الحُب بيننا

ياسمين الغربلي`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-07-28ضع على الرف
  • 35.8K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

هبت رياح قوية في مساء تلك الليلة الهادئة التي صادفت مساء آخر يوم في الإجازة الصيفية الطويلة....

في ساعات الليل المتأخرة كان التوتر يملىء قلب "تالين" التي تسلطت عينيها أمام شاشة الكمبيوتر، ولم تبالي بالجو الذي بدأ يتغير تدريجياً في الخارج، ومن شدة انسجامها على الانترنت...

ثم قطع هذا الإنسجام صوت إرتطام الأشجار بنافدة غرفتها الزجاجية، فأطفأت الجهاز وأستلقت على فراشها في وسط الغرفة وغطت نفسها بالبطانية الصوفية وكان يدور في ذهنها سؤال واحد

_كيـف سيكـون الغــد؟

وبعدها بدقائق قليلة غطت في النوم ولم تشعر بشيء....

في صباح اليوم التالي كانت السماء زرقاء صافية والشمس مشرقة مع نسمات هواء دافئة، توقفت الساعة عند السابعة والنصف ودق جرس المنبه ونهضت "تالين" بسرعة وأتسعت عينيها ذهولا عندما رأت الساعة وخرجت من غرفتها راكضة وهي في قمة الإرتباك وتردد قائلة:

_لقد تأخرت، لماذا لم يوقظني أحد؟

ثم لفت نظرها صوت شقيقها يقول في تساؤل وبرود:

ـ ما الأمر؟ ما الذي حدث لكى في هذا الصباح الباكر؟


توقفت "تالين" عن الركض وهي تتنفس بصعوبة وأجابته :

ـ تأخرت كثيرا عن الجامعة.


أطلق شقيقها ضحكة عالية وقال في مرح:

ـ هل تعتقدين بأنك في المدرسة؟ نظام الجامعة مختلف، دوامك يبدأ في التاسعة.


أحمر خديها خجلا وأخفضت رأسها قائلة في خجل بإبتسامة خافتة:

ـ لقد نسيت تماما.

ثم رجعت إلى الغرفة، وبدأت تجهز نفسها ببطء إستعدادا للذهاب، وارتدت بلوزة باللون الزهري مع تنورة قصيرة، ورفعت شعرها البني وأبقت جزءا منه منسدلا على كتفيها ، وفجأة بعد مرور ساعة سمعت صوت سيارة شقيقها فنظرت عبر النافدة ورأته يلوح بيده يطلب منها النزول فقالت بعصبية:

ـ من قال بأنني أريد الذهاب الآن؟


ثم خرجت له وركبت في المقعد الأمامي بجانبه متسائلة:

ـ لم كل هذه العجلة؟


أجابها بكل جدية:

ـ ستزدحم الشوارع بالسيارات فيما بعد وسنتأخر أكثر.


بعدما سمعت هذه الإجابة التزمت الصمت، وبعد مرورعشر دقائق وصلت "تالين" إلى الجامعة، وحين نزلت قالت قبل أن تغلق الباب:

ـ سأتصل بك حالما أنتهي إتفقنا؟


هز رأسه قائلا وهو يبتسم:

ـ حسنا.


تقدمت "تالين" بضع خطوات على قدميها، وتوقفت حين تجاوزت البوابة الرئيسية....
تداخلت الأصوات الكثيرة مع بعضها ولم تتمكن "تالين" أن تنطق بكلمة بسبب ذلك الإزدحام، كان ذلك الجو مختلفا عن ما اعتادت عليه في المدرسة وبدأت تشعر بقليل من القلق حتى أنتقل إلى مسامعها صوت مألوف يقول باستغراب:

ـ "تالين"؟


إلتفتت إلى مصدر الصوت ورأت صديقتها من المدرسة، وشعرت بالارتياح وابتسمت قائلة:

ـ "دينا" ما الذي تفعلينه هنا؟


أجابتها "دينا" باستغراب:

ـ ما الذي تتفوهين به؟أنا سأدرس هنا أيضا.


استعادت "تالين" نشاطها وعلت شفتيها ضحكة سعيدة وهي تقول:

ـ هذا رائع.


أمسكت "دينا" بكف "تالين" وجرتها إلى الداخل قائلة:

ـ دعينا ندخل وقوفنا هنا لن يغير شيئا.


ثم دخلتا إلى المبنى حيث قاعات المحاضرات، وتجولتا في الممر الداخلي، وبينما كانا يسيران قالت "دينا" في تسائل:

ـ لماذا دخلتي إلى هذا القسم؟ أقصد قسم الرسم.


أجابتها بكل ثقة:

ـ لأنني أحبه كثيرا.


وفجأة لفت نظرهما غرفة مليئة باللوحات الملونة، وأقتربتا ثم قاما بفتح الباب، كانت الغرفة باردة ومليئة بالأضواء البيضاء، وقالتا في ذهول:

ـ يا للروعة!.


كانت فرش الألوان موضوعة بترتيب على الطاولات والألوان في كل مكان، وما لفت نظرهما أكثر وجود لوحة كبيرة منعزلة عن بقية اللوحات ومن الواضح أنها مازالت قيد العمل، وقفت "تالين" أمام اللوحة وحدقت فيها قائلة:

ـ إنها رسمة هادئة ورائعة.


رسم في اللوحة شكل القمر وإنعكاس ضوئه على سطح ضفة النهر، وأشارت "تالين" باصبعها إلى النهر وانتقدت قائلة:

ـ لو وضع اللون أفتح هنا لكان أفضل.


إقتربت "دينا" من اللوحة ومن غير قصد حركت يدها قليلا وأدى ذلك إلى سكب اللون الأسود على أرجاء اللوحة، إرتبكت "دينا" كثيرا وشعرت بقلق شديد وهي تقول:

ـ ما الذي فعلته؟


وبحركة سريعة وضعت منديلا فوق اللوحة وأسرعت "تالين" بإبعاده وهي تصرخ قائلة:

ـ لا تفعلي هذا.


وحين أبعدته كانت اللوحة قد تلطخت أكثر، فتح باب الغرفة في تلك الأثناء، وألتفتا إلى الخلف وشاهدوا فتاة تحمل كوبا من الماء وتنظر إليهما بكل برود وتسلألهما:

ـ ما الذي تفعلانه هنا؟


وتقدمت قليلا ورأت لوحتها قد أفسدت، فشعرت بصدمة كبيرة وأسقطت الكوب من يدها من دون أن تشعر، وكسر حين أرتطم بالأرض ثم قامت بإبعادهما وهي تحدق بالرسمة التي قضت يومان من السهر في رسمها وبسطت كفيها على الطاولة وشعرت "دينا" بالأسى عليها ووضعت يدها على كتف الفتاة "دينا"وسمعتها تقول في أسف:

ـ أرجوك سامحيني ، لم أكن أقصد فعل ذلك.


وتراجعت "دينا" إلى الخلف مبعدة يدها حين رأت دموع "سما" تتساقط على الطاولة وهي تقول بصوت باكي ومليء بالحزن:

ـ لقد أمضيت يومان في رسم هذه اللوحة.


إقتربت "تالين" وحاولت تشجيعها قائلة:

ـ يمكنك إعادة رسمها ونحن سنقوم بمساعدتك.


صرخت "سما" في وجهها وقالت بعصبية:

ـ هل تعتقدين بأن هذا سهل؟ يجب علي تسليمها في الغد.


قاطعها صوت شخص يقول في عجلة:

_"سما" لقد بدأت محاضرتنا.


مسحت "سما" دموعها وقالت وكأنها مستعدة:

ـ سآتي حالا.


لاحظ الفتى شحوب وجه "سما" وإحمرار عينيها فوقف أمامها ورفع رأسها قائلا:

ـ ما الأمر؟


ونظر إلى حالة الغرفة وإلى اللوحة،فأتسعت عينيه ثم سمع "يما" تقول في إحباط:

ـ سوف أنسحب من المسابقة، "ادم".


عقد "ادم" حاجبيه وقال في غضب:

ـ هل جننتي؟أنتى تعلمين لماذا اشتركنا في هذه المسابقة.


قاطعته قائلة وهي تهز رأسها نفيا:

ـ لم أعد أهتم، فأنا لن أربح على أية حال.


ثم تابعت مبتسمة:

ـ لقد كان إشتراكي غلطة منذ البداية.


صفعها "أدم" على وجهها فوقعت على الأرض، وأمتلىء وجه "دينا" و"تالين" ذهولا ولم يتمكنا من قول شيء لكن "ادم" قال بعصبية وجفاء:

ـ لم أكن اعلم أنك ضعيفة هكذا.


وضعت "سما" يدها على خدها، وبكت لقد إشتركت "سما" في هذه المسابقة لأن الجائزة عبارة عن مبلغ مالي سيساعدها لإعطاء والدها لكي يتعالج،لكنها أصيبت بخيبة أمل حين أفسدت اللوحة ، وفي الواقع كان "ادم" هو من ساعدها على الإشتراك، لذلك أستاء كثيرا حين سمعها تقول بأنها سوف تنسحب.


حمل "ادم" اللوحة بين يديه وقال بثقة بالغة:

ـ سأرسمها لك.


أبعدت "سما" يديها عن وجهها ورفعت رأسها ناظرة إليه بإندهاش فبادلها النظرات بإبتسامة صافية أنستها كل ما كان يضايقها فمد يده إليها وساعدهاعلى النهوض من على الأرض و ابتسمت والدموع تملىء عينيها، وكانت "تالين" تراقب ما يحدث بانسجام ونسيا السبب الذي دفعهما لدخول هذه الغرفة
لكنهما تعرفا على صديقين جديدين.


بعد ذلك بوقت قصير، بدأت المحاضرة الأولى، وامتلأت القاعة بالطلاب والطالبات وفي وسط الهدوء الذي عم المكان لم يكن يسمع سوى صوت الشخص الذي يلقي المحاضرة ، كانت "تالين " تعوم في بحر الشرود وكأنها في عالم آخر،ولم تشعر بما يدور من حولها مطلقا، و "دينا" كانت تتحدث
بصوت خافت مع الفتاة "نورا" التي كانت تجلس بجانبها.


بعد مرور ساعتان إنتهت المحاضرة، ورفعت "دينا" يديها عاليا وقالت في إنتعاش:

ـ وأخيرا إنتهى هذا الجو الممل.


ووجهت بصرها نحو "تالين" التي استمرت بالنظر إلى الأمام وهزتها قائلة:

ـ هيه"تالين" ما الذي تفكرين به؟


بدت "تالين" في تلك اللحظة كمن عاد إليه عقله، وقالت في إرتباك:

ـ لا، لاشيء.


ثم أشارت "دينا" إلى "نورا" قائلة:

ـ هذه صديقتنا الجديدة "نورا".


بدت الطيبة واضحة على وجه "نورا" وهي تقول:

ـ سعدت بلقائك.


ابتسمت "تالين" ورحبت بها هي الأخرى، وقاطعتها "دينا" قائلة في تساؤل:

ـ بماذا كنت تفكرين طوال وقت المحاضرة؟


ارتبكت "تالين" وهي تقول بضحكة مصطنعة:

ـ لقد كنت أفكر بأمر "سما".


رمقتها "دينا" بنظرات غريبة وإبتسامة اغرب وقالت في سخرية:

ـ تفكرين بـ "سما" أم بالشخص الآخر؟


إحمر وجه "تالين" وهي ترد عليها:

ـ ما الذي تقولينه؟ كفي عن المزاح.


ووضعت رأسها بسرعة على الطاولة وسمعت "نورا" تهمس قائلة:

ـ هل تقصدين الفتى المدعو "ادم"؟


رفعت "تالين" رأسها واقتربت من "نورا" قائلة في إصرار:

ـ هل تعرفينه؟


هزت رأسها نفيا وقالت متابعة:

ـ كل ما سمعته أنه في المستوى الثاني مع شقيقته "سما".. ومشتركان في مسابقة رسم أفضل لوحة.


صرخت كل من "تالين" و "دينا" قائلتان:

ـ مستحيـــــــــــل.


ضربت "تالين" بيدها على كتف "نورا" وقالت:

ـ هل أنت واثقة؟


أجابتها "نورا" مستغربة:

ـ نعم.... لقد سمعت بعض الطلاب يقولون هذا.


شعرت "تالين" بالارتياح وعادت إلى مكانها وهي تقول:

ـ حمدلله.


عقدت "دينا" يديها وقالت موجهة كلامها إلى "تالين":

ـ لكن..هل أنت واثقة بأنك ستصبحين صديقة له؟


صرخت في وجهها قائلة:

ـ هذا ليس من شأنك.


وقطع هذا الشجار صوت تساقط كتب على الأرض ومرافق له صوت صرخة فتاة، ثم نظروا إلى الخلف ورأوا شابا يقف بجانب فتاة تجلس على الكرسي وتصرخ عليه قائلة:

ـ كيف تجرؤ على رمي الكتب على قدمي؟ ألا تعلم بأن هذا مؤلم.


انحنى الشاب "أسر" أمامها وقال معتذرا:

ـ أعتذر على تصرفي هذا.


وجلس على الأرض وبدأ بجمع الكتب الذي سقطت وحين أنهض إنحنى لها مرة أخرى وغادر القاعة من الباب الخلفي، شعرت "تالين" بالتضايق من تصرف الفتاة "هند" وذهبت إليها قائلة :

ـ لماذا فعلتي هذا؟


رفعت عينيها لتنظر إلى من يقف أمامها وتساءلت ببرود:

ـ من أنت؟ وما شأنك؟


أخفضت "تالين" حاجبيها وقالت في آسى:

ـ لقد أشفقت على ذلك الشاب.


أخذت "هند" حقيبتها ووضعتها على كتفها قائلة:

ـ إلحقي به إذن، عليك يا عزيزتي ألا تنخدعي كثيرا، معظم الشباب هنا فاسدين وأنا أكرههم جميعا ولا يمكنني أن أثق بهم.


أغمضت عينيها وقالت بصوت خافت:

ـ أنت مخطئة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي