الفصل الثاني عشر (12) .

بعد مرور ساعة . . . . . . . . . .
في منزل عائلة الشريف
كان قاسم يجلس على الأريكة الموجودة في غرفته و هو شارد يفكر في طلب الدكتور رؤوف فهو لم يكن يعرض عليه الأمر و حسب بل كان يترجاه بل كل ما للكلمة من معنى و هذا ليس سهلاً عليه إطلاقاً فالدكتور رؤوف صاحب فضل كبير عليه فقد سانده في كثير من الاشياء التي كان يحتاج إليه بشده فهو من ساعده في العمل و ساعده أيضاً في الحصول علي الدبلومتين و الماجيستير الذي شارف علي انهاؤه في نفس الوقت التي كانت عائلته و خطيبته السابقه أجل السابقة فهي أصبحت من الماضي كانو يسخرون منه ومن أحلامه و طموحاته كأنها بلا قيمة و مجرد نزوة او تعلق بمجرد الحصول عليه سوف يزهده و يعود وديعاً الي ابيه يقدم فروض الولاء و الطاعه لم يصدق أحد منهم أن هذا هو هذا ما يريد الحصول عليه هذا هدفه الذي يجتهد كي يحققه و لكن الدكتور رؤوف تبناه و وقف بظهره و دفعه الي الأمام حتي قطع أكثر من نصف الطريق و هذا لم يكن سهلاً مطلقاً فقد تعثر أكثر من مره و لكنه في كل مره ينهض و يقدم أفضل ما لديه كي يثبت لنفسه قبلهم أنه علي الصواب و أن الطريق الذي يسلكه هو الطريق الصحيح لتحقيق ذاته و بناء نفسه و شخصه مستقلاً بعيداً عن اسم عائلته و نفوذها و أخذ يفكر في طلب الدكتور رؤوف ماذا يفعل فهو يخاف أن يوافق علي طلبه و يندم بعد ذلك يخاف أن يتسبب في تدمير حياة هذه الوردة الرقيقه فهي لها حقوق و أقلها هي اختيار شريكة حياتها من سيشاركها حياتها حتي النهاية من هم كي يقررا عنها هذا الأمر المهم و لكنه أيضاً يشعر بالشفقه اتجاه هذا الأب الذي لا يريد من الدنيا سوي الاطمئنان علي ابنته و أنها محميه من هذه الحياه القاسيه . و في النهاية قرر الخلود الي النوم كي ياخذ قسط من الراحه عله يصل الي قرار عندما يستيقظ .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في المشفي . . . .
تحديداً في غرفة الدكتور رؤوف كانت لين تجلس بجوار والدها علي فراشه تمسك يده بإحدي يديها بينما تقوم باطعامه بالآخري و هي تنظر له بسعادة و حب و هي تشكر الله بداخلها فهي مرت عليها لحظات فقدت فيها الامل أن يفيق والدها و كانت كل ما تتمناه أن ينظر إليها و يجذبها الي أحضانه كي تنعم بدفئها مره أخري .

رؤوف بتذمر كالاطفال فهي علي وشك الانفجار : كفاية بقا يا بنتي  مش هقدر ابلع حاجة تاني خلاص بطني هتنفجر .

لين بضحكة صاخبه و هي تهز رأسه علي هذا الطفل المتذمر الذي أصبح عليه والدها مؤخراً فهو أصبح متذمراً علي كل شئ : هههههههه هههههههه خلاص هسمع كلامك المره دي بالرغم أن التفاحة لسه فيها جزء كبير بس معلش ارتاح شويه و بعدين نكمل .

رؤوف و هو ينظر إلي ابنته بحب  و حنان : وحشتيني أوي يا لين و وحشتني ضحكتك .

لين و قد اختفت ابتسامتها و هي تنظر إلي والدها و عينيها ممتلئة بالدموع : الحمد لله يا بابا ربنا يخليكي ليا و ما يحرمنيش منك أبداً أنت متعرفش أنا حالتي كانت ازاي الفتره الي فاتت أنا كنت بموت كل أما أتخيل انك ممكن تسيبني لوحدي أو أن مش هقدر اشوفك تاني . . . ثم التقطت يده تقبلها بحب و دموعها تسيل علي وجنتيها : انت لو جرالك حاجه أنا هموت وراك يا بابا أنا بحبك أوي أوي .
رؤوف بلهفة و قد ألمه قلبه لمجرد تخيله أن يفقدها فهي كل ما يملك في الدنيا كنزه الثمين و قرة عينه :  بعيد الشر عليكي يا قلب أبوكي أوعي تقولي كده تاني .

لين و عيناها تفيض حباً لهذا الأب الحنون ثم انحنت تلتقط يده و تقبلها بحب : ربنا يخليك ليا يا بابا و ما يحرمنيش منك أبداً .

قاطع حديثهم طرقات علي بابا الغرفه و بعد عدة ثواني دلف الطبيب الي الغرفه و علي وجهه ابتسامته الهادئة التي لا تختفي أبداً .

الطبيب بابتسامة : السلام عليكم .

لين و رؤوف : عليكم السلام .

الطبيب و هو يتجه إلي الفراش الذي يستلقي عليه رؤوف و بيده التقرير الخاص بحالته :  ازيك يا دكتور رؤوف النهارده أنا حاسس ان في تحسن ملحوظ النهارده .

رؤوف بابتسامة راضية : الحمد لله يا دكتور .

ابتسم له الطبيب و أخذ  يقرأ التقرير و هو عاقد حاجبية كأنه مستغرب من التقرير مما بعث القلق بقلب لين و سألته بتوجس .
لين بخوف ممزوج بالقلق من ملامح الطبيب : خير يا دكتور في حاجه و لا ايه .

الدكتور و هو يحاول رسم الابتسامه علي شفتيه مره أخري : ها لا أبداً ده الحمد لله التقرير مبشر جداً و فيه تحسن واضح .

لين و ما زال القلق والتوتر يغلبان علي مشاعرها : طب بابا هيقدر يخرج امتي من المستشفي .

الطبيب و هو ما زال محافظ علي ابتسامته الهادئة :  قريب جداً بس لازم الاول نعمل شوية فحوصات عشان نطمن أكتر و بعدها إن شاء الله نتكلم في الخروج بس بشروط .

لين و قد اتسعت ابتسامتها : بجد يا دكتور امتي أنا نفسي نرجع بيتنا أووي .

الطبيب بإبتسامة واسعة : بجد يا ستي ده لو مشينا علي التعليمات الي انا هقول عليها .

لين بطفولية : ما تقلقش يا دكتور أنا همشي عليها بالملي .

ضحك الطبيب علي طفولتها و استأذن الطبيب و ذهب إلي خارج الغرفه تاركاً خلفه رؤوف الذي ينظر لاثره باستغراب و لين التي تكاد تطير من الفرح باقتراب موعد عودة أبيها الي المنزل مره أخري .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .  . . . . . . . . . . . . . . .

في منزل عائلة الشريف . . . . .

كان قاسم قد استيقظ من نومه و تناول قهوته و أخبر والدتة برغبته في التقدم ل لين و قد فرحت بشده فهي بالنسبه لها أي فتاه بخلاف هذه المتعجرفه سوف تكون مناسبه لحبيبها و وحيدها و طلبت منه أن يحكي لها عنها ما اسمها و شكلها و سنها هل تعجبه ام لا كيف تعرف إليها و بعد حديث طويل عنها أخيراً ارتاح قلبها و شعرت أنها أحبتها من دون رؤيتها و لكنها صمتت فجاه و اختفت ابتسامتها و نظرت إلي قاسم و هي عينيها حديث .

قاسم و هو يضيق عينيه : خير يا ماما في حاجه عايزة تقوليها .

فاطمه بترجي : ايوه يا قاسم روح يا حبيبي و فرح باباك و اطلب منه أنه يجي معاك مهما كان يا بني هو أبوك و صدقني يا قاسم سالم أطيب مما تخيل و مفيش حد بيحبك زيه هو اه بيداري ده بس صدقني يا حبيبي مفيش عنده أغلي منك .
قاسم بإبتسامة هادئة : حاضر يا ماما أنا من غير ما تقولي كنت هعمل كده انا عارف ان أنا و بابا بينا خلاف بس لاحظت بردو أنا أنا عمري ما حاولت أقرب منه و هو ليه عليا حق مهما يعمل .

فاطمه بارتياح : ربنا يريح قلبك يا حبيبي قوم روحله هو في المكتب .

قاسم و هو ينهض من مكانه : تمام أنا كنت لسه هسألك هو فين .
فاطمه و هي تراقب خروج ابنها من الغرفه بعيون قلقه تدعوا الله أن يهدي زوجها و لا يضيع فرحة ولدها بأي حديث سخيف كعادته دائماً .

ذهب قاسم الى والده سالم الشريف  و اخبره  برغبتة في خطبة لين و أخبرهم أيضاً أنا قد تحدث مع الدكتور رؤوف بخصوص هذا الموضوع فصاح و الده  بغضب شديد .
و قال والده بعصبيه مريره : و الله  عال أوي  يا أستاذ قاسم رحت اتقدم للدكتور و استنيت لما وافق و أنا أخر من يعلم يمكن كنت عايز تستني لما تتجوزها و بعدين تعرفني ما انا معدش ليا اي لازمة في حياتك خلاص كبرت و بقيت مسئول عن نفسك و بعدين يا أستاذ انت لحقت دا أنت لسه سايب خطيبتك . . ثم أكمل بنبره حزينه . . و لا انت خلاص اعتبرتي موت و مليش اي لازمه في حياتك .

قاسم بنفي و قد استغرب طريقة تفكير والده و فهمه للأمور فهو مهما حدث بينهم فهو في النهايه والده و هذا ما توصل إليه بعد جلسه طويلة مع النفس : ايه يا بابا اللي بتقوله ده ربنا يخليك لينا أنا بس فضلت اني افاتح الدكتور رؤوف في الموضوع الاول و بعدين لما أتأكد أن في قبول ابلغ حضرتك و ما رضتش اخليك تدخل عند الناس و يرفضوا و يبقي
فيها احراج ليك انا بس قولت اضمن الموافقه و بعدين اقولك لحضرتك أنا أكيد مش هروح اتقدم من غير عائلتي و اذا كان علي موضوع هند فده موضوع أنا اعتبرت أنه مش ماكنش موجود من الأساس لما الكرامه بتتجرح في اي علاقه ده معناه أنها انتهت خلاص .

سالم و قد هدأت عصبيته قليلاً فهو لا يصدق أن ولده و أخيراً قد بدأ في الاقتراب منه و مشاركته ما يخطط له لمستقبله و هذا ما جعله لا يعلق علي الفتاه الذي اختارها رغم عدم قبوله لمصاهرة هذا المحامي الذي خطف منه ابنه و أخذ المكانة و التقدير المفترض أن تكون له فهو والده لا هذا المحامي و لكنه لم يرغب ان يدمر هذه اللحظة بالتفوه بأي شئ يغضب أو يضايق قاسم : كل كلامك جميل بس علي الأقل كان المفروض تعرفني انك ناوى او انك اخترت البنت او مين هي بنت مين
تعرفني اى حاجه مش خبط لزق كده .

قاسم باستغراب فهو كان يظن أن هذا اللقاء سوف ينتهي نهاية مأساوية بعد أن يعلم والده بهوية الفتاه التي يريد التقدم بطلب يدها : حقك عليا يا بابا انت عارف ان ماقصدش أزعلك ما تزعلش مني ارجوك .

تأثر سالم بهذه اللهجه التي يتحدث بها ولده معه و لاول مرة يشعر أنه و قاسم اب و ابنه فدمعت عيناه و لكنه سالم الشريف في النهاية و لن يجعل اي أحد مهمه كان أن يشهد لحظات ضعفه و تأثره حتي و لو كان ولده فأدار له ظهره فقال له قاسم : خلاص يا بابا بقا متكبرش الموضوع قلبك ابيض .

ابتسم سالم و قال : انت ابني الوحيد يا قاسم و نفسي افرح بكل خطوه في مستقبلك و تكوين حياتك فأرجوك ما تحرمنيش من كده يا بني .
قاسم باستغراب من والده فهذه أول مره يتحدث معه بهذه النبره : إن شاء الله انت والدي يعني مهما يكون انت و ماما اهم اتنين في حياتي مهما كان الخلاف الي بينا .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بعد إجراء الفحوصات و التحاليل اللازمة للاطمئنان علي حالة رؤوف سمح له الطبيب أخيراً للعودة إلي المنزل بشرط الحفاظ علي الآليات التي وجهها ل لين بخصوص الطعام و الادويه و الإجهاد التي طمينته بقوة من أنها سوف تشرف علي الاهتمام به بنفسها  .
و قامت بتحضير الاشياء الخاصة بوالدها حتي و صل السائق أمام المشفي فساعدت والدها و استقبل السيارة في طريقهم الي المنزل .
عاد رؤوف الي منزلة مرة أخري أخيراً و جال بعينيه في أرجاء المنزل بنظرات تحمل سوق و حنين و ارتياح  فلقد اشتاق بشده الي منزله و فراشه و غرفة مكتبة و لكنه استفاق من شروده علي صوت يهنيئة بعودته الي المنزل فنظر باستغراب الي صاحبة الصوت باستغراب .

أمنه بابتسامه هادئة : حمد لله علي سلامتك يا دكتور رؤوف نورت بيتك .

رؤوف باستغراب و هو ينظر إلي لين بتساؤل : الله يسلمك شكراً .

لين و قد فهمت نظرات والدها فقالت بإبتسامة : الله يسلمك يا أمنة شكراً . . . ثم التفتت الي والدها . . .  دي أمنة يا بابا قاسم عينها عشان تساعدني في الاهتمام بالبيت و الاهتمام بدادة صفاء و عشان مقعدش في البيت لوحدي .

رؤوف و قد ابتسم بمجامله و ثم شرد في تصرف قاسم و قد شعر بالفخر لإعتماده عليه في الحفاظ علي ابنته .
لين بحب : يلا يا بابا عشان ترتاح في أوضتك علي ما الاكل يجهز و اه تعالي الاول عشان نروح نطمن علي داده صفاء دي يا حرام كانت هتموت و تزورك في المستشفي بس انا الي رفضت لأنها لسه تعبانه .

رؤوف و هو يقبل جبهتها بحنان : يلا يا ستي هي وحشاني أووي و الله و نفسي أشوفها .
و بالفعل ذهبا إلي غرفة صفاء التي اتسعت عيناها و بدأت بالبكاء بمجرد رؤيتها ل رؤوف فهي كانت تشعر بالخوف عليه فهو و لين كل ما تمتلك من الدنيا .
رؤوف و هو يقترب منها و يقبل رأسها : ايه يا ست الكل ايه الاستقبال ده دا انا قولت انك هتطيري من الفرحه بمجرد ما تشوفيني .

صفاء و هي تشهق ببكاء : دي دموع الفرحه الحمد لله أن ربنا قومك بالسلامه .

جلس رؤوف بجوارها يطمئن عليها و علي صحتها حتي شعر بالإرهاق و أنه لا يستطيع الجلوس أكثر من ذلك فنظر إلي لين التي فهمت نظرته سريعاً فذهبت إليه و قالت بمزاحها : ايه يا ست صفاء انت هتاخدي الراجل لحسابك و لا ايه أنا عايزاه شويه دي وحشني بردو . . . ثم التفتت الي والدها . . . يلا يا دكتور عشان ترتاح شويه و بعدين اقعد مع صفصف براحتكم بعد ما تأكلوا و تاخدوا العلاج .

ابتسم رؤوف علي طريقتها : حاضر يا ماما يلا بينا .

و ودعا صفاء ثم أوصلت لين والدها الي غرفته و ساعدته في الاستلقاء علي الفراش و دثرته جيداً و ظلت بجواره حتي ذهب في النوم و قررت الذهاب لمساعدة أمنه في تحضير الطعام .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في المساء كان رؤوف يجلس بغرفة مكتبه يتأمل أنحائها فلقد اشتاق لكل ركن في هذه الغرفه خصيصاً فهو كان يقضي بها معظم وقته و أثناء جلوسه سمع طرقات علي بابا الغرفه فسمح الطارق بالدخول .
أمنة و هي تخفض عينيها أرضا : الاستاذ قاسم بره يا دكتور و عايز يقابل حضرتك .

رؤوف و قد اتسعت ابتسامته : خليه يتفضل و اعمليلنا قهوة بعد إذنك .

أمنه و هي تومئ رأسها بنعم : حاضر يا دكتور بعد إذن حضرتك .

رؤوف بابتسامة هادئة : اتفضلي .

و ثواني معدوده و كان قاسم يدلف من باب الغرفه و اتجه الي رؤوف بابتسامه واسعه فرحه و احتضنه بشده و أخذ رؤوف يرتب علي ظهره بحنان .

قاسم بفرح و ابتسامه واسعه بعودة استاذة و قدوته : حمد لله علي السلامه يا دكتور نورت الدنيا كلها عقبال ما تنور المكتب تاني .

رؤوف و هو محافظ علي ابتسامته الساحرة : الله يسلمك يا بني أنا عارف اني تقلت عليك الفتره الي فاتت .

قاطعه قاسم بسرعه : ما تقولش كده يا دكتور انت عارف انت بالنسبه ليا ايه .
و ظلا يتحدثان في أمور العمل و القضايا و أحوال المكتب و كيف أصبحت الأحوال و الإدارة في المكتب و لكنه فرح بشده عندما اطمئن أن كل شي علي مايرام و أن المكتب يسير علي نفس النهج الذي وضعه بنفسه .
قاطع كلامهم صوت لين و هي تنادي بصوت مرتفع .
لين بمزاح : بااااباااا يا بااااباااااا .

رؤوف و هو يهز رأسه يمينا و يساراً لا فائده ستظل مجنونه مهما كبرت : تعالي يا هبله أنا تايه .

لين بمزاح : ايه يا فوفو بضحك معاك . . و لكنها صمتت ما أن رأت قاسم و خجلت بشده و اعتذرت و ذهبت مسرعه الي غرفتها تحتمي بها فهي لا تعلم ما يحدث لقلبها عندما تراه .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي