فتاة لا تعرف اليأس

Almalaz`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-16ضع على الرف
  • 26K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

الساعة الآن تقترب من الواحدة فجراً، لا أذكر أنني سهرت إلى هذا الوقت من قبل، حتى خلال فترة إمتحانات شهادة الأساس، رغم هوسي الشديد لإحراز الدرجة الكاملة، نعم الدرجة الكاملة، فلم أرضى بأقل من ممتاز في حياتي، في أي شيء، عدا تلك الأمور التي تخص المظهر العام، الأزياء، ومستحضرات التجميل، وما يماثلها، لم تكن ضمن اهتماماتي في يوم..
أزرع الغرفة جيئة وذهاباً، أفكر في خطة ساحرة، لأقنع والدتي بأن أذهب مع صديقتي يارا لحضور زواج خالتها في مدينة مجاورة، طلبت مني أن أذهب معها ووعدتها بأنني سأذهب معها وسوف أؤكد لها قراري في الغد، بعد أن أتشاور مع عائلتي، أخبرتها بأن أمي لطيفة، ولن تمانع أبدأ، ولكنني متأكدة من أن تعبيرات وجهي أخبرتها بالعكس، اتسعت عيناي من فداحة الجملة التى نطقتها، وبدأت ترمش بصورة لا إرادية غير مصدقة! حتى لساني تجمد لبرهة من الوقت حتى يستجمع قواه مرة أخرى، فما تفوهت به ليس بهيناً..
بعد ذلك أستأدنت منها بكلمات لا أعرف إن فهمتها أم لا، ثم ركضت بسرعة نحو الطريق المؤدي إلى منزلي..
أعض أصابعي ندماً، لماذا وعدتها بالذهاب! ما كان عليّ أن أتسرع، أمي معها حق، عيبي أنني فتاة متسرعة، أتحمس بسرعة، وسريعة الإندفاع في كل شيء، لا أمتلك ثقافة التمحيص، لا أعطي مجالاً لعقلي بأن يعطيني رأيه، أجعله دائما يبكي بصمت على وجوده في رأس فتاة لا تعرف كيف تستخدمه، أحشر نفسي في طرقات كثيرة، من غير أن أفكر ماذا سأجد في نهايتها، لذلك دائما ما أوقع نفسي في المتاعب.
يارا فتاة "لبنانية" من أب سوداني، وأم لبنانية، تعرفت عليها قبل شهر، جاءت حديثاً إلى المدرسة، كان يبدو عليها أن تشعر بالوحدة، والغرابة، لذلك بادرت وتحدثت معها، لم أستطع منع نفسي، هي فتاة رقيقة، وناعمة جداً، عيناها زرقاوتان، وابتسامتها جذابة تأثر القلوب، أصبحنا صديقتين في وقت قليل، وعندما حدثت والدتي عنها رمقتني بنظرتها تلك، أعرفها جيداً، وقالت بامتعاض وهي تلوح بيدها: "أحسنت يا يقين، يا أم قلب حنون، لا أحد يشعر بالوحدة في وجودك، ولا أحد غيرك يواسي وحدة الآخرين، نعم، ابنتي الرائعة!"
ابتسمت ببلاهه، لم أفهم! هل هذا مدح أم ذم!
ولكن والدتي لم تتركني في حيرتي كثيراً، قالت وعلى وجهها ابتسامة متملقة: لماذ أنتي! ألا توجد فتاة غيرك شعرت بوحدتها؟
قلت لها: ما المشكلة يا أمي؟! لم تكوني عنصرية في يوم، بل قلتِ أن أسوأ ما في الحياة هي العنصرية، ما المشكلة في أن تكون صديقتي لبنانية؟ أو والدتها لبنانية؟
قالت بهدوء مدافعة عن نفسها: بالطبع! أنا أكره العنصرية جداً، ولكن يا حبيبتي أنا أخاف عليك، دائما ما توقعين نفسك في المتاعب، لا أثق في اختياراتك صراحة، لذلك دعيها تأتي معك يوماً ما، لأتعرف عليها، وأقيمها بنفسي، أنتِ فتاة قليلة عقل
نظرت إليها نظرة صامتة، ثم قلت،: هل حقاً أنت أمي! أم وجدتني مرمية في أحد الشوارع وتكفلتي بتربيتي! أين حنان الأمهات الذي أسمع به!
ضحكت ثم قالت وعلى وجهها ابتسامة مواسية: أنا والدتك، أعرفك جيداً، وأخبرك بالحقيقة دائما، وأعرف مصلحتك، وكما يقولون: أسمع كلام الذي يبكيك، ولا تسمع كلام الذي يضحكك
ثم أومأت برأسها بدلاً عني علامة الموافقة على حديثها
قلت لها: أي مصلحة؟ عما قريب سوف تجدينني في الطريق، ألتقط الأكياس، وأضحك ببلاهة، وأشتم كل من في الطريق بعد أن أصبت باللوثة، وصدقت بأنني حقاً لا أملك عقل
نظرت إليّ بلا مبالاة ثم قالت: وهل ما زلتِ غير مصدقة! وستصدقين من جديد!
نظرت إليها ببلاهة ثم وقفت وقلت: واجبات مادة الفيزياء الثقيلة، ورسم الخرائط، أفضل لي من هذا الحديث
ثم غادرت..
من يسمع هذا الحديث يظن بأن والدتي قاسية وبلا مشاعر، ولكنها العكس تماماً، حنونة جداً، كل في الأمر أننا نتعامل كصديقتين، نتبادل المزاح، ونتحدث بطريقة ساخرة، لم يكن بيننا حدود، إلا في أمور محددة، أعاملها كصديقتي، أحكي لها كل تفاصيل يومي، حتى أنني حدثتها عن شاب كنت معجبة به في فترة من فترات حياتي، كل ما أتذكره الآن أشعر بالغثيان، وهي تستخدمه ككرت رابح ضدي من وقت لآخر..
صحيح أنها تخبرني بأنني بلا عقل في أحيان كثيرة، ولكنها دائما تخبرني بأنني أروع فتاة في هذا الكون، تمشي أمامي متبخترة ثم تقول بثقة: يكفيني فخراً أنني والدة يقين
أمي أروع أم على الأطلاق! ولكن مشكلتها أنها حريصة عليّ جداً، أظن بسبب أنني ابنتها الوحيدة، رزقت بي بعد سبع سنوات من زواجها، وبعد أن ماتو ثلاثة أطفال في بطنها، خضعت للعلاج، لفترة طويلة، ثم بعدها جئت أنا إلى الدنيا، ولم ترزق بطفل من بعدي..
لديها أمور لا تجامل فيها، وعندما أحدثها فيها، تصمت لبرهة، ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة، ثم يأتي بعد الصمت تلك النظرة، التي تشبه نظرات الشخصيات الشريرة في فيلم رعب، يجعلك تنغمس تحت الغطاء، تخاف أن تتنفس، لكي لا يسمع الشبح صوت أنفاسك، ثم تلي النظرة..، أشياء لا تحكى..
ويؤسفني أن أقول أن من هذه الأشياء التي لا تجامل فيها، السفر لوحدي إلى مكان بعيد..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي