إدارة الفصول
الفصل السادس
نهضت عن كرسيي متثاقلا، توجهت إلى حيث استقر بهم المقام على مائدة الفطور. تركتهم لدهشتهم واستغرابهم وهم يرونني أرتدي ملابسي في مثل هذه الساعة المبكرة وأجلس إلى جوارهم لتناول طعام الفطور.
أحسست أنني كنت ضيفا ثقيلا على مائدتهم، فقد هيمن عليهم "الأدب" فجأة. تسمرت رؤوسهم كل جهة طعامه. العيون وحدها كانت تتكلم. كنت أراقبها بطرف خفي وهي تختلس النظرات يمنة ويسرة تسأل عن سر هذا التحول الغريب في مجرى حياة والدهم. لقد تأقلموا على مدى الأشهر الأخيرة مع واقعهم من دوني فماذا حدث اليوم؟ وما هي الدوافع لهذا "الانقلاب" الخطير في وجهة أيام هذا الأب التي "تسرقه" من أحضان عمله ومشاريعه إلى جلسة صباحية مباغتة مع الأبناء وعلى مائدة الفطور؟
كنت سعيدا جدا على الرغم من كل الأفكار التي كانت تطارد هذه اللحظة الهانئة. الخير الذي توسمته في هؤلاء الأبناء لا يزال على ما هو عليه. لم يستطع البعاد عنهم أن "يقتل" بذرته، ربما حتى الآن، لكن لو طال البعاد.. فمن يدري؟
أقبل باص المدرسة.. أخبرت العامل المنزلي أن يصرف السائق لأنني سوف أوصل أبنائي اليوم بنفسي إلى المدرسة. زادت دهشتهم عندما طلبت من والدتهم تحضير وجبتي المفضلة على الغداء. سنكون سويا للمرة الثانية في يوم واحد. ربما كان في أذهانهم نوعا من الأحلام.
أمران اثنان كانا يسيطران على أفكاري وأنا في طريقي إلى العمل صباح ذاك اليوم، محاولة الاستغناء عن الوظيفة وجمع الزوجتين في منزل واحد. فقد سئمت كل صنوف القسمة المشتقة من تقسيم أيامي وتقاسمها مع الزوجتين، وضجرت من حياة أصبح للأرقام دور كبير في تسيير دفتها، حتى بت أشعر أنني أحد أرقامها دون معنى ولا مضمون.
المهمة كانت صعبة وربما مستحيلة كما اعتقدت للوهلة الاولى، زاد في تعقيدها ما انطوت عليه نفسي من رومانسية في التعامل حتى مع الأشياء.. مقر عملي.. مكتبي.. الكرسي.. الملفات المنتظمة في الأدراج وفوق الأرفف.. الطريق الذي ألفته وألفني صباح مساء.. أشجاره.. أحجاره.. كل تضاريسه.. كل ما ينتمي إلى وظيفتي.. وربما كان من القرارات الأصعب في حياتي.
المشكلة بالنسبة لي لم تكن مفصلة على قياس أشهر السنة "مضروبة" بالرقم المالي الذي كنت أتقاضاه، بغض النظر عن مصداقية الاستحقاق سلبا أو إيجابا، قياسا أيضا إلى الأداء والطموح. المشكلة كانت في تكويني النفسي الذي انتميت إليه وانتمى هو إلي. رياح التغيير كانت أمام مهمة مستحيلة. أن تدك حصون مبادئي وتقتحم نوافذ طموحات عمر مضى ضربت بجذورها في أديم صاحبها.. وكان الصراع.
في "المعركة" لا بد من منتصر. هكذا كنت أدرك عندما بدأت خوض غمارها مع نفسي فلا مجال لشعار "لا غالب ولا مغلوب" لأنها تخصني وحدي فإما أن ينتصر انتمائي إلى أحلام الماضي أو انتمائي إلى آمال المستقبل.. أيهما أجدى.
أمضيت فترة ليست بالقصيرة في نزاع مع النفس، واظبت خلالها على تناول طعام الفطور والغداء والعشاء مع عائلتي في البيتين. استقطعت جزءا من وقتي المخصص لمشاريع أعمالي الخاصة أقضيه مع أبنائي، أشرف على دروسهم، صداقاتهم، تصرفاتهم، كل ما يمت إليهم بصلة.
وكان أيضا يوما مشهودا ذلك الذي قدمت فيه استقالتي من العمل. ضمنتها كثيرا من الوجدانيات، لكنها في عنوانها الرئيس كانت انسلاخا من أحلام الماضي.. فالعمر محطات ومراحل.. وانتصرت آمال المستقبل.
لملمت أوراقي الخاصة وكل ما قدرت على حمله من "شواهد" تذكرني بالماضي، حملتها معي إلى بيتي، زينت بها أركان مكتبي. لم يكن بالإمكان التخلي عن كل الماضي، ولا بأس أن يحيا ما تبقى منه في أحضان المستقبل.
الحلم كان يستحق المجازفة والتضحية. الأبناء كانوا فعلا في حاجة إلى الوقت الثمين الذي تخليت عن الوظيفة من أجل توفيره، واستطعت بسرعة أن أصحح المعادلة. أعطيت عملي الخاص من اهتمامي ما زاد في تأمين سبل النجاح له، وأحطت أبنائي بعناية حرمتهم منها متطلبات نجاحي العملي زمنا ليس قصيرا.
كنت أراهم أمامي يكبرون، كما أريد لهم وكما يريد كل أب صادق في مسؤولياته لأبنائه.
أركان البيتين كانت تزداد رسوخا مع الأيام وأنا أغرس في الأبناء مبادئ وأسس شبابي.. أحلامه وطموحاته. كنت لهم الأب والأخ والصديق. لم أبخل بمحبة ولا بمشورة أو نصيحة وكانوا على مستوى ما ضحيت به من أجلهم.
انتصرت أم الأبناء الاربعة في معركة تحويل مجرى حياتي. كنت أشعر بالسعادة تشع من عينيها لأجل أبنائها أم من أجل غاية في نفسها.. لم أكن أدري، فكل ما كان يشغل بالي في تلك المرحلة التحضير لمعركة توحيد البيتين.. تلك كانت المهمة المستحيلة وكانت تستحق المحاولة.
كان لا بد من ترتيب سيناريوات عدة لهذه المحاولة على الرغم من أنني لا أجيد فن "التمثيل"، فقد كان ما أنوي القيام به نابعا من إحساسي بضرورة توحيد البيتين لصالحي أولا وأخيرا.
منحت نفسي مهلة للتفكير ومتسعا من الوقت لوضع "الخطط" اللازمة، وكنت حريصا على إحاطتها بالكتمان الشديد والسرية التامة، ومنعتها عن أصدق الأصدقاء على الرغم من حاجتي إلى النصيحة في مثل هذا الامر ممن لديهم باع طويل وخبرة عملية قد لا يجدها المرء في بطون الكتب.
لم أشأ أن أتسرع في اتخاذ القرار، وكثيرا ما أرجأت "ساعة الصفر" في مفاتحة الزوجتين بنواياي التي ربما اعتبرتها إحداهما أو كلاهما "عدوانية" فتكون بمثابة الشرارة التي تشعل برميل البارود، ومن يستطع أن يخمد حريقا قد تشعله امرأتان؟
عقدت مقارنات كثيرة بين الوضع الذي كانت عليه حياتي بين الزوجتين. كنت قد بلغت مرحلة من الاستقرار لا بأس بها واستطعت والحق يقال أن أجمع بين العمل والاشراف على متطلبات البيتين، وبين الوضع المستقبلي الذي كنت أتطلع إلى تحقيقه، فرجحت كفة الميزان لصالح "القرار الصعب" في توحيد البيتين؟
وحانت ساعة الصفر وتجرأت على اتخاذ القرار واخترت "الطرف الأسهل" في نظري، زوجتي الأولى، لأبلغها نيتي وأنا أمني النفس بأن يساعدني حسن تدبيرها وتفكيرها في تقريب المسافات مع ضرتها التي كانت معارضتها أخشى ما أخشاه.. ولقد كنت واهما.
كان درسا في معاني الاستقلالية تلقيته في ذلك المساء، فاض بكلمات وعبارات انهالت على رأسي حتى ساعات الصباح الأولى.. كان درسا بليغا عن مقدرة حواء على خوض المعركة.
كانت زوجتي الأولى تحاضر ببلاغة تضاهي بعض ما قرأته في بطون الكتب.. هل كانت تقرأ كثيرا من دون أن أدري.. من قال إن المرأة عاطفة كلها؟
مسكين، كما تعلمت ذلك المساء من يحاول أن يسلب من المرأة حريتها أو أن يصادر قرارها. من قال إن القفص الذهبي ليس ابتكارا نسائيا صنعته المرأة لتسجن فيه من يحاول أن يكون سجانها، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير.
قالت لي: ألم تساعد على تعليمي بأن المرأة نصف المجتمع وأنها والرجل صنوان، فكيف تأتي اليوم لتصادر فكرا ساهمت أنت في ري غرسه؟ أم لتعلمني أن المناجل صنعت للسواعد السمراء تحصد بها مواسم القمح في أيام الحصاد، فهل أتيت اليوم تحصد ما زرعت بمنجل "صدئ" وأي موسم جئت من أجله.. فقد أتيت متأخرا.. فسواعد النساء.. أو بعضهن سمراء أيضا قادرة على الحصاد.
أيها الرجل.. مهما كان سلطانك وسلطتك علي.. مهما كان حبك ضاربا في قلبي جذوره.. مهما كان عظم الولاء والانتماء إليك.. مهما كان نبل ما أتيت من أجله فهو لا يساوي في قاموس حريتي حرفا.
أيها الرجل.. هل استحثك ضعفي على الإتيان بما أتيت.. أم طغى على سراج العقل غرور العاطفة فاعتقدت بأن تملك القلب والفؤاد وفوقه عقد زواج يبيح لك كل شيء؟
أيها الرجل.. إن للأنوثة كما للرجولة عنفوانها وسلطانها، فهي لا تقبل أن تحيا إلا في أرض خصبة تظللها سماء من الحب والإدراك والعقل، ومن دونها تصبح أنوثة بلا طعم هي للاسترقاق والعبودية أقرب.. فهل أتيت تقايض الحب بالحرية؟
..كانت حواء تتكلم ولم أجد أكثر بلاغة من الصمت وسيلة لتعلم درس جديد.. فأصغيت واستمعت.
كان دفاعها عن استقلالية بيتها وشخصيتها وكيانها مستميتا، لم تترك في جداره ثغرة ينفذ من خلالها الخصم، مهاجمة في بعض الأحيان على قاعدة أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، لأن جل همها كان، بحسب تجربتي، أن تكسب المعركة، وبما أن الغاية تبرر الوسيلة فقد استعملت كافة الوسائل.. المشروعة.. وكنت مندهشا وأنا أرى "جحافلها" تهاجمني من كل حدب وصوب، متسائلا: أي نفير حرب دقت حتى استنهضت كل هذه الهمم؟
لم آت إليها "مستعمرا" حتى تطلق في وجهي كل شعارات "الحرية الحمراء" و"إرادة الحياة" و"انكسار القيد".
لقد أتيتها بمشروع "توحيدي" حجتي فيه كانت "لم الشمل" في بيت واحد يشرف ربانه، الذي هو أنا، على كامل شؤونه، فكان رفضها "رصاصة الرحمة" التي أنهت كل شيء.
أتيت تسلبني ذاتي؟ تساءلت، وهي تستجمع أنفاسها في محاولة منها لتهدئة الموقف بعد أن أدركت أنها "تمادت" كثيرا في دفاعها.. ألا تدري أن حلم أي فتاة أن تطير على ما يتسع لها بيت والدها، على حصان أبيض مع فارس الأحلام إلى بيت لا ينازعها فيه أو عليه أحد حتى لوكان بيتا من غرفة واحدة، وهو حلم مشروع وأمل ساعدتني أنت على تحقيقه وقد كنت فارسا لأحلامي.. فهل أتيت اليوم تسترد فروسيتك أم لتقتل الأحلام وقد شاخت وكبرت كثيرا؟
نبرات صوتها كانت ترتفع وتنخفض وفقا لدرجة انفعالها وقد انفعلت كثيرا في تلك الليلة.
ألا تدري أن بيتي المستقل هو كل كياني ومن دونه لن أكون أنا.. حواء.
ألا تدري أنني أعيش نصف امرأة في نصف أيامي من دونك، أحلم باكتمال هذا النصف يوما بعد آخر، فهل أتيت تحرمني حتى من حلمي؟
إن لي في كل ركن من هذا البيت وقفات مع النفس.. وفي كل زاوية نسجتها من حبات دموعي ودقات قلبي انتظارا لقطار السعادة.. كيف تطلب مني أن أهجر شباكه الغربي وأمامه انتظرت ليالي طويلة.. كان بعضها ممتلئا بالفرح وأنا أترقب قدومك إلي لتدفئ مسامعي بالحديث عن الأمل الذي كنت أنتظره وانتظرته أنت؟
بين هذه الجدران عشت جرعات اليأس.. رشفتها حتى آخر نقطة.. وبينها أيضا شعرت بآلام المخاض.. مخاض الأمل بالسعادة، وكثيرا ما كان ينبت في صدري ويتألق في كل كياني فيشع تفاؤلا بالحياة.
وسط هذا الفراغ شعرت بالفراغ حتى ارتويت.. ووسطه أيضا امتشقت سيف التحدي لأكون أنا.. ولقد نجحت.
أتحداك أن تستطيع إحصاء أنفاسي بين هذه الجدران.. هل تعرف كم مرة تنفست.. أو تنفست أنت من لحظة زواجنا حتى اليوم.. هل أتيت لتحرمني من هذه الأنفاس التي إن خرجت فهي لا تزال عابقة بين هذه الجدران وإن كانت غير مرئية ولا محسوسة.. كم مرة حكيت لي هنا حكايات أشبه بروايات "ألف ليلة وليلة".. هل تهون عليك الشرفة الغربية التي كانت الشاهد على سهراتنا معا نبث النجوى ونحاكي القمر والنجوم ونحلم.. نحلم بعدد الأبناء الذين سننجبهم حتى بانت لي علامة العقم.. وما بعد العقم.
هل أتيت لتحرمني من المكان الذي شهد كل فصول عذاباتي بعد أن تيقنت من أنني لن أستطيع إنجاب طفل يقوي الرابط بيني وبينك.. في كل ركن من هذا البيت بكيت.. صرخت.. توسلت.. أطفأت حزني في سيل من الدموع ليتك كنت تراه.. كنت أخشى أن تراه.
هنا كانت فصول حكايتي من أولها حتى اللحظة.. اسأل غرفة نومنا.. الوسادة الخالية إلا من دموعي ليالي طويلة.. كنت أستكين وأنكسر بعد أن تنام وأسمع صوت أنفاسك مُبحرا في أحلامك فيما كنت أبحر في سفينة تعاستي.. آه كم بكيت.. تألمت.. أطلقت التنهيدة تلو الأخرى وأنا أرنو إليك.. أتأمل في وجهك.. وأسأل نفسي كيف سيكون حالنا عندما تدرك أنني امرأة عاقر لن تنجب لك أبناء.. ذكورا وإناثا.. كان الصمت يقتلني في لياليّ الباردة.. القاحلة مثلي.
هذا لم يكن من الماضي أو أنه بات من الماضي.. هو لا يزال يعيش بين جوارحي.. صعب عليّ أن أنسىاه.. أن أتنكر له.. هو بوحي.. سرّي.. لحن تعاستي.
لكل ما ذكرت لا أستطيع ترك بيتي...بيتي هذا بالذات...وفاء للذكرى لن أستطيع وأنت أساس لهذه الذكرى.
إن خياري أن أعيش هنا.. ليس في منزل آخر تقاسمني علنا فيك امرأة أخرى.
أن أكون هنا في بيتي نصف امرأة خير من أن أحس بك هناك نصف رجل.
أيها الرجل.. بالرغم من نبل مسعاك اعذرني لرفض مشروعك.. ولك الخيار في ما أنت فاعل.. لقد قلت كلمتي.. وكفى.
لم تدهشني بلاغتها فقد كانت تلميذتي في معظم مراحل عمرينا.. ما أدهشني هو سكوتي عن هجومها واقتناعي بدفاعها وتراجعي "سرا" عن مشروعي الذي أعددت له الكثير.
وتساءلت كيف سيكون دفاع "أم الاربعة" عن استقلاليتها في بيتها إذا كان هذا هو دفاع "بثينتي" بكل ما تعنيه لي من حب وأمل؟ وفضلت ألاّ أسمع الجواب.
من قال إن حواء عاطفة كلها؟ إن ما سمعته من رجاحة عقلها ومنطقها جعلني أعيد حساباتي في كثير من تفاصيل ودقائق حياتي، فقد استطاعت الحبيبة الأولى أن تربح "معركتها" معي وأن تقلب المعادلة لصالحها وتستفزني للتعاطف مع "قضيتها".. وانتصرت حواء.
عندما حملت "المشروع السعيد" بجمع الزوجتين في بيت واحد لأعرضه على حبيبة القلب أولا، كنت أعتقد بأن سنوات الحب الماضية ربما قد تساعدني على النجاح في "تمرير" المشروع كخطوة أولى قبل أن أفاتح به الزوجة الثانية، وعند ذلك قد يكون في يدي ورقة ضغط أرغم بها زوجتي الثانية إن عارضت، على الإذعان والرضوخ، خاصة وأنها هي من فجر الموقف وجعلتني أترك الوظيفة غير نادم لتوفير وقت أشرف من خلاله على الأبناء وكنت واثقا من أنني سأنجح.
لم أندم كثيرا على فشل مشروعي، بل ربما كنت سعيدا لأجله، وقد يكون هو ما ساهم في الحفاظ على أعمدة البيتين قائمة.. حتى قبل أن أفقد ولدي.
كثيرا ما كنت أتساءل عن صدق نواياي في تحقيق "هذا الحلم" ومدى استعدادي للمضي قدما في تحقيقه.
علامات استفهام كثيرة طرحتها على نفسي وأنا أعود إلى سابق عهدي في "العيش المشترك" مع الزوجتين في البيتين، وكان لما كنت أسمع به عن مشاكل هواة جمع الزوجتين في بيت واحد كرها أو طوعا ما جلى عن النفس كل إحساس بالإحباط نتيجة فشل المشروع.
وبقي موقف "بثينتي" علامة فارقة في سجل حياتي الحافلة بكثير من العلامات الفارقة، وأضافت إلى رصيد خبرتي في الحياة درسا جديدا تعلمته منها.
..وسألتني يوما أن أسامح سورة غضبها وثورتها التي تفجرت مرة واحدة فقط طوال حياتنا المشتركة. كانت تدافع عن موقفها بلطف وهي تعود بي إلى ذكريات جميلة. كانت قد مضت أشهر عدة على الحادثة، وكنت سعيدا في جلستي العائلية تلك. وسألتني ما إن كنت بالسعادة نفسها فيما لو كنا في بيت مشترك.. ولم أجب.
نهضت عن كرسيي متثاقلا، توجهت إلى حيث استقر بهم المقام على مائدة الفطور. تركتهم لدهشتهم واستغرابهم وهم يرونني أرتدي ملابسي في مثل هذه الساعة المبكرة وأجلس إلى جوارهم لتناول طعام الفطور.
أحسست أنني كنت ضيفا ثقيلا على مائدتهم، فقد هيمن عليهم "الأدب" فجأة. تسمرت رؤوسهم كل جهة طعامه. العيون وحدها كانت تتكلم. كنت أراقبها بطرف خفي وهي تختلس النظرات يمنة ويسرة تسأل عن سر هذا التحول الغريب في مجرى حياة والدهم. لقد تأقلموا على مدى الأشهر الأخيرة مع واقعهم من دوني فماذا حدث اليوم؟ وما هي الدوافع لهذا "الانقلاب" الخطير في وجهة أيام هذا الأب التي "تسرقه" من أحضان عمله ومشاريعه إلى جلسة صباحية مباغتة مع الأبناء وعلى مائدة الفطور؟
كنت سعيدا جدا على الرغم من كل الأفكار التي كانت تطارد هذه اللحظة الهانئة. الخير الذي توسمته في هؤلاء الأبناء لا يزال على ما هو عليه. لم يستطع البعاد عنهم أن "يقتل" بذرته، ربما حتى الآن، لكن لو طال البعاد.. فمن يدري؟
أقبل باص المدرسة.. أخبرت العامل المنزلي أن يصرف السائق لأنني سوف أوصل أبنائي اليوم بنفسي إلى المدرسة. زادت دهشتهم عندما طلبت من والدتهم تحضير وجبتي المفضلة على الغداء. سنكون سويا للمرة الثانية في يوم واحد. ربما كان في أذهانهم نوعا من الأحلام.
أمران اثنان كانا يسيطران على أفكاري وأنا في طريقي إلى العمل صباح ذاك اليوم، محاولة الاستغناء عن الوظيفة وجمع الزوجتين في منزل واحد. فقد سئمت كل صنوف القسمة المشتقة من تقسيم أيامي وتقاسمها مع الزوجتين، وضجرت من حياة أصبح للأرقام دور كبير في تسيير دفتها، حتى بت أشعر أنني أحد أرقامها دون معنى ولا مضمون.
المهمة كانت صعبة وربما مستحيلة كما اعتقدت للوهلة الاولى، زاد في تعقيدها ما انطوت عليه نفسي من رومانسية في التعامل حتى مع الأشياء.. مقر عملي.. مكتبي.. الكرسي.. الملفات المنتظمة في الأدراج وفوق الأرفف.. الطريق الذي ألفته وألفني صباح مساء.. أشجاره.. أحجاره.. كل تضاريسه.. كل ما ينتمي إلى وظيفتي.. وربما كان من القرارات الأصعب في حياتي.
المشكلة بالنسبة لي لم تكن مفصلة على قياس أشهر السنة "مضروبة" بالرقم المالي الذي كنت أتقاضاه، بغض النظر عن مصداقية الاستحقاق سلبا أو إيجابا، قياسا أيضا إلى الأداء والطموح. المشكلة كانت في تكويني النفسي الذي انتميت إليه وانتمى هو إلي. رياح التغيير كانت أمام مهمة مستحيلة. أن تدك حصون مبادئي وتقتحم نوافذ طموحات عمر مضى ضربت بجذورها في أديم صاحبها.. وكان الصراع.
في "المعركة" لا بد من منتصر. هكذا كنت أدرك عندما بدأت خوض غمارها مع نفسي فلا مجال لشعار "لا غالب ولا مغلوب" لأنها تخصني وحدي فإما أن ينتصر انتمائي إلى أحلام الماضي أو انتمائي إلى آمال المستقبل.. أيهما أجدى.
أمضيت فترة ليست بالقصيرة في نزاع مع النفس، واظبت خلالها على تناول طعام الفطور والغداء والعشاء مع عائلتي في البيتين. استقطعت جزءا من وقتي المخصص لمشاريع أعمالي الخاصة أقضيه مع أبنائي، أشرف على دروسهم، صداقاتهم، تصرفاتهم، كل ما يمت إليهم بصلة.
وكان أيضا يوما مشهودا ذلك الذي قدمت فيه استقالتي من العمل. ضمنتها كثيرا من الوجدانيات، لكنها في عنوانها الرئيس كانت انسلاخا من أحلام الماضي.. فالعمر محطات ومراحل.. وانتصرت آمال المستقبل.
لملمت أوراقي الخاصة وكل ما قدرت على حمله من "شواهد" تذكرني بالماضي، حملتها معي إلى بيتي، زينت بها أركان مكتبي. لم يكن بالإمكان التخلي عن كل الماضي، ولا بأس أن يحيا ما تبقى منه في أحضان المستقبل.
الحلم كان يستحق المجازفة والتضحية. الأبناء كانوا فعلا في حاجة إلى الوقت الثمين الذي تخليت عن الوظيفة من أجل توفيره، واستطعت بسرعة أن أصحح المعادلة. أعطيت عملي الخاص من اهتمامي ما زاد في تأمين سبل النجاح له، وأحطت أبنائي بعناية حرمتهم منها متطلبات نجاحي العملي زمنا ليس قصيرا.
كنت أراهم أمامي يكبرون، كما أريد لهم وكما يريد كل أب صادق في مسؤولياته لأبنائه.
أركان البيتين كانت تزداد رسوخا مع الأيام وأنا أغرس في الأبناء مبادئ وأسس شبابي.. أحلامه وطموحاته. كنت لهم الأب والأخ والصديق. لم أبخل بمحبة ولا بمشورة أو نصيحة وكانوا على مستوى ما ضحيت به من أجلهم.
انتصرت أم الأبناء الاربعة في معركة تحويل مجرى حياتي. كنت أشعر بالسعادة تشع من عينيها لأجل أبنائها أم من أجل غاية في نفسها.. لم أكن أدري، فكل ما كان يشغل بالي في تلك المرحلة التحضير لمعركة توحيد البيتين.. تلك كانت المهمة المستحيلة وكانت تستحق المحاولة.
كان لا بد من ترتيب سيناريوات عدة لهذه المحاولة على الرغم من أنني لا أجيد فن "التمثيل"، فقد كان ما أنوي القيام به نابعا من إحساسي بضرورة توحيد البيتين لصالحي أولا وأخيرا.
منحت نفسي مهلة للتفكير ومتسعا من الوقت لوضع "الخطط" اللازمة، وكنت حريصا على إحاطتها بالكتمان الشديد والسرية التامة، ومنعتها عن أصدق الأصدقاء على الرغم من حاجتي إلى النصيحة في مثل هذا الامر ممن لديهم باع طويل وخبرة عملية قد لا يجدها المرء في بطون الكتب.
لم أشأ أن أتسرع في اتخاذ القرار، وكثيرا ما أرجأت "ساعة الصفر" في مفاتحة الزوجتين بنواياي التي ربما اعتبرتها إحداهما أو كلاهما "عدوانية" فتكون بمثابة الشرارة التي تشعل برميل البارود، ومن يستطع أن يخمد حريقا قد تشعله امرأتان؟
عقدت مقارنات كثيرة بين الوضع الذي كانت عليه حياتي بين الزوجتين. كنت قد بلغت مرحلة من الاستقرار لا بأس بها واستطعت والحق يقال أن أجمع بين العمل والاشراف على متطلبات البيتين، وبين الوضع المستقبلي الذي كنت أتطلع إلى تحقيقه، فرجحت كفة الميزان لصالح "القرار الصعب" في توحيد البيتين؟
وحانت ساعة الصفر وتجرأت على اتخاذ القرار واخترت "الطرف الأسهل" في نظري، زوجتي الأولى، لأبلغها نيتي وأنا أمني النفس بأن يساعدني حسن تدبيرها وتفكيرها في تقريب المسافات مع ضرتها التي كانت معارضتها أخشى ما أخشاه.. ولقد كنت واهما.
كان درسا في معاني الاستقلالية تلقيته في ذلك المساء، فاض بكلمات وعبارات انهالت على رأسي حتى ساعات الصباح الأولى.. كان درسا بليغا عن مقدرة حواء على خوض المعركة.
كانت زوجتي الأولى تحاضر ببلاغة تضاهي بعض ما قرأته في بطون الكتب.. هل كانت تقرأ كثيرا من دون أن أدري.. من قال إن المرأة عاطفة كلها؟
مسكين، كما تعلمت ذلك المساء من يحاول أن يسلب من المرأة حريتها أو أن يصادر قرارها. من قال إن القفص الذهبي ليس ابتكارا نسائيا صنعته المرأة لتسجن فيه من يحاول أن يكون سجانها، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير.
قالت لي: ألم تساعد على تعليمي بأن المرأة نصف المجتمع وأنها والرجل صنوان، فكيف تأتي اليوم لتصادر فكرا ساهمت أنت في ري غرسه؟ أم لتعلمني أن المناجل صنعت للسواعد السمراء تحصد بها مواسم القمح في أيام الحصاد، فهل أتيت اليوم تحصد ما زرعت بمنجل "صدئ" وأي موسم جئت من أجله.. فقد أتيت متأخرا.. فسواعد النساء.. أو بعضهن سمراء أيضا قادرة على الحصاد.
أيها الرجل.. مهما كان سلطانك وسلطتك علي.. مهما كان حبك ضاربا في قلبي جذوره.. مهما كان عظم الولاء والانتماء إليك.. مهما كان نبل ما أتيت من أجله فهو لا يساوي في قاموس حريتي حرفا.
أيها الرجل.. هل استحثك ضعفي على الإتيان بما أتيت.. أم طغى على سراج العقل غرور العاطفة فاعتقدت بأن تملك القلب والفؤاد وفوقه عقد زواج يبيح لك كل شيء؟
أيها الرجل.. إن للأنوثة كما للرجولة عنفوانها وسلطانها، فهي لا تقبل أن تحيا إلا في أرض خصبة تظللها سماء من الحب والإدراك والعقل، ومن دونها تصبح أنوثة بلا طعم هي للاسترقاق والعبودية أقرب.. فهل أتيت تقايض الحب بالحرية؟
..كانت حواء تتكلم ولم أجد أكثر بلاغة من الصمت وسيلة لتعلم درس جديد.. فأصغيت واستمعت.
كان دفاعها عن استقلالية بيتها وشخصيتها وكيانها مستميتا، لم تترك في جداره ثغرة ينفذ من خلالها الخصم، مهاجمة في بعض الأحيان على قاعدة أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، لأن جل همها كان، بحسب تجربتي، أن تكسب المعركة، وبما أن الغاية تبرر الوسيلة فقد استعملت كافة الوسائل.. المشروعة.. وكنت مندهشا وأنا أرى "جحافلها" تهاجمني من كل حدب وصوب، متسائلا: أي نفير حرب دقت حتى استنهضت كل هذه الهمم؟
لم آت إليها "مستعمرا" حتى تطلق في وجهي كل شعارات "الحرية الحمراء" و"إرادة الحياة" و"انكسار القيد".
لقد أتيتها بمشروع "توحيدي" حجتي فيه كانت "لم الشمل" في بيت واحد يشرف ربانه، الذي هو أنا، على كامل شؤونه، فكان رفضها "رصاصة الرحمة" التي أنهت كل شيء.
أتيت تسلبني ذاتي؟ تساءلت، وهي تستجمع أنفاسها في محاولة منها لتهدئة الموقف بعد أن أدركت أنها "تمادت" كثيرا في دفاعها.. ألا تدري أن حلم أي فتاة أن تطير على ما يتسع لها بيت والدها، على حصان أبيض مع فارس الأحلام إلى بيت لا ينازعها فيه أو عليه أحد حتى لوكان بيتا من غرفة واحدة، وهو حلم مشروع وأمل ساعدتني أنت على تحقيقه وقد كنت فارسا لأحلامي.. فهل أتيت اليوم تسترد فروسيتك أم لتقتل الأحلام وقد شاخت وكبرت كثيرا؟
نبرات صوتها كانت ترتفع وتنخفض وفقا لدرجة انفعالها وقد انفعلت كثيرا في تلك الليلة.
ألا تدري أن بيتي المستقل هو كل كياني ومن دونه لن أكون أنا.. حواء.
ألا تدري أنني أعيش نصف امرأة في نصف أيامي من دونك، أحلم باكتمال هذا النصف يوما بعد آخر، فهل أتيت تحرمني حتى من حلمي؟
إن لي في كل ركن من هذا البيت وقفات مع النفس.. وفي كل زاوية نسجتها من حبات دموعي ودقات قلبي انتظارا لقطار السعادة.. كيف تطلب مني أن أهجر شباكه الغربي وأمامه انتظرت ليالي طويلة.. كان بعضها ممتلئا بالفرح وأنا أترقب قدومك إلي لتدفئ مسامعي بالحديث عن الأمل الذي كنت أنتظره وانتظرته أنت؟
بين هذه الجدران عشت جرعات اليأس.. رشفتها حتى آخر نقطة.. وبينها أيضا شعرت بآلام المخاض.. مخاض الأمل بالسعادة، وكثيرا ما كان ينبت في صدري ويتألق في كل كياني فيشع تفاؤلا بالحياة.
وسط هذا الفراغ شعرت بالفراغ حتى ارتويت.. ووسطه أيضا امتشقت سيف التحدي لأكون أنا.. ولقد نجحت.
أتحداك أن تستطيع إحصاء أنفاسي بين هذه الجدران.. هل تعرف كم مرة تنفست.. أو تنفست أنت من لحظة زواجنا حتى اليوم.. هل أتيت لتحرمني من هذه الأنفاس التي إن خرجت فهي لا تزال عابقة بين هذه الجدران وإن كانت غير مرئية ولا محسوسة.. كم مرة حكيت لي هنا حكايات أشبه بروايات "ألف ليلة وليلة".. هل تهون عليك الشرفة الغربية التي كانت الشاهد على سهراتنا معا نبث النجوى ونحاكي القمر والنجوم ونحلم.. نحلم بعدد الأبناء الذين سننجبهم حتى بانت لي علامة العقم.. وما بعد العقم.
هل أتيت لتحرمني من المكان الذي شهد كل فصول عذاباتي بعد أن تيقنت من أنني لن أستطيع إنجاب طفل يقوي الرابط بيني وبينك.. في كل ركن من هذا البيت بكيت.. صرخت.. توسلت.. أطفأت حزني في سيل من الدموع ليتك كنت تراه.. كنت أخشى أن تراه.
هنا كانت فصول حكايتي من أولها حتى اللحظة.. اسأل غرفة نومنا.. الوسادة الخالية إلا من دموعي ليالي طويلة.. كنت أستكين وأنكسر بعد أن تنام وأسمع صوت أنفاسك مُبحرا في أحلامك فيما كنت أبحر في سفينة تعاستي.. آه كم بكيت.. تألمت.. أطلقت التنهيدة تلو الأخرى وأنا أرنو إليك.. أتأمل في وجهك.. وأسأل نفسي كيف سيكون حالنا عندما تدرك أنني امرأة عاقر لن تنجب لك أبناء.. ذكورا وإناثا.. كان الصمت يقتلني في لياليّ الباردة.. القاحلة مثلي.
هذا لم يكن من الماضي أو أنه بات من الماضي.. هو لا يزال يعيش بين جوارحي.. صعب عليّ أن أنسىاه.. أن أتنكر له.. هو بوحي.. سرّي.. لحن تعاستي.
لكل ما ذكرت لا أستطيع ترك بيتي...بيتي هذا بالذات...وفاء للذكرى لن أستطيع وأنت أساس لهذه الذكرى.
إن خياري أن أعيش هنا.. ليس في منزل آخر تقاسمني علنا فيك امرأة أخرى.
أن أكون هنا في بيتي نصف امرأة خير من أن أحس بك هناك نصف رجل.
أيها الرجل.. بالرغم من نبل مسعاك اعذرني لرفض مشروعك.. ولك الخيار في ما أنت فاعل.. لقد قلت كلمتي.. وكفى.
لم تدهشني بلاغتها فقد كانت تلميذتي في معظم مراحل عمرينا.. ما أدهشني هو سكوتي عن هجومها واقتناعي بدفاعها وتراجعي "سرا" عن مشروعي الذي أعددت له الكثير.
وتساءلت كيف سيكون دفاع "أم الاربعة" عن استقلاليتها في بيتها إذا كان هذا هو دفاع "بثينتي" بكل ما تعنيه لي من حب وأمل؟ وفضلت ألاّ أسمع الجواب.
من قال إن حواء عاطفة كلها؟ إن ما سمعته من رجاحة عقلها ومنطقها جعلني أعيد حساباتي في كثير من تفاصيل ودقائق حياتي، فقد استطاعت الحبيبة الأولى أن تربح "معركتها" معي وأن تقلب المعادلة لصالحها وتستفزني للتعاطف مع "قضيتها".. وانتصرت حواء.
عندما حملت "المشروع السعيد" بجمع الزوجتين في بيت واحد لأعرضه على حبيبة القلب أولا، كنت أعتقد بأن سنوات الحب الماضية ربما قد تساعدني على النجاح في "تمرير" المشروع كخطوة أولى قبل أن أفاتح به الزوجة الثانية، وعند ذلك قد يكون في يدي ورقة ضغط أرغم بها زوجتي الثانية إن عارضت، على الإذعان والرضوخ، خاصة وأنها هي من فجر الموقف وجعلتني أترك الوظيفة غير نادم لتوفير وقت أشرف من خلاله على الأبناء وكنت واثقا من أنني سأنجح.
لم أندم كثيرا على فشل مشروعي، بل ربما كنت سعيدا لأجله، وقد يكون هو ما ساهم في الحفاظ على أعمدة البيتين قائمة.. حتى قبل أن أفقد ولدي.
كثيرا ما كنت أتساءل عن صدق نواياي في تحقيق "هذا الحلم" ومدى استعدادي للمضي قدما في تحقيقه.
علامات استفهام كثيرة طرحتها على نفسي وأنا أعود إلى سابق عهدي في "العيش المشترك" مع الزوجتين في البيتين، وكان لما كنت أسمع به عن مشاكل هواة جمع الزوجتين في بيت واحد كرها أو طوعا ما جلى عن النفس كل إحساس بالإحباط نتيجة فشل المشروع.
وبقي موقف "بثينتي" علامة فارقة في سجل حياتي الحافلة بكثير من العلامات الفارقة، وأضافت إلى رصيد خبرتي في الحياة درسا جديدا تعلمته منها.
..وسألتني يوما أن أسامح سورة غضبها وثورتها التي تفجرت مرة واحدة فقط طوال حياتنا المشتركة. كانت تدافع عن موقفها بلطف وهي تعود بي إلى ذكريات جميلة. كانت قد مضت أشهر عدة على الحادثة، وكنت سعيدا في جلستي العائلية تلك. وسألتني ما إن كنت بالسعادة نفسها فيما لو كنا في بيت مشترك.. ولم أجب.