الفصل الرابع
وفي أحد المرات أزداد طمع "بشير" فجاء بثور،لأن أم"خالد" أخبرته أن إحدى البقرات لم تعد تحلب، فقال في نفسه:
- أتي بثور فحل.
فأحضره لحظيرة أم "خالد" من أجل أن يزيد في أعداد الأبقار وبالتالي تزيد الأرباح،وبعد أن أدخل الثور نادى أم "خالد" ليخبرها أنه أحضر ثورا وأيضا يحذرها بأن لا تدخل حتى يأتي هو ويخرج الثور،ولكنه لم يجدها في البيت فقال في نفسه:
- سأمر عليها في الليل.
ولكنه نسي وكانت أم "خالد" و"خالد" في زيارة لزوجة "السيف"وكان "خالد" يلعب مع ابن "السيف" الذي كان يصغره بعام واسمه "سليمان"ولما أرادت العودة لبيتها قابلها "السيف" وسألها:
-هل يوجد لديك سمن؟
فقالت:
- نعم مرني غدا صباحا.
فقال:
- بكم؟
قالت:
- أما ما يخصني من قيمته فقسما لن أخذ منك شيء فجميلك علي كثير ويبقى عليك ما يخص "بشير".
فقال "السيف":
- كنت أريد أن أربحك ولكنك بقسمك بالله أجبرتيني على أن أخسرك.
فعادت لبيتها ومعها ابنها فناما مبكرا، فغدا لديهم الكثير من الأعمال،وبالفعل وفي صباح اليوم التالي، جاء "السيف" على موعده وكان "خالد" متجها كالعادة للحظيرة لحلب الأبقار،فسلم على عمه "السيف" وأستأذنه وما لبث قليل حتى خرجت له أم "خالد" ومعها السمن، فلما أخذه "السيف" سمع صوت صادر من الحظيرة،حيث أن "خالد" دخل كالعادة وبدأ يحلب الأبقار ولم ينتبه للثور،فنطحه الثور نطحة أخرج الدماء من رأسه.
فأسرع "السيف" إليه وحمله وذهب به المركز الصحي حيث قاموا بتخيط رأسه بثلاث رتب،فلما أرجعه للبيت وضعته أمه على الفراش وبدأت تضحك وتقول:
- لا تغضب مني، كيف لم تنتبه للثور؟ أين كانت عيونك؟
ثم أستأذنت من ابنها لبضع دقائق كانت تريد أن تشتري له هدية بمناسبة سلامته،فلما أرادت أن تنصرف نظرت له فلم تستطع أن تمسك ضحكتها،فقال:
- يا أمي أعدك أن لا يذهب دمي هدرا.
فحين سمعت امه ما قاله زادت في الضحك وقالت:
- أنصحك أن لا تقترب منه فأنا أخشى أن يقتلك.
بعد أن رحلت أمه أخد فاسا ودخل للحظيرة وبدأ صراع بينه وبين الثور، فبدأ "خالد" يضرب الثور في رأسه وبطنه ورجله،طبعا ذهب "السيف" إلى بيت الشيخ"حسيب" فوجد "بشير" عنده فقال له "السيف":
-كاد ثورك أن يقتل "خالد".
فضرب "بشير"رأسه وقال:
- يا رب قد نسيت أن أخبرهم سأذهب إليهم قبل أن يقع مكروه آخر.
فقال الشيخ :
-سأرافقك لأسلم على "خالد".
فقال "السيف":
- وأنا معك.
فلما وصلوا للبيت سمعوا أصوات ضرب في الحظيرة، فلما أقتربوا من باب الحظيرة شاهدوا الثور ميت بين دماءه و"خالد" مستمر في ضربه،وصلت أم "خالد" لترى بأم عينيها و"خالد" يقطع الثور، أمسكه "السيف" وهدأه خوفا أن يكون دم الثور هيجه،و"بشير" واقف لا يتحرك يناظر في عينا "خالد"فما كان من أم "خالد" إلا أن قالت:
-أنا أعتذر لك مما فعل أبني ولو كان ضربه سيعيد الثور حي لضربته حتى يوشك على الموت،ولكن ما يمكنني فعله أن أقسط لك قيمة الثور.
بدأ "بشير" يهز رأسه بالرفض ويقول:
- أنا أستحق ذلك فلم أخبرك بأمر الثور، وما فعله ثوري كان جديرا ب"خالد" أن يقطع الثور ويقطعني معه، لكن غدا سأتي وأخذ بقراتي.
فظلت أم "خالد" صامتة لا تدري ما تقوله،فلما انصرف "بشير" تبعه الشيخ و"السيف" وقالا له:
- ما بك تريد أخذ بقراتك؟ ألست تكسب من وجودها هنا النقود؟
قال:
- بلى، ولكني بعد أن رأيت نظرات "خالد" تذكرت نظرات أبوه،وأنتم تعرفون كيف كنت أتعامل مع "منصور" حيث كنت أقطع له أي سبيل في التعامل معي حتى أكتفي شره وبعد أن أختفى، كنت من أكثر الناس فرحا وأن تأكد خبر موته سأكون جدا سعيدا، فنظرات "خالد"تنذر بشؤم وأخشى أنه إذا كبر سيصبح كأباه،فأنا أريد أن أقطع أي تعامل معه فهو ان كبر سيصبح..
وأراد "بشير" أن يزيد في الكلام ،ولكن الشيخ قاطعه وقال:
- لا ورب الكعبة ما هو بمثل أباه ،فأنا أعرف أباه منذ كان صغيرا ،حيث كان الشر يظهر في كل أفعاله منذ صغره فإن أصبح "خالد" شريرا فإن ذلك بسبب تعاملكم معه.
ثم افترقوا،وفي صباح اليوم التالي جاء "بشير" لبيت أم "خالد" وكانت جالسة بقرب الحظيرة مع "خالد" فسلم "بشير" وأخد بقراته،وكانت نظرات أم"خالد" تودع البقرات بصمت فهذه البقرات قد اغدقت عليهم بالمال.
فأحس "خالد"بغلطته فأخذ عصا وأعطاها أمه وقال لها:
-عاقبيني على ما فعلت.
فنظرت له وقالت:
- وما فعلت؟
فقال بتعجب:
-ألست نادمة؟
طبعا أخفت الام مشاعرها وقالت:
-بالطبع لا ،فأنت أرحتني من عمل شاق،ومازال لدينا دجاج نأكل بيضها ولقد جمعت بعض المال يساعدنا أن نشتري بعضا من الخراف.
طبعا بات الشيخ محتارا، كيف يساعد أم "خالد"لكي يوفر لها لقمة عيشها،فخطرت في باله فكرة، فتذكر الشيخ أنه بعد غد سيأتي له صديق من البادية ومعه بعير فحل حيث تربط الشيخ بهذا البدوي علاقة وطيدة،وبالفعل وصل"بدير" الرجل البدوي ومعه البعير الفحل،استقبله الشيخ وأكرم ضيافته، وبعد أن تناولا وجبة الغداء خرجا ليرى الشيخ البعير.
فلما رآه الشيخ أوجس خيفة في نفسه وهم بالفرار،لكنه تحامل على نفسه،فرؤية الجمل وفمه يخرج منه الزبد يأتيك الشك أنه حيوان مفترس،فبدأ "بدير" يحدث الشيخ عن هذا الجمل فقال: -أسميت هذا الجمل ب"السفاح"،فقد مات بسبه ثلاث نياق وأيضا قتل خمسة من الجمال،بل قد قتل انسان برك عليه حتى قتله.
فقال الشيخ:
- أخشى أن يقتل نياقي .
فابتسم وقال:
-إن كانت نياقك ستمتنع منه فلست أضمن لك ما يحدث،ولكن أن ولدت منه فسوف تدعوا لي فصدقني أني لا اسمح للسفاح أن يضرب ناقة أحد إلا بعشرة ألاف.
فتعجب الشيخ فقال له"بدير":
- لا تتعجب فأي ناقة يضربها يباع صغيرها بعد خمسة أشهر من ولادتها بخمسين ألف،ويختلف الأسعار باختلاف الناقة التي يضربها،فهناك ناقة كان أسمها "السلوى" ضربها "السفاح" فولدت ب"حاشي" باعه صاحبه بعد سنة بنصف مليون.
تذكر الشيخ الناقة التي أعطاها لأم "خالد" فهي أفضل ناقة بالقرية،فأخبر الشيخ صديقه "بدير"أنه يريد السفاح أن يضرب ناقة لأم مسكينة يعيش معها ولدها،فقال "بدير":
- من يعز عليك يعز علي، لكن اجلب الناقة في صباح الغد لأني سأسافر بعد أن تشرق الشمس بساعة.
وفي صبيحة اليوم الثاني اتجه الشيخ لأم "خالد"وقال لها:
-إن ناقة "البركة"أصبحت عالة عليكم فهي لم تعد تدر الحليب والآن عندي صديق بدوي معه جمل فحل فإن وضعنا ناقتكم معه لعلها تلد بعده بحاشي تربحون في بيعه نقود ليست بالقليلة وأيضا تشربون من حليبها.
فقالت أم "خالد":
- لا اخالف لك رأيا.
أخذ الشيخ الناقة وذهب بها إلى المكان الذي وضعوا فيه الفحل،طبعا جلست أم "خالد" تنتظر "خالد" يستيقظ فيجمع البيض من الحظيرة فتطبخه وتفطر عليه هي وابنها ،لم يطل انتظارها حيث خرج "خالد" كعادته متجها للحظيرة ،ولكنه لم يرى أمه الثانية وأقصد 'البركة" اسم الناقة،فجن جنونه ظنا أن أحدا سرقها فخرج لأمه مسرعا يخبرها بذلك،فهدأت من روعه وقالت:
- قد أخذها الشيخ لكي يضعها مع جمل صديقه.
أشتعلت نار الغيرة في قلب "خالد" وقال:
- كيف سمحتي له بذلك ولكي علي قسما لو لمس هذا البعير أمي لأقتله.
فأخذ عصا ضخمة كانت على الأرض واتجه لحظيرة الشيخ
،كان الشيخ و"بدير" يحتسيان قهوه الصباح ويتبادلان الحديث فاذا بهما يسمعان جلبة وصوت وصراخ،حيث أن "خالد" قد جاء ورأى "البركة" في الحظيرة فقفز السور الذي أحاط ب"السفاح" و"السفاح" متجه جهة البركة" فرأه "بدير" وبدأ يصرخ عليه ويقول:
- ارجع يا مجنون.
فالتفت الشيخ ورأى "خالد" متجها للبعير الهائج ،فوضع يده على رأسه وأغمض عيناه وهو يقول:
- يارب سلم سلم.
فلما تواجه "خالد" مع الجمل بدأ يضربه في رقبته ورجله ولم يتوقف فكلما أقترب الجمل منه ضربه حتى تراجع الجمل فأمسك بأمه "البركة" واحتضنها وقال:
- لا تخافي سأحميك منه.
وبدأ يقودها للباب والجمل يقترب منه فإن وقف "خالد" وأستعد تراجع الجمل، حتى أخرج الناقة من حظيرة الشيخ
،فلما رأه الشيخ سجد لله شكرا أنه سلم "خالد" فقال بدير:
- ان هذا الغلام لم يكن يدافع عن ناقة، بل كنت أشعر أنه يدافع عن عرضه فهو ضحى بحياته من أجل ما يعتقد أنه يحمي شرفه،فوالله ان توجه هذا الغلام للخير فسينفع الناس وأن توجه للشر فويلا للناس منه.
رجع "خالد" بالناقة إلى بيته،بينما ودع الشيخ"حسيب""بدير" وبعد أن سافر "بدير"مع جمله "السفاح"توجه الشيخ إلى أم "خالد" وعلامات الغضب مرسومة في وجهه،فلما وصل وجد أم "خالد" وأبنها جالسين بجوار الناقة "البركة" فقال الشيخ:
- ما فعلته اليوم يا "خالد" كان سوء أدب وقلة عقل.
ظل "خالد" ساكتا والأم تحاول بكلمات الأعتذار أن تهدأ الشيخ،ولكن الشيخ استمر بالكلام وقال:
- ما الفائدة من هذه الناقة أن لم تكن تلد او تحلب؟
فقال "خالد":
- ما ترجو من ولدك "عيسى" في الغد؟
فقال الشيخ:
- أريده أن يرعاني ويهتم بي في كبري.
فقال "خالد":
-وان كنت في ذلك الوقت لا فائدة منك، بل لو كنت لا تستطيع أن تخدم نفسك فهل هذا يحق لابنك أن يتخلص منك؟
فقال الشيخ :
-لم يلد "عيسى"رجل، بل ولد طفلا بذلت له مالي وصحتي حتى صار شاب قادر على الاهتمام بشؤنى،فهل ينسى بعد ذلك تعبي؟
فقال "خالد":
- فهل تريد أن أصبح عاق عند أمي؟ فوالله لا أريد منها أن تلد أو تحلب بل أريدها أن تعيش باقي حياتها في عز ورخاء وأنا أعرف ياشيخ أنك أعطيتني الناقة بلا مقابل ولكني أعدك عندما أكبر أعطيك ما تطلب من مال في أمي "البركة".
سكت الشيخ قليلا ثم قال:
- هل تعتبر هذه الناقة أم لك؟
فقال "خالد":
- نعم.
ثم قال الشيخ :
-وهل كنت تقاتل الجمل من أجل لا يهتك عرض الناقة التي تعتبرها أمك؟
فقال:
- نعم.
فقال الشيخ:
- صدق"بدير" صدق.
ثم أتجه إلى "خالد"وأمسك برأسه وقبله وأعتذر منه وقال:
- والله لو كنت أعلم بذلك ما كنت تجرأت ولمست ناقتك.
فلما أنصرف الشيخ ذهب الى"سيف" يخبره بما حدث وبما قاله "بدير"صديقه البدوي،فقال "السيف":
- صدق "بدير" يجب أن نوجهه للخير،وبعد أسبوع سيأتي الشيخ "محمود"ليستلم المسجد ويعلم أبناء القرية قراءة القرآن
ولكن يجب أن أحفز أبناء القرية لكي يتنافسون وبالأخص "خالد".
فقال الشيخ:
- كيف ستحفزهم؟
قال "السيف":
- غدا حين أجمع أبناء القرية أخبرك.
فلما أجتمع أبناء القرية في صباح اليوم التالي عند "السيف"والذي كان يرافقه الشيخ ليرى بما يحفزهم
فأخذهم إلى الإسطبل الذي يمتلكه،وقال لهم:
-من يجلس ساعة مع الشيخ "محمود" بعد صلاة العصر يتعلم قراءة القرآن، الساعة التي تليه يأتي هنا أعلمه الفروسية.
فرح ابناء القرية بذلك ولكن "السيف" قال:
- ليس ذلك وحسب،بل من يحفظ القرآن كامل أمنحه خيلا يكون أبوه "المشهر" كان في القرية يعبر عن معجزة وجدت ليعرف عن طريقه من الفارس المعجزة الذي يستطيع أن يمتطيه ويروضه.
انصرف أبناء القرية ليخبروا أهاليهم بما وعدهم به "السيف"وبقي "السيف" وابنه "سليمان" والشيخ"حسيب" وابنه"عيسى"وأيضا "خالد"الشارد الذهن فكل حواسه تراقب "المشهر"فأنتبه له "السيف" فقال:
- سأقول لكم حقيقة لا يعرفها إلا أنا حتى الشيخ لا يعرفها، هذا الخيل لم يستطع أن يركبه حتى الآن إلا رجل واحد.
فنظر الشيخ بتعجب وكذلك الأولاد داعبهم فضول المعرفة من هذا الرجل؟
فأشار "السيف" بيده ل"خالد" وقال:
- أبو هذا الغلام.
أمسك الشيخ "السيف" وقال:
- كيف حدث ذلك؟
قال "السيف":
- سأخبرك بحقائق حصلت بيني وبين "منصور".
وبدأ يسرد له كل ما حدث بينهم،ولم يقطع حديثه سوى صراخ "سليمان" و"عيسى" وهم يشيرون إلى "خالد"وهو يركض متجها إلى"المشهر"فما كان من الشيخ إلا أن وضع يده على رأسه وأغمض عيناه وهو يقول:
- يارب سلم سلم.
- أتي بثور فحل.
فأحضره لحظيرة أم "خالد" من أجل أن يزيد في أعداد الأبقار وبالتالي تزيد الأرباح،وبعد أن أدخل الثور نادى أم "خالد" ليخبرها أنه أحضر ثورا وأيضا يحذرها بأن لا تدخل حتى يأتي هو ويخرج الثور،ولكنه لم يجدها في البيت فقال في نفسه:
- سأمر عليها في الليل.
ولكنه نسي وكانت أم "خالد" و"خالد" في زيارة لزوجة "السيف"وكان "خالد" يلعب مع ابن "السيف" الذي كان يصغره بعام واسمه "سليمان"ولما أرادت العودة لبيتها قابلها "السيف" وسألها:
-هل يوجد لديك سمن؟
فقالت:
- نعم مرني غدا صباحا.
فقال:
- بكم؟
قالت:
- أما ما يخصني من قيمته فقسما لن أخذ منك شيء فجميلك علي كثير ويبقى عليك ما يخص "بشير".
فقال "السيف":
- كنت أريد أن أربحك ولكنك بقسمك بالله أجبرتيني على أن أخسرك.
فعادت لبيتها ومعها ابنها فناما مبكرا، فغدا لديهم الكثير من الأعمال،وبالفعل وفي صباح اليوم التالي، جاء "السيف" على موعده وكان "خالد" متجها كالعادة للحظيرة لحلب الأبقار،فسلم على عمه "السيف" وأستأذنه وما لبث قليل حتى خرجت له أم "خالد" ومعها السمن، فلما أخذه "السيف" سمع صوت صادر من الحظيرة،حيث أن "خالد" دخل كالعادة وبدأ يحلب الأبقار ولم ينتبه للثور،فنطحه الثور نطحة أخرج الدماء من رأسه.
فأسرع "السيف" إليه وحمله وذهب به المركز الصحي حيث قاموا بتخيط رأسه بثلاث رتب،فلما أرجعه للبيت وضعته أمه على الفراش وبدأت تضحك وتقول:
- لا تغضب مني، كيف لم تنتبه للثور؟ أين كانت عيونك؟
ثم أستأذنت من ابنها لبضع دقائق كانت تريد أن تشتري له هدية بمناسبة سلامته،فلما أرادت أن تنصرف نظرت له فلم تستطع أن تمسك ضحكتها،فقال:
- يا أمي أعدك أن لا يذهب دمي هدرا.
فحين سمعت امه ما قاله زادت في الضحك وقالت:
- أنصحك أن لا تقترب منه فأنا أخشى أن يقتلك.
بعد أن رحلت أمه أخد فاسا ودخل للحظيرة وبدأ صراع بينه وبين الثور، فبدأ "خالد" يضرب الثور في رأسه وبطنه ورجله،طبعا ذهب "السيف" إلى بيت الشيخ"حسيب" فوجد "بشير" عنده فقال له "السيف":
-كاد ثورك أن يقتل "خالد".
فضرب "بشير"رأسه وقال:
- يا رب قد نسيت أن أخبرهم سأذهب إليهم قبل أن يقع مكروه آخر.
فقال الشيخ :
-سأرافقك لأسلم على "خالد".
فقال "السيف":
- وأنا معك.
فلما وصلوا للبيت سمعوا أصوات ضرب في الحظيرة، فلما أقتربوا من باب الحظيرة شاهدوا الثور ميت بين دماءه و"خالد" مستمر في ضربه،وصلت أم "خالد" لترى بأم عينيها و"خالد" يقطع الثور، أمسكه "السيف" وهدأه خوفا أن يكون دم الثور هيجه،و"بشير" واقف لا يتحرك يناظر في عينا "خالد"فما كان من أم "خالد" إلا أن قالت:
-أنا أعتذر لك مما فعل أبني ولو كان ضربه سيعيد الثور حي لضربته حتى يوشك على الموت،ولكن ما يمكنني فعله أن أقسط لك قيمة الثور.
بدأ "بشير" يهز رأسه بالرفض ويقول:
- أنا أستحق ذلك فلم أخبرك بأمر الثور، وما فعله ثوري كان جديرا ب"خالد" أن يقطع الثور ويقطعني معه، لكن غدا سأتي وأخذ بقراتي.
فظلت أم "خالد" صامتة لا تدري ما تقوله،فلما انصرف "بشير" تبعه الشيخ و"السيف" وقالا له:
- ما بك تريد أخذ بقراتك؟ ألست تكسب من وجودها هنا النقود؟
قال:
- بلى، ولكني بعد أن رأيت نظرات "خالد" تذكرت نظرات أبوه،وأنتم تعرفون كيف كنت أتعامل مع "منصور" حيث كنت أقطع له أي سبيل في التعامل معي حتى أكتفي شره وبعد أن أختفى، كنت من أكثر الناس فرحا وأن تأكد خبر موته سأكون جدا سعيدا، فنظرات "خالد"تنذر بشؤم وأخشى أنه إذا كبر سيصبح كأباه،فأنا أريد أن أقطع أي تعامل معه فهو ان كبر سيصبح..
وأراد "بشير" أن يزيد في الكلام ،ولكن الشيخ قاطعه وقال:
- لا ورب الكعبة ما هو بمثل أباه ،فأنا أعرف أباه منذ كان صغيرا ،حيث كان الشر يظهر في كل أفعاله منذ صغره فإن أصبح "خالد" شريرا فإن ذلك بسبب تعاملكم معه.
ثم افترقوا،وفي صباح اليوم التالي جاء "بشير" لبيت أم "خالد" وكانت جالسة بقرب الحظيرة مع "خالد" فسلم "بشير" وأخد بقراته،وكانت نظرات أم"خالد" تودع البقرات بصمت فهذه البقرات قد اغدقت عليهم بالمال.
فأحس "خالد"بغلطته فأخذ عصا وأعطاها أمه وقال لها:
-عاقبيني على ما فعلت.
فنظرت له وقالت:
- وما فعلت؟
فقال بتعجب:
-ألست نادمة؟
طبعا أخفت الام مشاعرها وقالت:
-بالطبع لا ،فأنت أرحتني من عمل شاق،ومازال لدينا دجاج نأكل بيضها ولقد جمعت بعض المال يساعدنا أن نشتري بعضا من الخراف.
طبعا بات الشيخ محتارا، كيف يساعد أم "خالد"لكي يوفر لها لقمة عيشها،فخطرت في باله فكرة، فتذكر الشيخ أنه بعد غد سيأتي له صديق من البادية ومعه بعير فحل حيث تربط الشيخ بهذا البدوي علاقة وطيدة،وبالفعل وصل"بدير" الرجل البدوي ومعه البعير الفحل،استقبله الشيخ وأكرم ضيافته، وبعد أن تناولا وجبة الغداء خرجا ليرى الشيخ البعير.
فلما رآه الشيخ أوجس خيفة في نفسه وهم بالفرار،لكنه تحامل على نفسه،فرؤية الجمل وفمه يخرج منه الزبد يأتيك الشك أنه حيوان مفترس،فبدأ "بدير" يحدث الشيخ عن هذا الجمل فقال: -أسميت هذا الجمل ب"السفاح"،فقد مات بسبه ثلاث نياق وأيضا قتل خمسة من الجمال،بل قد قتل انسان برك عليه حتى قتله.
فقال الشيخ:
- أخشى أن يقتل نياقي .
فابتسم وقال:
-إن كانت نياقك ستمتنع منه فلست أضمن لك ما يحدث،ولكن أن ولدت منه فسوف تدعوا لي فصدقني أني لا اسمح للسفاح أن يضرب ناقة أحد إلا بعشرة ألاف.
فتعجب الشيخ فقال له"بدير":
- لا تتعجب فأي ناقة يضربها يباع صغيرها بعد خمسة أشهر من ولادتها بخمسين ألف،ويختلف الأسعار باختلاف الناقة التي يضربها،فهناك ناقة كان أسمها "السلوى" ضربها "السفاح" فولدت ب"حاشي" باعه صاحبه بعد سنة بنصف مليون.
تذكر الشيخ الناقة التي أعطاها لأم "خالد" فهي أفضل ناقة بالقرية،فأخبر الشيخ صديقه "بدير"أنه يريد السفاح أن يضرب ناقة لأم مسكينة يعيش معها ولدها،فقال "بدير":
- من يعز عليك يعز علي، لكن اجلب الناقة في صباح الغد لأني سأسافر بعد أن تشرق الشمس بساعة.
وفي صبيحة اليوم الثاني اتجه الشيخ لأم "خالد"وقال لها:
-إن ناقة "البركة"أصبحت عالة عليكم فهي لم تعد تدر الحليب والآن عندي صديق بدوي معه جمل فحل فإن وضعنا ناقتكم معه لعلها تلد بعده بحاشي تربحون في بيعه نقود ليست بالقليلة وأيضا تشربون من حليبها.
فقالت أم "خالد":
- لا اخالف لك رأيا.
أخذ الشيخ الناقة وذهب بها إلى المكان الذي وضعوا فيه الفحل،طبعا جلست أم "خالد" تنتظر "خالد" يستيقظ فيجمع البيض من الحظيرة فتطبخه وتفطر عليه هي وابنها ،لم يطل انتظارها حيث خرج "خالد" كعادته متجها للحظيرة ،ولكنه لم يرى أمه الثانية وأقصد 'البركة" اسم الناقة،فجن جنونه ظنا أن أحدا سرقها فخرج لأمه مسرعا يخبرها بذلك،فهدأت من روعه وقالت:
- قد أخذها الشيخ لكي يضعها مع جمل صديقه.
أشتعلت نار الغيرة في قلب "خالد" وقال:
- كيف سمحتي له بذلك ولكي علي قسما لو لمس هذا البعير أمي لأقتله.
فأخذ عصا ضخمة كانت على الأرض واتجه لحظيرة الشيخ
،كان الشيخ و"بدير" يحتسيان قهوه الصباح ويتبادلان الحديث فاذا بهما يسمعان جلبة وصوت وصراخ،حيث أن "خالد" قد جاء ورأى "البركة" في الحظيرة فقفز السور الذي أحاط ب"السفاح" و"السفاح" متجه جهة البركة" فرأه "بدير" وبدأ يصرخ عليه ويقول:
- ارجع يا مجنون.
فالتفت الشيخ ورأى "خالد" متجها للبعير الهائج ،فوضع يده على رأسه وأغمض عيناه وهو يقول:
- يارب سلم سلم.
فلما تواجه "خالد" مع الجمل بدأ يضربه في رقبته ورجله ولم يتوقف فكلما أقترب الجمل منه ضربه حتى تراجع الجمل فأمسك بأمه "البركة" واحتضنها وقال:
- لا تخافي سأحميك منه.
وبدأ يقودها للباب والجمل يقترب منه فإن وقف "خالد" وأستعد تراجع الجمل، حتى أخرج الناقة من حظيرة الشيخ
،فلما رأه الشيخ سجد لله شكرا أنه سلم "خالد" فقال بدير:
- ان هذا الغلام لم يكن يدافع عن ناقة، بل كنت أشعر أنه يدافع عن عرضه فهو ضحى بحياته من أجل ما يعتقد أنه يحمي شرفه،فوالله ان توجه هذا الغلام للخير فسينفع الناس وأن توجه للشر فويلا للناس منه.
رجع "خالد" بالناقة إلى بيته،بينما ودع الشيخ"حسيب""بدير" وبعد أن سافر "بدير"مع جمله "السفاح"توجه الشيخ إلى أم "خالد" وعلامات الغضب مرسومة في وجهه،فلما وصل وجد أم "خالد" وأبنها جالسين بجوار الناقة "البركة" فقال الشيخ:
- ما فعلته اليوم يا "خالد" كان سوء أدب وقلة عقل.
ظل "خالد" ساكتا والأم تحاول بكلمات الأعتذار أن تهدأ الشيخ،ولكن الشيخ استمر بالكلام وقال:
- ما الفائدة من هذه الناقة أن لم تكن تلد او تحلب؟
فقال "خالد":
- ما ترجو من ولدك "عيسى" في الغد؟
فقال الشيخ:
- أريده أن يرعاني ويهتم بي في كبري.
فقال "خالد":
-وان كنت في ذلك الوقت لا فائدة منك، بل لو كنت لا تستطيع أن تخدم نفسك فهل هذا يحق لابنك أن يتخلص منك؟
فقال الشيخ :
-لم يلد "عيسى"رجل، بل ولد طفلا بذلت له مالي وصحتي حتى صار شاب قادر على الاهتمام بشؤنى،فهل ينسى بعد ذلك تعبي؟
فقال "خالد":
- فهل تريد أن أصبح عاق عند أمي؟ فوالله لا أريد منها أن تلد أو تحلب بل أريدها أن تعيش باقي حياتها في عز ورخاء وأنا أعرف ياشيخ أنك أعطيتني الناقة بلا مقابل ولكني أعدك عندما أكبر أعطيك ما تطلب من مال في أمي "البركة".
سكت الشيخ قليلا ثم قال:
- هل تعتبر هذه الناقة أم لك؟
فقال "خالد":
- نعم.
ثم قال الشيخ :
-وهل كنت تقاتل الجمل من أجل لا يهتك عرض الناقة التي تعتبرها أمك؟
فقال:
- نعم.
فقال الشيخ:
- صدق"بدير" صدق.
ثم أتجه إلى "خالد"وأمسك برأسه وقبله وأعتذر منه وقال:
- والله لو كنت أعلم بذلك ما كنت تجرأت ولمست ناقتك.
فلما أنصرف الشيخ ذهب الى"سيف" يخبره بما حدث وبما قاله "بدير"صديقه البدوي،فقال "السيف":
- صدق "بدير" يجب أن نوجهه للخير،وبعد أسبوع سيأتي الشيخ "محمود"ليستلم المسجد ويعلم أبناء القرية قراءة القرآن
ولكن يجب أن أحفز أبناء القرية لكي يتنافسون وبالأخص "خالد".
فقال الشيخ:
- كيف ستحفزهم؟
قال "السيف":
- غدا حين أجمع أبناء القرية أخبرك.
فلما أجتمع أبناء القرية في صباح اليوم التالي عند "السيف"والذي كان يرافقه الشيخ ليرى بما يحفزهم
فأخذهم إلى الإسطبل الذي يمتلكه،وقال لهم:
-من يجلس ساعة مع الشيخ "محمود" بعد صلاة العصر يتعلم قراءة القرآن، الساعة التي تليه يأتي هنا أعلمه الفروسية.
فرح ابناء القرية بذلك ولكن "السيف" قال:
- ليس ذلك وحسب،بل من يحفظ القرآن كامل أمنحه خيلا يكون أبوه "المشهر" كان في القرية يعبر عن معجزة وجدت ليعرف عن طريقه من الفارس المعجزة الذي يستطيع أن يمتطيه ويروضه.
انصرف أبناء القرية ليخبروا أهاليهم بما وعدهم به "السيف"وبقي "السيف" وابنه "سليمان" والشيخ"حسيب" وابنه"عيسى"وأيضا "خالد"الشارد الذهن فكل حواسه تراقب "المشهر"فأنتبه له "السيف" فقال:
- سأقول لكم حقيقة لا يعرفها إلا أنا حتى الشيخ لا يعرفها، هذا الخيل لم يستطع أن يركبه حتى الآن إلا رجل واحد.
فنظر الشيخ بتعجب وكذلك الأولاد داعبهم فضول المعرفة من هذا الرجل؟
فأشار "السيف" بيده ل"خالد" وقال:
- أبو هذا الغلام.
أمسك الشيخ "السيف" وقال:
- كيف حدث ذلك؟
قال "السيف":
- سأخبرك بحقائق حصلت بيني وبين "منصور".
وبدأ يسرد له كل ما حدث بينهم،ولم يقطع حديثه سوى صراخ "سليمان" و"عيسى" وهم يشيرون إلى "خالد"وهو يركض متجها إلى"المشهر"فما كان من الشيخ إلا أن وضع يده على رأسه وأغمض عيناه وهو يقول:
- يارب سلم سلم.