الفصل الحادي عشر

مرت الأيام بسرعة، وها قد جاء موعد النتيجة بعد تأجيلها لعدة مرات، كنت متوترة جداً، أتصلت بي عبق وأجربت ثكالمة جماعية مع بقية الفتيات، كانت هي متوترة أكثر مني، على الأقل والداي سيتقبلان نتيجتي مهما كانت، أما والديها فلن يفعلا، كانت إسراء أكثرنا هدوءاً، قالت أنها تصالحت مع فكرة أنها سوف تعيد السنة، لأنه مهما كان معدلها عالياً فلن يدخلها كلية الطب التي تريدها، أما يارا فكانت أكثرنا تفائلاً..
حدثت تغيرات كثيرة في فترة الإجازة، أخبرتي عبق بأنها قررت أن تتصالح مع طبيعة والديها، فقد أكتفت من الألم، ومن خيبات الأمل المتوالية، فلن تتوقع منهم شيء، لا إهتمام ولا أي نوع من المشاعر..
أما إسراء فقد أدهشتني، أخبرتني بأنها قد رأت الأمر من زاوية أخرى، قررت أن تكتفي من لعب دور الضحية، وأن تضع نفسها مكان والديها، كانت تربية والدها قاسية، ومقولة أن فاقد الشيء يعطيه فهذه المقولة نسبية، قد تكون صحيحة في بعض الأشياء، ولكن هناك أشياء إن لم تجربها فلن تستطع منها، والأمر يختلف أيضاً من شخص لآخر، فقد يكون أحدهم فاقداً لشيء ولكن كانت هناك عوامل أخرى سعادته على أن يعطيه، وآخر لا يعرف كيف يُعطى ذلك الشيء من الأساس..
قالت أنها ستضع نقطة، سوف تبادر هي بنفسها، سوف تحاول أن تقترب من والديها وتفهمهم، فمن يدري، قد يكون ألمهم أكبر من ألمها..
ثم بعد فترة أتصلت بي وهي تطير من السعادة، أخبرتني بأنها جلست لمدة عشرة دقائق كاملة مع والدها في نفس المكان، ثم تطور الأمر وأصبحا يتحدثان، ومع الوقت صارت تمازحه، رغم أنها تفقد سوائل بعد كل مرة تلقي فيها مزحة على مسامع والدها، تشعر بالثقل ولكن الأمر سلك مع الوقت، وأصبح يبادلها المزاح، كل هذا حدث في وقت قليل، قالت بأنها أكتفت من البعد، حتى والدتها أصبحت قريبة منها، أخبرتني أنها كانت ترى بعد والدتها عنها ولكن لا ترى أفعالها، لم تفكر أن تساعد والدتها في يوم من تلقاء نفسها، كانت تساعدها في أعمال المنزل بعد صراح ونقاش، لم تحاول أن تقترب منها في يوم بأي سبب، رغم أن حب الوالدين لا ينبغي أن يكون مشروطاً ولكن كان لها دور في هذا الجفاء، اقتربت من والدتها، أصبحت صديقتها أيضاً..
لا أصدق ما حدث! في شهور قليلة تغيرت حياتها، لدرجة أن نبرة صوتها تغيرت، كان تغرد بكلماتها كالطائر الذي خرج من قفص حبس فيه طويلاً، وأخبرتني بأنها سوف تكون إمرأة مبادرة في المستقبل ولن تراقب أسباب تعاستها في صمت مرة أخرى، أكتفت من دور الضحية..
في تلك اللحظة دمعت عيناي، شعرت بأنني أملك أروع صديقة، حاربت وصبرت وها هي نالت، لم تستسلم! تعاملت مع الأمر بوعي، تقبلت واقعها ثم غيرته، تعلمت منها درساً مهما، كيف تكون إنساناً مبادراً...
يمر الوقت بصعوبة بالغة، غداً موعد النتيجة، تبقت ساعات قليلة، غدا سوف يحدد مصير مستقبلنا الدراسي، هل يا ترى سوف أحقق حلمي، وسوف يصبح لقبي طبيية أسنان! لا أهتم كثيراً بالالقاب، ما يهمني حقاً أن أترك أثراً طيباً، لا أدعي المثالية وأقول بأن المال لا يهمني، هو يهمني جداً، ولكن ليس له الأولوية..
أفكر بعيداً، وأعلي ثقف أمنياتي، أتمنى ألا يتحطم فوق رأسي، لا أريد أن أضع ذلك الاحتمال، ولكن كما قالت إسراء، إن اضررت أن أعيد ثلاث مرات فلا مشكلة لدي، سوف أحقق حلمي ولن أيأس أبداً..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي