الفصل السابع
ابتسم "ذو" وقال:
- يا جدة.
فقاطعته أم "ذو" وقالت:
- قل يا أمي أو أغضب عليك.
فقال "ذو":
- يا أمي لن أكون مثلهما فأنتي قد قلتي لي أجمل خبر.
فأراد أن يخرج من البيت فسألته:
- لماذا تريد الخروج في هذا الوقت؟
فقال "ذو":
- لكي أخبر أهل هذه القرية بالقصة الحقيقية.
فأمسكته وقالت:
- لو أراد الناس ان يقتنعوا لأقتنعوا من ذلك الوقت،ولكن أنت كن واثق من الداخل بأن هذه الحقيقة لتشعر بالسعادة.
ثم أخرجت من جيبها شيء ووضعته على رقبته وقالت:
- هذه أيات أتيت بها من شيخ بإحدى القرى المجاورة لا تجعلها تبتعد عن رقبتك.
وكانت أم "ذو" تضع واحدة أخرى على رقبتها،خرج "ذو" ليصلي العصر ،فلما أنتهى من الصلاة وجلس يقرأ القرآن مع الشيخ "محمود "فسأله:
-ما هذا الذي تضعه على رقبتك؟
فأجاب "ذو" أنها بعض الزينة التي أعتاد ساكنوا هذه الجبال على لبسها،فأكمل الشيخ "محمود"حلقته لأنه في بداية الأمر حسبها تمائم.
بعد أن انتهى "ذو" من حلقته ذهب لإسطبل الخيل فلما لقي "السيف" أخبره بما أخبرته جدته،ثم بدأ ركوب الخيل،ذهب "السيف" إلى الشيخ "حسيب" وأخبره بما سمعه من "ذو" فذهب الشيخ"حسيب" إلى أم "ذو" وبدأ يعاتبها ويقول:
- لماذا زيفتي الحقيقة التي بدأ "ذو" يتعايش معها؟ لماذا تريدي إدخاله دوامات من الصراعات ضد نفسه وضد مجتمعه؟
وهي صامتة تستمع فلما سكت قالت:
- هل تريدني أن أقول له أنك ابن غير شرعي؟ أم تريد أن أسميه كما يسميه "عبدالرزاق" وابنه بإبن الشوارع؟
قال الشيخ"حسيب":
-لم أقل هذا ولكنه يوما من الأيام ستظهر له الحقيقية فحينها أخشى أن تتغير نظرته لك.
قالت:
- قد وضحت له أن الناس لن يصدقوا ذلك،فلن يجد أحد يؤكد له حقيقة ما حدث،ف"الشيماء" قد ماتت و"منصور" قد أختفى وأشك أنه باقي على قيد الحياة.
ومع مرور الأيام أصبح النقاش يتصاعد ما بين"مروان" وبين "ذو"،حيث أصبح "ذو" يحاول إقناع الجميع بما حدث،فقال "مروان":
- إذا غدا نذهب ونسأل عمك "حسن" وانت ستسمع ما سيقوله عمك حتى تقتنع.
فرجع "ذو" إلى البيت وأخبر جدته بالموعد الذي حددوه مع عمه "حسن"فلما أظلم الليل قالت أم "ذو":
-ما رأيك نزور عمك "حسن"؟
فذهب "ذو" مع أمه فلما طرقت أم "ذو" الباب فتح "حسن" فشعر بشيء من الخوف لقدوم أمه في هذا الوقت فلما رأى "ذو" معها لم يقل لها تفضلي خوفا أن يغضب زوجته لأنها ترى "ذو"ابن من نزوة شيطانية.
كانت أم "ذو"تعرف أن القرار ليس بيد ابنها "حسن" وأنما بيد زوجته فرفعت صوتها تنادي أم "سلمى"وقالت:
- أنا أعرف أني لا أحتاج أن أرفع صوتي فأنتي تسمعيني ولو همست همسا.
فخرجت أم "سلمى" وملامح وجهها قد بان عليها الغضب فقالت:
- نعم ما تريدين؟
فقالت أم "ذو":
- تريدينا أن نبقى على حافة الباب؟
فقالت أم "سلمى":
- أنت تفضلي أما من معك فلا وألف لا.
وكانت تقصد "ذو"،قالت أم "ذو":
- لا مانع أن أتكلم من عند الباب ولكن أخشى على سمعتكم.
فعرفت أم "سلمى" ما تقصده فأدخلتها مع "ذو" على مضض
فطلبت أم "ذو" من "ذو" أن يذهب ويلعب مع بنت عمه "سلمى"لكن أم "سلمى" انفعلت وقالت:
- إلا هذه فبنتي لا تلعب مع.
فقاطعتها أم "ذو" وقالت:
- لا تلعب مع أولاد.
مع ان أم "سلمى" كانت تريد أن تقول ابن شوارع،لكن أرادت أم "سلمى"تكرار ما قالت فعاجلتها أم "ذو" وقالت:
- هل تذكرين "مختار"؟ وأنت يا "حسن" ألا تذكر صديق شقيقك "منصور"؟ أعتقد أنك تعرف أخلاقه جيدا وان كنت لا تعرف فأنا سأدلك على من يعرفه عز المعرفة.
فقد كان بين أم "سلمى" و"مختار" قصة غرام فاشلة لم تنتهي بالزواج،فخشيت أم "سلمى" أن تعيد ماضيها الأسود وقالت:
-كفى اذهب يا فتى وألعب مع "سلمى".
ثم قالت:
- ماذا تريدين؟
فقالت أم "ذو":
- أريد "حسن" غدا أن سأله الأولاد عن "ذو" أن يقول الكلام الذي سأقوله الآن.
وبعد أن انتهت من الكلام الذي على "حسن" قوله قالت:
- إن قلت غير هذا الكلام فأنا أيضا عندي كلام عن عاشقان كانا يتقابلان في الظلام ويعصيان الرحمن.
عرف "حسن" أن أمه تقصد زوجته فصرخ بأعلى صوته وقال:
- أن أم "سلمى" تابت ألا تفهمي؟
فابتسمت أم "ذو" وقالت:
- إن كانت زوجتك تابت ف"ذو" بريء، بريء من أخطاء غيره.
ثم نادت أم "ذو" ولدها وقبل أن تغادر قالت:
- أتمنى أن لا تجبرني على قول ما لا أحب.
فما كان من أم "سلمى" إلا البكاء والدعاء على من ظلمها وهي تقول:
- أمك تكرهني كرها شديدا.
فقال "حسن":
- لا عليك غدا سأسمع ولدها "ذو" كلاما أجعله يموت مكانه.
فسكتت أم "سلمى" من البكاء فهي تعرف ما قد يحدث إن خالف "حسن" قول أمه فبدأت ترجو "حسن" أن لا يثير المشاكل،لكن "حسن" أصر على كلامه ،حينها صرخت أم "سلمى" في وجهه وقالت:
-إن قلت كلام غير ما قالته لك أمك سأترك لك البيت.
حينها رضخ لأوامر زوجته، ولما مر اليوم الثاني وبعد أن انتهى الأولاد من حلقة القرآن،ذهبوا إلى الشجرة المعمرة (سميت بذلك لطول حياتها) تواعدوا أن يلتقوا فيها لأن أبو"مروان" رفض أن يجعل ولداه "مازن"و"مروان" أن يذهبا لحلقات تحفيظ القرآن فالتقوا ب"مروان" عند الشجرة المعمرة.
فلما وصل "ذو"و"مروان"والأولاد سألوا "حسن" عن قصة "الشيماء" و "منصور" فقال "حسن" ما طلبت منه أمه قوله، فغضب "مروان"وقال ل"حسن":
- أنت كذاب قد سمعتك في مجلس أبي تسب أخوك "منصور"وتقول فضحنا مع بنت أبو"جاسر" و ابلتنا بهذا الولد الحرام.
لكن "حسن" أنكر هذا الكلام، ورجع "ذو" إلى البيت ومن شدة السعادة نسي أن يذهب لإسطبل الخيول التي يحبها لأنه يريد أن يخبر جدته بما حدث.
ومع مرور الأيام بقي "مروان" ينعت "ذو" بإبن الشوارع ،فلم يعد يحتمل "ذو" ذلك ،فذهب للشيخ "حسيب"وسأله وقال:
-إذا لقيت كلب ينبح عليك فهربت منه ماذا يحدث؟
قال الشيخ "حسيب":
-يشتد نباح الكلب.
فقال "ذو":
- وإن رميته بحجر؟
قال الشيخ:
- يسكت ويفر.
قال "ذو":
- فأنا كلما هربت من "مروان" زاد من وقاحته، فأنا أريد منك الأذن قبل أن أغير ملامح وجهه.
قال الشيخ"حسيب":
- يا بني وكما قيل أبعد عن الشر وغني له.
ثم مسح على رأس "ذو" وهو يقول:
- اصبر سيأتي الفرج.
شعر "ذو" بأنه يكاد أن ينفجر من الغضب، فبدأ يفكر في شيء يفجر فيه غضبه،وبالفعل ذهب "ذو" إلى بعض أشجار الطلح وبدأ يقطع منها بعض الأشواك، ثم ذهب لبركة الماء الذي تجمعت بعد سقوط الأمطار،وبدأ "ذو" يمسك بالضفادع من جوار البركة ثم
يغرس الأشواك التي معه في عيناها ويبقى يراقبها وهي تتألم وتحاول العيش وهو يتلذذ بذلك لأنه كان يتخيل أن هذه الضفدع "مروان" ابن "عبدالرزاق"،ولكن المشكلة التي رأها هو أن الضفدع لا تموت إلا بعد مرور وقت كبير وهذا يسبب له الملل.
فبدأ يفكر بطريقة تجعل الضفدع تتألم لبضع دقائق أو حتى ساعة ثم تموت،فلما وصل البيت سمع صوت أمه تصرخ من الحظيرة فأسرع لها فلما دخل وجد أمه واقفة ومعها عصا طويلة وبجانبها دجاجة قد ماتت وهي تقول:
- لقد أختبأ تحت أحواض الماء.
نظر "ذو" وقال:
-من الذي إختبأ؟
فقالت أمه:
- الثعبان، اذهب إلى بيت "حسان" وقل له وجدنا في حظيرتنا ثعبان.
وبالفعل نادى "ذو""حسان" فلما وصلا إلى الحظيرة طلب "حسان" من أم "ذو" أن تذهب للبيت مع ولدها فخرجت أم "ذو" ونادت "ذو" ولكنه رفض وقال:
- سأبقى معك.
فقال"حسان":
- أخشى أن ينقض عليك الثعبان فيؤذيك.
قال "ذو":
- لن يصل لي.
كانت أم "ذو" خائفة على ولدها فأعادت النداء له،أحس"حسان" أن هذا الفتى عنيد ولن يستجيب لأمه فقال لها:
- لا تخافي على ابنك فبإذن الله سأحميه.
فبدأ"حسان" يبحث عن الثعبان و"ذو" كان يقلب الدجاجة الميتة ثم قال "ذو":
-كيف تموت هذه الدجاجة من عضة مثل هذا؟
وأشار لعضة الثعبان على جسد الدجاجة، فقال"حسان":
- لم تمت من العضة وانما من سم الثعبان.
فقال "ذو":
- وما هو السم؟
لكن"حسان" بدأ يقول:
- انصت ها هو ذا .
وبدأ يدخل عصا ليسحبه إليه ولما أخرجه من تحت أحواض الماء أمسكه من رأسه وقال:
- يا "ذو" إذا أمسكت الثعبان من رأسه فسيصبح ما دمت ممسك رأسه حيوان أليف ،ولكن أن تركت رأسه فإنه يتحول الى حيوان مفترس.
ثم بدأ "حسان"يفتح فم الثعبان ويضعط عليه ليخرج السم ثم يقول:
- أنظر يا "ذو" هذا هو السم الذي قتل الدجاجة.
فقال "ذو":
- هل أستطيع أن أمسك بالثعابين مثلك؟
فقال"حسان":
- أنا لن أقول لك تستطيع أو لا تستطيع وأنما سأوضح ذلك بشرح مختصر.
ثم توجه لمكان شبه المغلق بحيث يستطيع أن يطلق الثعبان ثم يحاصره، ثم اطلق "حسان"الثعبان وقال:
- إن كان قلبك يسكنه الجبن ويمتلكه الخوف وينتشر فيه الذعر فإن الثعبان سيصدر أصواتا ويركز نفسه فإن عرف أنك من النوع الذي يخاف فإنه يزيد في ذلك حتى تفر ثم يولي هاربا،أما ان كنت ممن كان نصف قلبه
شجاع والنصف الأخر يملأه الحرص فأنت ستستخدم عصا تضغط بها على رقبته ثم تمسكه،أما إن كان قلبك كقلب "حسان"وأنا أختصر كل المعاني التي تصف القلب الشجاع بقلب"حسان"فأنت تستطيع أن تمسك الثعبان بيدك.
فقال "ذو":
- هل قلب"حسان" أشجع من قلب "ذو"؟
فقال "حسان":
-نعم والبرهان بيدي.
وأشار للثعبان، ثم رماه مرة أخرى لكي يحرج "ذو" وقال:
-هذا الثعبان أرني أي الأنواع هو قلبك؟
فانقض "ذو" على الثعبان وأمسكه من رأسه، ثم أدخل رأس الثعبان وهو ممسك به بين أسنانه ثم عضه بكل قوته فأخرجه من فمه بعد أن مات الثعبان وقال:
- هذا ما يفعله قلب "ذو" فأرني ما يفعله قلب"حسان".
وقف "حسان"مندهش مصدوم مما شاهده ،وبدأ فكره يسرح في شائعة كان قد سمعها عن وجود ذئاب بشرية ،فشعر أن هذا الولد من هذا الجنس ،فبدأ يركض من شدة الخوف وهو يقول:
- ما هذا ببشر.
نظرت أم "ذو"ل"حسان" وهو يركض فتعجبت، فذهبت للحظيرة فرأت الثعبان مهشوم الرأس و "ذو" يحمله فقالت:
-هل قتله"حسان"؟
فقال:
- نعم.
ثم قالت:
- ما به يركض هكذا؟
فقال "ذو":
- قال أنه نسي في بيته الكيس الذي يضع فيه الثعابين مفتوح فخاف أن تهرب داخل البيت.
ولم يعرف أحد قط بما حدث داخل الحظيرة
وبعد أن عرف "ذو" أن سم الثعابين فتاك ،أصبح يبحث عنها لكي يستخرج السم منها، وبالفعل كان يمسك الثعابين ويستخرج سمها في صحن ثم يضع الشوك في الصحن لكي يمتلىء بالسم، ولكن المشكلة أن الشوك ينكسر ويتهشم وبدأ يبحث عن بديلا عنها،
وبالفعل وجد الإبر التي تستخدمها أمه في رقع الثياب، وبدأ يبحث عن أي إبراة تصله يده،حتى ألتقى ببائع متجول يأتي إلى القرية كل شهر واشترى منه جميع الإبر التي معه…
وبعد أن ذهب جاء بعده "السيف" لهذا البائع فأم "سليمان" التي هي زوجته طلبت منه أن يحضر لها إبر فلما طلب من البائع ذلك قال البائع:
- قد اشتراها كلها قبلك فتى عيونه صغيرة.
عرف "السيف" أنه "ذو" ولكنه أحتار ما الذي يريد بجميع هذه الإبر ولكنه لم يهتم لذلك، وبدأ "ذو" يضع الإبر التي معه في الصحن المليء بسم الثعابين ويتركها لعدة أيام ثم يخرجها ويضعها في علبة محكمة ثم إذا أمسك بضفدع أخرج هذه الإبر من جيبه ويغرسها في عيني الضفدعة ثم يراقبها وهي تصراع الألم وما تلبث دقائق معدودة حتى يفعل السم مفعوله فتموت الضفدعة من أثر السم، ثم ينزع الإبر ليستخدمها في ضحية أخرى.
- يا جدة.
فقاطعته أم "ذو" وقالت:
- قل يا أمي أو أغضب عليك.
فقال "ذو":
- يا أمي لن أكون مثلهما فأنتي قد قلتي لي أجمل خبر.
فأراد أن يخرج من البيت فسألته:
- لماذا تريد الخروج في هذا الوقت؟
فقال "ذو":
- لكي أخبر أهل هذه القرية بالقصة الحقيقية.
فأمسكته وقالت:
- لو أراد الناس ان يقتنعوا لأقتنعوا من ذلك الوقت،ولكن أنت كن واثق من الداخل بأن هذه الحقيقة لتشعر بالسعادة.
ثم أخرجت من جيبها شيء ووضعته على رقبته وقالت:
- هذه أيات أتيت بها من شيخ بإحدى القرى المجاورة لا تجعلها تبتعد عن رقبتك.
وكانت أم "ذو" تضع واحدة أخرى على رقبتها،خرج "ذو" ليصلي العصر ،فلما أنتهى من الصلاة وجلس يقرأ القرآن مع الشيخ "محمود "فسأله:
-ما هذا الذي تضعه على رقبتك؟
فأجاب "ذو" أنها بعض الزينة التي أعتاد ساكنوا هذه الجبال على لبسها،فأكمل الشيخ "محمود"حلقته لأنه في بداية الأمر حسبها تمائم.
بعد أن انتهى "ذو" من حلقته ذهب لإسطبل الخيل فلما لقي "السيف" أخبره بما أخبرته جدته،ثم بدأ ركوب الخيل،ذهب "السيف" إلى الشيخ "حسيب" وأخبره بما سمعه من "ذو" فذهب الشيخ"حسيب" إلى أم "ذو" وبدأ يعاتبها ويقول:
- لماذا زيفتي الحقيقة التي بدأ "ذو" يتعايش معها؟ لماذا تريدي إدخاله دوامات من الصراعات ضد نفسه وضد مجتمعه؟
وهي صامتة تستمع فلما سكت قالت:
- هل تريدني أن أقول له أنك ابن غير شرعي؟ أم تريد أن أسميه كما يسميه "عبدالرزاق" وابنه بإبن الشوارع؟
قال الشيخ"حسيب":
-لم أقل هذا ولكنه يوما من الأيام ستظهر له الحقيقية فحينها أخشى أن تتغير نظرته لك.
قالت:
- قد وضحت له أن الناس لن يصدقوا ذلك،فلن يجد أحد يؤكد له حقيقة ما حدث،ف"الشيماء" قد ماتت و"منصور" قد أختفى وأشك أنه باقي على قيد الحياة.
ومع مرور الأيام أصبح النقاش يتصاعد ما بين"مروان" وبين "ذو"،حيث أصبح "ذو" يحاول إقناع الجميع بما حدث،فقال "مروان":
- إذا غدا نذهب ونسأل عمك "حسن" وانت ستسمع ما سيقوله عمك حتى تقتنع.
فرجع "ذو" إلى البيت وأخبر جدته بالموعد الذي حددوه مع عمه "حسن"فلما أظلم الليل قالت أم "ذو":
-ما رأيك نزور عمك "حسن"؟
فذهب "ذو" مع أمه فلما طرقت أم "ذو" الباب فتح "حسن" فشعر بشيء من الخوف لقدوم أمه في هذا الوقت فلما رأى "ذو" معها لم يقل لها تفضلي خوفا أن يغضب زوجته لأنها ترى "ذو"ابن من نزوة شيطانية.
كانت أم "ذو"تعرف أن القرار ليس بيد ابنها "حسن" وأنما بيد زوجته فرفعت صوتها تنادي أم "سلمى"وقالت:
- أنا أعرف أني لا أحتاج أن أرفع صوتي فأنتي تسمعيني ولو همست همسا.
فخرجت أم "سلمى" وملامح وجهها قد بان عليها الغضب فقالت:
- نعم ما تريدين؟
فقالت أم "ذو":
- تريدينا أن نبقى على حافة الباب؟
فقالت أم "سلمى":
- أنت تفضلي أما من معك فلا وألف لا.
وكانت تقصد "ذو"،قالت أم "ذو":
- لا مانع أن أتكلم من عند الباب ولكن أخشى على سمعتكم.
فعرفت أم "سلمى" ما تقصده فأدخلتها مع "ذو" على مضض
فطلبت أم "ذو" من "ذو" أن يذهب ويلعب مع بنت عمه "سلمى"لكن أم "سلمى" انفعلت وقالت:
- إلا هذه فبنتي لا تلعب مع.
فقاطعتها أم "ذو" وقالت:
- لا تلعب مع أولاد.
مع ان أم "سلمى" كانت تريد أن تقول ابن شوارع،لكن أرادت أم "سلمى"تكرار ما قالت فعاجلتها أم "ذو" وقالت:
- هل تذكرين "مختار"؟ وأنت يا "حسن" ألا تذكر صديق شقيقك "منصور"؟ أعتقد أنك تعرف أخلاقه جيدا وان كنت لا تعرف فأنا سأدلك على من يعرفه عز المعرفة.
فقد كان بين أم "سلمى" و"مختار" قصة غرام فاشلة لم تنتهي بالزواج،فخشيت أم "سلمى" أن تعيد ماضيها الأسود وقالت:
-كفى اذهب يا فتى وألعب مع "سلمى".
ثم قالت:
- ماذا تريدين؟
فقالت أم "ذو":
- أريد "حسن" غدا أن سأله الأولاد عن "ذو" أن يقول الكلام الذي سأقوله الآن.
وبعد أن انتهت من الكلام الذي على "حسن" قوله قالت:
- إن قلت غير هذا الكلام فأنا أيضا عندي كلام عن عاشقان كانا يتقابلان في الظلام ويعصيان الرحمن.
عرف "حسن" أن أمه تقصد زوجته فصرخ بأعلى صوته وقال:
- أن أم "سلمى" تابت ألا تفهمي؟
فابتسمت أم "ذو" وقالت:
- إن كانت زوجتك تابت ف"ذو" بريء، بريء من أخطاء غيره.
ثم نادت أم "ذو" ولدها وقبل أن تغادر قالت:
- أتمنى أن لا تجبرني على قول ما لا أحب.
فما كان من أم "سلمى" إلا البكاء والدعاء على من ظلمها وهي تقول:
- أمك تكرهني كرها شديدا.
فقال "حسن":
- لا عليك غدا سأسمع ولدها "ذو" كلاما أجعله يموت مكانه.
فسكتت أم "سلمى" من البكاء فهي تعرف ما قد يحدث إن خالف "حسن" قول أمه فبدأت ترجو "حسن" أن لا يثير المشاكل،لكن "حسن" أصر على كلامه ،حينها صرخت أم "سلمى" في وجهه وقالت:
-إن قلت كلام غير ما قالته لك أمك سأترك لك البيت.
حينها رضخ لأوامر زوجته، ولما مر اليوم الثاني وبعد أن انتهى الأولاد من حلقة القرآن،ذهبوا إلى الشجرة المعمرة (سميت بذلك لطول حياتها) تواعدوا أن يلتقوا فيها لأن أبو"مروان" رفض أن يجعل ولداه "مازن"و"مروان" أن يذهبا لحلقات تحفيظ القرآن فالتقوا ب"مروان" عند الشجرة المعمرة.
فلما وصل "ذو"و"مروان"والأولاد سألوا "حسن" عن قصة "الشيماء" و "منصور" فقال "حسن" ما طلبت منه أمه قوله، فغضب "مروان"وقال ل"حسن":
- أنت كذاب قد سمعتك في مجلس أبي تسب أخوك "منصور"وتقول فضحنا مع بنت أبو"جاسر" و ابلتنا بهذا الولد الحرام.
لكن "حسن" أنكر هذا الكلام، ورجع "ذو" إلى البيت ومن شدة السعادة نسي أن يذهب لإسطبل الخيول التي يحبها لأنه يريد أن يخبر جدته بما حدث.
ومع مرور الأيام بقي "مروان" ينعت "ذو" بإبن الشوارع ،فلم يعد يحتمل "ذو" ذلك ،فذهب للشيخ "حسيب"وسأله وقال:
-إذا لقيت كلب ينبح عليك فهربت منه ماذا يحدث؟
قال الشيخ "حسيب":
-يشتد نباح الكلب.
فقال "ذو":
- وإن رميته بحجر؟
قال الشيخ:
- يسكت ويفر.
قال "ذو":
- فأنا كلما هربت من "مروان" زاد من وقاحته، فأنا أريد منك الأذن قبل أن أغير ملامح وجهه.
قال الشيخ"حسيب":
- يا بني وكما قيل أبعد عن الشر وغني له.
ثم مسح على رأس "ذو" وهو يقول:
- اصبر سيأتي الفرج.
شعر "ذو" بأنه يكاد أن ينفجر من الغضب، فبدأ يفكر في شيء يفجر فيه غضبه،وبالفعل ذهب "ذو" إلى بعض أشجار الطلح وبدأ يقطع منها بعض الأشواك، ثم ذهب لبركة الماء الذي تجمعت بعد سقوط الأمطار،وبدأ "ذو" يمسك بالضفادع من جوار البركة ثم
يغرس الأشواك التي معه في عيناها ويبقى يراقبها وهي تتألم وتحاول العيش وهو يتلذذ بذلك لأنه كان يتخيل أن هذه الضفدع "مروان" ابن "عبدالرزاق"،ولكن المشكلة التي رأها هو أن الضفدع لا تموت إلا بعد مرور وقت كبير وهذا يسبب له الملل.
فبدأ يفكر بطريقة تجعل الضفدع تتألم لبضع دقائق أو حتى ساعة ثم تموت،فلما وصل البيت سمع صوت أمه تصرخ من الحظيرة فأسرع لها فلما دخل وجد أمه واقفة ومعها عصا طويلة وبجانبها دجاجة قد ماتت وهي تقول:
- لقد أختبأ تحت أحواض الماء.
نظر "ذو" وقال:
-من الذي إختبأ؟
فقالت أمه:
- الثعبان، اذهب إلى بيت "حسان" وقل له وجدنا في حظيرتنا ثعبان.
وبالفعل نادى "ذو""حسان" فلما وصلا إلى الحظيرة طلب "حسان" من أم "ذو" أن تذهب للبيت مع ولدها فخرجت أم "ذو" ونادت "ذو" ولكنه رفض وقال:
- سأبقى معك.
فقال"حسان":
- أخشى أن ينقض عليك الثعبان فيؤذيك.
قال "ذو":
- لن يصل لي.
كانت أم "ذو" خائفة على ولدها فأعادت النداء له،أحس"حسان" أن هذا الفتى عنيد ولن يستجيب لأمه فقال لها:
- لا تخافي على ابنك فبإذن الله سأحميه.
فبدأ"حسان" يبحث عن الثعبان و"ذو" كان يقلب الدجاجة الميتة ثم قال "ذو":
-كيف تموت هذه الدجاجة من عضة مثل هذا؟
وأشار لعضة الثعبان على جسد الدجاجة، فقال"حسان":
- لم تمت من العضة وانما من سم الثعبان.
فقال "ذو":
- وما هو السم؟
لكن"حسان" بدأ يقول:
- انصت ها هو ذا .
وبدأ يدخل عصا ليسحبه إليه ولما أخرجه من تحت أحواض الماء أمسكه من رأسه وقال:
- يا "ذو" إذا أمسكت الثعبان من رأسه فسيصبح ما دمت ممسك رأسه حيوان أليف ،ولكن أن تركت رأسه فإنه يتحول الى حيوان مفترس.
ثم بدأ "حسان"يفتح فم الثعبان ويضعط عليه ليخرج السم ثم يقول:
- أنظر يا "ذو" هذا هو السم الذي قتل الدجاجة.
فقال "ذو":
- هل أستطيع أن أمسك بالثعابين مثلك؟
فقال"حسان":
- أنا لن أقول لك تستطيع أو لا تستطيع وأنما سأوضح ذلك بشرح مختصر.
ثم توجه لمكان شبه المغلق بحيث يستطيع أن يطلق الثعبان ثم يحاصره، ثم اطلق "حسان"الثعبان وقال:
- إن كان قلبك يسكنه الجبن ويمتلكه الخوف وينتشر فيه الذعر فإن الثعبان سيصدر أصواتا ويركز نفسه فإن عرف أنك من النوع الذي يخاف فإنه يزيد في ذلك حتى تفر ثم يولي هاربا،أما ان كنت ممن كان نصف قلبه
شجاع والنصف الأخر يملأه الحرص فأنت ستستخدم عصا تضغط بها على رقبته ثم تمسكه،أما إن كان قلبك كقلب "حسان"وأنا أختصر كل المعاني التي تصف القلب الشجاع بقلب"حسان"فأنت تستطيع أن تمسك الثعبان بيدك.
فقال "ذو":
- هل قلب"حسان" أشجع من قلب "ذو"؟
فقال "حسان":
-نعم والبرهان بيدي.
وأشار للثعبان، ثم رماه مرة أخرى لكي يحرج "ذو" وقال:
-هذا الثعبان أرني أي الأنواع هو قلبك؟
فانقض "ذو" على الثعبان وأمسكه من رأسه، ثم أدخل رأس الثعبان وهو ممسك به بين أسنانه ثم عضه بكل قوته فأخرجه من فمه بعد أن مات الثعبان وقال:
- هذا ما يفعله قلب "ذو" فأرني ما يفعله قلب"حسان".
وقف "حسان"مندهش مصدوم مما شاهده ،وبدأ فكره يسرح في شائعة كان قد سمعها عن وجود ذئاب بشرية ،فشعر أن هذا الولد من هذا الجنس ،فبدأ يركض من شدة الخوف وهو يقول:
- ما هذا ببشر.
نظرت أم "ذو"ل"حسان" وهو يركض فتعجبت، فذهبت للحظيرة فرأت الثعبان مهشوم الرأس و "ذو" يحمله فقالت:
-هل قتله"حسان"؟
فقال:
- نعم.
ثم قالت:
- ما به يركض هكذا؟
فقال "ذو":
- قال أنه نسي في بيته الكيس الذي يضع فيه الثعابين مفتوح فخاف أن تهرب داخل البيت.
ولم يعرف أحد قط بما حدث داخل الحظيرة
وبعد أن عرف "ذو" أن سم الثعابين فتاك ،أصبح يبحث عنها لكي يستخرج السم منها، وبالفعل كان يمسك الثعابين ويستخرج سمها في صحن ثم يضع الشوك في الصحن لكي يمتلىء بالسم، ولكن المشكلة أن الشوك ينكسر ويتهشم وبدأ يبحث عن بديلا عنها،
وبالفعل وجد الإبر التي تستخدمها أمه في رقع الثياب، وبدأ يبحث عن أي إبراة تصله يده،حتى ألتقى ببائع متجول يأتي إلى القرية كل شهر واشترى منه جميع الإبر التي معه…
وبعد أن ذهب جاء بعده "السيف" لهذا البائع فأم "سليمان" التي هي زوجته طلبت منه أن يحضر لها إبر فلما طلب من البائع ذلك قال البائع:
- قد اشتراها كلها قبلك فتى عيونه صغيرة.
عرف "السيف" أنه "ذو" ولكنه أحتار ما الذي يريد بجميع هذه الإبر ولكنه لم يهتم لذلك، وبدأ "ذو" يضع الإبر التي معه في الصحن المليء بسم الثعابين ويتركها لعدة أيام ثم يخرجها ويضعها في علبة محكمة ثم إذا أمسك بضفدع أخرج هذه الإبر من جيبه ويغرسها في عيني الضفدعة ثم يراقبها وهي تصراع الألم وما تلبث دقائق معدودة حتى يفعل السم مفعوله فتموت الضفدعة من أثر السم، ثم ينزع الإبر ليستخدمها في ضحية أخرى.