الفصلالخامسعشر

صدقت أمي، هذا الهاتف مصيدة، يتلقم الوقت، أصبحت أمضي ساعات طوال وعيناي مثبتتان على شاشة الهاتف، حملت كثير من الألعاب وأصبحت ألعب طوال الوقت، سجلت أرقام صديقاتي، وعندما اتصلت بعبق، ضحكت علي بشدة وقالت هناك فيسبوك وواتساب، مواقع تواصل كثيرة، وأنت تضيعين وقتك في الألعاب، قلت لها بأنني لا أريد أن أقع في فخ مواقع التواصل الإجتماعي، من خلال الكتب، عرفت الكثير عن العالم الإفتراضي، مضاره وفوائده، وأدركت بأن مضاره أكثر من فوائده لذلك لم أتحمس للأمر..
في اليوم التالي زارتني عبق، كانت متحمسة جداً، فتحت لي حساباً في فيسبوك وأرسلت طلب صداقة لنفسها..
أنشأنا مجموعة على الواتساب، أسميناها أحلى صديقات، كنا فيها أنا وعبق ويارا، أما إسراء فلم تقتني هاتفاً، ومشغولة جداً من الدراسة، مجتهدة لكي تثبت لنفسها أولا وللجميع أنها قادرة على تحقيق حلمها بإذن الله..
كنت اتصفح فيسبوك، كل ما سولت لي نفسي بأن أخرج من ذلك التطبيق، أجد منشوراً جديداً يجذبني، يتحرك أصبحي من أسفل إلى أعلى على الشاشة بلا توقف، تتحدث المنشورات لتظهر أخرى جديدة كل فترة، اقتراحات لأشياء قد تمون ضمن اهتماماتك، أندهش وأتابع، مستمتعة أنا بكل ذلك، أضعت وقتاً كثيراً، وإن سألت نفسي ماذا جنيت فلا أجد جواباً، ولكن بعدها راجعت نفسي وعرفت بأن ليس هذا الذي أريده، لا أريد أن أضيع وقتي هكذا سداً، ولاحظت أيضاً أن تركيزي قل كثيراً، حتي حديثي وجلوسي من عائلي أصبح قليلاً وعندما أجلس معهم أمسك الهاتف ولا أعرف عما يتحدثون ناهيك عن مشاركتهم، أفتح هاتفي بمجرد أن أفتح عيني، لأجد أحياناً أخباراً سيئة تعكر مزاجي لكامل اليوم، حتى مشاعري باتت مضطربة ومتقلبة، منشور يجعلك تشعر بالحزن وبعده آخر مضحك ثم منشور يجعلك تشعر بالسعادة، وهكذا..
بعد غرق طويل في هذا العالم، رغم أنني لم أقتني الهاتف من زمن بعيد ولكن تأثيره علي أصبح جلياً، حتى أمي لاحظت ذلك وباتت تتذمر من ادماني الشديد له، وقالت بأنها كانت تعرف أن هذا ما سيحدث، نصحتني وأخبرتي بأنها من البداية حذرتني من الاستخدام السيئ له، رغم تحذيرها ورغم معرفتي بمضاره ولكنني لم أنجو أيضاً..
أخيراً وجدت حلا، شاهدت مقاطع فيديو كثيرة تتحدث عن الاستخدام السليم للهاتف والاستفادة منه، حملت كثير من الكتب بعد دهشتي الشديدة، لم أكن أعلم بأن هناك كتب وقراءة أونلاين، ومن هذا المنبر سوف أقول وداعاًْ لمواقع التواصل الاجتماعي، استخدمت تطبيق يحدد زمن وجودك على مواقع التواصل، ثم يقفل ولا يفتح إلى في اليوم التالي ولزمن محدد، حتى الصفحات التي أتابعها في فيسبوك أصبحت مفيدة وتقدم محتوى قيم، أبتعدت عن كل محتوى غير هادف وساذج وعن كل السخافات، ثم بعد ذلك أدركت أنني أملك كنز، أصبحت أقرأ الكتب، وشاركت في دورات تدريبة، بدأت أحسن من لغتي الانجليزية وكان حلم حياتي أن أتعلم اللغة التركية والآن أدركت أنني أستطيع تعلمها من الهاتف، حتى أنني وجدت دورات لتعلم الخط العربي، وكثير من المهارات، أشعر بالحماس لدرجة أنني أريد أن أتعلم كل شيء دفعة واحدة، ولكنني أعرف بأن التشتت وتركيز الجهود على أشياء كثيرة في آن واحد ليس بجيد، ومضاره أكثر من منافعه..
شعرت بتحسن ملحوظ في نفسيتي ومزاجي، لا أعرف كيف يقضي الناس كل هذا الوقت على الهاتف وفي مواقع التواصل الاجتماعي، يضيعون الوقت بلا وجهة محددة، أعرف أن الأمر ممتع أو جاذب للانتباه ولكنه حقاً سيئ، بل سيئ جداً..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي