الفصل العاشر

حركت "ملك" شفتيها وهي تبسط يديها على الباب وتقول بتساؤل:
ـ ما الذي تقصده بهذا الكلام؟
رد عليها بكل ثقة والإبتسامة تعلو وجهه:
ـ لقد قرأت في عينيك الحزن، مهما حاولتي إخفاء ذلك بضحكاتك مع الآخرين لن تستطيع إخفائه عني.
وتابع قائلاً بتفائل:
ـ أنا واثقٌ بأنكِ ما زلتي تحبينني، فأنا أعرفك منذ ست سنوات وأستطيع التمييز بين حزنك وفرحك.
قاطعته "ملك" والدموع تملئ عينيها:
ـ هذا يكفي، أنا لم أعد أحبك كالسابق، ولا أرغب بالتحدث إليك لذا إرحل من هنا.

تراجع "ملك" للوراء وأخفض عينيه قائلاً:
ـ سوف آتي لحفلة "أدهم"من أجلكِ فقط، إلى اللقاء.

وركب سيارته ورحل، جلست "ملك" على ركبتيها في الأرض وسقطت دمعةٌ حزينة من عينيها على الأرض
وابتسمت قائلة بصوتٍ حزين:
ـ يالي من فتاةٍ غبية، لم أستطع إخفاء حزني أمامه "سيف" أنا.

أشرقت شمس صباحٍ جديد، وتداخلت خيوط أشعة الشمس من شقوق الستائر الزرقاء في غرفة "دنيا" بإنجلترا، وفتحت عينيها وهي مستلقية على ظهرها في السرير، ونهضت ووقفت أمام المرآة ثم قامت بتجهيز نفسها للخروج، وأخذت
معها بعض المال، وحين نزلت من الطابق الثاني لم تجد أحداً مستيقظ سوى الخدم، فهمست بداخل نفسها بإرتياح:
ـ هذا جيد!

وغادرت المنزل،وتجولت باحثة عن أقرب _سوبر ماركت_ لكنها لم تجد مطلقاً، فركبت سيارة أجرة أوصلتها إلى المكان الذي تريده،ودخلت _السوبر ماركت_ واشترت بطاقة لتشحن هاتفها النقال وحين أدخلت الرقم وأنهت كل شيء إتصلت على "محمد".

من جهة أخرى، رن هاتف "محمد" وهو ما زال نائماً، وأيقظه صوت الرنين المزعج فالتقط الهاتف وحين رأى إسم المتصل "دنيا" تنهد بإنزعاج وأغلق الخط وعاد ليتابع نومه من جديد.

أبعدت "دنيا" الهاتف عن أذنها وأخفضت يدها قائلةً بحزن:
ـ لابد بأنه مستاءٌ جداً مما حدث.
وأرسلت له رسالة وشرحت فيها ما حصل بالتفصيل، لعله يقتنع، قام "محمد" بقراءة الرسالة ثم ابتسم وقال بخبث:
ـ إنها تعتقد بأنني سأصدق هذه المزحة السخيفة.

وأغلق الهاتف نهائياً بعدما قام بمسح الرسالة،رجعت "دنيا" إلى المنزل وهي صامتة تماماً ووجهها شاحب، حتى أنها لم تصغي إلى أختها عندما عرضت عليها أن تتناول الإفطار معها وصعدت إلى غرفتها وأغلقت الباب بالمفتاح لأنها أرادت البقاء لوحدها.

طلبت والدة "يما" منها أن تذهب لشراء بعض الأغراض لها، فردت "سما" في ضجر:
ـ ماذا؟ الجو حارٌ جداً بالخارج.
قالت والدتها في إصرار:
ـ لا يوجد أحدٌ غيرك هنا،هيا إذهبي وكفي عن التذمر.

منذ أن أستيقظت "سما" في الصباح وهي تشعر بأنها ليست على ما يرام ورأسها يدور لكنها لم تشأ معارضة والدتها واضطرت للخروج رغماً عنها.

وفي الطريق،بعدما اشترت الأغراض التي طلبتها والدتها، كانت تمشي على قدميها والعرق يتصبب من جبينها، وبدأت الرؤية تنعدم تدريجياً أمامها ولم تشعر بنفسها إلا وهي مرميةٌ على الأرض في وسط ذلك الحي الفارغ، وبالمصادفة كان "احمد" شقيق "نورا" الأصغر يسير بمحاذاة ذلك الحي ويضع يديه في جيبه ويقول متذمراً:
ـ تباً يالهم من أصدقاء، لم يقبل أحدٌ منهم أن أسكن معه، ويتعذرون بأعذارٍ واهية.

وداس على يد "سما" المبسوطة على الأرض فأنزل عينيه لينظر إليها وأبعد قدمه بسرعة قائلاً بإندهاش:
ـ ما هذا؟ما الذي تفعله هذه الفتاة هنا؟
وجلس بجانبها ووضع يده على رأسها ويده الأخرى على جبهته ثم قال في حيرة:
ـ أعتقد بأنها مصابةٌ بالحمى.

وحين أبعد يده وقف وتلفت حوله ولم يجد أحداً فتنهد وهز كتفيه قائلاً:
ـ يبدو بأن لا خيار لدي سوى
وحملها بين ذراعيه ومال بوقفته قليلاً وكاد يقع فأغمض عينيه قائلاً في تألم:
ـ إنها ثقيلةٌ جداً.

وحاول موازنة نفسه وسار إلى أقرب فندق وأستأجر غرفة هناك لأنه لا يملك مكاناً آخر يذهب إليه،وخشي أن يعود إلى المنزل،ويقابل كلماتٍ جارحة من والده، ثم قام بوضع "سما" على السرير وبقي يحدق بها، وبحركةٍ لا شعورية بسط كفه على شعرها الناعم وهمس قائلاً:
ـ إنها جميلةً جداً.
ثم أبتسم متابعاً:
ـ وجهها يبدو متعباً وأنا متعبٌ أيضاً وأريد ان أنام.

وأستلقى بجانبها وأغمض عينيه وغط في نومٍ عميق، في الوقت الذي كانت فيه والدتها قلقةُ جداً عليها، وصل "آدم" إلى
المنزل ودخل وهو يحمل كيساً في يده فركضت والدته نحوه وقالت بقلق وهي تضع يديها على كتفيه:
ـ أين "سما"؟ ألم ترجع معك؟

لم يتمكن "آدم" من النطق بكلمة لأن والدته فاجأته بسؤالها، وهز رأسه نفياً وهو يقول:
ـ لم تكن معي، إلى أين ذهبت؟
جلست والدته على الأريكة في الصالة،وهي تضع يدها على رأسها وتقول بحيرة وصوت يملئه القلق:
ـ لقد أرسلتها قبل ساعة لشراء بعض الأغراض ولم تعد حتى الآن.

همس "آدم" بصوتٍ خافت:
ـ أغراض؟
ورفع يده لينظر إلى الكيس وحين رأته والدته قالت بإستغراب:
ـ هذه الأشياء التي طلبتها من "سما"أين عثرت عليها؟
أجابها "آدم":
ـ بالقرب من هنا، وجدتها مرميةً على الأرض.

صُعقت والدته حين سمعته يقول هذا فقالت له في إصرار:
ـ إذهب للبحث عن أختك يا "آدم" لابد أن مكروهاً قد حصل لها.
رمى "آدم" الأغراض إلى والدته وخرج راكضاً من المنزل بحثاً عن "سما" ولا يملك دليلاً واحداً عن مكان وجودها.

فتحت "سما" عينيها ببطء، وشعرت بشخصٍ مستلقٍ بجانبها، وحين أدركت بأنه شاب، نهضت بسرعة لدرجةٍ جعلت "احمد" يستيقظ من نومه مذهولاً، ونهض من على السرير وانحنى قائلاً:
ـ أنا آسف لا تسيء فهمي لقد وجدتكِ مغمى عليك في أحد الأحياء وجئت بكِ إلى هنا هذا كل ما في الأمر.

سألته "يما" بخوفٍ وقلق وهي تغطي نفسها بغطاء السرير:
ـ هل أنت واثقٌ بأنك لم تفعل شيئاً بي؟
إحمر وجه "احمد" خجلاً وعقد حاجبيه قائلاً في حرج:
ـ بالطبع لا، أنا لست من هذا النوع.
إرتاح قلب "سما" حين رأت وجه "احمد" المرتبك، فأبعدت غطاء السرير من فوقها، ونهضت وهي تقول بإبتسامةٍ صافية:
ـ حسناً إذن أشكرك على مساعدتي يا، آه صحيح، ما أسمك؟

أجابها بكل لطف وهو يشير إلى نفسه:
ـ إسمي "احمد" ماذا عنكِ؟
أجابته بنفس النبرة:
ـ أنا "سما"شكراً "احمد"علي الذهاب الآن، أراك لاحقاً.

ومرت من عنده وهي في طريقها للخروج من الشقة، إلتفت قائلاً في سرعة:
ـ هل تسمحين لي بإيصالك؟
أدارت "سما" رأسها إليه، قائلةً بحنان:
ـ بكل سرور،هيا بنا.

وقف "احمد" بجانب "سما" وأمسك بيدها ونظرت إليه بإستغراب، فأبتسم قائلاً في توسل:
ـ هل تسمحين لي بهذا أيضاً؟
ضحكت "سما" عليه وقالت بمرح:
ـ لا بأس بذلك أيضاً.

قام "احمد" بإيصال "سما" إلى المكان الذي وجدها به وظلت تبحث، ثم سألته بحيرة:
ـ ألم ترى معي كيساً صغيراً؟
هز رأسه نفياً، فأخفضت "يما" رأسها وقالت بقلق:
ـ ما العمل الآن؟ لا يمكنني العودة إلى المنزل من دونها.

وقف "احمد" حائراً لا يعلم ما يفعل، بعدها بقليل سمعت "سما" صوت شقيقها "آدم" ينادي بإسمها فنظرت للجهة المقابلة ورأته قادماً بإتجاهها وقام بإحتضانها وهو يقول بسعادة:
ـ الحمدلله ،لقد كنت قلقاً عليكِ.

إرتجفت شفتي "سما" وهي تقول متسائلة:
ـ هل كنت تبحث عني؟
رد عليها وهو يحدق بها بسرور:
ـ نعم والدتي تحترق قلقاً في المنزل، هيا لنعد معاً.

أوقفت "سما" شقيقها "آدم" وأشارت إلى "احمد" قائلة:
ـ هذا الشاب هو الذي ساعدني، لقد كنت متعبة ووقعت هنا وقد إهتم بي كثيراً.
شعر "احمد" بالإحراج وأطمئن أكثر عندما سمع "آدم" يقول شاكراً:
ـ أشكرك على مساعدة أختي، ولكي نكافئك أنا أدعوك لتناول الغذاء في منزلنا.
أحنى "احمد" رأسه قائلاً بسعادة غامرة:
ـ شكراً جزيلاً لك.

وعادوا الثلاثة إلى المنزل وفرحت الأم كثيراً لسلامة إبنتها "سما" وشكرت "احمد" بحرارة وقامت بإعداد أشهى المأكولات لدرجة أن "احمد" ذُهل عند رؤيتها، وارتاح معهم وشعر بأنه وسط عائلته وحين فكر هكذا وضع الملعقة على الطبق وقال بصوتٍ متألم:
ـ لم أحظى بمثل هذا الإهتمام من قبل، ولا أعرف كيف أشكركم.

قالت له "سما" في تساؤل:
ـ ما الذي تقصده؟ أليس لديك عائلةٌ يهتمون بك؟
إلتمعت عينا "احمد" وهو يضغط على الملعقة بقبضة يده ويرد قائلاً:
ـ لقد طردت من المنزل من قِبل والدي، لأنني كنت معارضاً على أمرٍ ما.
إتسعت عينا "سما" وقالت في ذهول:
ـ طردك لأنك عارضت على قراره، هذا غريب.
إبتسم "احمد" وقال متابعاً:
ـ نعم، والدي عصبيٌ جداً ولا يفتح مجالاً للنقاش، مضت ثلاثة أيام وأنا أتنقل من مكانٍ لآخر ولا أعرف أين سأستقر.

عم الصمت الغرفة فقالت "سما":
ـ لماذا لا تسكن في الشقة التي كنت فيها؟
أجابها بصوتٍ خافت:
ـ أنا لا أملك المال الكافي للسكن في شقة لا تقلقي علي يمكنني تذبر الأمر.
ونهض من على الكرسي وقال:
ـ شكراً على الطعام علي الذهاب الآن.
نهضت "سما" للحاق به فأمسك "آدم" بيدها وقال معارضاً:
ـ لا تلحقي به الآن.
عقدت"سما" حاجبيها وسألته:
ـ لماذا؟
رد عليها "آدم" في سرعة:
ـ لأنه يبكي.

كان "آدم" محقاً، فقد توقف "احمد" عند شجرة حديقة المنزل، وانهمرت الدموع من عينيه وضرب برأسه على جذع
الشجرة ويردد قائلاً في ضيق:
ـ تباً تباً.
وظلت "سمما" تراقبه من النافذة المقابلة للحديقة وقلبها يتألم حزناً عليه.

وقف "أدهم" عند باب المستشفى وهو في طريقه للخروج، وهب عليه نسيمٌ طيب، وحين أستنشقه قال بإرتياح:
ـ ياله من هواءٍ لطيف، مضت فترةٌ طويلة منذ دخولي.
ثم رأى والدته تقف عند السيارة وتلوح بيدها قائلة بإستعجال:
ـ أسرع يا "أدهم" وإلا سنتأخر.
هز رأسه موافقاً، وكان يستعين بالعكاز في السير لأنه قدمه لم تشفى تماماً بعد ولا يستطيع السير بها لفترةٍ طويلة.

وضعت "سما" يدها على كتف "احمد" وهو عند جذع الشجرة، وحين نظر إليها قالت له وهي تخفض حاجبيها عندما رأت دموعه:
ـ لماذا لا تحاول الذهاب إلى والدك والإعتذار منه؟
أشاح "احمد" بوجهه قائلاً في ضيق:
ـ لا يمكنني فعل ذلك لأنه..
قاطعته قائلة في سرعة:
ـ عصبي، أليس كذلك؟ لا يوجد أبٌ في هذا العالم يكره إبنه مهما حدث، أنا واثقة بأنه قلقٌ عليك الآن ويود رؤيتك.
إتسعت شفتي "احمد" وهو يقول ناكراً:
ـ هذا مستحيل!
هزت "سما" رأسها نفياً وهي تقول:
ـ كلا "احمد" هيا لنذهب إلى والدك.
رفع "احمد" حاجبيه قائلاً في إستغراب:
ـ ماذا؟ هل ستذهبين معي؟
ردت عليه قائلة بكل ثقة:
ـ أجل، هيا بنا.

فتحت "دينا" درج خزانتها وأخرجت بعض الإكسسوارات، وحملتها بين يديها وهي تبتسم وتقول بسعادة:
ـ سأرتدي هذه عند حفلة "أدهم"
بعدها تذكرت شيئاً وقالت في حيرة:
ـ لقد نسيت ،علي شراء هديةٍ لـ "أدهم".
ونهضت من على الأرض، واتصلت على "تالين" واتفقت معها للذهاب معاً إلى السوق.

بينما كانتا في السوق، وقفت "دينا" عند مكان الكتب، فرفعت يدها وألتقطت كتاباً، وقالت وهي تقلب الصفحات:
ـ "أدهم" يحب قراءة الكتب، لكن أي نوعٍ يفضل يا ترى؟
أخذت "تالين" الكتاب من يدها وقالت بإشمئزاز:
ـ إشتري شيئاً آخر غير الكتب، ما هذا الملل!
وابتعدت وسارت "دينا" خلفها وقالت في عصبية:
ـ أنا لم أقل بأنني سأشتريه.
قالت "تالين" وهي تتابع السير:
ـ كنتِ تفكرين بذلك.
وضحكت ساخرة تنهدت "دينا" في ضجر وهي تقول بصوتٍ خافت:
ـ لو كنتُ اعلم أنكِ هكذا، لما أحضرتكِ معي.


في أحد الشوارع، كان "مروان" يقف أمام الإشارة وهو غارقٌ في التفكير فيما قالته "نورا" عندما جلس بجانبها تحت
الشجرة وهي حزينة وحين سألها عن سبب حزنها أجابته قائلة وهي تثني ركبتيها:
ـ إن الحب مُتعب أليس كذلك؟
قال "مروان" مستغرباً:
ـ الحب؟ هل تحبين شخصاً معين؟
أغمضت "نورا" عينيها وهي تجيب:
ـ نعم
أراد "مروان" أن يسألها لكنه تردد، وحيره أكثر ما قالته في تلك اللحظة وهي تبتسم:
ـ هل تود أن تعرف من هو؟
صمت "مروان" لأنه لم يعرف ماذا يقول، فتابعت "نورا" قائلة:
ـ على أيه حال،ستعرف قريباً.
وقطع تفكيره صوت السيارات، فانتبه أن الإشارة خضراء وتحرك بسرعة، وقال في تساؤل:
ـ ماذا تقصد بكلماتها الأخيرة؟


.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي