الفصل الاخير

حيث قال"عبدالرزاق" ل"جاسر":
- هل لا تزال تذكر"منصور"؟
فقال"جاسر":
- كيف تريدني أن أنسى ذلك اللعين؟
فقال "عبدالرزاق":
- حين ترى "ذو" ستترحم على "منصور".

شعر"جاسر" بالقشعريرة وعاد الى_القاهرو_ بعد أن اتفق مع "حسن" وبعد يوم من رحيل "جاسر" عاد "ذو" ورفاقه من _القاهرة_ وسمع "ذو" بقدوم خاله فسأل جدته فقالت:
- نعم جاء إلى القرية.
فقال "ذو" لجدته:
- هل يشبه أمي؟
فقالت جدته :
-لا الفرق بينهم كالفرق بين النور والظلام.
ابتسم "ذو" وقال:
- يبدو أنك تكرهين"جاسر".
قالت جدته:
- حين تراه ستعرف لماذا أكرهه.

بالطبع كان "حسن" قد أتفق مع"جاسر" أن يشتري الأعلاف من شخص محدد كان أسمه "سامر"وكانت أسعار الأعلاف عنده مرتفعة لجودتها عن باقي الأعلاف، بالطبع كان"جاسر"قد منح "حسن" عامل اسمه "ربيع"وكان الهدف من ذلك أن يغري "حسن" بمخالفة ما أتفق مع "جاسر".

وبالفعل كلفت الأعلاف في الشهر الأول أكثر من خمسة عشر ألف جنيها، فبدأ "ربيع"يغري "حسن" بأنه يستطيع أن يشتري أعلاف من شخص أخر بأقل من ضعف هذا السعر أي بسبعة آلاف وخمسمائة جنيها، لكن "حسن" كان مترددا فلما أخبر زوجته بذلك كادت تجن من الفرح وأقنعته أنه لا يمكن ل"جاسر"معرفة ما يحدث، فالأغنام لا تتكلم حتى تخبره عن سوء الأعلاف التي يقدمها لها.

وكان"جاسر "بداية كل شهر يحول خمسة عشر ألف لحساب "حسن" لكي يصرف على الماشية، ومر الشهران بسلام حيث وفر "حسن" سبعة الاف جنيها وخمسمائة جنيه، كان يعطيها ل"ربيع" لكي يسكت ولا يتكلم، ثم بدأت خطة"جاسر" تمشي في الطريق الصحيح حيث جاء صاحب أعلاف إلى "حسن" وعرض عليه أعلاف لا تكلفه إلا خمسة آلاف جنيه،
شعر "حسن" أن الثراء صار قريب منه، وتمت الصفقة وبعد مضي ثلاثة أيام حدث ما لم يكن في حسبان "حسن".

وفي صباح اليوم التالي وجد "حسن" جميع الأغنام قد ماتت ومن سوء حظه كما يعتقد أن"جاسر" جاء في نفس ذلك اليوم، ولم يكن يعرف أن"جاسر"كان يخطط لذلك.

جاء "جاسر" واصطنع الإندهاش وذهب وأحضر طبيب بيطري الذي أحال سبب وفاة الماشية إلى الأعلاف التي أكلتها.

بدأ "جاسر" يتوعد ويهدد بخراب بيت "سامر" و"حسن" يكاد يقع من الخوف، ذهب "جاسر" إلى "سامر" وأخذ معه "حسن" وبدأ "جاسر" يصرخ في وجه "سامر" فقال "سامر":
- لا تصرخ وأحذر أن تتجاوز حدودك فهذا الرجل.
وأشار إلى "حسن" وقال:
- لم يشتري من عندي منذ شهران.

فنظر"جاسر" إلى "حسن" بنظرة غضب وقال: -أصحيح هذا؟
فقال "حسن":
- نعم.
فقال "جاسر":
-دلني على من اشتريت منه.
فقال "حسن":
- اشتريت من بائع متجول.

حينها زاد صوت "جاسر" بالإرتفاع وبدأ يوبخ "حسن" ويتوعده بالسجن، سقط "حسن" بين أرجل "جاسر" يترجاه لكن دون جدوى، بالطبع أتجه"حسن" إلى صديق "جاسر" الجديد "عبدالرزاق" الذي ذهب معه لبيت "جاسر".

وبدأ "عبدالرزاق" يطلب "جاسر" وكان قد اتفقا مسبقا على ما يطلبه، فقال "حسن":
- خذ بيتي مقابل ديني.
ضحك "جاسر" وقال:
- بيتك لا يساوي مائة الف.
فقال "عبدالرزاق":
- عندي الحل.
فنظر "حسن" له وقال:
- ما هو؟
قال "عبدالرزاق":
-أن تزوجه بنتك سلمى.
فقال "حسن":
-أما بنتي فلا فهي صغيرة بالنسبة ل"جاسر".
غضب"جاسر" وقال؛
- اترفض أن تناسبني أقسم أن أدخلك السجن.

ذهب "حسن" إلى زوجته وأخبرها بما حدث فخاصمته ولامته كيف يفوت على "سلمى" زوجا كهذا، ثم قالت:
- أذهب وأخبره بموافقتك.

و"سلمى" تبكي عند رجل أمها وتقول:
- لا أريد أن أتزوجه .

وأمها تسكتها وتقول:
- أنتي لا تعرفين مصلحتك.

ذهب "حسن" وأخبره بالموافقة بالزواج منها، لكن "جاسر" بدأ يتبجح على "حسن" ويقول:
- زواجي من ابنتك شرف لك ولعائلتك الساقطة.
ثم قال:
-أسمع شروطي سوف أتزوج ابنتك مسيار ولن تبقى معي لأكثر من أربعة أشهر وبعدها سأطلقها، وبعد أن تنتهي عدتها ستزوجها ل"ربيع" وستبقى زوجته حتى يعود لبلاده فإن قرب سفره سأجعله يطلقها.

عرف "حسن" أن "جاسر" يريد أن يذله وأصبح بين نار السجن ونار الذل، كان "ذو" يبحث عن"جاسر" يريد أن يراه وكان أحد شباب القرية يرافقه لكي يريه "جاسر".

وبالفعل أشار الشاب ل"ذو" إلى رجل يمشي مع "عبدالرزاق" وقال:
- هذا خالك.

شعر "ذو" بشيء من الحنان فهو يرى أخ أمه، كان "عبدالرزاق" يمشي مع "جاسر"و يحذره من غضب "ذو" أن عرف بالموضوع و"جاسر" لم يكن يبالي بما يقوله "عبدالرزاق".

وفجأة شعر "جاسر"أن طلقه مرت من جواره، فنظر "جاسر" لمصدر الصوت ورأى شاب ممسكا بمسدس كان يرده لمخبأه فقال وهو يرتجف:
- من هذا؟
فقال "عبدالرزاق":
- هذا "ذو".
فقال "جاسر":
- كان يريد أن يقتلني؟
فضحك "عبدالرزاق" وقال:
-لو كان يريد قتلك لوضع الرصاصة بين عينيك، ولكنه أصاب العقرب التي كانت تمشي على ثوبك.

ثم أشار إليها على الأرض فرأى "جاسر"العقرب ميتة، فقال "عبدالرزاق":
-أن أردت أن تسمع نصحي فلا تدخل يدك في جحر الأفعى.

أراد "عبدالرزاق" الإنصراف لكن"جاسر" رفض وأصر أن يتناول معه وجبة الغداء فأضطر "عبدالرزاق" مع اصرار"جاسر" الموافقة، فلما دخل "عبدالرزاق" بيت "جاسر"شعر "عبدالرزاق" أنه لم يدخل هذا البيت قط، فلقد غير"جاي " كل شيء في البيت.

ومما زاد عجب "عبدالرزاق" الطائر الذي يرحب به فوقف مندهشا، ضحك "جاسر"وقال :
-يعرف هذا الطائر بالببغاء وهو يقلد الكلام ولقد اشتريته بمائة ألف جنيها.

ازدادت دهشة "عبدالرزاق" ولما قربا على الغداء قال "عبدالرزاق":
- أريد أن أسألك سؤال لكن أخشى أن تفهمني خطأ.
قال "جاسر":
- أسأل.
فقال "عبدالرزاق":
-هل تفوق ثروتك العشرة مليون؟
ابتسم "جاسر"وقال:
- بل أرباحي السنوية تصل العشرة مليون.
اندهش "عبدالرزاق"وقال:
-ولما عدت إلى القرية وأنت تمتلك هذه الثروة؟
قال "جاسر":
-لا زال في قلبي جرح لم يلتئم ولن يلتئم إلا أن انتقمت له.
قال "عبدالرزاق":
-سأصارحك القول لو كان "منصور" حي لما تجرأت للقدوم إلى القرية، ولكنك لم تأتي إلا وقد عرفت بموت "منصور" لكن الشخص الذي وصل لك المعلومات لم يكن أمينا لأنه لم يخبرك أن "منصور" رحمة عندما يغضب "ذو".

هز "جاسر"رأسه وقال:
- عيونه الصغيرة ذكرتني ب"منصور".

شعر "ذو" من نظرات "جاي " أن هذا الرجل شخص متكبر وحاقد وتذكر كلام جدته، فلما عاد إلى البيت وجد جدته تكاد أن تنفجر من الغضب، فسألها:
-ما بك؟
فقالت؛
- ألم تسمع ما حدث؟
فقال :
-لا لم اسمع ما الذي حدث؟
فقالت :
-هذا المدعو "جاسر"ورط عمك في ديون في مشروع فاشل وبعد أن خسر المشروع هدد عمك بالسجن
أو أن يزوجه أبنته وليس هذا وحسب بل ويطلقها بعد أربعة أشهر وبعد أن تقضي العدة يزوجها لعامله "ربيع" فإن سافر إلى بلده يطلقها.

كانت تظن أم "منصور"أن "ذو" سينفجر غضبا لكنها تفاجأت بردة فعله الباردة، أحست أم "منصور"أن "ذو" يكره عمه "حسن" كره كبير ويتمنى أن يراه يهان، فبدأت جدته تقول :
-مهما حدث فالدماء لا تصبح ماء وتذكر أن ابنة عمك "سلمى" ليس لها ذنب فيما حدث.

حينها ولأول مرة ينظر لجدته بنظرات غاضبة فقال:
-حتى أنا ليس لي ذنب فيما حدث فأنا أعيش حياتي كلها أسدد فيها أخطاء الأخرين فكل هذا المجتمع يعاقبني على جريمة ليس لي فيها ذنب، ولكن كوني يا جدتي مطمئنة فأنا سوف أوقف "جاسر" عند حده
ولكن ليس من أجل ابنك "حسن" ولا حتى من أجل "سلمى" بل من أجل حاجة في نفسي.

وبعد أن صلى أهل القرية العشاء ذهب الكل الى بيوتهم وهكذا فعل"جاسر " فلما دخل بيته نظر إلى القفص الذي لم يجد فيه ببغاءه فنظر إلى الكراسي في الصالة فرأى البببغاء يلطم بجناحيه على الأرض فلما اقترب منه رأى أبر مغروسه في عيناه وأذناه.

أرتعب"جاسر" من هذا المنظر، ولكن رعبه زاد لما ظهر له شخص في الظلام وهو يقول:
-من يريد الإنتقام لا يدخل قلبه الخوف.

فبدأ "جاسر"يرتجف ويسأل:
-من أنت؟
فتوجه إلى المصابيح فأنارها، فرأى "ذو" جالس وبيده شيء صغير ينظر له، فقال "ذو":
- أتعرف ما هذا؟
لكن "جاسر"بقي صامت فقال "ذو":
-هذا لسان ببغاؤك الجميل، أتعرف ما ذنب هذا الببغاء الجميل ليواجه هذا المصير؟ ذنبه أنك صاحبه
أتعرف أن كثيرا من الناس سيعتبرني متوحشا لا رحمة له تعاطفا مع هذا الببغاء الجميل مع أنهم كانوا وحوش معي ومع كل اللقطاء، أتعرف يا خال ؟

ثم بدأ "ذو" يضحك ويردد كلمة :
-يا خال يا خال.
ويقول:
- أشعر أن هذه الكلمة لا تحبني كما أعلم أنك لا تحب سماعها مني، فدعني أناديك بإسمك، أسمع يا"جاسر" أحيانا لا ألوم أبي على ما فعل بأمي أتعرف لماذا؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي