الفصلالخامسعشر

: مابقاش بمزاجك ..كتب الكتاب هيتحدد وهتوافقي عليه ياحياة ...
نفضت يديها راكضه تتناثر دموعها حولها ...
تهرب ..وهو لن يدع لها حرية الفرار من بين يديه ..معاملته معها تتناسب طرديا مع نص تلك الرسالة من مخيلته ..يثبت لنفسه فقط ان حياته مازالت بين يديه هو ،ليس لأحد آخر يجهل هويته ..بينما هي تتسرب منه كالماء ...
_____________________________
عاشق الشمس اضحى حبيس الظلام ..
امام غرفة العناية وقف ينظر إلى جدته بشرود ..وجمود ..يتنفس الصعداء حيث مرت العملية بسلام ..لكن ما زالت الحالة حرجة ..حيث النتائج الفعلية ستظهر بعد مرور 24 ساعة .." كفيلة بتغير مدار الكون من ليل لشروق " 24 ساعة فقط ..يد صديقه ربتت على كتفه قائلا بأمل ..
: روح يا حمزة ارتاح ..وقفتك دي مالهاش لازمة هي مش هتفوق دلوقتي ..اتعشم في ربنا خير يفرحنا بكره بقومنها بالسلامة ..
تنهد بثقل ،بتعب ،ينفذ كلام صديقه مغادرا ..نظرته ضبابية . وكذلك افكاره ..وصل امام المنزل لا يعلم كيف وكم استغرق من الوقت ..فقط وصل بانهاك جسدي لم يفلح كبح جماح مشاعره نحو غرفة جدته لتفقد عبقها بها ..متمنيا عودة صوتها بالمنزل مرة اخري ..دخل إلى الغرفة ..تدور عينيه بحزن في جميع ارجائها ..تقدم نحو فراشها متمددا فوق سطحه ..بعد وقت لابأس به من التفكير في اللا شيء ..استقام يفتح خزانة الملابس الخاصة به في حالة استرجاع لذكريات ماضية عبر صندوق الصور العتيق خاصتها ..لمح تحت احد ملابسها المطوية هاتفه القديم ..تذكر فورا ذلك اليوم القاتمة سمائه ، الذي اتت فيه سارة فاقدة للوعي امام منزله ..ذلك اليوم الذي فقدها فيه ..تذكر حينها انه ترك هاتفه بالمنزل راكضا ورائها كالبهائم اللتي يعالجها ..ابتسم ساخرا ..عند ذلك التشبيه بفكره ..ارجح ان جدته وضعته سهوا بالخزانة ..يبدو ان الهاتف يحتاج لشحن طاقته ..وضعه على مزود البطارية الخاص به ..ثم فتحه .." ومدار الكون يدور بسرعة ضوئية تفوق ال24 ساعة " ..مع فتح الهاتف تلقى اشعار خاص برسالة صوتية مسجلة ..احدهم حاول الاتصال به وكان هاتفه مغلق ..احدهم حاول الاستغاثة به ..كان هو بذلك الوقت يبحث عن احدهم .. وكان هاتفه مغلق ..احدهم تراجع في اللحظة الأخيرة قبل الضغط على زر الاتصال حيث ابت الكرامة ..وقد خان احدهم ارتعاش يديه ضاغطا على زر الاتصال ..فنتج عن ذلك رسالة مسجلة ..فتح الرسالة واستمع إلى المكالمة الصوتية اللتي نصها كالتالي ...

"
سالم
: كيفك يا عروسة ..؟ بجى تمشي لحالك اكده من غير ما تخبري جوزك ..؟
صمت لثوان ثم
: اني هعديهالك المرة دي ..عشان كانت بمزاجي ..حاجة كنت عاوز اوصلها .. و وصلت ..همي جدامي عشان نلحجوا نوصل ..البلد كلاتها مستنيانا ..همي يا عروسة ..
دام الصمت لدقيقة تقريبا ليستمع إلى صوته مرة اخرى عبر الرسالة
: بصي يا بت الناس، اني ما جورتش عليكي ..حجك و نصيبك من ريع الأرض والتجارة هتاخديهم على داير مليم ، مالياش صالح بيهم ..أكتر من إكده ما تحلميش ..وهتبجي مرتي جدام الناس و جدام ربنا ..
: ربنا ..؟
ثم سريعا اتسعت عيني حمزة ما ان استمع لصراخها الحارق ..صوتها باكي ..هي .. نبرتها " سارة"
:وانت ما عملتش حساب ربنا ده ليه ..ما افتكرتوش ليه قبل ما تضيعني وتضيع حياتي .. ليه ..؟ عشان الفلوس ..؟ ،الورث..؟ ..كنت خدتهم ..كنت خدت كل حاجة وسبتني ..
يستمع إلى المكالمة جاحظ العينين ..خفقاته تكاد تلفظ قلبه من جوف صدره ..ليستمع إلى صوت سالم البغيض ..
: يلا عشان ما نتأخروش ع...
وفجأه صرختها اللتي زلزلت كيانه عبر المكالمة
: أوعي إيدك ما تلمسنيش ..
بعدها استمع إلى صوت سالم يتاوه وصوت ارتطام معدن ما بالأرض ،ربط الصوت بصرخة سالم ورؤيته للدماء بمنزلها برفقة السكين ..وصوت سالم مرة اخرى
: هتعملي إيه يا بت المركوب ..عاوزة تجتليني ..؟
سكن تماما في زهول ..في ظلام آخر أحلك سوادا مما شعرت به تلك المسكية في حينها ..استمع إلى صوت سالم
: اسمعيني زين يا بت عمي ، لو لوعتي معايا وركبتي راسك الجزمة دي ..ديتها رصاصة.. وهلبسك اسود على دكتور البهايم حبيب الجلب ..
لحظة توقف النبض ..دكتور البهايم ...هو ..ماذا عن حبيب القلب ؟ ..هو ايضا ...صمت تام ثم صوت سالم مجددا
: عجلك في راسك .. تعرفي خلاصك ..جدامي يلا .."
وانتهت المكالمة ..والمحكمة تبدل الآن الادوار ..بريئة شمسة من التهمة المدانة بها ..رضخت لذلك اللعين فقط من اجله هو ..حبيب القلب ..وخلف قضبان العشق بات قلبه مدان بظلم حبيبته ..اخذ الهاتف بين يديه سريعا يعود ادراجه نحو سيارته ..يشق سكون الليل بحثا عنها ..سيحاول اعادة الشمس ...
________________
الشيطان يريد شربة ماء ..للمرة الأخيرة ...
من قال ان العبرة بالخواتيم ..العبرة بالبدايات ..العبرة بالوسط ..والخواتيم ..العبرة هي الرحلة ..ممدة على فراش ركيك بخيمية طبية امام المشفى المحترق ..لم تسعف الاماكن الشاغرة بالمشاف الأخرى كم المصابين في ذلك الحريق الهائل ... جميع جسدها بالجحيم ..حدقتاها فقط تنظران الحياة الدنيا ..ولسانها لم يزل مسموعا صوته ..بكلمة واحدة خافتة لها من الثقل حمل الجبال
: م ..مما ..مايه ..مايه ..
اما عن العبرة ..فتتجول بهلع بين المصابين منهم والموتى التمفحمين تبحث بدموع عينيها عنها ..وترى نفسها بعين خيالها بمكان احد منهم ..كانت ستشوه بريئة ما مقابل مبلغا بخس امام وقوفها بين يد الله مذنبة جانية وجائرة ..تبحث بعينيها عنها لتعتبر بالبداية والنهاية ..وجدتها ..تعرفت عليها من خلال نظرتها لها وكأنها تخبرها ( نعم هي انا ) وقفت تدمع عينيها باكية تنظر إليها بزهول ..سرعان ما اخذت تنهار بكائا ظن الجميع من حولها ان المصابة احد اقربائها ..بينما هي تذرف دموع الندم والتوبة ..العبرة ..توقفت حدقتيها عن التجول في الحياة الدنيا ذاهبة برفقة جسدها لمكان ما ..وآخر امنياتها لم تتحقق .. فالشياطين لا تشرب الماء ...الشياطين تُحرق ...
______________
احيانا نحتاج للخروج من حيز الصورة ..ان نقف خارج الاطار ..نتأملها من جميع الجهات ..حتى ندركها  كاملة ...
خارج نطاق العقل افكاره ..مشاعره ثورة ..فوضى ..كلمات قلائل من حارس البناية اللتي يقطن بها صديقه"آدم" ..كانت كفيلة بتلك العاصفة داخل افكاره ..
( سافر هو واخته من اسبوع يا بيه ) ..
صورتها امامه ولا شيء سواها .."مهلا ..إلى اين ..؟ ..مازال هناك الكثير  ".. ..وآخر تحليلات عقله ..انها سافرت إلى البلدة التي كان زائرا لها امس برفقة الحرائق ...الان هو مقيد ..مشتت ..تنهد تنهيدة عميقة ثم عزم النية على الذهاب لها بعد الاطمئنان على جدته مباشرة ...
__________________________
رنين اشعار ينبه عن استلام رسالة جديدة ..رنين يشبه ناقوس الخطر بالنسبة إليه ..يصيبه بالخوف وفحواها تصيبه بالجنون ..
( الف الف مبروك النجاح لحياتك ،بتتنطط من الفرحة  ) ...
باعث تلك الرسائل يلعب على اوتار عشقه ..و خوفه..كل رسالة من رقم مختلف ..لا يمكنه الوصول إليه ..قاده جنونه نحو السيارة يقودها سريعا ،الهاتف بين يديه يحاول الاتصال بها ولا تجيب ..فعاود الاتصال بأمه يسأل عنها لترد
: راحت تشوف النتيجة يا حبيبي علشان كان لازم تجيبها من بدري ...
لحظة تجمدت فيها نظراته بينما قلبه يشتعل .. رد بنبرة هادئة تعاكس حرائقه ..نبره يلفها التوعد
: انا مش قولت مافيش خروج ليها غير معايا ..
لم ينتظر ردها اغلق الهاتف يتجه إلى جامعتها كالبرق ..كالعاصفة ..التي يسبقها الهدوء ...
~~~~~~~~
في غضون دقائق كان قد وصل امام باب كليتها ..دخل باحثا عنها يحاول الاتصال بها والان فقط ردت ..
: انتي فين ..؟ ..
اجابته بصوت فرح
: انا في الجامعة ياقصي كنت ب....
ليعاود سؤالها مرة اخرى قاطعا حديثها
: فين بالظبط في الجامعة ..؟
عن المكان بالتدقيق أجابته ..ثم اغلق الخط متجها إليها ..
بينما هي تقف مع زملائها يتبادلون التهاني والضحكات بسعادة ..من بعيد لمحت طيف عشقه يشير اليها بوجوده ..هدتها وردية افكارها ان سبب قدومه نجاحها ..
استأذنت من زملائها تتقدم نحوه وبعد خطوات قلائل تقابلا ...وطيف العشق كان غاضبا ..بابتسامة وفرحة تتقافز بقلبها قابلته قائلة بسعادة طفلة صغيرة
: قصي مش هتصدق انا ...
قبض على مرفقها يجرها خلفه بعنف ..انطفأت شعلة الفرح بداخلها يحل محلها الظلام ..نظرت نحو زملائها لتجد بعضهم ينظرون إلى ما حدث باستنكار والبعض الآخر بانزعاج والبعض منهم مزهول  ...ابتلعت غصة مريرة تتبعه بخطوات تكاد تكون ركضا ..وصل الى السيارة ليفتح لها الباب دافعا اياها إلى الداخل ،دار حولها راكبا خلف مقود السيارة منطلقا بها يسارع الريح ..نظرت امامها بحزن لتنقل نظرتها إليه تسأله بنبرة مثقلة بالعتاب ..
: انا عملت ايه ..؟
مشاعره قمم بركانيه غاضبة مختنقه تريد الانفجار ..هي لن تتحمل ذاك الانفجار ..التفت لها ..ولا داعي للهسيس لترتعب ..فقط نظراته فعلت ..
: انا مش قولتلك ما فيش خروج غير معايا ..؟
بنبرة غامضة اجابها ..ردت بعقلانية تجهل ما يحدث ده ..
: مش خلاص ..؟ ..ناهد دي ماتت ومابقاش في حاجة تقلقك عليا ..وبعدين يعني ايه ما اخرجش غير معاك هو انا طفلة ياقصي ؟
زفر حانقا بغضب .. لتنتفض بمكانها عندما ..زعق بصوت جهوري ..يضرب سطح المقود بعنف ..
: انت ما بتسمعيش الكلام ليه ..قولت مافيش خروج لوحدك ..بتخرجي ليه ..؟
عينيها متسعة بخوف واستنكار لكل ذاك الغضب ،عقلها ينهر ذلك الذي يخفق لأجل حبه ..لا يمكن ان يكون ذلك المنقذ الحنون هو ذاته من يجلس امامها زاعقا بغضب ..ملجئ امانها بكل اصرار يخيفها .. رنين ..
وصوت رسالة أخرى في توقيت غير مناسب بالمرة من رقم جديد ..
( تؤ تؤ تؤ ...ما تزعقلهاش عشان بتخاف ) ..اصاب قلبه العشق واصاب هقله الجنون ..وتلك التي جواره سيفنى فقط من أجلها ..بصمت اكلم سيره حتى وصل إلى المنزل ..اندفعت تخرج من السيارة عينيها على وشك البكاء ..خطت باتجاه غرفة خالها ..مصدر الامان والحماية لها ..القت بنفسها داخل احضانه باكية ..ليشد على احتضتنها بيديه دون تفاجئ ..يوجه نظرات لوم وعتاب لذلك الواقف على باب غرفته ..
: خالوا انا مش هقدر اكمل بالطريقة دي معاه ..علشان خاطري مش عايزة اكمل. ..
ارتجف قلبه ..جف ريقه ..عندما استمع لما
تتفوه به ..مسح على وجهه بحنق وغضب صامت ..هو بين خوفه وعشقه لها في حيرة قاتلة ..والاب يتصنع عدم المعرفة ..حيث ان بجعبة صغيرته ما يجب عليها اخراجه ..
: اهدي يا حياة وقوليلي في ايه .. ايه اللي حصل ..؟
استقامت تجلس جواره تمسح عيونها بظهر يديها لتروي له ما تتلقاه منه من معاملة سيئة ..وتهميش شخصها  في اي شيء وكل شيء ..انتهت بافراغ ما يعج بقلبها من انزعاج ..ليتحدث منصور بهوادة ..
: خلاص يا حياة اللي انتي عاوزاه انا هعملهولك ..
إلى هنا وتدخل قلب العاشق حيث محبوبته على وشك البعد عنه ..تحدث بانزعاج معترض
: يعني ايه ..؟ والمأذون اللي جاي كمان كام يوم ده ..؟ نرجعه ..؟
استقامت واقفة تمرر نظرها بينهم بزهول ..بينما منصور ينظر إلى ولده شزرا  ..
: مأذون ايه ..؟ مأذون جاي هيجوزني انا ..؟ من غير ما اعرف ..؟
قالتها بنبرة مستنكرة بينما تنظر إلى خالها بعتاب ..
: انتي فاهمة غلط يا حبيبتي ..انا بس كنت حابب اعملهالم مفاجئة ..عشان كده رتبنا انا وقصي كل حاجه ..لكن مافيش حاجة هتتم من غير موافقتك طبعا ..
: هي موافقة ..
نطق بها باقرار وثقة ..بينما الأخرى تنظر إليه بعينين متسعتين ..الامر يزداد سوء ..
: لاء انا مش موفقة ومش هتجوز ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي