الفصل الثاني عشر

على الجانب الآخر ..يسوق السيارة متذمرا بملامح حانقه ..ينظر إلى تلك الصغيرة جواره بيأس ..
: كان لازم يعني البيبي سيتر تعتذر في يوم الحفلة ..
نظرت إليه تلاعب جروها الصغير تضغط على شفتيها كاتمة ضحكتها ببرائة مشاكسة ..
: انا وعدتك يابابي مش هروح في حته وهفضل جنبك انا بيكسي ..
زفر ينظر إلى بيكسي بامتعاض ،حيث أصرت ابنته على شراء حلة سوداء بربطة عنق فضية .."للكلب" ..معللة ( لازم بيكسي يلبس بدلة زيك يا بابي ) فاليوم حفل ضخم لمجموعة شركات لها مقامها الاول وكانت شركته من ضمنهم ..ومن ضمن المدعوين كلب ابنته ..
: هتقعدي مكان ما اقعدك ما تتحركيش يا حياة ..والا هزعل اوي منك وهخاصمك ..
رفت الصغيرة الكلب باتجاهه قائلة ببرائة عفوية
: انا هسمع الكلام ..بيكسي هو اللي بيجري ويسيبني ..قوله انك هتخاصمه لو سابني وجري ..
نظر إليها بتعابير وجه عير مقرؤه سرعان ما علت ضحكاته يوجهه تعليماته لبيكسي كما ارادت ...
_________________________
ولج اسماعيل إلى المنزل يترائي إليه جلوسها منكسة الرأس يبدو على ما يظهر من معالم وجهها الحزن ..او شيء اعمق لا يفقه ..بمجرد دخوله يلقي السلام عليهم باقتضاب ..تسارعت خفقاتها تنظر إليه وكأنه البرد والسلام الذي يكاد يطفئ جحيمية تلك الجلسة فوق قلبها ..بنبرة غامضة قال عوض ..
: اهلا يا زينة الرجال ..
مرر نظره بينهم ببرود يجيب
: اهلا بيك ..نورتوا ..
ما كاد يجلس جوارها وقد شعرت انها تحتمي به ..حتى دخل عمها الاصغر الذي خرج منذ قليل يتبعه غفير العمدة قائلا ..
: العمدة جاي ورايا حالا ..
تبادل اسماعيل وسالم نظرات الاستغراب ..ما الذي يستدعي وجود العمدة في منزلهم الآن ..اشار اسماعيل اليها برأسه ان تنهض حيث المجلس سيزوره غرباء ..همت بالنهوض ليهتف عوض بما جعلها تفقد القدرة على التنفس ..تتجمد اطرافها و ترتخي في آن واحد ..
: لااا ..لازمن تبقى موجودة وحاضره اللكلام ..
ضيق اسماعيل ما بين حاجبيه بضيق يتحدث غاضبا ..
: كلام ايه ..؟كلام ايه اللي هتحضروا مراتي في قاعدة رجالة ؟
ابتسم عوض باستهزاء ساخر  ..
: مراتك ..ولما هي مراتك سايب بيتك ليه من ليلة الفرح ياولدي ..؟ ..
اتسعت عيني سالم غضبا .. اما هو فنظر اليها نظرة قاتمة ..معتمة ، تكاد تجزم ان سواد عينيه طغى على بياضها ..ارتعبت .. ترتجف ساقيها خوفا ..مررت نظرها بينهم بهلع ..تخمن بأفكارها ..لمن سيكون السوط هذه المرة .. وكل ما تتمناه ان لا تكون قبضته هي الحاملة للسوط ..
: هو حر ..
نطق بها سالم بنبرة غامضة رغم حدة حروفها ..عندما لمح نظرة ترقب متلهفة لشيء ما بعيني عوض ..وحتما ذلك الشيء سوء لهم ..
: هي مراته وده بيته يعمل اللي على كيفه هو حر  ..
نظر إلى عينيه بتحدي مغلف بشرارات غضبه المكبوت اللتي لم تستطيع نظراته كبح جماح تناثرها ..
دخل في ذلك الوقت العمدة ..جلس يلقى التحية ثم وجه حديثه إلى عوض
: خير يا عوض ايه هي المشكلة اللي بعتلي عشانها ..
هم ليتحدث ليقاطعه سالم بنبرة قوية قائلا وقد لم الآن بما في نفس عوض
: اقولك انا ايه المشكلة ..
نظر إلى عوض بمهانة مردفا
: المشكلة ياحضرة العمدة ان عوض وولاده ما عرفوش يربوا حريمهم صح ..ولا يعلموهم ازاي ما يطلعوش اسرار بيوتهم لأي حد ايا كان ..
شهقت هي تتساقط دموعها واحدة تلو الأخرى وقد أدركت ان ضربات السوط اهون مما تشعر به الآن ..اما عنه فهناك بداخله حرب ..ثورة .. فلو كان احد آخر غير أخيه هو من تفوه بذلك الكلام لما كانت لأنفاسه الدخول مرة أخرى إلى جسده ..اشار لها مرة ثانية بمغادرة المجلس ..تسارعت بخطواتها مغادرة ليبتر تلك الخطوات المرتجفه صوت صارم
: اقفي عندك ..
كان صوت سالم ..تجمدت بمكانها وقد ذهبت انفاسها ادراج الرياح ..
إلى هذا الحد وكفى لن يستطيع الصبر اكثر ..دمعانها وارتجافها خوفا يؤلمه ..اراد لو احرق جميعهم والابتعاد بها فقط مطمئنا اياها ..رغم غضبه الشديد منها ..بصوت جهوري نادا سالم
: سعدية ..
اتت الخادمة مهرولة ليكمل
: اطلعي لمي هدوم مرات اخويا ..هتروح مع اعمامها وجدها ..اللي ما تصونش سر بيتها مالهاش مكان عندنا ..
الآن هي بين المطرقة والسندان ..تكاد تموت من فرط الخوف ..تتمنى لوفقط ترحم تلك الأرض بها وتنشق صلابتها لتبتلعها وستكون رحيمة عن تلك القلوب المتحجرة .. وتأتيها الرحمة غاضبة معنفة لسالم ..
: جرى ايه يا سالم ،حور لساها عيلة ..مالقيتش اللي يوجهها ويوعيها ..غلطت اه لكن مش معنى كده يبقى خلاص ونخرب البيت ، نفهمها غلطها ولو اتكرر تاني يبقى لينا الحق بعد كده ..لكن ماتحسبهاش على غلطة مش مقصودة ..بالهداوة يا ولدي مش اكده ..
لفظت فاطمة بتلك الكلمات وفكرة تأصلت بداخلها" لن تتركها بين يدي هؤلاء زوات القلوب عديمة الرحمة ابدا" بعدما رأت من تشوهات بجسد تلك المسكينة ..هتف زاعقا وكأنها لم تقل شيئا
: سعدية ..همي نفذي اللي قولتلك عليه ..
نظر عوض إلى ولده بتوتر عندما شعر ان كل ما خطط له سيضيع هبائا ..
:  حور مش هتمشي  ..
التفت الجميع يتظرون إليه ..ليردف
: بعد إزنك يا اخوي كلامك فوق راسي ..مراتي غلطت وانا بس اللي احاسبها مش اي حد تاني ..
قالها باشتعال مكبوت ليتقدمهم جميعا يقبض على ذراعها صاعدا الدرج ، تتبعه وعينيها معلقة بجانب وجهه بزهول ..غارقة هي تختنق والموت محقق ..وهو ضفة النهر الآمنه ..والمنقذ الشجاع..والحبيب المنتظر نجاتها على تلك الضفة ..هو جميعهم ..فليفعل بعد ذلك ما يشاء ..وصل أمام باب الغرفة ليتحدث من بين أسنانه ناظرا إليها بغضب مشتعل ..تحترق حروفه جوار نبرته ..
: اذا كان أهلك ماعرفوش يربوكي ..فانا هوريكي التربية تبقى ازاي  ..
هكذا فقط ثم دفعها إلى داخل الغرفة مغلقا عليها الباب بالمفتاح ..عائدا اليهم مرة أخرى ..
تحدث العمدة قائلا ينهر عوض بنظرات محتقرة ..
: انت كمان باعت تجيبني وانت المحقوق ..كيف ياعوض يطلع منك الكلام الماسخ ده ..ده انت راجل كبير وعاقل ..لو طلع من عيالك هنقول معلش ..
هو يتنفس الصعداء لما حدث فلينهره الجميع وسيتحمل ..فقط لتبقى حور ها هنا لتنفيذ ما خطط له ..جلس سالم يصك اسنانه غيظا ..لما فعله اخيه من معارضة لأوامره ، ..تحمد الله فاطمة بداخلها لتصرف اسماعيل رغم غضبه البادي لكنها لن تسمح له بمساسها بسوء ...
_____________________________
اضواء متراقصة ..ونغمات كلاسكية هادئة ..تحتضن الصغيرة جروها بملل تذكره كلما حاول القفز من بين يديها بتعاليم والدها بصوت عال تقصد به الوصول إلى مسامعه..
: بابا هيخاصمك يا بيكسي لو نزلت ..
ثم تدنو نحو اذنيه تهمس قائلة ..
: اصبر لما يبعد شوية وننزل انا وانت ..بعدين نبقى نصالحه ..
~~~~~~
وعلى جانب آخر من الحفل ..تجلس هي بملل مشابه حيث امر صارم ومتحكم منه ..بعدم مشاركتها وسط رجال الاعمال ونخبة من المتملقين الذين يتوددون إليها بحديث لزج، ..ارادت الذهاب إلى الحمام فنهضت تتجه إلى آخر القاعة لتسأل عن مكانه فدلها احد القائمين على الحفل ..انتهت من ترتيب هيئتها واعادة هندام فستانها وخرجت لتصتدم بجرو صغير هيئته مؤلوفة لديها ..سريعا عرفته عندما لمحت تلك الطفلة تركض خلفه بمرح ..
: حياة ..
هتفت بها تنادي الطفلة الصغير لتتوقف حياة الصغيرة للثوان تنظر إليها بتذكر سرعان ما ركضت تحتضنها مقبلة وجنتها حين دنت حياة إلى مستواها
: انتي هنا بتعملي ايه ؟ ..اوعي تقولي ان بيكسي جري وانتي جريتي وراه وبابا تاه منك تاني ؟
: واضح انك عارفاها هي واستاذ بيكسي كويس ..
قالها علاء بمرح ينظر إليهما بزهول ملتقطا الجرو الصغير من الأرض ..استقامت حياة سريعا لتتولى حياة الصغيرة مهمة التعارف قائلة بلهفة وكلمات متسارعة تتشبث ببنطال ابيها مبتسمة بسعادة  ..
: بابي بابي دي طنط حياة الطيبة اللي مامتها صاحبة ماما في الجنة هي دي ..
نظر اليها بصدمة يذدرد ريقه بحرج عندما هتفت الصغيرة
:اللي اخدها عمو الشرير بعد ما ضربك ووقعك في الارض ..
حمحمت حياة باحراج تنظر حولها بينما الصغيرة بنظرة زهول متسائلة التفتت اليها قائلة
: صحيح انتي هربتي منه ازاي ..قتلتيه وجيتي الحفلة صح ؟
بنبرة مؤنبة هتف والدها
: حياة ..
التفتا له سويا ليرتبك قائلا
: انا متأسف جدا للي حصل المرة اللي فاتت ،حياة شرحتلي الموقف ..حقيقي كان سؤ تفاهم مني ..والموقف ما ساعدنيش افهمه ..
عبثت حياة بشعر الصغيرة تشعر بالتوتر ولا تدري لما شعورا ما يجتاحها بالخوف من ان يراها قصي بتلك اللحظة ..
: لا ابدا انا عذره حضرتك اكيد اي اب في موقفك كان هيعمل كده ..
نظرت أرضا بحرج مردفة ..
: انا اللي بتأسف جدا ليك ولحياة على اللي حصل وزي ما حضرتك قولت كان سوء تفاهم ..
مد يديه نحوها يقدم نفسه قائلا ..
: لا ابدا حصل خير ..باشمهندس علاء الحسيني ..
نظرت ارضا تهم بالاعتذار عن السلام ..و قبل ان تنطق بحرف واحد ..رفعت نظراتها إليه فإذا بحائط جداري يتصلب امامها يحجب عنها الرؤية ..ظهر شخص ما لم تدرك انه هو إلا عندما ابتعدت خطوة للوراء وصوت الصغيرة يهتف برقة وصدمة تنظر إليها..
: عمو الشرير ..؟ انتي ما قتلتيهوش ..؟
فقط لو تصمت تلك الثرثارة .. والا سيزداد الامر سؤا ..هكذا حدثت نفسها بخوف ..بينما عيون صقرية ..وقبضة يد فولاذية ظاهرها سلام وباطنها يسحق كف يد علاء الممدود اليها منذ قليل ..نظر اليه علاء ببرود يفرد قبضة يديه بدوره ليشد بها على يده مثلما يفعل ..يتبادلان نظرات التحدي لتتحدث حياة واقفة امامهم قائلة بتوتر وابتسامة مرتعشة ..
: ده باش مهندس علاء ياقصي والد حياة .. قصي ابن خالي ..
تحاول جعله امر عادي ..وصمتت يهرب منها الكلام من شدة ارتباكها ..حدجها بنظرة حادة غاضبة ..ليتحدث الآخر قائلا باقتضاب
: اهلا وسهلا ..
: اهلا ..
هتف بها قصي وكأنه يبصق بصقة ما ..ثم وجه نظرته اليها مرة ثانية مردفا
: استانيني في العربية ..
سئمت من تلك الطريقة اللتي يعاملها بها فذهبت بخطوات  غاضبة تنفذ امره على مضض ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي