الفصل الحادي عشر

بعد أن غادرت أصالة منزل ليلى اتجهت بسيارتها مباشره إلى منزلها ، قبل الدلوف إلى الداخل وقفت للحظات محاوله استجماع قواها ، محاوله ترتيب بعض الكلمات التي ستخبر بها والدها كـ محاوله اخيره منها كـ ترجي له بـ ألا يصطحبها معه إلى سفره .
محاوله اخيره لإقناعه بـ البقاء هُنا في مصر دون المغادره إلى أي مكان آخر .
لكنها للحظه تذكرت ذاك الذي لم يغب عن  بالها للحظه من الأساس .
لكنه حتى لم يكلف خاطره  بالاتصال ولو للحظه عليها من بعد مغادرتها المكان في سور الازبكيه في القاهره وعودتها وحدها إلى الاسكندريه .
لم يبالي بالأمر ، لم يهتم إذا ما كانت قد عادت سليمه أو لا .
تنهدت بهدوء ثم فتحت الباب ومن ثم دلفت إلى المنزل .

تحركت إلى الصالون حيث يتواجد والدها لتتحدث معه عما أعدته  لكنها توقفت في مكانها متحجره من صدمه وهول ما رأته ، للحظه تبخر كل شئ كانت تُعده .
جُل الكلمات التي كانت تُعدها للحديث تبخرت ، كل شي لم يعد له وجود
وكأن على رأسها يقف الطير .

تحدثت بصدمه : يوسف ؟؟
أنت بتعمل إيه هنا ؟!
ابتسم يوسف لشريف مُحركًا قطعه الشطرنج قائلًا : كش ملك يا عمي .
شريف بغضب مصطنع : إيه يا ابني الحظ ده ؟؟
جمين تكسبهم كده ؟؟
أنا عمر ما حد قدر يكسبني في اللعبه دي ، يجي واحد يطحني كده ؟!
يوسف بمكر : الشطرنج عمره ما كان حظ ، دي دماغ بتفكر وذكاء .
أما عن تلك التي تستشاط غضبًا  ، فلا يعيرها أي  منهم انتباه .
تحدثت بغضب : ياااا يوسف ، أنا مش بكلمك ؟؟
انتبه يوسف إليها فتحدث: أهلًا يا أصالة ، اتأخرتي ليه أنا هنا من زمان ؟!
شريف : طيب أنا هدخل أخلص شويه حاجات في المكتب وأسيبكم مع بعض شويه  ، البيت بيتك يا يوسف .
يوسف : اتفضل يا عمي ، ربنا يخليك .

اقتربت أصالة منه ثم تحدثت : أنت إيه جابك هنا ؟!
وجيت من امتى ؟!
يوسف بمكر : طب اتفضلي اقعدي طيب ده البيت زي بيتكم برده .
اصاله بغضب : أنا مش بهزر ، أنت جيت امتى وبتعمل إيه؟!
يوسف : جيت من ساعه تقريبًا ، بعمل إيه فـ أنا جيت عشانك أكيد .
اصالة : عشاني أنا؟!
وتيجي عشاني ليه ، هو أنت مش اخترت السرداب وأنك تمشي في الطريق ده ؟!
يوسف : مين قال إني أخترت حاجه ، أنا هنا عشانك إنتِ .
أصالة : يعني إيه مش فاهمه؟!
يوسف بهدوء : أقعدي وأنا هفهمك حاضر .
بالفعل جلست بقلق ، لا تفهم ما يحدث : فهمني في إيه بقى !!
يوسف : أنا عارف أن ممكن أكون تقلت عليكي  الفتره إللي فاتت ، وعارف أن الموضوع مش كان حد هيقدر يتحمله ، حقك عليا .
أصالة : هو بعيد عن حقك عليا أو عن أي حاجه أنا برده لسه مش فاهمه حاجه .
واحده واحده كده وفهمني أنت هنا من امتى وكنت بتعمل إيه مع بابا ؟!
يوسف : أنا هنا من ساعه تقريبًا ، بعد ما حضرتك خدتي العربيه ومشيتي وأنا رجعت متبهدل في المواصلات ، بعمل إيه مع بابا ؟؟
هو أنا مش قولت ليكي الصبح إن هحل الموضوع ومش هتسافري ؟!
نظرت له بعدم فهم ثم أجابت : أه قولت كده ، بس برده مش فاهمه حاجه ، بلاش تلعب بـ أعصابي بالله عشان أنا واصله حاله صعبه ، أنت عايز تفهمني إنك أقنعت والدي إن أفضل هنا ومش أسافر ؟!
يوسف بغرور مصطنع : ايوووه بالظبط كده ، أنا أقنعت والدك إنك تفضلي هنا ومش تسافري .
صمتت للحظات تحاول فهم ما يقوله ثم تحدثت بجديه : يوسف ده موضوع مش متحمل هزار .
انت بتتكلم جد؟؟
و إزاي يعني أقنعته وبحجه إيه ؟!
يوسف : والله العظيم مش بهزر إنتِ مش هتسافري ، مش هتسافري لا اليوم ولا بكره ولا بعده ولا بعد ألف سنه ، أنا خلاص طلبت أيدك من والدك وهو وافق ، وهيأجل سفره بكره عشان بكره كتب كتابنا .
تسمرت موضعها من هول ما تسمع ، لا تكاد تستوعب ذاك الذي يقال ، هي تمنت مثل هذا منذ زمن بعيد ، تمنت أن يكون لها وحدها وأن تكون له ، لكنـ لكن بهذا الشكل السريع !!؟

يوسف : إيه يا بنتي روحتي فين ؟؟
بقولك بكره كتب كتابنا هاااااي إنتِ وصلتي لفين بخيالك ؟!
أصالة بحالتها الغير مستوعبه ما يحدث : قول ليا أنك بتهزر ، قول إني بحلم وأن ده مجرد حلم حلو هفوق منه ، قول ليا أي حاجه غير أن إللي بتقوله ده حقيقه وهيكون واقع؟!
يوسف ضاحكًا : لا إله إلا الله وحده ، البنت اتجننت يا جدعان .
لا يا ست البنات ده واقع ومش حلم ، أجهزي بقى عشان بكره كتب كتابنا ، بس هيكون كده على الديق ، بسبب الظروف والدي مش كان موجود معايا لكن كان موجود على التلفون وسامع وحضر كل شي دار بيني وبين والدك ، إن شاء الله بكره اخر اليوم هاجي أنا ووالدي  وزين والشيخ ونكتب الكتاب .
اصالة : أنا مش عارفه أقول إيه ، أنا حاسه إن وقع عليا ميه متلجه جمدتني مكاني ، هو أنا مش  قادره أستوعب حاجه ؟!
يوسف : لو فضلنا كده كتير يبقى أنا هبات هنا ، أنا مروح وإنت زي ما فهمتك بقى ، يلا سلام يا قلب .
أصالة : سلام يا قلب القلب .

بالفعل غادر يوسف المكان عائدًا إلى منزله ، شئ ما في قلبه يخبره أن كل شئ سيكون على ما يرام ، كل الأمور ستكون بالشكل الذي يريده ، وجود أصالة بجانبه ، سعيه المستمر خلف السرداب ، إحضار اجاويد ، كل شئ سيكون كما خُطط له ولكن مع التحلى بالصبر وعدم التعجل أو التسرع .

أما عن تلك التي تركها هائمه فيما قاله ، ذاك الخبر الذي لم تكن تتخيله أبدًا في هذا التوقيت تحديدًا ، منذ دقائق قليله كانت تُعد بعض الكلمات كـ محاوله اخيره لها مع والدها كي تقنعه بأن تبقى هُنا بمصر ، في لحظات تحول الأمر عن بكره أبيه ، ستبقى هُنا .
لن تغادر البلاد ليس ذاك فقط ، بل أن كتب كتابها على ذاك الذي ظلت تحلم به لسنوات بعد ساعات معدوده .
يا الله على تلك الحاله المغايره تمامًا .
فقالت لنفسها
"لا تنتظر شيئاً بلهفة فالأقدار كتبت أن يأتيك كل شيء في وقته" .
هكذا أتت الفرحة دون إنتظار ، هكذا أتت سعاده القلب دون سابق إنذار ، هكذا يرسل الله إلى القلوب ما يشاء وقتما يريد .

تحركت بهدوء عائده إلى غرفتها لولا أوقفها صوت والدها متحدث : فرحانه؟!
توقفت أصالة ثم استدارت إليه مهروله وملقيه نفسها بين أحضانه متحدثه : جدًا جدًا يا بابا ، ربنا ما يحرمني منك أبدًا ويديمك نعمه في حياتي .
شريف بحنان : ويديمك نعمه في حياتي يا ست البنات ، يوسف بيحبك ، بيحبك جدًا .
أنا لو مش كنت عارف كده عمري ما كنت هوافق على الموضوع ده وبالسرعه دي ، أنا اب زيي زي أي اب نفسه يعمل فرح لبنته ويفرح بيها ، لكن الظروف كانت أقوى ، وأنا واثق أن يوسف عمره ما هيقصر معاكي في حاجه كمان عامر هيعاملك زي بنته بالظبط ، وأنا اكيد في اقرب وقت هنزل عشان اكون معاكي وجنبك .
اصالة. : أنت معايا وجنبي في كل وقت وكل مكان ، ربنا ما يحرمني منك يارب العالمين.
شريف : يارب ، يلا روحي ارتاحي إنتِ بقى عشان عندك بكره يوم متعب جدًا .
أصالة : حاضر .
وضعت قبله حانيه على جبينه ومن ثم غادرت المكان متجهه إلى غرفتها .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


إيه رأيك في الناس دي ؟!
:- البنت شكلها خايفه من الموضوع جدًا ، مش عندي إحساس  خالص أنهم قادرين يعملوا حاجه .
العجوز ببتسامه ماكره  : تبقى غلطان  آسر  ، أنت مش شوفت وشهم أول ما سمعوا إسم ملكنا الأعظم اجاويد قلب ألوان إزاي ؟!
حالهم وكلامهم اتغير تمامًا .
آسر  : مش عارف ، لكن الموضوع مش متحمل تضحيات جديده ، الوقت مبقاش يسمح خالص .
العجوز ببتسامه : دي مش هتكون تضحيه يا عزيزي آسر ، أنا  على يقين  إن الشخصين دول  هما إللي هيكونوا سبب رجوعنا ، إحنا متابعين من زمان ، من اللحظه إللي الولد قرر يحضر ملكنا الأعظم  .
  .
آسر   :  لكنه فشل ومش قدر يحضره والوقت مش بقى محتمل أي محاولات فاشله تان .
وبعدين بقى أخرج من شكل العجوز إللي أنت عليه ده  شكلك وحش جدًا .
ارجع لهيئه الجن ، شكلك الحقيقي ، ولا أنت حبيت شكل البشر يا سديم  ؟!

للحظات تغيرت ملامح العجوز وهيئته جسمه المنكمش بظهره المنحني ذاك بدء يتضخم ويزداد قوه حتى أن تلك الملابس التي كان يرتديها قد تمزقت من كبر حجمه  تحول إلى هيئه جن قوى شبيه قليلًا بالبشر ، تمزقت ملابسه من أعلى صدره حتى ظهر ذاك الوشم باللون الازرق على طول ظهره تمامًا كـ ذاك الأسر الذي يحدثه   ، كلاهما جن  يزين صدورهم بشكل طولي وشم باللون الأزرق وكذلك متواجد على ظهورهم .
أبتسم سديم  بمكر ثم تحدث : هحبه على إيه يا أسر ، أحنا مرغمين على كده ، سنين وسنين بندور على الملك اجاويد من غير أي فايده ، سنين من تعب وحزن على إيه؟!
ولا وصلنا لأي حاجه .
آسر بتنهيده : عندك حق ، عندك حق يا سديم  ، هربنا من السرداب بأمر من ملك ملوك الجان المائي الملك هتان  عشان ندور على الملك اجاويد ، هربنا سنين ندور من غير أي نتيجه وفي الاخر إيه ؟!
ولا حاجه ، لا قدرنا نوصل لـ الملك اجاويد ولا بقينا قادرين نرجع تان للعالم إللي إحنا في الأساس منه .

سديم  بحزن : من لحظه سيطره الجن الناري على باب السرداب وأحنا مش قادرين نرجع ، إللي كان يشوف الكتيبه اللي خارجه من الجن المائي يدوروا على الملك المفقود عمره ما كان يتخيل أنه مش فضل منهم حد عايش غيري انا وانت .
كل جن منهم لما استسلم وقرر يرجع للعالم بتاعنا كان بيسيطر على انسان ويدخل بيه السرداب .
آسر ضاحكًا بمكر : وللاسف لا كان بيرجع ولا بيعيش ، الرصد الناري الموجود على باب السرداب كان بقتله  ، ده غير مجموعه الجن الناري اللي خرجت من السرداب هي كمان بتحاول توصل للملك اجاويد وتقتله قبل ما يعرف قوته بأمر من الملعون دواني .

أملنا الوحيد في الرجوع تان هو أننا نلاقي الملك اجاويد قبل ما يوصل ليه حد من الجن الناري ، هو الشخص الوحيد إللي قادر أنه يقتل الرصد الموجود على السرداب .
وانا من الأساس فقدت الأمل في إننا نلاقيه يا سديم  .

سديم  : بالعكس ، أنا بدأت أحس انه قرب ، قرب جدًا عن أي وقت فات ، الولد إللي كان موجود هنا هو إللي قادر أنه يرجعه عشان كده لازم نحميه ونحافظ عليه ، لازم نحميه بأي شكل من الأشكال حتى لو بأرواحنا يا أسر .
آسر  : حتى لو  هو القادر على ده    ، هو مشي ومش هيرجع تان .
سديم  : غلطان ، الشغف والإصرار إللي كانوا موجودين في كلامه وعينه بيأكدوا انه مش هيستسلم لحد كده ، وأنه هيرجع تان سواء دلوقت أو بعدين هيرجع .
أنت مش شوفت كان بيسأل بلهفه إزاي عن مكان السرداب ؟!
آسر : اه شوفت ، لكن مش عارف ، بتمنى يرجع ، بتمنى قبل ما يرجع أصلًا يكون هو الشخص المنتظر ، الشخص إللي يقدر يحضر الملك الأعظم ، الملك ( اجاويد ) .
ابلج : مفيش حل في إيدنا غير الانتظار ، نستنى و الوقت هيبين كل شئ ، لكن برده لازم نحميه ونفضل محافظين عليه
آسر : وهو كذلك .
… … … … … … … … … …   … … … … … … … …  … … … … … … … …
يتبع.....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي