قبائل

الياباني`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-07-29ضع على الرف
  • 45.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

في _شمال سيناء_شدت كلماتي رحالها لتنسج لكم قصة وقعت على أرض في بيئة وعرة،وبالتحديد على سفوح الجبال المرتفعة،التي لا يستطيع العيش فيها سوى الصقور وقبائل يعرفون بمسمى _القبائل الجبلية_

وبعد مشقة الصعود وصلنا للمكان المقصود،قرية نائية تحيط بها الأشجار وتسمع خرير الماء يتتدفق حتى يصل إلى مكان يتجمع فيه ليصبح أشبه بالعيون،وأيضا تشعر بانطباع حين تشاهد بيوتهم التي اعتمدوا على الصخور في بنائها،وأيضا ملابسهم لها سماتها الخاصة التي ميزت ساكني هذه الجبال.

كانت هذه القبيلة كبقية القبائل في تركيبها الاجتماعي،فذلك بيت الشيخ الذي يتضح أنه أكبر البيوت الموجودة في تلك القرية،وأيضا يوجد فيه رجال لهم شأن في القبيلة كفارسها وحكيمها وشاعرها وتاجرها، فكل هؤلاء لا يمكن تجاهلهم،وأيضا يوجد فيها من ألحق اسمه باسم القبيلة،ولكن له حدود يجب أن لا يتجاوزها،فهذه أعراف وضعها الناس الإسلام بريء منها،فلا فرق في الأسلام بين الناس إلا بالتقوى.

وبعد أن أخذتك في نبذة مختصرة عن تضاريس المكان وطبائع السكان نبدأ بقصتنا.

"منصور" رجل جمع بشاعة المنظر وسوء الأخلاق،وكان يمثل الصعاليك في قديم الأزمان،فكانت كل أفعاله للشر تنسب،وكانت عيناه صغيرتان،وكان صديقه يمازحه ويقول له كأن عيناك اثقاب مسمار،صديقه هذا يدعى "مختار".

جلسا "منصور" و"مختار" وهما في حالة سكر شديد، فقال "منصور":

- بئسا لهذه القبيلة التي يتزعمها الشيخ "حسيب"،فهو حينما يراني كأنما يرى الشيطان.

فأجابه "مختار" قائلا:

-بل قل المدعو ب"السيف الفارس" الذي به يفرحون،كم حدثت نفسي أن أمسح وجهه بالتراب حتى يعرف قدر نفسه.

فضحك "منصور" وقال:

- يبدو أنك نسيت أخاك "عبدالرحمن"،أنا سمعته وهو يحذرك من مصاحبتي وينذرك ويحذرك مني ويصفني بالشؤم.

قال "مختار" :

-دعك من أخي فأنت تعرف طباعه فهو يحب الدنيا ويرى أن من يملك المال يعد من الرجال،ولكن أسوأ من في هذه القرية المسمى "جاسر" الذي يظن أنه أصبح ابن تاجر لما أمتلك ابوه اكثر من مائة رأس من الغنم.

فتقادحت نظرات "منصور" شرارا وقال:

- هل رأيت أخته "شيماء"؟

قال "مختار":

-لا لم أرها،فهل رأيتها؟ وكيف رأيتها؟

قال "منصور":


- شاهدتها وهي ترعى غنم ابيها في طرف بيتهم،حيث كنت مخمورا،فلم أستطع أن أعود إلى البيت وأنا بهذا الحال،وأنت تعرف شراسة أمي،ان رأتني قد تقتلني، فنمت بين الصخور وما أفقت إلا على ثغاء الأغنام،فلما فتحت عيني ورفعت رأسي رأيت "شيماء" وهي كاشفة تحلب احدى الشياه

،ماذا أقول لك يا "مختار"؟ كنت قد أضمرت في نفسي أن أهجم عليها،ولكن حال دون ذلك أبوها،الذي كان يجلس بجوارها وبيده بندق، فخشيت من هذا المسن المعتوه أن يطلق الرصاص علي، ولكني عزمت أن أراقبها حتى ان سنحت لي فرصة انقضيت عليها.

ضحك "منصور" وقال:

- لم أعرف مجنونا أكثر منك.

كان في القرية مدرسة،وفي كل عام يأتون معلمين جدد ؛لأن المعلمون السنة الماضية اما ينقلون أو يفصلون؛ لصعوبة الحياة بالنسبة لأشخاص عاشوا في المدن.

وفي بداية ذلك العام كان من ضمن المعلمين الجدد معلم اسمه "ياسين"،كان من مدينة القاهرة،ولم يرضى أن يسكن في المدرسة مع بقية المعلمين؛فبحث عن سكن في قرية،فدله بعض الناس لأبو "جاسر"،الذي يملك مجلس خارجي بجوار بيته.

ذهب إلى أبو"جاسر"،فوجد "جاسر" موجود مع أبيه،فرحبا به وقاما بضيافته على أكمل وجه،كان "جاسر" يحب أن يعرف كل شيء عن القاهرة ،فسأل "ياسين" عنها،فقال "ياسين":


-القاهرة أصبحت دولة في داخل دولة،من كبرها وكثر سكانها،فالزحام هو عنوانها،وأصبحت ناطحات السحاب جبالها الشاهقة،وأسواقها الضخمة بساتينها التي تقضي فيها

بالساعات،ولا تمل من البقاء فيها،أنا أعجز أن اصف لك القاهرة بكلمات،ولكن ان شئت أخذتك معي في إجازة الأسبوع لتراها بعينك.

دخل السرور لقلب "جاسر"، ثم قال "ياسين":


- أعود لموضوع الغرفة،أريد أن أعرف كم ايجارها؟

نظر أبو "جاسر" ل"ياسين" وقال:


- هذه ليست غرفة،بل مجلس للضيافة بنيته،ولكن اعترض أفراد القبيلة علي،فكيف أبني مجلس للضيافة ومجلس الشيخ مفتوح فأقفلته؛حتى لا تصبح هناك مشاكل من هذا الموضوع، فما دمت أنت في هذا المجلس فأنت ضيفا علي.

وبالفعل سكن "ياسين" بالمجلس،ومضت الأيام،بينما كان "ياسين" ينظر من نافذة المجلس قبيل غروب الشمس،وكان الهواء شديدا،مما جعله يقف خلف النافذة ويتعجب من الهدوء والسكينة التي تحيط بالمكان،وما لبث غير قليل

إلا وأصوات الماشية التي تقودها شيماء جعلت الأجواء تتحرك وأبوها برفقتها،ومرت الماشية من جوار سكن "ياسين"،و"شيماء" تساعد أبوها المسن في إدخال الماشية لحظيرتها،ولكن الهواء الشديد رفع حجاب "شيماء"؛ليرى "ياسين" وجهها الذي بدى كالقمر.

أصبحت صورة وجه "شيماء" راسخة رسوخ الجبال في قلب "ياسين"،وأصبح القلب متيم بحب فشيماء من النظرة الأولى،

كان "ياسين" يكن لعائلة أبو"جاسر" كل أحترام،فكل وجباته كان يجدها عند الباب؛حيث كانت "سميرة" البنت الكبرى لأبو "جاسر" هي من تقوم بأعباء البيت من طبخ وتنظيف؛لأن أمها قد توفت بعد سنتين من ولادتها لابنتها "شيماء"،وكانت هي من تعد الطعام ل"ياسين"،ثم تضعه عند باب المجلس الذي يسكن فيه "ياسين".

كان "ياسين" يستمتع جدا بالطعام لأنه يتخيل يد "شيماء" وهي تطبخه،وأصبح يردد في نفسه ويقول:


- أريد أن أتزوج طاهية هذا الطعام.

وفي منتصف السنة وفي عطلة ما بين الفصلين، أقترح "ياسين" على "جاسر" أن يرافقه إلى القاهرة،فالأجازة مدتها أسبوع يمكنه من خلالها أن يتعرف على مدينة القاهرة، وبالفعل سافر "جاسر" إلى القاهرة،وأصبح منبهر ومعجب بها كثيرا،وفي الحقيقة كان "جاسر" يحب أن يعيش في المدن ويريد بأي شكل أن يخرج من القرية التي يسكنها.

فسأل "جاسر" "ياسين" قائلا:


- هل يمكن أن ننتقل للعيش بالقاهرة؟

شعر "ياسين" بالفرحة،فكيف لا يفرح والفتاة التي عشقها ستأتي وتسكن قريبة منه،وبدأ يقنعه ويطمعه بالتجارة التي ستدر عليه أموال كثيرة.

أقتنع "جاسر"، لكن كان عليه أن يقنع والده بأن يبيع ماشيته ومزارعه ويرحل للعيش بالقاهرة،ولكن هذه المهمة مستحيلة؛ فلن يوافق ابو"جاسر" بأن يترك أرضه وأرض آبائه وأجداده، بالإضافة الى أنه من العيب والعار ان يبيع أرضه في عرف قبيلته،وبعد أن عاد "جاسر"،حاول أن يقنع أبوه ،ولكن كل محاولاته باءت بالفشل.

ومع مرور الأيام،صدر اسم "ياسين" في قائمة المنقولين لمدينة القاهرة،وأصبح الوقت يداهمه حيث لم يبقى على نهاية العام الدراسي سوى شهر واسبوعان،وهو يكاد يجن،فصورة

"شيماء" لم تغادر عقله،وهو جالس يفكر وينتظر العشاء طرق الباب،فأعتقد كالعادة أن "شيماء" أحضرت العشاء ووضعته عند الباب ثم غادرت،فلما فتح الباب وجد "جاسر" يحمل صينية الطعام فرحب به،فقال "جاسر":


- شعرت ببعض الضيق، فقلت أتي اليك واتناول العشاء معك.

كتم "ياسين" فرحته بقدوم "جاسر" له؛لأنه يمكنه أن يخطب أخته منه،فبدأ "ياسين" يسأله قائلا:

-ماذا حدث في موضوع انتقالكم للقاهرة؟

فقال "جاسر":

-يحتاج الموضوع وقت أكبر.

ثم بدأ "ياسين" يثني على مذاق الطعام وقال مازحا:

-أسأل الله أن يرزقني بزوجة تطهو مثل هذا الطعام.


فهم "جاسر" ما ينوي "ياسين" قوله، فقال "جاسر":

- ان كنت تريد أختي زوجة لك فأنت تعرف مكان بيتنا.

ثم رجع "جاسر" يسأله عن كيف الاستثمار في الرياض ، وأستمر الحوار بينهم عن التجارة،وكيفية كسب الأموال،ثم استأذن "جاسر" وذهب لمنزله،بينما بقي "ياسين" جالس شاردا في خياله،ففي كلام "جاسر" الموافقة،بشرط أن يأتي لخطبتها.

وبدأ ينتظر شمس الغد، متى تشرق؟ ليذهب إلى بيت أبو "جاسر" ويتقدم لخطبة الفتاة، التي لم تغب عن باله لحظة واحدة ، وبالفعل وفي مساء اليوم التالي،توجه "ياسين" إلى أبو"جاسر" وقال:


- أريد أن أخطب طاهية الطعام.


ضحك أبو"جاسر" وقال:


- تريد أن تحرمنا طيب الطعام،لا مانع لدي،فلقد رأيت منك ما أثلج صدري،فنعم الرجل أنت،ولكن الأمر يعود لها.

ثم قال ل"جاسر":


- أنهض وأسأل أختك.


وذهب "جاسر" وسأل "سميرة" قائلاً:

- هل توافقين على "ياسين"؟

ومن خجلها وصمتها عرف موافقتها،ولم يمضي أسبوعان حتى أصبحت "سميرة" زوجة ل"ياسين"،طبعا بقي شهر لكي ينتقل "ياسين" للقاهرة،فما كان من "سميرة" إلا أن سكنت معه في المجلس الذي يسكنه،فلما دخلت عليه ورأى وجهها تعجب؛فليست هذه الفتاة التي أرادها،ولكنه أخفى ذلك في نفسه.

بدأ يحاول من محاورتها أن يعرف ما حدث،فقال لها:

- من كان يطبخ لي الطعام اللذيذ؟

فأبتسمت وقالت:

-هل كان يعجبك طبخي؟

فقال:

- إذا أنت من تطهين؟

قالت:

- نعم أنا.

فقال:

- هل أحد يساعدك؟

فقالت:

-أن الأعمال مقسمة بيني وبين أختي وأخي،فأنا اقوم بأعمال البيت،وأخي يهتم بالمزارع،وأختي "شيماء" تساعد أبي في رعي الغنم.


هنا اهتز قلب "ياسين"،وعرف أن "شيماء"هي من سكنت قلبه،والآن أصبحت "سميرة" هي زوجته،وهذا يعني أن "شيماء" صارت بعيدة المنال،فما كان منه إلا أن تقبل الأمر وعاش الواقع.

وبعد مضي شهر،انتقل "ياسين" إلى القاهرة مع زوجته "سميرة"،بقي "جاسر" يحاول أن يقنع أبوه بالانتقال للقاهرة لكن دون جدوى.


بينما "جاسر" يمشي في القرية،وجد أمامه "منصور" وبرفقته صديقه "مختار" الذي يرافقه ابنه مروان ذو الأربع سنوات، وبدأ "منصور" يتغزل في أخت "جاسر" "شيماء" دون استحياء أو خجل،مما آثار "جاسر"،فأنقض على

"منصور" دون شعور،ولكنه تفاجأ أنه يلكم صخرة صلداء لا تتحرك ويبدو أن "منصور" انتهز الفرصة،ثم بدأ يضرب "جاسر" ضرب حتى ساواه بالأرض،ثم وضع قدمه على وجه "جاسر" وبدأ يأمره أن يتعهد بأن لا يتجرأ ويمد يده عليه،فما كان من "جاسر" إلا أن رضخ وردد ما طلب منه "منصور".

قام "جاسر" وذهب للشيخ وحدثه بما حدث،فما كان من الشيخ سوى أن أرسل لفارس القبيلة كان أسمه "حسيب"،ولكن كان لقبه أصبح هو الشائع بين الناس،وكانوا يسمونه بالسيف، بالفعل ذهب "السيف" إلى "منصور" وحذره من أن يعود لفعلته،ضحك "منصور" وقال:


-أتذكر يا "السيف" سارق غنم القبيلة الذي لحقت به؟

طبعا بدأ "السيف" يسترجع ذاكرته،فكيف ينسى؟ يذكر وهو في عتمة الليل،الراعي يصرخ ويستنجد من لص سرق إحدى الشياه،فأجاب "السيف" النداء،وبدأ يتبع الأثر حتى وصل للرجل ووجده ملثم يقود خروفا بيده،فأوقفه "السيف" ولما نظر لعيونه عرف أنه "منصور"،

فعيونه الصغيرة فضحته،لكن "منصور" لم يبالي ب"السيف" ولم يصغي لتهديده،فما كان منه سوى أن مضى قدما،فما كان من "السيف" إلا إيقافه بالقوة،ولكن هيهات،فلم يضع "السيف" يده على كتف "منصور" إلا وهو على وجهه متمرغا بالتراب، و"منصور" ممسك برقبته وهو يقول:


- لا أحب أن أقتلك وأنت فارس قبيلتنا،ولكن ان تبعتني مرة أخرى فسوف أقتلك.

ثم مضى "منصور" يقود الغنيمة التي سرقها،نهض "السيف" والتراب قد التصق بوجهه وثيابه ثم أتجه لخيله وجعله يتقلب على التراب،وما لبث قليل إلا ورجال من قبيلته تبعوا الأثر حتى وصلوا له،فلما رأوا حاله سألوه:


-ماذا حدث لك؟

فقال:


- عثر الخيل فسقط وسقطت معه.

فخافوا عليه أن يكون قد أصيب،فلم يعد يهمهم أمر السارق، وانما صحة "السيف" هي الأهم،فرجعوا إلى بيوتهم،كل هذه الأحداث مرت سريعا برأس "السيف" وهو واقف أمام "منصور".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي