الفصل الثاني عشر

دمر الوقت ببطء، كل شعرة في جلدي تقف منتصبة، يداي باردتان كقطعتا ثلج، لم أتوقع أن أتوتر هكذا، ولكنني عقلي لا يتستطيع أن يتوقف عن الابحار في تخيلات للمستقبل..
ماذا إن لم أحرز المعدل الذي أريده، لست واثقة بأنني سوف أستطيع تقبل الأمر بسهولة، يا ليت لي ثبات إسراء..
كانت أمي تصلي طوال الليل وتدعو بأن يحقق الله حلمنا..
ها بدأ المؤتمر الصحفي لإعلان النتيجة، سوف يرسلونها في رسالة نصية على الهاتف، كان أبي يمسك بالهاتف وينظر إليه كل دقيقة، ثم يتمتم بكلمات لا أسمعها..
توقف قلبي عندما رن الهاتف بنغمة معلنة عن وصول رسالة، ركدت إلى الخارج، شعرت بأنني بلغت الحد الأعلى من التوتر، لدرجة أنني لا أريد أن أعرف نتيجتي..
سمعت زغرودة أطلقت من حنجرة والدتي تنم عن السعادة، وضحكة عالية أطلقها والدي، ثم صوت والدتي ينادي: تعالي يا فتاة، أحرزت نسبة اثنان وتسعون في المئة..
في تلك اللحظة سجدت على الأرض، والدموع تتساقط من عيني، لا أصدق! الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه..
عدت إلى الداخل، ضمتني أمي وسعادتها لا توصف، وكذلك والدي، ثم جلست على الأرض وتنهدت بارتياح، بعد أن شعرت بأن ضغطي قد انخفض، ما أصعب هذه اللحظات وما أروعها، الآن أشعر بأن روحي تحلق، جلست لدقائق لا أستوعب ما يحدث حولي، فقط لا أريد أن أفكر في شيء، تعبت من كثرة التفكير، أريد أن تلازمني هذه الراحة لأطول فترة ممكنة..
بعد قليل، تذكرت صديقاتي، أمسكت الهاتف وأتصلت بعبق، كانت سعيدة هي الأخرى، ويا للصدفة! أحرزت نفس معدلي! ضحكنا بمرح عندما أكتشفنا بأننا أحرزنا نفس المعدل، ثم اتصلت بيارا، كانت قد أحرزت خمس وثمانون أم إسراء فقد أحرزت ثمانية وثمانون..
أحب صديقاتي الذكيات الرائعات والجميلات في آن واحد..
كان اليوم عبارة عن مباركات، رغاريد من نساء الحي، هدايا وحلويات، وقبلات، كيف أجعل صديقات أمي يفهمن بأنني كبرت على هذا الشيء، أشعر بالقرف الشديد وأمسح خدي بيدي بمجرد أن تلتفت الواحدة منهن إلى الاتجاه الآخر..
أستلقي بهدوء وسكينة، من غير أن أفكر في النتيجة ولا حتى ما سيحدث مستقبلا، فقط سأنام بعد ليالي طويلة من الأرق والتفكير الطويل، سوف أنام هائنة البال..
لم يهدأ بيتنا بعد النتيجة، مباركات وزيارات، اتصلو بنا أقارب لا أعرفهم من قبل، يهنئوني بتفوقي، وأضطر أن أبقى جالسة مع صديقات والدتي اللاتي يأتين ليشربن معنا القهوة ..
أخبرتني عبق بأن والدها ذبح ثوراً كبيراً، ووالدتها تتباهى بها بين صديقاتها، أما إسراء فقالت أنها دخلت في صراع كبير مع عائلتها وأقاربها لأن معدلها لم يكن قليلاً ولكنه لن يدخلها كلية الطب التي تريدها..
كل من يزورهم يخبرها بأن الفتاة ليست من مصلحتها أن تتأخر في الدراسة، وأن تدخل أي جامعة والسلام، ولكن ما يسعدها أن والداها قد دعماها ووقفا معها في نهاية الأمر وهذا هو المهم، لآن معظم الناس يحبون أن يفتوا في حياة غيرهم وأمورهم المصيرية، ولكن إن أحتاج لهم هذا الشخص في يوم فلن يفعلو له شيئا، لا يعرفون معاناته، ولا ما مر به، ولم يقفو معه في نكباته، وعلى الرغم من ذلك يريدونه أن يفعل ما يريدون، أخبرتني بأن هذه طبيعة المجتمع التي تعيش فيه..
مجتمعنا هنا مختلف قليلاً، كل منشغل بنفسه، قد ينصحونك ولكن لن يصرون على أن تفعل أمراً معينا، هذا ما رأيته، قد يكون الأمر نسبياً، يوجد كلا الصنفين في أي مجتمع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي