الفصلالسادسعشر

ممرضة دمرت حياتي
الحلقة السادسة عشر
............
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

لم تظن حلا يوما أنها ستبتعد عن غنيم بتلك الطريقة .
ولكن ما باليد حيلة ، فهي لا تستطيع الإرتباط به رغما عن أولاده ، فتسبب بذلك قطيعة بينهم .
فأجهشت بالبكاء ، لأن قلبها لم يعد يتحمل كل هذا العناء والشقاء،
فسمعت حنين أناتها لتقوم فزعة إليها قائلة ...حلا حبيبتي مالك ؟
إيه لسه تعبانة ؟
قوليلي حاسة بإيه يا قلب أختك ؟

تنهدت حلا بغصة مريرة ثم قالت لها ...أحضنيني يا حنين ، أنا محتاجة حضنك ده ، عشان حضنك بيقويني لما أكون ضعيفة كده ، وأنتِ عمرك مخذلتيني أبداً .

لمعت الدموع بعيني حنين فأرفت لها قائلة ...يا حبيبتي ، تعالي في حضن أختك .
فعناقتها حلا وأجهشت ببكاء مري.

مسدت حنين على شعرها بحنو قائلة...اِبكي يا قلب أختك وطلعي كل اللي في قلبك ، لغاية ما تهدي خالص .
وبعد كده احكيلي إيه اللي مضايقك كده ؟
أنا قلبي حاسس إن الموضوع وراه غنيم حبيب القلب ،هو لحق يزعلك !
وأكيد هب فيكي ، روحتي من الزعل جريتي ، وطبعا عشان بتعيطي مش شايفة قدامك ،رحتي انكبيتي على وشك زى الهبلة واتخرشمتي كده ،صح !

ابعدتها حلا قليلا عنها بلطف قائلة ...ياريت كان ده اللي حصل ، يمكن ساعتها كنت كرهته ومبكتش عليه كده .

حنين ...حيرتيني معاك يا أختي ، أمال فهميني إيه حصل ؟

حلا...اللي حصل أني زي ما أكون كنت بحلم حلم جميل وطايره
في الهوا ، وفجأة صحيت على كابوس ، وكل حاجة راحت .
تصوري يا حنين ، أن غنيم فعلا طلع بيحبني وطلب مني الجواز ، وأنا كنت هموت من الفرحة.
حنين ... بجد !
طيب لغاية كده كويس ، أمال فيه إيه بس ؟

حلا بحزن ...فيه أن أولاده طبوا علينا وأحنا قاعدين في كافيتريا في شارع المحل ، ومش عارفه عرفوا منين أننا هناك ، وبس عينك ما تشوف غير النور .
هاتك كلام يسم البدن ، أنتِ طمعانة في أبونا ، وأنتِ طلعتي مية من تحت تبن ،وأنتِ مسهوكة ، ويستحيل الجوازة دي تحصل ، وهنعمل وهنسوي ، وطلعوا كارهني أوي يا حنين ،وبعزقوا بكرامتي الأرض ، ومبقتش عارفة أرفع وشي من كتر الكسوف بين الناس .

غضبت حنين وقالت بانفعال ...وأنتِ طبعا خايبة كالعادة ، أختي وأنا عارفاها كويس ،معرفتيش تردي ولا تقولي تلت التلاتة كام ،ولا تدافعي عن نفسك .

حلا ...لا حاولت والله أفهمهم أني عمري ما فكرت فيه عشان الفلوس ، وأنه ميهمنيش إذا كان معاه فلوس ولا غيره ، بس برده مفيش فايدة .

حنين بسخرية ...لا والله يا أختي حنين ، ده أنتِ كنتي بجحتي فيهم ، وقولتلهم ده شيء ميخصوكوش ، وهو عايزني وأنا عايزاه وأنتوا اطلعوا بره اللعبة ،وكل واحد حقه محفوظ .

حلا ....لا مقدرش أقول كده ، أنتِ مشفتيش عنيهم كانت بتطلع شرار ازاي وهما بيكلموني ،ولا لسانهم اللي مكنش موقف كلام زي السم .

حنين ...مش بقولك خايبة ،وقدروا يغلبوكي، دول عملوا زي المثل اللي بيقول خدوهم بالصوت قبل ما يغلبوكوا.

بس قوليلي وفين سبع البرمبة بتاعك من ده كله ؟
كان واقف طبعا ساكت وخايب مش عارف يرد عليهم صح !

حلا ...لا بالعكس ،ده عطاهم كلام في جنبهم ،وأنه مقصرش معاهم في حاجة وإن ده حقه وهما ملهمش دعوة .

حنين ...لا والله طلع راجل بصحيح .
طيب ما أهو يا لوزة ، الراجل مخفش منهم وعايزك .
أمال فين المشكلة بقا .

حلا ...كل اللي قولته ده ، ومش عارفه فين المشكلة ؟
المشكلة أني مقدرش أكمل الجوازة دي، طول ما هما مش
حبيني وسطهم ، أو شايفني انى طمعانة في فلوسه ، عشان مش هيريحوني كده .
ولا أنا هرتاح ،وهيفضل غنيم واقف في النص بينا ،مش عارف يراضي مين ولا مين ؟
فعشان كده ، قولتله مش هينفع نكمل مع بعض ، وأكيد كل واحد عنده أولاده بالدنيا ، وأنا يستحيل أكون عقبة بينك وبينهم ، عشان كده لازم أنسحب من حياتك .
ثم أجهشت مرة أخرى بالبكاء .
لتصدمها حنين بقولها ... أنتِ هبلة يا بت .
إيه الفيلم العربي اللي أنتِ عملاه ده ،ومحسساني أنك أمينة رزق بطبيتها ، يختي خليكي كده هند رستم بشقاوقتها وخدي حقك
من عينيهم.

حلا ....لااااا مقدرش أجي على حد ، هروح من ربنا فين بس ؟

حنين ...وهو حد قلك خدي حق حد ؟
أنا بقولك خدي حقك أنتِ من الحب والجواز من واحد بتحبيه ،وميهميكيش حد .
وهما عندهم أبوهم ، هيخدوا حقهم منه بشرع ربنا بعد عمر طويل .
ولا هما عايزين يورثوه بالحيا .
إيه الخيبة دي ؟

حلا ...لا صعب أعيش متهنية وهما في نفسهم حاجة مني،وشايفني وحشة وطماعة .

حنين ...يختي قلبك حنين ، وخلاص يعني سبتلهم الجمل
بما حمل ، وأديكي أهو حاطة إيدك على خدك .
وكنتي هتموتي فيها .
واكفيتي على وشك .

فحمحمت حلا بحرج ...صراحة يعني ، أنا موقعتش لوحدي كده ، دي بنته منها لله ، كعبلتني من كتر غيظها مني ، روحت محستش بنفسي ووقعت .
فضربت حلا على صدرها قائلة ...يا لهوتي ، هي حصلت .
وأنتِ لسه على البر كده !
أمال لو كنتي اجوزتيه كانوا عملوا إيه ؟
موتوكي بقا .

حلا ...مش بقولك خليني أبعد عنهم أحسن وعن شرهم .

حنين ...يا حبيبتي يا أختي ، بس وقلبك ده صعبان عليا .
عشان متأكدة أنك بتحبيه .

حلا بتنهيدة مريرة ...أعمل إيه بس ؟ هو ده نصيبي .

حنين ...طيب وهو يا حبة عيني عامل إيه دلوقتي ؟

حلا ...مش عارفة، بس قلقانة عليه أوي .
خايفة يجراله حاجة من الحزن والوحدة .

حنين بحنو ..والله حالكم أنتم الاتنين يصعب على الكافر ،منهم لله عياله ، بس هو أكيد غلطان ، عشان لو رباهم تربية نظيفة مكنوش طلعوا كده .

حلا ...هو فعلا دلعهم زيادة ، وبيني وبينك الدلع كتره وحش ، وبرده الفلوس الزيادة برده وحشة .

حنين باندهاش ...الفلوس الزيادة وحشة ليه إن شاء الله يا حكيمة زمانك .
مش برده خير ونعمة من ربنا ولا أنا غلطانة .

حلا ...أكيد نعمة من عند ربنا ،بس كل نعمة لازم نستخدمها
بما يرضي الله بدون بزخ ، في الإعتدال لقوله تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}

حنين ...والله جدعة يا حلا ،وعندك حق .
بس يعني برده صعبانة عليه أنتِ وهو .
ما تستهدي بالله كده وتشوفوا طريقة ، تقنعوا بيها عياله وتجوزوا .

حلا ...مأظنش دى أشكال حد يقنعها أبداً ،أنتِ مشوفتيش عنيهم ولا تصرفاتهم عاملة ازاي ؟

حنين ....الله يهديهم ،بس حرام والله كسروا فرحتكم .
........

بينما كانت حلا تعاني من الفراق كان أيضا غنيم يعاني مثلها ، بل كان أشد حزنا عنها .
فلأول مرة بعد وفاة زوجته منذ سنوات طويلة ، يعرف الدمع طريقا إلى عينيه .
فقد بكى طويلا وهو ساجد بين يدي الله ، يطلب منه أن تكون حلا من نصيبه وأن لا يفرق بينهما .
وعندما انتهى من صلاته شعر بآلام شديدة تجتاح جسده .
فالحزن يمرض الجسد ، وتحولت الآلام لتشنجات .
فاتصل سريعا على أولاده ورأى كل منهم الاتصال ولكن للأسف
لم يستجيبوا وكان رد كل واحد منهم كالآتي .
فهمى بغضب وانفعال ...هو ليه عين يتصل بيه بعد اللي عملوا فيه .
خليه يتصل من هنا لبكرة ، مش هرد عليه أبداً .
لغاية ميجيلي بنفسه ويعتذرلي على اللى حصل منه .

أما مروة فرددت بسخرية ...ده بيتصل بيه ليه الشايب العايب ده ؟
مش مكسوف من دمه ، وهو قاعد مع بنت أصغر مني في كافتيريا وبيحب فيها .
يارتني كنت جبت أجلها لما حطيت رجلي قدامها وكعبلتها وخلصت منها مقصوفة الرقبة دي، بس نصيبها بقا كده ،آه يا ناري لو كان بيتصل عشان يتحايل عليا أوافق عشان يجوزها .
لا ده لا يمكن أبداً ، ده على جثتي ، ومش هرد عليه .
خليه يرن كده لغاية ما يزهق .
أ
ما نورا فقالت بحدة ...بيتصل ليه بيه ، أكيد عشان عايزني أقنع اخواتي أنه يجوز البت المسهوكة دي .
لا ده بعينه .
ده راجل غريب بشكل ، عايز يجوز يجوز وحدة في سنه .
لكن بنت قد عياله وتعمل راسها براسنا لا وألف لا .
وخليه يرن لغاية الصبح مش هرد عليه .

أشتد ألم غنيم وفشل في أن يرد عليه أحدا من أبنائه ، ففرت الدموع من عينيه مرة ألما ومرة لجحود أبنائه لتلك الدرجة .
فردد...لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ليه كدا بس ؟
أنا عملت فيكم إيه ؟ عشان تعملوا فيا كده .
ثم لم يجد مفرا سوى الاتصال بصديقه المقرب الحاج محمد .
أالوووو يا محمد ، أرجوك إلحقني بسرعة .
ثم وقع مغشيا عليه ولم يسكمل المكالمة .
ففزع الحاج محمد قائلا ...غنيم ، غنيم .
مالك يا صاحبي ، حصلك إيه بس ؟
لا حول ولا قوة إلا بالله .
ثم اتصل سريعا بالإسعاف ،وخرج سريعا ليصل إلى منزله في أقرب وقت ممكن .
فوصل قبل أن تأتي الإسعاف ، وفتح بالنسخة التي معه .
فقد أعطاها له غنيم من قبل ، تحسبا لأي ظروف طارئة كتلك .
وولج الحاج محمد للداخل باحثا عليه ، فوجده في غرفة النوم ساقطا مغشيا عليه .
فصرخ غنيم وحاول افاقته ولكنه لم يستطع .
حتى جاءت سيارة الإسعاف ، فنقله المسعفين لها ثم انطلقت سيارة الإسعاف متوجهة إلى المستشفى سريعا .
لتبين إصابته بجلطة في رأسه من الحزن الشديد .
الطبيب بعد ما أن اطمئن على حالته بعد إنقاذه بأعجوبة وفضل
من الله عز وجل .
خرج وحدث صديقه المقرب محمد قائلا ...الحمد لله أنك جبته
في الوقت المناسب ، لو كنت اتأخرت شوية كمان ، كان لا قدر الله راح فيها أو حصله شلل

الحاج محمد ...الحمد لله يا دكتور .
وطمني عامل إيه دلوقتي؟ فاق أقدر أكلمه ؟

الدكتور ...أيوه فاق ، بس طبعا محتاج راحة كبيرة .
وتقدر آه تشوفه بس متجهدهوش في الكلام .

الحاج محمد ...تمام يا دكتور ربنا يطمنك .

الطبيب...بس تعرف واحدة اسمها حلا ؟

الحاج محمد بتذكر ....حلا ، حلا .
دي تقريبا وحدة بتشتغل عنده في المحل .

الطبيب ...شكلها غالية عليه أوي، لأنه مبطلش يقول اسمها
حتى وهو فاقد الوعي .
وممكن لو شافها هتكون عامل مساعد كبير فى شفائه

تعجب الحاج محمد من كلام الطبيب ولكنه قال ...الله أعلم
يا دكتور .
على العموم أنا هدخله وأشوف إيه الحكاية ؟

الطبيب ...آه بس زي مقولتلك ،متكترش عليه في الكلام .

الحاج محمد ...حاضر .
..........

أمجد في اتصاله بروان بعد ما نطقت اسمه من غير ألقاب كما طلب منها...الله أول مرة حد ينطق اسمي بالحلاوة دي.

روان ...بدال عجبك مني ،هقوله على طول كده .

أمجد بمكر ....ياريت .

وبقولك لو أنتِ فاضية ،ما تيجي العيادة نتكلم شوية قبل الشغل .

شهقت روان وحدثت نفسها ....يخربيتك ده طلع من إياهم .
بس وماله ،أنا خلاص معنديش حاجة أخسرها قد اللي خسرته خلاص .
بس مش حأبقى ساذجة تاني وعبيطة ،وكله هيبقا بحسابه .
وهخليه يدفع دم قلبه .
لغاية ما يجى يقوم واعرف أخلص منه .

فقامت وارتدت ملابسها على أجمل نحو ،وتزينت بالكامل ثم خرجت ،فقابلت زوجة أبيها ، فاستوقفتها قائلة ...أنتِ يا بت ، على فين العزم ؟
روان بنفور.....ولو أنتِ ملكيش فيه ،أو مفروض عارفة هي غلاسة وخلاص .
رايحة الشغل ، عايزة حاجة يا مرات ابويا؟
فنظرت لها مديحة مطولا من مخمص قدميها إلى أعلى رأسها قائلة بسخرية ...وهو اللي بيروح الشغل ، بيروح كده على سنجة عشرة ،وكل دي بويا حطاها فى وشك .
ولا ريحتك اللي مفخفخة في المكان كله .
كأنك رايحة فرح مش شغل !!

روان ...والله أنا بحب أهتم بنفسي حبتين ، في كل مكان أروحه حتى لو كان شغل .
هو ده يضايقك في حاجة !

مديحة ...لا يضايقني ليه؟
على الله تعرفي تنشنكلي فى عريس ، عشان نخلص بقا
وأعيش براحتي في بيتي .

فرمقتها روان بنظرة غاضبة ، ثم تركتها وغادرت متوجهة نحو عيادة دكتور أمجد.

رددت مديحة...البت دي مش مظبوطة أبداً ، وأقطع دراعي ليكون وراها سر ولزمن ولابد أعرفه .
......
فماذا ستفعل روان مع دكتور أمجد..؟
وما سيحدث مع غنيم وحلا ؟
هل انتهت قصتهم على هذا النحو ؟
أما مازال القدر يخبأ لهم الكثير ؟
سنعرف بإذن الله تعالى في الحلقات القادمة.
......
أم فاطمة ❤️ شيماء سعيد
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي