الفصلالرابععشر

شعرت تغريد في تلك اللحظه ، ، بتوقف دقات قلبها لتعيد تلك الدقات الى الحياة ابتسامة حبيبها الحانية ، ، و هو يتقدم منها دون أن تحيد نظراته عنها و هو يقول : انا عاوز اتكلم معاكي شويه يا تغريد من فضلك .
نظرت تغريد اليه بتردد ثم ما لبثت ان حسمت أمرها لتأخذ نفسا عميقا ، ، ثم تمشى بجوار ريان تتابعهم أربعة أعين حتى غابا عن النظر لتقول ألسنتهم فى وقت واحد : ربنا يسعدهم و يحفظهم لبعض و يجمعهم علي خير .
التفتت سوسن الى معاذ و هي تلاحظه لأول مرة بينما كان بدوره ، ، و هو يتأمل ملامحها فى فضول أصابها بالخجل ابتسم معاذ و هو يمد يده اليها قائلا : انا معاذ .
صافحته سوسن برقة قائلة: و انا سوسن .
نظر اليها معاذ متسائلا: طيب ممكن نقعد مع بعض شويه ؟
أومات سوسن برأسها ليجلسا سويا و معاذ تحدث قائلا بفضول: هو انتي صاحبه تغريد من زمان صح و لا اي ؟
هزت سوسن رأسها نفيا قائلة: بس هو مش من زمان يعني ، ، انا اتعرفت عليها في أول يوم جامعه لينا ، ، بس احنا ارتحنا لبعض على طول و بقينا اكتر من الأخوات ، ، و بعدين تغريد دي طيبه جدا و جدعه و تستاهل كل خير في الدنيا دي اختي .
قال معاذ فى نفسه : و انتي كمان و الله باين عليكي طييه جدا ، ، و تستاهلي كل خير انتي كمان لا و كمان حلوه جدا ، ، دا انتي يا بخته اللي ها تكوني من بخته و نصيبه امه ها تكون دعياله كمان كويس .
ليعقد معاذ حاجبيه و هو يفكر: طيب صح و يا بخته ليه ، ، و انا موجود أهو صح و لا يمكن تكون مرتبطه ، ، بتهيألي لأ دا ما فيش حتي في ايديها دبله ، ، بس صح مش شرط ما هي واحده بنت بالجمال دا و الرقه دي و باين عليها بنت ناس محترمه ، ، معقوله هي مش ها ترتبط لغايه دلوقتي ؟
طال الصمت و معاذ غارق فى افكاره لتتنحنح سوسن قاطعة الصمت و هى تقول:
طيب و انت يا معاذ صاحب ريان بردوا من زمان ؟
قال معاذ فى مرح: من و احنا أطفال صغيرين .
ابتسمت سوسن فقال معاذ فى نفسه: يا نهاري علي ابتسامتك ، ، و شكلي كدا هاقع في عشقك الملعون .
أحس معاذ بنفسه و هو يقول دون وعى:
هو انتى مرتبطة يا سوسن ؟
ليتمنى معاذ في نفسه: أبوس خدودك الحلوه دي قولي لا .
لتبتسم سوسن بخجل قائلة: لا طبعا مش مرتبطه .
اعتدل معاذ قائلا: طيب يا جميله الجميلات احب اعرفك بنفسى ، ، معاذ فايز عندي ٢٤ سنه و كمان و حيد و بشتغل محاسب فى شركة الشاذلي و نفسى اكمل نص دينى ها بقا اي رايك في الكلام دا ؟
لم تستطع سوسن ان تمنع ضحكة خرجت منها ليقول معاذ بمرح: كدا نقدر نقول الف مليون مبروك عليكي .
قالت سوسن ضاحكة: اي دا حيلك الف مبروك على ايه ؟ هو سلق بيض احنا لسة متعرفين من دقايق انت أكيد مجنون صح ؟
نظر معاذ الى عينيها مباشرة و هو يقول:
لو انا قرلت ليكي انى لغاية ساعة فاتت كنت أعقل حد ممكن تقابليه فى حياتك ، ، بس من ساعة ما شفتك و انا حاسس بحاجات كتيرة مش قادر اوصفها ، ، مش هقول حب بس هقول انى متخيل حياتى معاكى و مش شايفها مع حد غيرك و لا متخيل حياتك مع حد غيرى ، ، و ده حصلى اول عينى ما جت فى عيونك الجميله هتصدقينى ؟
نظرت سوسن لعيونه بحيرة و هي تقول:
طيب انا هصدقك لأنى حاساك بتوصفنى بالظبط ، ، ومش عارفة أسمى اللى احنا فيه ده ايه ؟
ابتسم معاذ قائلا: سميه قدر يا سوسن جمعنا مع بعض و بإذن الله ميفرقناش ابدا .
ابتسمت سوسن قائلة: و متنساش بقا ريان و تغريد .
اومأ معاذ برأسه قائلا: دا فعلا ربنا يحل مشاكلهم و يجمعهم تانى ببعض .
نظرت سوسن الى السماء قائلة: يارب .
-  -
و في المكتب الخاص بفهد محمد الشاذلي.
طرقت حور الباب لتسمع صوت فهد يسمح للطارق بالدخول ، ، لتبتسم قائلة و هي تقف على الباب: خلصت الاجتماع يا فهدي ؟
قال لها فهد بهدوء: آه خلصت يا حور تعالى ادخلى .
دخلت حور الي الغرفه و هي تغلق الباب خلفها و اقتربت منه قائلة: وحشتنى يا فهدي .
شعر فهد بكلمتها تخترق كيانه و تستقر بقلبه ليقول دون ارادة منه: انتى وحشتينى أكتر يا حبيبتي .
اقتربت منه و مدت يدها تعقد له ربطة عنقه فى نعومة ، ، أغمض عينيه ينعم بقربها ورقتها و يستنشق عبيرها الهادئ فى عشق ، ، لقد أيقن أن العشق الملعون قد أصابته و أنه لن يستطيع التخلص منها اطلاقا ، ، أفاق على صوتها الرقيق و هى تقول: طول عمرك مبتعرفش تربطها يا فهد .
قال فهد بصوت متهدج النبرات من تأثره بها:
و طول عمرك انتي اللي ديما بتربطيها ليا يا حور.
نظرت اليه حور بعشق قائلة: كنت كل مرة ببقى عايزة أصرخ و أقولك حس بية و خدني فى حضنك ، ، انا بحبك و محتاجه ليك يا فهد بس كان لسانى بيقف عاجز أدامك و أنا حاسة انك مبتحبنيش و مش حاسس بيا خالص .
ضمها اليه فهد و هو يتنفس عطرها ثم قال بالم : ياريت كنت قولتي ليا على اللى فى قلبك يا حور يا ريتك كنتي فوقتيني من بدرى قبل.
و صمت لا يدرى كيف يخبرها لتشعر حور بألمه الصامت فتخرج من محيط ذراعيه قائلة فى قلق: قبل اي حاجه يا فهد اي ؟
كاد ان ينطق و يريح قلبه من عذاب الكتمان ليقاطعه دخول ريناد المفاجئ و رؤيتهما بهذا القرب يبدوان ، ، و كأنهما خارجين للتو من عناق عاشق لتجز على أسنانها غيظا و هي تقول ببرود: دا انا جيت فى وقت مش مناسب و لا ايه ؟
نظرت حور بحزن ثم تحدثت و هي قد شعرت بغصة فى قلبها و هي تتذكر ان فهد ما زال ملكا لأخرى: لا ابدا ، ، اتفضلي يا مدام ريناد انا كدا كنت ماشيه لان احنا خلصنا شغلنا كله تقريبا .
نظر اليها فهد و هو يشعر بها و بآلامها و لكن ليس بيده شيئا يخفف به ذلك الألم ، ، انه القدر الذى يستمر باللعب به يبعده عن كل أحلامه التى رسمها معها ، ، كادت حور ان تغادر لولا ان استوقفها صوت ريناد يقول بسخرية:
مش هتباركي لينا يا حور .
التفتت حور الى ريناد فى حيرة لتنقل نظراتها الى فهد الذى اخفض عينيه بألم ، ، لتعود بنظراتها الى ريناد و هى تشعر بالرعب من كلمات ريناد التالية ، ، و هي تشعر انها لن تعجبها على الاطلاق لتقول بهدوء:
خير يا ريناد ابارك ليكم علي اي مش فاهمه ؟
أشارت ريناد الى بطنها قائلة: على البيبى أصل انا حامل .
أحست حور بالصدمة تضربها بعنف ، ، ليشحب وجهها و هي تحس بالدوار ليقول فهد بقلق و هو يتجه اليها بسرعة ليقول بقلق : حور انتي كويسه ؟
اشارت له بيدها و هي تنظر اليه بجمود ليتوقف فى مكانه و هى تقول ببرود: انا كويسة متقلقش يا مستر فهد .
شعر فهد فى تلك اللحظة انه لأول مرة يخسر حور للأبد ، ، لتلتفت هى الى ريناد قائلة بصوت خال من المشاعر: الف مليون مبروك و ربنا يتمم على خير.
وخرجت بعدها من الغرفة بثبات ، ، لتمشى بسرعة حتى خرجت من الشركة و هي تشعر بالاختناق ، ، احست أنها لن تستطيع القيادة لتسرع بمشيتها و هي تتخبط فى الكثيرين دون وعى منها تنزل دموعها بغزارة ، ، حتى وصلت الى باب شقتها لتطرق الباب بقوة فتحت لها فتحيه والدتها الباب لتفاجئ بمظهرها المنهار لتقول فى قلق: مالك يا حور في ايه اللي حصلك دا ؟
لم تقوى حور على التحمل اكثر لتسقط بين يدى والدتها فاقدة الوعى و هي تدعي ان لا تفوق مره اخري .
-  -
و على الجانب الاخر في مكتب فهد الشاذلي .
و ما ان غادرت حور غرفه المكتب حتى التفت فهد الى ريناد قائلا فى صرامة: انتي كان قصدك ايه من اللى قولتيه دلوقتى يا ريناد ؟
قالت ريناد ببرود: ها يكون قصدى ايه يا فهد ؟ دي مش حور بنت عمتك ، ، دا انا قولت افرحها معانا بالخبر الحلو دا .
قبض فهد على ذراعها بقوة قائلا: و دا من امتى و انتي بتحبى حور ، ، لا و كمان عاوزه تفرحيها دا انتي فعلا كنتى قاصدة تجرحيها بكل كلمة قولتيها دلوقتي ؟
نزعت ريناد ذراعها من يده بغل قائلة: آه انا مش بحبها خالص ، ، و آه كنت قاصدة اقولها عشان أحرق دمها و لا انت يعني فاكر انى مش عارفة انها بتعشقك يا فهد بيه .
نظر اليها فهد بصدمة لتستكمل حديثها قائلة:
انت تعرف لولا انى عارفة انك مش بتفكر فيها بالطريقة دى انا كنت وريتها الجربوعة دى خطافة الرجالة .
أفاق فهد من صدمته و هو يدرك ان كل من حوله شعروا بحب حور له الا هو ليقول بصرامة شديده : و انا لآخر مرة هسمحلك تتكلمى عن حور بالشكل ده و ها خليكي فى حالك أحسنلك يا ريناد ، ، و الا هتشوفى منى وش عمرك فى حياتك ما شفتيه فاهمة ولا لا ؟
و زاد الحقد فى قلب ريناد تجاه حور التى تسلب عقل الرجال من حولها لتنتفض على صوت فهد و هو يقول بحدة: انتي فاهمة و لا لا ؟
اومات ريناد براسها ايجابا ليزفر فهد قائلا:
انتي كنتى جاية ليه و عاوزه مني ايه ؟

تلونت ريناد مثل الحرباء لتبتسم قائلة: دا انا كنت عاوزه فلوس يا فهد .
قال فهد بجمود: ليه ؟
قالت ريناد بدلال: انا عاوزه اشتري شويه حاجات و هدوم و شوية لوازميا فهد علشان هدومى ضاقت بسبب البيبى دا .
قال فهد بسخرية: دا انتى لسة فى الشهر الأول يا ريناد هدوم ايه اللى لحقت تضيق عليكى انتي ها تمثلي .
قالت ريناد بضيق: هي المهم انها ضاقت و خلاص و انا عاوزه غيرها ، ، و بعدين انت بقالك فترة بتدقق معايا فى الفلوس و انت مكنتش كدة ايه اللى غيرك ؟
نظر اليها فهد ولسان حاله يقول:
عيونه فتحت يا ريناد وشفتك على حقيقتك.
ليغمض عينيه يخفى مشاعره النافرة و الواضحة على وجهه ثم يفتحهما ، ، و هو يخرج بطاقة الائتمان الخاصة به من جيبه ويمنحها اياها قائلا: اتفضلى يا ستي آدي الفلوس اللى انتى عاوزاها .
أخذتها منه ريناد بسعادة و هي تقبله على وجنته و تسرع بالمغادرة ليهز راسه فى مرارة قائلا: دا انا ازاى كنت اعمى بالشكل ده ازاي يا ربي ارحمني ؟
-  -
و على الجانب الاخر في كليه الطب .
نظر ريان الى تغريد بثبات لا يشعر به بداخله و هو يرى عيونها الحزينة ، ، و يود لو يأخذ حزنها و يلقيه بعيدا عنها ، ، هو يعلم انه السبب به و لكن ما بيده حيلة ، ، فوالده سد الطريق بوجهه و داس على قلبه بقوة تنهد و هو يقول : قبل ما أقول أى كلمة احب بس أفكرك بوعدك ليا يا تغريد ؟
نظرت اليه تغريد بحيرة ليمسك يدها قائلا: يوم ما مسكتى ايدى انا قولت ليكي قبلها انك لو مسكتيها يبقى بتوعدينى ، ، انك هتفضلى معايا لآخر يوم فى عمرى ، ، و ده كان اول وعد نوعده لبعض و مش مستعد حد فينا يخلف بالوعد ده يا تغريد .
نزعت تغريد يدها من يده و قد امتلأت عينيها بالدموع قائلة: بس ما اتفقناش ان ماما تتهان كرامتها بسبب الوعد ده يا ريان ، ، و اذا كانت سعادتى هتيجى على حساب أمى فانا اسفه و مضطرة أخلف وعدى ليك .
قال ريان في صدمة: يعنى انتى يا تغريد هتتخلى عن حبنا بالسهولة دى ، ، و ها تقدري كدا ببساطة كدة تبعدى عنى ؟
قالت تغريد في مرارة: مين قالك انها بالبساطة دى ، ، ربنا اللى عالم أنا بموت ازاى من جوايا كل ما أفكر انى هبعد عنك ، ، بحس ان روحى بتتسحب منى ، ، بس غصب عنى مش هقدر اكون معاك و ماما بتتهان و تنكسر لتانى مرة بسببى انا يا ريان .
أمسك ريان وجهها بين يديه قائلا فى لوعة:
يبقى مفيش أدامنا غير انى آخدك انتى و والدتك و نسافر ، ، انا مستعد أبعد عن الناس كلها بس أكون معاكى .
قالت تغريد بحزن:
مش ها ينفع مش هتقدر تبعد عن أهلك و انت روحك فيهم يا ريان ، ، هقدر اكون السبب فى ده انا علشان بحبك مستحيل أرضى بالحل ده.

ترك ريان وجهها ليمرر يده بشعره بمرارة قائلا: بس أنا كدة اللي ها موت ، ، انا بجد مش هقدر أتخلى عنك ، ، انا حبك بقى بيجرى فى دمى و عذابي بقى بعدك يا تغريد.
نزلت دموع تغريد و هي تقول: حتى لو اتعذبنا ها تيجي يوم و ننسي ، ، محدش فينا هيقدر يتخلى عن أهله يا ريان حتى لو قلنا العكس.
قال ريان في حزن: ده آخر كلام عندك ؟
أومأت تغريد برأسها قائلة فى مرارة:
انسانى يا ريان و اتجوز بنت عمتك ، ، يمكن تقدر تحبها وتعوضك عنى .
ابتسم ريان بمرارة قائلا: لو مكنتش ليكى مش هبقى لغيرك يا حبيبه القلب .
و فجأة ابتعد عنها مسرعا و كأنه يخشى أن يضعف لتصاب تغريد بالقلق ، ، عليه لتذهب مسرعة الى سوسن و هي ترى معاذ جالسا بجوارها لتقول بسرعة:
انت صاحب ريان ؟
اومأ برأسه و قد قلق من ملامحها الشاحبة لتقول هى بسرعة:
من فضلك امشي بسرعة و الحقه أصله مشى و هو متعصب ، ، و انا خايفه جدا عليه من السواقة و هو فى الحالة دى .
اومأ معاذ برأسه ايجابا و هو يسرع خلف ريان الذى انطلق بسيارته بسرعة جنونية ليركب معاذ تاكسيا ، ، و يأمره بأن يمشى وراء تلك السيارة المسرعة و قلبه يدق قلقا فى حين كان ريان يقود شاردا بكلمات تغريد التى أصابته باليأس ليزيد السرعة دون وعى منه ليشعر فجأة بضربة قوية ، ، و يحس بالم شديد فى جسده و صراخ المارة من حوله ليكون آخر ما سمعه هو صراخ معاذ باسمه قبل أن يسقط فاقدا الوعى .
# يتبع
فاطمه محمد
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي