الفصل السادس

وفي اليوم التالي حضر"خالد" للمدرسة وبدأ "وائل" بتعليمهم فبدأ يرد ثلاثة أحرف من حروف الهجاء بحركاتها الثلاثة والطلاب يرددون خلفه فشعر بحنين لقصائد المتنبي،فبدأ يشدوا ببيتين والطلاب يستمعون،فقال:

-الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم ،أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلامتي من به صمم.


ثم سكت وكأنه يلوم حظه الذي أردى به في هذا المكان،ولكن صوت طالب يردد الأبيات التي قالها، أيقظته من سبات فكره فنظر فرى من يسميه ذو العيون الصغيرة يردد الأبيات
فاندهش، كان "خالد" يظن أن المدرس يريدهم ترديد هذه الأبيات كما الحروف الباقية،فأراد "وائل" أن يتأكد أن هذا الطالب ليس حافظ القصيدة،فبدأ يردد قصيدة أخرى وقال:

-مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من على.


فبدأ "خالد"يردد االبيت،فاندهش الأستاذ وذهب لأحد زملاءه فأحضره إلى الفصل فقال:

- في هذا الفصل طالب عبقري.

فقال زميله:

- ذلك ذو العيون الصغيرة يحفظ البيت من أول سماع له.


ثم أمسك الأستاذ "وائل" ب"خالد"وأخرجه على السبورة ثم قال:

-أنت نعم ذو عيون صغيرة ولكن ذو عقل كبير.


بابطبع كان "وائل" يرى أن هذا الكلام ثناء ،ولكن "خالد" كان يشعر بأن كلمة ذو العيون الصغيرة إهانة، حتى انتهى اليوم الدراسي فبدأ"مروان" والأربعة الآخرون ينعتون "خالد" بذو العيون الصغيرة،لم يرد عليهم "خالد" ومر من جوارهم، فبدأ"مروان" ينعته بابن الشوارع ،ولكنه لم يكملها إلا واللكمات تتوالى على وجهه، فلما رأى البقية ما حدث أطلقوا أرجلهم للريح هاربين.


فلما رأى "عبد الرزاق" ما حدث لإبنه ذهب للشيخ"حسيب" في وقت الظهيرة وبدأ يهدد ويتوعد أن يقتل هذا الغلام،فبدأ الشيخ يحاول أن يهدئه ويقول له انه مجرد أطفال، فأقسم "عبدالرزاق" أنه لو ذهب ذو العيون الصغيرة للمدرسة سيقتله ثم ذهب.


وبعد أن صلى الشيخ صلاة العصر ذهب لبيت أم "خالد "وقال:

- أني أرى أن تفصلي "خالد"هذا العام من المدرسة وفي العام القادم يدرس مع ابني "عيسى" وأبن "السيف"" سليمان".


فقالت أم "خالد":

-هل في الأمر شيء لا أعرفه؟


قال الشيخ:

- بل أنت تعرفي ما حدث اليوم بين ولدك وبين ابن "عبدالرزاق" ولكن الذي لا تعرفيه أن "عبدالرزاق" أقسم لو ذهب "خالد" للمدرسة سيقتله، فأنا لا أريدك تقحمي الطفل في مشكلة أكبر منه.


دخلت أم "خالد" البيت والهم يعتريها،كيف تقول ل"خالد" افصل وهي من كانت تحثه على الدراسة؟


فلما أخبرته بذلك قال "خالد":

- هل هو خوف من شر أبو"مروان"؟


فقالت:

- نعم.


فقال "خالد":

- هل أنتي أمي؟


فسكتت، فسألها مرة أخرى:

- هل ما قاله"مروان" صدقا؟


ظلت صامتة، احس "خالد" أن ما يقال حقيقة،فقالت أم "خالد":

-اسمع يا ولدي، أنا أخطأت عندما قلت لك اضربه إن تكلم عليك.


فقال:

- تريديني أن أصبر على إهانته ؟ لن أقول لكي إلا سمعا وطاعة.


وبالفعل ترك "خالد" الدراسة للعام القادم،ومرت هذه السنة وهو يتلقى الإهانة من"مروان" كلما وجده،فأصبح "خالد" يتحاشاه،بل هناك شيء أخر، أن أغلب القرية أصبحوا ينادونه بذو العيون الصغيرة ما عدا الشيخ و"السيف" وأمه.


ومرت الشهور وبدأ العام الجديد، وبدأت تنشأ صداقة حميمة بين "خالد"و"عيسى"و"سليمان" حيث كانوا في فصل واحد طبعا الأستاذ "وائل" نقل، لكن تسميته ل"خالد"بذو العيون الصغيرة بقيت ما بقى "خالد"وبدأت عبقرية ذو العيون الصغيرة تدهش أساتذته،ومع ذلك فإن"خالد" أصبح يلقب ب"ذو"وهذا مختصر لاسمه الذي بدأ أهل القرية ينادونه به.


أثناء ذلك الشيخ "محمود" وبعد أن انتهى "ذو" من حلقة القرآن لم يسمح له بالانصراف، ثم سأل الطلاب:

- من منكم يجيد السباحة؟


فرفع اثنان فقط أيديهم، فقال الشيخ "محمود":

- أخبرني"سمير" عن وجود بركة ماء تصلح للسباحة ولن يذهب أحد منكم لإسطبل الخيل حتى يجيد السباحة.


فلما وصلوا للبركة أمر الشيخ "محمود" اللذان قالا أنهم يسبحا أن يسبحا فسبحا، ولكن كانت سباحتهم خاطئة ،حيث لم يصلا إلى الطرف الآخر إلا بعد أن انكهت قواهما،فبدأ الشيخ "محمود "يعلمهم السباحة، ثم وعد الشيخ "محمود" أنه بعد شهران من الآن سيقيم مسابقة، والفائز سيعطيه جائزة قيمة.


بدأ الجميع يتعلم السباحة فبعد نصف ساعة خرج الجميع وقد أنهكهم التعب ما عدا "ذو" كان يهمه أن يتعلم أي شيء بأسرع ما يمكن وأن يصبح الأفضل،فبدأ الشيخ "محمود" يعلمه الطريقة الصحيحة في السباحة ،وبالفعل ومع مرور الأيام بان واتضح للعيان الفرق الشاسع بين "ذو" ورفاقه.


وبعد مرور الشهران نصف الطلاب انسحبوا وقالوا:

- لا فائدة من المشاركة بالمسابقة ما دام "ذو" سيفوز بالجائزة.


وبدأ السباق فلما وصل المتسابقون لنصف المسافة كان "ذو"قد أكمل كل المسافة، بالطبع كان "ذو" يترقب:

- ما الجائزة هل هي خيل عربي أصيل أو انجليزي عنيد؟


فلما كشف الشيخ "محمود"عن الجائزة كانت دراجة، بالطبع كل طالب تمنى لو كانت هذه الدراجة له ،ما عدا "ذو" لم تعجبه الجائزة، ولكن لأن الشيخ أصبح يعرف حب "ذو" للتحديات فقال له:

-أنت قد تجيد ركوب الخيل، ولكن أتحداك أن تقود هذه الدراجة.


ابتسم "ذو"وأراد أن يفعل بدلا من أن يقول أن ركوب الدراجة مثل الغسيل بالصابون،ولكن بعد أن ركب وتحرك بها سقط فنهض ثم سقط،فقال الشيخ "محمود":

-إذا أصبحت تعرف قيادة الدراجة فمر وأرني.


وبقي "ذو"يتعلم حتى غربت الشمس، فأصبح قادر على قيادة الدراجة فتوجه إلى بيت الشيخ "محمود" فلما قابله الشيخ "محمود" سأله:

- هل صليت؟


فقال:

- نعم.


فقال الشيخ:

-لم أراك في المسجد.

قال "ذو":

-صليت في الخارج.


فقال الشيخ:

- اياك أن يلهك أي شيء عن الصلاة في المسجد.


ثم قال:

- هل تعلمت ركوب الدراجة؟


قال:

-نعم.


فقال الشيخ:

-أرني.


وبالفعل بدأ "ذو" يقود الدراجة دون أن يسقط،فقال الشيخ:

- قف سأركب معك.


فلما ركب الشيخ مع "ذو" أختل توازن "ذو" وسقطا من الدراجة فقال الشيخ:

- قلت لك أنت لن تجيد أن تركب الدراجة.


رجع "ذو" للبيت وفي صباح اليوم التالي، لم يذهب للمدرسة بل بقي يتعلم على الدراجة، فوضع حجر ثقيلة تمثل وزن الشيخ، وبالفعل أصبح متمرس ،وبعد أن صلى العصر وانتهت الحلقة، طلب من الشيخ ان يرافقه، وبالفعل ركب الشيخ ،ولكن هذه المرة لم يختل توازنه، ولكن الشيخ "محمود" بدأ يتحرك فأختل توازن "ذو" وسقطا فقال "ذو":

-أنت تحركت؟


فقام الشيخ وركب وقال ل"ذو":

- اركب خلفي وحاول أن تجعلني أسقط.


فحاول "ذو" بشتى الطرق فلم ينجح فبدأ الشيخ يضحك ويقول:

- الخيل من خيالها.


قال "ذو":

- بقي طريقة واحدة ستجعلك تسقط.


فقال الشيخ:

- افعل ما شئت.


فوضع يداه على عينى الشيخ، فلم يعد الشيخ يرى،فما كان منه إلا أن توقف وهو يقول:

- يا لك من مخادع!


عاد "ذو" وهو يفكر كيف يتدرب على موازنة الدراجة ومعه راكب متحرك، فتذكر خروف عند الشيخ "حسيب" كان فحل الكل يستعيره من الشيخ،فذهب للشيخ"حسيب" وقال:

- أمي تريد أن تستعير الخروف الفحل.


فقال الشيخ "حسيب":

- سوف أحضره لها بعد نصف ساعة.


فبدأ "ذو" يقول:

- لا، لا تتعب نفسك أنا سأخذه.


فقال الشيخ:

- هل تستطيع؟


فقال:

- نعم.


فلما أوصل الخروف أدخله للحظيرة دون أن تعلم أمه وعند شروق الشمس بدأ "ذو" يتظاهر بالتعب فقالت له جدته:

-إذا نم وأنا سأذهب للحظيرة أبحث عن بعض البيض.


فخشي أن ترى الخروف فيكشف كذبته، فنهض بكل سرعة وقال:

-أنا سأحضر البيض.


فقالت أمه:

- كيف تقوم بهذه السرعة وأنت مريض؟ في المرة الأخرى قل لا أريد أن أذهب للمدرسة ولا تتظاهر بالمرض.


بعد أن أفطر أخرج الدراجة وذهب خلف البيت ثم ركب الخروف خلفه بعد أن قيده وربطه بمرتبة الدراجة فبدأ يمشي ويسقط لأن الخروف يتحرك وأستمر على هذا الحال حتى صلاة الظهر واستمر حتى اقترب آذان العصر،ونجح أخيرا في المحافظة على توازنه، ولكن حدث ما لم يتمنى أن يحدث
حيث مر الشيخ"حسيب" بجوار بيت أم "خالد" فرآها خارجة من الحظيرة فسألها ما فعل خروفه، فتعجبت وقالت:

- أي خروف؟


قال الشيخ:

- ألم ترسلي "خالد" بالأمس من أجل الخروف؟


قالت:

- لم أرسله.


فسمعت صوت خروف خلف البيت فقالت:

- دعنا نرى مصدر الصوت.


فلما وصلوا بدأ الشيخ يضحك من منظر الخروف الراكب على الدراجة، لكن أم "خالد" قست على قلبها فأخذت عصا واتجهت إلى "خالد" وبدأت تجلده و"خالد" يتأسف وهي تقول:

-مرتان تكذب علي وفي يوم واحد.

تدخل الشيخ"حسيب"وأخذه معه للمسجد فبدأ الشيخ"حسيب" يقول:

- لما فعلت ذلك؟


فأخبره بالتحدي الذي بينه وبين الشيخ "محمود" فقال الشيخ"حسيب":

- إذا سنراقب من النصر له؟


فلما صلوا العصر وأنتهى الشيخ "محمود" من حلقته ،خرج من أجل أن يتحدى "ذو" فلما ركب معه وبدأ يتحرك ولكنه فشل في إسقاط "ذو" فما كان منه إلا أن وضع يداه على عيني "ذو" ولكن ذو كان أكثر خبث ،حيث رفع الدراجة على العجلة الخلفية، فسقط الشيخ" محمود"دون أن يسقط "ذو" والشيخ "حسيب" كاد أن يموت من الضحك مما رآه، فجاء "ذو" إلى الشيخ "محمود" يتأسف مما فعله،ولكن الشيخ "محمود" ابتسم وقال:

- هل جائزتي قيمة؟


فقال "ذو":

- بل عظيمة فشكرا لك من أعماق قلبي.


جاء الشيخ "حسيب" إلى الشيخ "محمود" وهو يقول:

- خدعك ذو العيون الصغيرة وذو العقل الكبير.

فقال الشيخ "محمود":

- نعم إنه ذو الحيلة والدهاء.


فقال الشيخ"حسيب":

- أذكر صديق بدوي وصف لي "ذو" اقصد "خالد" مع أني لا أريد أن أقول عنه "ذو" ولكن من كثر ما سمعت الناس تقول له ذلك درج ذلك الأسم على لساني، أرجع لما وصفه صديقي البدوي بوصف لم يغب عن بالي لحظة،ولكني لم أسمع رأيك ياشيخ "محمود"عن "خالد".


فقال الشيخ "محمود":


- إن "خالد" يمتلك قلب لا يعرف الخوف ونفس لا تؤمن بالمستحيل.
فقال الشيخ "حسيب ":
-وصفت فأوجزت فأصبت.


عاد "ذو" لبيته وهو يعرف أن أمه غاضبة منه، فبدأ "ذو" يناديها:

- يا أم ذو العيون الصغيرة.


فقالت:

- ما حملك أن تسميني بذلك؟


قال:

- اجبرني الناس على ذلك حتى الشيخ "حسيب "يحاول جاهدا أن يسميني بإسمي، لكنه يخطأ ويناديني ب"ذو" حتى أصبحت معتاد على هذا الاسم ،وما دام اسمي تغير يجب أن يتغير اسمك.

ابتسمت أم "ذو".

( نزولا لرغبة ذو حيث لم يعد يؤثر عليه الأمر)

ثم قالت :

-أعرف أنك تحاول أن تنسيني ما فعلت، ولكن لن أنسى أتعرف لماذا؟


قال "ذو":

- لماذا؟


قالت أم "ذو":

-سأخبرك بالحقيقة كاملة، أنا تزوجت من رجل ولم يعش إلا لثلاث سنين ثم توفى، وأصبحت مسؤله عن طفلين، تعبت في توفير المسكن والمطعم والملبس لهم ،صرت أخدم في كل البيوت، أكنس ،اطبخ

،أهتم بماشيتهم، من أجل أن أوفر المعيشة لي ولهم،فلما أصبحا كبيران، كنت أظن أن أيام التعب ستولي فهم سيحملان الثقل عني، ولكن يا حسرة فواحد منهم لما أصبح معه القليل من المال أختار أمرأة لتكون زوجة له ،ما كان لأم على وجه هذه الأرض لتوافق أن تكون هذه زوجة لإبنها،فحاولت أن أقنعه أن هذه المرأة لا تبحث عن الستر وسوف تدخلك في ديون أنت

في غنى عنها ،وأيضا لا زال الناس يعرفون تاريخها الأسود،ولكن لم يقتنع، فخيرته بيني وبينها فأختارها فى حينها تبرأت منه،أما الأخر فكان شره أكثر، فهو لا

يبالي إلا فيما يجده ممتعا، بل شوه صورتي أمام أهل القرية وفضحني فيها، فأحترت فيما أفعل فقلت في نفسي ان زوجته زوجة صالحة قد ترجعه لطريق الصواب،فكنت أعرف فتاة كانت خير وأجمل فتاة، فذهبت لها وهذا الكلام الذي سأقوله لك لا يعلمه أحد غيرك،ثم نزلت عند قدميها أقبلهما،فرق قلبها لحالي فوافقت،فلما

تزوجت أمك ولدي "منصور" تعجب الناس وبدأ بعضهم بنشر الشائعات عن شيء حدث قبل الزواج،لأن أمك كانت فتاة جميلة وصالحة وكل شاب في القرية يتمنى لو توافق عليه،فالحسد أحرق بعض شباب القرية كيف تتزوج "الشيماء"من شاب لا يعرف سوى إثارة المتاعب والمشاكل،فاعتقد أن أحد أصاب هذا الزواج بعين حاقدة ،حيث أن "الشيماء "إذا دخلت بيتنا يغمى عليها ،فأضطررنا أن نبقي أمك عند أهلها فزاد من ذلك شك الناس،ولقد قلنا لهم الحقيقة لكن لم يقتنعوا بها،

ثم أنجبتك أمك وبسبب نزيف حاد حدث بعد ولادتك توفت أمك،ثم بعدها بيومان أو ثلاثة أختفى أباك"منصور" ولم نعلم له مكان،فأنا لا أريدك تصبح مثك أبوك وعمك، تتركني حينما احتاجك
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي