الفصل الثالث

ازمنة الحب المتصاعدة ١٣
لمريم عبدالرحمن
****
((تمنِّ ما شئتِ وإياكِ والحب))
بعدما قرأت الجملة تنهدت وهي تقرأ ما اتبعها من خط والدتها ليكون قوانين ديموزيد الثلاثه والخانه الرابعه فارغه تمامًا يبدو ان اخدى المعلومات ناقصه لتُكملها هي بخط يدها لاحقًا ولكن ليس ذلك الوقت، تنهدت مبتسمه بعد ان قررت خطواتها غدًا في تلك العناوين.
صباح اليوم التالي استقلت سيارتها وهي متحمسه لما رجعت لها من روح جديده، سافرت لعديد من المدن حتى وصلت لتلك المدينه الريفيه بلبنان، حيويه و جميلة وحينما سألت على العنوان ادلّوها على ذلك القصر الذي يعود لاغنى اغنياء تلك المدينه الريفيه منذ زمن ليس بقليل وذهبت دون أية معلومات اضافيه، وبعد ان اقتربت من المنزل رأته حيوي جدًا، زرعه يبدو انه يسقى بإستمرار والنافورة من وسطه مشتعله وتغمرها المياه وبجانبها عربه صغيرة قديمه لكنها حداكثر حيويه ايضًا ويبدو انها تستعمل، دلفت دون ان ترى للمكان حارس وقبل ان تطرق باب القصر اوقفها يد للحارس الذي غضب بها قائلا:
-شو عم بيصير! لمين بتدقي ما حدا قالّي إن فيه ميعاد.
توترت قليلًا وهي تحاول تهدئته:
-انا جايه عشان، ده بيت جدة جدتي واظن كان مهجور.
نعم، هذا ما ذُكر في الورقة أن اخر زياره له كان مهجور و توفت فيه والدتها نور، او بالأصح انتحرت كما فعلت والدتها وامام اعينها لتصبح ذكرى طفيفه ولكن كم من الطيف مؤلم لبعضنا! نصب الحارس حاجبيه وهو يؤردف:
-لهجه مصريه؟ اكيد من عائلتهم، ثواني بخبرهم وارچع بقولك.
تراجعت احترامًا لحديثه ولكنه اوقفها مرة اهرى ليتسائل:
-شو اسمك؟
-ليلى عابد.
هز رأسه ودلف وحده وهي ترمق المكان كم هو يبدو حديث بنوافذه وابوابه وكأن اعاد تصميمه مره اخرى، كيف لها ان تعرف بما سيحدث لها الان! بالتأكيد سيرحبوا بها ويعطوها معلومات كافيه! قد ذكر بأن هائلة عطوة كانت جارة بتلك المدينه الريفيه فيمكنهم اعطائها أية دلائل او عنوان، قطع تفكيرها الحارس المبتسم الذي رحب بها بالدخول لتلتقي بمكان اكثر حيويه، اسرة كبيره مكونه من جميع الافراد مبتسمين لها بإعجوبه ليرحب الأطفال والسيدات والرجال ويجلسون من حولها في صالة الضيوف، لتتقدم تلك السيدة الثلاثينيه:
-احنا عارفين ان نور الله يرحمها جدتنا يعني انتحرت هنا، وكان ليها بنت انتي بنت بنتها؟
-ايوة فعلا انا بنت بنتها.
ضحكت قليلا ثم اردفت:
-اسفه نسيت اعرفك عليا، انا وفاء من احد احفاد العيله، اللي خلانا نرحب بيكي وهو انك من عيلتنا رغم الزمن، وما بنصدق بصراحه نلاقي حد مصري، اشتقنا لبلدنا يا ليلى.
-مفيش زي مصر، انا اتولدت هنا وعيشت هنا حياتي كلها ومنزلتش مصر ولا مره.
نطق ذلك الطفل باريحيه ومرح:
-انا كمان زيك.
ضحكوا الجميع ليتقدم ذلك الغليظ الذي يكبرهم سنًا ويظهر الشيب على رأسه:
-ايه جابك؟
نغزته وفاء بتوتر لتقول:
-عيب يا مهاب.
-مش عيب، هي اكيد جايه لسبب.
-انا اسفه مهاب اخويا كبير عيلتنا وهو اللي ساعدنا نلم سملنا هنا.
اردفت ليلى بثقه:
-وهو بقا اللي رمم البيت كده ؟ اصل نور الله يرحمها يعني انتحرت وهو مهجور.
غضب بشده وهو ينهص من مقعده قائلا:
-مس عاوزين سيرة الست دي هنا، هي السبب في كل اللي حصل زمان وكل اللي راحوا مننا.
صمتوا الجميع لتشعر هي بالحرج لكنها همت بالوقوف لتقول بقوة:
-انا غلطانه اني جيت، انا مالي انا ووالدتي باللي حصل من سنين كتير؟
تقدم من امامها بغضب تحت نظرات العائله من اصغرها لاكبرها ليتشدق غاضبًا:
-بصي يا بنت انتي، احنا اللي عرفناه عن امك كتير، كفايه انها من بيت عطوة وبتحمل اسمهم، مع ذلك رحبنا بيكي.
ضحكت بسخريه لتقول:
-طب تحب اقولكم بقا على كده اني جايه لمصلحه فعلًا.
ضحك هو الاخر بسخريه لينظر لها بحاجبيه المنتصبين:
-لولا اني عارف كش هيجي من وراكي غير المصايب بس اتفضلي.
-عاوزة اعرف بيت عيلة عطوة هنا في المدينه او لو افراد منهم لسه موجودين.
صرخ بوجهها قائلا:
-شوفتوااا المصايب بتلاحقنا بردو من ورا نور واحفادها.
صرخت هي الاخرى بوجهه:
-مش جايه احطكم في مصايب انا جايه اعرف معلومه وهمشي، وانا اللي فاكره هتبقوا عيله ليا.
تقدمت وفاء بغضب هي الاخرى لتلوم شقيقها:
-جرا ايه يا مهاب، احنا منعرفش حاجات عن اللي حصل غير شوية كلام مينفعش نعامل البني ادمين كده خصوصا لو اهلنا مهما حصل.
ربتت وفاء على يد ليلى لتقول بهدوء:
-تعالي معايا نتكلم في الهوا برا وهساعدك.
سحب وفاء من معصمها ليظل على قراره العنيد:
-البنت دي هتخرج من هنا ومش هترجع تاني ومحدش هيساعدها وهننسى لقاءها ده كلنا.
صمت الجميع حتى وفاء، وبعد ان استخلصت بأن لا مجال من المساعدة تقدمت قائلة:
-انا ماما انتحرت.. زي ما نور جدتكم وجدتي انتحرت، ماما مكنتش مقبله على الانتحار خالص كانت ست عاوزة تأسس عيلتها وبس، اتجوزت بابا وهي بتحبه وبيحبها، ماما حتى في تربتها اتإذت وانا عاوزة اوصل لحاجه تمنعها من الاذى.
سخر منها وهو يقول:
-عاوزة تلاقي ديموزيد وتستحوزي على سلطة العيله بتاعتك؟
-عارفه اني لو عملت كده هموت، لانها مينفعش تخرج برا نسل عيلة عطوة، وانا عاوزة اجيبها عشان ادفنها مع مامام لانها ملكها وينتهي كل الالام دي.
اقترب منها هامسًا كفحيح الافعى:
-ملناش دعوة.
اخذت حقيبتها بهدوء وخرجت وهي تنظر له بحسرة والم، لم يعونها احد، لتخرج من القصر بأكمله وتبكي بجانبه هلى الارصف، بينما مهاب صرخ للجميع بأن يذهب لغرفهم حتى الاطفال.
ظلت تبكي لانها تنهار مهما حدث، الانهيار يمتلكها، حتى لم تؤخذ شرشفه لتمسح دموعها تلك، ولكن اصدمها الذي وضع من امامها تلك الشرشفات بابتسامه لم تظهر عليه منذ ان لقت به، اخذت منه بهدوء ومسحت دموعها لتظهر عليها القوة من جديد ثم قالت:
-شكرا انك ساعدتني بمناديل يا استاذ مهاب، جاي تكمل عليا؟
-لا مش جاي اكمل عليكي، هتلاقي جوا كيس المناديل ورقه بعنوان بيت عيلة عطوة وهو مش بعيد عن هنا.
ثم اكمل بجديه قبل ان تتحدث:
-ولو عوزتي مبيت لكام ليله احنا مرحبين بيكي.
ابتسم ابتسامه جانبيه لتجيبه ساخره:
-و ايه غير رأيك كده؟
-عيلتي، هما قادرين يهدوني ويقنعوني.
-في غضون دقائق ؟
-وبصراحه صعبتي عليا.
-انا عارفه ان انتوا مش عاوزين مشاكل واوعدكم اني كام يوم وهمشي.
هز رأسه بالموافقه واخذت بسيارتها لذلك العنوان ليكون قضر مماثل لكنه قديم وردئ وليس به اي حيويه، استنتجت ان لا احد هنا لكن لمحت الستار الذي انغلق وخلفه احد يراقبها، اخذت نفس عميق ودخلت حديثة القصر حتى دبت بيديها على الاجراس ولكنها اجراس صاخبه ودقتها مخيفه، لا تعلم ما يستقبلها من ذلك النسل المخيف، تتشاور بعقلها كيف لهم بأن يتقابلوا الان! اسيفعلوا كما فعلت عائلتها الاخرى؟
فتحت الباب تلك الامرأه العشرينيه الصغيره والجميلة مبتسمه لها ثم قالت:
-محدس بيجيلنا هنا، مين انتي؟
يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي