس عطتني ريق حلو، أصلي بعزك أوي يا حاج .
وحرام عليك تصدني أوي كده ، ارحم قلبي الضعيف ده .

ابتلع غنيم ريقه بصعوبة وقد أثرت كلماتها في رجولته ،فحدث نفسه قائلا ...هو في إيه ؟
وشايفيني ازاي بالظبط ؟
مش شايفين أني راجل كبير ولا هما عايزين مني إيه بالظبط
ثم رد على نفسه قائلا ... لا فوق يا حاج .
أنت عارف أكيد أن ورا البت دي شيء مش طبيعي، وأكيد طمعانة فيا أو غيرانة من حلا .
ثم تذوق على لسانه حلاوة نطق اسمها فابتسم، وظنت علا
أنه تبسم لها فرددت ...ياه أخيرا شوفت ضحكتك الحلوة دي
يا حاج ، لو أعرف أني هشوف ضحكتك دي، كنت حكتلك اللي
في قلبي من زمان .

غنيم وقد تبدلت ملامحه قائلا ...بت أنتِ أنا مش فايق لحركاتك المفقوسة دي وعرفها كويس .
ومش هتجيب معايا سكة ، لأني فاهمك كويس أوي .
وفاهم الدور ومش عيلة زيك اللي هتلعب عليا وأنا في السن ده .
عيب عيب والله .

شعرت علا بالحرج من كلماته وكأنه صب عليها دلوا من الماء البارد ولم تنطق.
علا محدثة نفسها ...يخربيته ، ده طلع هارش الموضوع .
يادي الكسفة السودة ، أعمل معاه إيه ده أكتر من كده ؟
أنا بحسب عشان راجل كبير وما هيصدق وحدة في سني
تهتم بيه، فيقع فيها على طول .
لكن هو غير الرجالة كلهم ، طيب ده مفتاحه إيه ؟
أنا غلبت فيه صراحة ومش عارفة أعمل معاه إيه؟

فقطع تفكيرها حديثه الحاد بقوله ...بصي يا علا يا بنتي .
لو عايزة تاكلي عيش معايا هنا وتستمري في الشغل .
يبقا تبطلي حركاتك دي ، وتهتمي بشغلك وبس .
ولو صممتي على اللي في دماغك وبرده مش ناوية تعقلي، فروحي ربنا يسهلك الحال مع واحد غيري ، تقدري تضحكي عليه ، وهتلاقي فعلا ، لأن المغفلين كتير .
لكن أنا لأ.
وجدت علا نفسها بعد كلمات الحاج غنيم تتراجع للوراء دون
أن تنطق بكلمة وكأنها تقول ...يا أرض انشقي وابلعيني .
ولاحظت حركات وجهها عزة فابتسمت بمكر قائلة ...الجواب باين من عنوانه .
والراجل ده طلع مش سهل فعلا ، وإحنا اللي كنا فاكرينه سهل ويضحك عليه .
لكن طلع مية من تحت تبن ، وعلا شكلها هتنفجر .
لما أروح أروق دمها بكلمتين .
فأسرعت إليها ، فوجدت عينيها تبعث شرارا يكاد يحرق المكان كله .

علا بانفعال عندما رأتها ... أرجوكي يا عزة سبيني لوحدي دلوقتي عشان مش طايقة نفسي وممكن أعمل جريمة .

فربتت عزة على ظهرها بحنو قائلة ...يا بت يا خايبة هتحرقي دمك على راجل ميستهلكيش برده .
سبيه يا أختي ومتعبرهوش تاني ، والرجالة مالية السوق ، وألف مين يتمنى ضفرك .

علا ...بس صعب عليا يا بت يا عزة ، كل شوية يكسفني كده .
وياريت يعني ملهوش في الصنف إلا ده هيموت على البت المقشفة دي حلا ،إلهي ما تسمى ويكون جلها خبرها ، عشان كده مجتش النهاردة .

عزة ...يبقى بيحبها بجد يا علا ، فسيبك منها وخليها تشربه .

علا بغل...وتتهنى على العز ده كله لوحدها ، لا طبعا .
يستحيل ده يحصل ،وبدال مش عايزني ، يبقى برده ميخدهاش المسهوكة دي .

عزة ...يعنى هتقدري تقوليه لا متخدهاش ، هتحكمي عليه يعني؟

علا بغدر ...مش كده، بس مش هسيبه يتهنى بيها .

عزة ...لما نشوف آخرة أفعالك اللب هتوديكي في داهية دي .
ل
م يستطع غنيم تحمل بعد حلا أكثر من ذلك ، وتحرج من الإتصال بها في المحل فآثر أن يخرج قليلا ، ليتصل بها .
كانت حلا في تلك اللحظة بشرفة منزلها ،تمسك بهاتفها ،وتتفقده
كل لحظة ، لعلها ترى ربما تأتي رسالة منه بأي لحظة .

حلا بتنهيدة حارة ...كده يا غنيم ، متسئلش فيه !
يعني مش همك أني مجتش النهاردة .
ولا أصلا مش ملاحظ كمان أني مش موجودة.
يااااه ، معقول أكون بنيت جسور من الوهم ، وأنا ولا على باله خالص ويستحيل يكون بيفكر بيه .
فلمعت عيناها بالدموع ،ودلفت للداخل وارتمت بجسدها
على الفراش ولملمت قدميها بيديها إلى صدرها متخذة وضع الجنين ،وهبطت دموعها على وجنتيها .
حتى جاءها فرج الله ، ورن هاتفها فأسرعت تلتقطه ، وعندما رأت الشاشة تلمع باسم غنيم ،دق قلبها بشدة .
وأسرعت بالإجابة عليه بدون تردد .
حتى تناست قول الحاج وقالت بلهفة ...غنيم ، أخيرا افتكرتني؟

لمس قلبه غنيم نطقها لاسمه دون حاج فابتسم قائلا ...قوليها تاني كده .

تعجبت حلا من كلماته قائلة ...هي إيه اللي أقولها تاني ؟

غنيم ...اسمي من غير حاج.

ابتسمت حلا بخجل ثم قالت ...هو أنا قولت كده ، معلش آسفة
على الغلطة دى يا حاج .

غنيم ...برده حاج .
طيب يا ست حلا ، أنتِ مجتيش ليه النهاردة ؟
أنتِ تعبانة ولا حاجة ،طمنيني عليكي.
أجي أوديكي لدكتور ؟

حلا بتنهيدة...آه تعبانة بالقلب .

غنيم وقد ألهبته كلمتها...ألف سلامة عليكي .
مسافة السكة أكون عندك وأكشف ليكي عند أحسن دكتور فيكي
يا مصر .

حلا ...الدكتور هو أنت يا غنيم .

ألجمت غنيم كلماتها تلك ولم يستطع الرد ، فشعرت حلا بالحرج وابتلعت ريقها بمرارة .
وشعرت أنها تجاوزت معه الحديث وهذا لا يصح .

فقالت ...آسفة شكلي تجاوزت حدودي ، آسفة ، آسفة يا حاج .
على العموم سامحني النهاردة هرتاح شوية ، وبكرة هاجي الشغل
إن شاء الله .
ولو عايز تخصم اليوم ده من مرتبي، مفيش مشكلة وهيكون عندك حق .

نفى غنيم بقوله ...خصم إيه بس اللي بتتكلمي فيه!؟
ولو كان فيه حاجة هتتخصم هيكون هو يوم من عمري ، عشان مشوفتكيش فيه ياحلا .

دق قلب حلا بشدة لسماعها تلك الكلمات العذبة منه .
وشعرت لأول مرة أنه من الممكن أن يكن لها بعضا من الحب ، ولكنها تحمل له كل الحب .

حلا ...بجد يا حاج ، يعني زعلان أني مجتش !

غنيم ...طبعا ، ويلا مستنيكي دلوقتي .
ولا أقولك أنتِ جهزي حالك وأنا جاي بالعربية على نفس الشارع اللي سبتك فيه أمبارح .

حلا برفض...لا يا حاج ، متزعلش مني ، مينفعش موضوع العربية ده يتكرر كتير، أنا هلبس وجاية ومش هغيب .

فابتسم غنيم لخجلها وانتهت المكالمة ودلف للداخل ، ينتظر مجيئها على شوق .

.......

ولجت حنين إلى غرفتها ، فوجدت أختها حلا تبدل ملابسها
على عچل .

حنين بمداعبة...يا عيني على الحلو لما تبهدله الأيام .
مش قولتي يا سكر ، هتريحي النهاردة ومش رايحة المحل .
ولا هو الشوق غليعلى النار واستوى .

فقذفتها حلا بالوسادة وأخرجت لها لسانها قائلة ...آه يا ستي ، استريحتي بقا .

حنين بضحك ...الله يسهلوو يا عمنا .
ونفرح بيكي قريب ، عشان نفسي آكل جاتو .

حلا بضحك ...قولي بس يارب ، وليكي دستة يا أختي .

حنين ...يارب .
بس بدال نزلة ، استنيني أنا كمان أنزل معاكي ،أروح الشغل الجديد ودعواتك يكون كويس ومريح .

حلا ...يا مسهل الحال يارب يا أختي .

حنين ..طيب عشان الدعوة الحلوة دي ، سلفيني كمان الطقم النبيتي بتاعك ، عشان أتمنظر كده في الشغل الجديد .

حلا بمكر ...بصي يا أختي، أنا فهماكي كويس أوي، أنتِ مش بتاعة منظرة ، قولي أنّ حكيم هيشوفك النهاردة وعشان كده عايزة تلبسي الطقم .

فاومأت حنين برأسها خجلا ... أي نعم .

فاقتربت منها حلا وطبعت قبلة حانية على وجنتيها قائلة...أموت أنا اللي العسل المكسوف ده .
وماشي يا قمري ،يلا خديه وظبطي حالك بسرعة ، عقبال ما أشوف ماما ، عملت الفطار ولا لسه ؟
عشان حسيت فجأة أني جعانة أوي .

حنين ...هو الظهار يا أختاه كده ، إن الحب بيجوع فضحكت حلا ...هو ده .
يلا اجهزي ومتتأخريش .

حنين ...فوريرة ، واوعي تخلصي على الفطار ، قبلي.

خرجت حلا إلى والدتها فقبلتها قائلة ...الحلو عملنا إيه على الفطار .

والدة حنين ...عملتلك أحلى بليلة ، تغذيكي يا ضي عيوني .

حلا ...أحلى بليلة من إيد ست الكل .
يلا اغرفيلي طبق سخن مولع ، بس الطبق الكبير ها .

فضحكت والدتها ...بس كده عيوني .

فجاءت حنين قائلة بضحك ...أيوه أيوه يا ست الكل ، ناس ليها عيوني وناس ليها كلي وأنتِ ساكتة، حظوظ الدنيا حتى مع الأمهات .

والدة حنين بضحك...عيوني أنتِ كمان يا قلب أمك.
ثم سمعوا طرق على الباب ، فدق قلب حنين .
ولاحظت حلا تلون وجهها بالحمرة فرددت بمكر ...اغرفي يا أمي طبق تالت لسي حكيم .

فابتسمت حنين وأسرعت لفتح الباب ، فوجدته كما شعر قلبها حكيم .

حنين ...حكيم .

حكيم ...حنين .

وقفت الإثنان يتحدثان بلغة الأعين طويلا ،حتى جاءت حلا وافزعتهما بصوتها الذي أفاقهما من شرودهما.

حلا... أصباح الخير عليك يا ابن خالتي .
أدخل أدخل شرفت ونورت ، وأنا مبسوطة كتير ، أنكم اتعرفتم
على بعض ،الحمد لله .
حنين ، حكيم ، حاجة كده على وزن محن .
فضربتها حنين على ظهرها ، بعد أن شعر حكيم بالخجل وافترش بنظره الأرض .

حنين ...بقولك إيه يا حلا ، أنتِ شكلك مستعجلة صح
روحي طيب أنتِ يا قلب أختك عشان متتأخريش .

حلا بضحك ...احلى توزيعة دي ولا إيه ؟
بس لولا أنها جاية على الطبطاب وفعلا عايزة ألحق الشغل ،كنت قعدت والله أسليكم .

فدفعتها حنين قائلة بضحك ...حبيبتي هتوحشيني مع ألف سلامة يا قلب أختك .

فغمزتها حلا قائلة ...الله يسهلووو ، سلام يا حنون .

حنين ...إيه يا حكيم ، هتفضل واقف على الباب كده كتير ، أدخل يلا .

حكيم ...لا مفيش وقت للضيافة يا حنين .
يدوبك أوصلك الشغل وأروح ألحق محاضراتي.

فجاءت والدة حنين على صوته قائلة ...طيب حتى أدخل سلم
على خالتك .

فعناقها حكيم بحنو قائلا ...حبيبتي يا خالتو والله .
وآسف غصب عني عشان متفوتنيش المحاضرة بس .

والدة حنين ...لا يا ابني مقدرة طبعا .
روحوا يلا عشان متتأخروش ، وربنا يخليك يا ابني ، وينجح مقاصدك ويجعلك سبب على طول في الخير .

حكيم ... آمين يارب .

ثم أشار إلى حنين ....يلا بينا .

حنين بابتسامة عذبة خطفت قلبه ...يلا يا باشمهندس .
ثم غادرا نحو مستشفى والد زميل حكيم .

......

وبالفعل وصلا إلى المستشفى ، واستقبله زميل حكيم ( مؤمن بحفاوة ).

مؤمن ...أهلا يا حكيم ، اتأخرت ليه كده يا باشمهندس .
أنا كنت قربت أمشي ، عشان المحاضرة .

حكيم ...معلش المواصلات بقا أنت عارف .

ثم نظر مؤمن إلى حنين ، فغمز حكيم وهمس له
في أذنه ...صراحة يعني اختيارك في محله .

فقام حكيم بقرصه في إحدى جانبيه بغضب قائلا ...احترم نفسك .

فضحك مؤمن قائلا ...مش قصدي يا عمنا ، دي مرات أخويا المستقبلية يعني .

ثم ردد ...تعال يلا ، أعرفك على بابا دكتور توفيق وأخويا كمان الكبير دكتور طلعت .

حكيم ...ماشي ، يلا بينا يا حنين .

فتقدمت حنين معه إلى مكتب الدكتور توفيق وكان معه الدكتور طلعت .
حمحم مؤمن قائلا ...السلام عليكم ، أنا جيت نورت المستشفى .

طلعت بتجهم ...مش هتبطل تصرفات الأطفال دي ،وتكبر شوية .
فقطب مؤمن مؤمن حاجبيه وشعر بالحرج أمام حكيم وحنين،ولكن والده دكتور توفيق بادر بقوله ...طلعت وبعدين معاك .
أنت عارف إن أخوك دمه خفيف .
ثم اتبع ...نورت يا باشمهندس ، ومش تعرفنا على الضيوف اللي معاك .
ابتسم مؤمن بعد جبر والده له قائلا ....حبيبي يا دكترة.

فنظر له طلعت بازدراء ، ثم دارت عينيه على تلك الفتاة التي تتألق في اللون النبيتي، ونظر لها بإعجاب من أعلى رأسها إلى أخمس قدميها .
طلعت محدثا نفسه ...ده إيه الجمال الهادي ده بزيادة .

مؤمن ....أعرفك ده الباشمهندس حكيم زميلي ،ودي بنت خالته الاآسة حنين ، وهي نيرس شاطرة أوي .
وعشان كده عرضت عليها تيجي تشتغل هنا ، ده بعد موافقتك طبعا يا بابا .
فباغت طلعت قائلا ...أول مرة تجيب حاجة عدلة يا مؤمن ،موافق طبعا .
فتمعض وجه حكيم ، بعد أن شعر بنظرات طلعت المعجبة بـ حنين .
ولاحظ ذلك مؤمن فقال هامسا له ...متخفش عليها ، طلعت كلمنجي بس ، لكن من جواه محترم .

فهمس حكيم ...ربنا يستر .

دكتور توفيق ...أهلا بيكي يا بنتي، وطبعا مش عايز أقولك اعتبري المستشفى بتاعتك .
ودلوقتي هتصل بكبيرة الممرضات ميس سما ، عشان تعرفك
على المكان المناسب لتخصصك .

فأومأت حنين برأسها خجلا ...أي نعم .

اتصل دكتور توفيق بميس سما .

سما ... تمام يا دكتور خليها تطلعلي أنا في الدور التاني .

توفيق ...تمام .

فقال توفيق ...هي في انتظارك دلوقتي .

طلعت ...تعالي معايا أوصلك ليها يا آنسة حنين .
فحدجها حكيم بغضب ، ففهمت أنه لا يريد ذلك .
فقالت بحرج ...لا شكرا ، متتعبش نفسك ، يا دكتور .
أنا هعرف أتعامل، ونظرت إلى دكتور توفيق قائلة ...شكرا لحضرتك .
ثم خرجت مع حكيم ومؤمن وقد سبقه مؤمن كي يتيح له الحديث معها قبل أن يرافقه .
فحدثها حكيم بقوله .....؟
فماذا يا ترى قال لها ؟
سنعلم فى الحلقة المقبلة بإذن الله
........
ام فاطمة ❤️ شيماء سعيد
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي