الفصل الواحد والعشرون

قال "محمد" مبتسماً:

ـ أعرف شخصاً جيداً في هذه الأمور،إنه أحد أصدقائي.

قالت "دنيا" بسعادة:

ـ رائع لنبدأ في الحال.

وعندما أدارت "دنيا" ظهرها إليه سمعته يسألها:

ـ لكن "دنيا" ما الذي جعلكِ تفكرين في هذا الأمر؟

التفتت إليه "دنيا" وقالت مجيبة:

ـ قبل فترة قصيرة سمعت والدي يقول أنه بحاجةٍ لشخصٍ ماهر يعمل في قسم الحسابات، لهذا فكرت بأنك الشخص المناسب لهذا العمل.

رفع "محمد" حاجبيه قائلاً:

ـ صحيح أنا كنت أدرس في هذا المجال.

اقتربت "دنيا" منه وهي تقول:

ـ علينا أن نسرع انها فرصتنا الوحيدة.

في أحد المدارس خرجت "رغد" من قاعة الإمتحان، وتبعها "سامر" وهو يقول بضجر:

ـ كم أكره هذه المادة.

وقفت "رغد" بجانب السور وهي تقول:

ـ اشعر بالملل، أريد العودة للبيت.

وقف "سامر" بجانبها وهو يقول:

ـ يمكننا العودة الآن.

سألته "رغد" بإندهاش:

ـ حقاً؟

ابتسم لها "سامر" وهو يجيب:

ـ بالطبع ما دمنا قد أنهينا الإختبار.

فأمسكت بيده بسعادة وهي تقول:

ـ لنذهب معاً.

في ذلك الوقت، كانت "دنيا" مع "محمد" في السوق وتختار له الملابس المناسبة ليظهر بشكل مميز أمام والدها، وأشترت له الكثير من الأشياء، بعدها ذهب "محمد" إلى الصالون الرجالي وغيرلون شعره إلى الأسود وطلب منه أن يرتبه بشكلٍ مختلف، وبعد مرور ثلاث ساعات، عادا "محمد" و"دنيا" للمنزل، ثم قالت له "دنيا":

ـ أريد منك أن تريني كيف سيكون شكلك في الغد.
دخل "محمد" إلى غرفته، وغير ملابسه ووضع النظارات على عينيه، وأنزل قليلاً من شعره على جبينه.
وحين خرج، التفتت إليه "دنيا"ونهضت من على الأريكة ببطء وهي تقول بذهول:

ـ هذا رائع.

بدا شكل "محمد" مختلفاً جداً، واقتربت "دنيا" منه وقالت ضاحكة:

ـ لو رأيتك بهذا الشكل في مكانٍ آخر لن أتمكن من معرفتك.

ضحك "محمد" وهو يقول بمرح:

ـ إنك تبالغين كثيراً يا عزيزتي.

سألته "دنيا" في حيرة:

ـ هل إنتهى صديقك من عمله؟

أخذ "مح" من على الأريكة واتصل بصديقه وسأله عن الأوراق عندما رد عليه:

ـ هل إنتهيت؟

إنتقل إلى مسامعه صوت صديقه وهو يقول:

ـ نعم يمكنك القدوم لأخذها.

عندما أغلق "محمد" الخط، أخذت "دنيا" منه الهاتف وقالت:

ـ إستخدم الهاتف المحمول الذي أشتريته لك،هناك أمرٌ آخر، في فترة العمل عليك أن تسكن في أحد الفنادق الفخمة.

قال "محمد" متسائلاً بحيرة:

ـ لماذا؟

ردت عليه قائلة بجدية:

ـ إن والدي يراقب مستوى الموظفين الجدد الذين يعملون عنده في الأيام الأولى، لذا عليك أن تكون حذراً للغاية.

تنهد "محمد" قائلاً في ضيق:

ـ حاضر كما تشائين.


قامت "ملك" بالإتصال على "سيف" وهي في المستشفى وحين رد عليها،قالت له بصوتٍ متعب:

ـ مرحباً "سيف".

قال "سيف" متسائلاً بقلق شديد:

ـ "ملك"صوتكِ لا يبدو طبيعياً هل حدث شيء؟


سكتت "ملك" قليلاً ثم أجابته بنبرةِ حزينة:

ـ "احمد" تعرض لحادث وهو الآن بالمستشفى وحالته سيئة.

اتسعت عيني "سيف" وهو يقول:

ـ "احمد"؟

وتذكر حين رآه في عيد الحب وتشاجرا وكاد أن يضرب "ملك" أغمض "سيف" عينيه وقال:

ـ أتمنى له الشفاء العاجل.

وأغلق الخط، وأستلقى على سريره وهو يقول:


ـ هل هذا معقول؟

وبدا كالمذهول الذي تذكر شيئاً وقال بإرتباك وهو يرفع رأسه من على الوسادة:
ـ كان علي أن أسألها عن المستشفى يالغبائي.

ذهب "آدم" إلى الطبيب وسأله عن حالة والده، وكان الرد هو:
ـ أعتقد بانه من الأفضل أن يبقى هنا.
عقد "آدم" حاجبيه وتساءل في ضيق:
ـ لماذا؟ هل حالته خطيرة؟
رد عليه الطبيب بهدوء:
ـ كلا لكني أريد إجراء فحصٍ شامل له للإطمئنان فقط.
اخفض "آدم" رأسه وهو يقول:
ـ حسناً إفعل ما تراه مناسباً.
وخرج من عنده وارتجف كتفيه وركض لخارج المستشفى، وتوقف عن الركض حين رأى الثلج يتساقط، ورفع رأسه للسماء هو يقول بحزن:
ـ لماذا علينا أن نعاني هكذا؟

وركب سيارته وانطلق بها، وبينما كان في الطريق، إتصل على "تالين" وحين ردت عليه قال لها:
ـ "تالين" أنا بإنتظارك في الخارج.
وتفاجأت "تالين" من طريقة كلامه، لقد بدا الحزن واضحاً على نبرته فنزلت إليه وفتحت الباب الحديدي ورأته يقف أمامها والثلج يغطي كتفيه، فسألته:
ـ ما الذي حدث لك "آدم"؟
لم يستطع "آدم" التحمل واقترب منها واحتضنها وهو يقول:
ـ أنا آسف لكني بحاجةٍ إليكِ.
نظرت "تالين" إلى وجهه الحزين وأمسكت بيده وقالت:
ـ تعال معي إلى الداخل فالجو باردٌ هنا.
وادخلته للمنزل ونفضت ملابسه من الثلج، ثم أجلسته عند المدفئة في غرفة المعيشة وغطت جسده بالمعطف، وجلست بجانبه وهي تثني ركبتيها قائلة:
ـ ما الذي حدث لك "آدم"؟
لم يتمكن "آدم" من الرد عليها، فبقيت "تالين" تتطلع في النار الموقدة حتى سمعته يقول لها بهدوء:
ـ والدي بالمستشفى إن حالته سيئة، قال الطبيب أنه سيجري فحصاً شاملاً له في الغد، ويجب أن نكون بجانبه، في الحقيقة إني أشعر برغبةٍ في البكاء كلما رأيت والدي.
قالت له "تالين" بإشفاق:
ـ أتمنى أن يشفى بسرعة.
نظر "آدم" إلى "تالين" قائلاً بإنحراج:
ـ أنا آسف لأنني أتيت في هذا الوقت.
إبتسمت "تالين" في وجهه وهي تقول:
ـ لا بأس يمكنك القدوم في أي وقتٍ تشاء يا عزيزي "آدم".
بعدما شعر "آدم" بالدفء نهض من على الأرض وقال شاكراً:
ـ أشكرك يا "تالين" علي الذهاب الآن.
وأبعد المعطف وأعطاه لـ "تالين" التي وقفت أمامه وهي تقول:
ـ لماذا لا تنتظر حتى يتوقف الثلج؟
قال "آدم" مجيباً:
ـ لا عليكِ سأذهب بالسيارة.
وأبتعد ملوحاً بيده إليها وهو يقول:
ـ إلى اللقاء.
التمعت عينا "تالين" وهي تراه يخرج من أمامها، وقالت بداخل نفسها:
ـ رافقتك السلامة يا "آدم".
ونزلت دمعةٌ من عينيها بدون أن تعلم السبب وكانت تبتسم بالرغم من ذلك.

في المستشفى، جلست "هدى" على الكرسي المتحرك لأن الطبيب طلب منها ألا تسير على قدميها حتى تشفى، وقفت والدتها خلفها وهي تقول:
ـ سآخذكِ إلى "احمد" الآن.
إبتسمت "هدى" وهي تقول:
ـ شكراً لكِ امي.
وحين خرجتا من الغرفة ووصلا إلى مكان غرفة "احمد" رأوا "امجد" و "ملك" يجلسان هناك فتوقفت
والدة "هدى" عن دفع الكرسي وقالت متسائلة:
ـ هل يمكننا الدخول؟"هدى" تريد رؤية "احمد".
ضحك "امجد" وهو يقول متضايقاً:
ـ ياللوقاحة إنك جريئةٌ جداً يا آنسة "هدى" جئتِ بنفسك إلى هنا.
ردت عليه "هدى" بسخرية:
ـ يبدو عليك التعب من الجلوس هنا، لماذا لا تذهب وتأخذ قسطاً من الراحة؟
وتابعت وهي تغير ملامح وجهها للجدية:
ـ أيها الذئب البشري.

نهض "امجد" من مكانه، وأدخل يديه في جيبه وهو يقترب ببطءٍ منها وفجأةً إعترضت والدتها طريقه
فتوقف عن السير، ووالدة "هدى" تقول باحترام وهدوء:
ـ نحن لم نأتي إلى هنا لإفتعال الشجار لقد أتينا لزيارة شخصٍ مريض.
عقد "امجد" حاجبيه وقال بعصبية:
ـ لن أسمح لكما بالدخول هل هذا واضح؟
أمسكت "ملك" بذراع "امجد" وسحبته للخلف وهي تقول:
ـ هذا يكفي.
وتقدمت "ملك" خطوتين للأمام ثم قالت ببرود:
ـ المعذرة لا استطيع السماح لكما بالدخول لأن والدتي بجانب "أحمد" الآن، يمكنكما العودة لاحقاً.
قالت "هدى" بصوتٍ غاضب:
ـ سوف نعود يا أمي لم أعد أحتمل سماع الإهانات.
انحنت الأم لـ "ملك" ثم دفعت كرسي "هدى" وأعادتها إلى غرفتها.


في اليوم التالي، إنعكس ضوء الشمس من النافذة الزجاجية على عيني "هند" النائمة، مما أدى إلى نهوضها، فرفعت رأسها من على الوسادة وعلى وجهها علامات النعاس، فأبعدت الغطاء من فوقها ووقفت على قدميها، ورفعت يديها أمام النافذة، وحين رأت الثلج يغطي أشجار الحديقة المقابلة لمنزلهم، فتحت النافذة وارتجفت عندما أحست بالبرد ثم غيرت ملابسها مرتديتاً ملابس الجامعة، وفتحت حقيبتها لتتأكد بأنها لم تنسى شيئاً ووضعتها على كتفها وخرجت من الغرفة، وحين رأت بأنه لم يستيقظ أحدٌ بعد، غادرت المنزل بهدوء وسارت على قدميها حتى وصلت للشارع الرئيسي، وكانت تنتظر وصول سيارة أجرة لإيصالها إلى الجامعة، وفجأةً توقفت سيارةٌ رمادية أمامها فنظرت إليها باستغراب، وفتح صاحبها النافذة ورأت أن هذا الشخص هو "مازن" فعقدت حاجبيها في ضيق، ورمقها بنفس النظرات، ثم أغمض عينيه وقال بهدوء:
ـ إركبي ساوصلك إلى الجامعة.

أشاحت "هند" بوجهها وقالت بإشمئزاز:
ـ سأنتظر سيارة التوصيل.
تنهد "مازن" بضجر ونزل من السيارة وأقترب منها وأمسكها من معصمها وفتح الباب الآخر وأدخلها وهو يقول بصوتٍ غاضب:
ـ لا تكوني عنيدة يا "هند".
وعاد إلى مكانه وحين ركب أغلق جميع الأبواب، وابتسم قائلاً:
ـ أرجوكِ لا تحاولي الهرب مني.
سألته "هند" في حيرة:
ـ "مازن"ألا تعرف معنى الإستسلام؟
أجابها بكل ثقة وهو يقود السيارة:
ـ كلا لن أستسلم أبداً وسيأتي اليوم الذي تشعرين فيه بنفس شعوري.
حدقت "هند" بـ"مازن" بإستغراب،وأخذت نفساً عميقاً وأستمرت بالنظر إلى الطريق.

وصل "محمد" إلى شركة والد "دنيا" وتوقف امام ذلك المبنى الأبيض الكبير وشعر بقليلٍ من الخوف في البداية، لكنه تقدم للأمام ودخل للشركة وحسب ما قالته "دنيا" فإن مكتب المدير في الطابق الثالث، ففتح المصعد ودخل مع عددٍ من الموظفين، وحين وصل إلى الطابق الثالث، خرج من المصعد ورأى إمرأةً تجلس على مكتبها، فأقترب قليلاً وسألها وهو يضع يده على المكتب:
ـ أين يمكن أن أجد المدير؟
أشارت السكرتيرة إلى بابٍ مقابلٍ لمكتبها، ثم سألت:
ـ هل لديك موعدٌ مُسبق مع المدير؟
رد عليها "محمد" بإستغراب:
ـ كلا لكن ألا يمكنني رؤيته هكذا؟
نهضت السكرتيرة من كرسيها وهي تقول:
ـ إنتظر لحظة من فضلك.
بعد مرور دقيقتين عادت السكرتيرة من مكتب المدير وقالت لـ "محمد":
ـ تفضل المدير ينتظرك.
بدا الخوف والقلق على وجهه وهو يقول متردداً:
ـ حسناً.
وفتحت له باب المكتب ودخل "محمد" بخطواتٍ مرتجفة، كان مكتب المدير في الجهة اليمنى من الغرفة، وحين أغلقت السكرتيرة الباب، نظر المدير إلى "محمد" ثم أبتسم قائلاً:
ـ إقترب قليلا، لماذا تقف هناك؟
إقترب "محمد" ووقف أمام مكتب المدير مباشرةً، وانحنى قائلاً:
ـ تشرفت برؤيتك سيدي.
لم يعرف "محمد" ما يقوله بعد ذلك، فأخرج صحيفةً من حقيبته السوداء،ووضعها على مكتب المدير وهو يقول بجدية:
ـ لقد قرأت هنا بأنك بحاجةٍ إلى موظفٍ جديد في قسم الحسابات، وقررت أن أقدم أوراقي الخاصة لك لكي تتطلع عليها لأنني متخصصٌ في هذا المجال.
رفع المدير عينيه إلى "محمد" وسأله:
ـ ما أسمك؟ ومن أين أتيت؟
أجابه "محمد" بإرتباك:
ـ إسمي "ماجد" إنتقلت من إنجلترا إلى هنا حديثاً وأتمنى الحصول على عمل في هذه الشركة.

ثم طلب المدير أوراقه الخاصة فأخرجها "محمد" له وحين رآها إبتسم قائلاً:
ـ سنختبر قدراتك أولاً في هذا المجال بعدها سأقرر ما إذا كنت مؤهلاً لذلك أو لا ابذل جهدك.
علت الضحكة شفتي "مح" وانحنى قائلاً بسعادة:
ـ شكراً جزيلاً لك يا سيدي.
وشكر "دنيا" من أعماق قلبه.

حرك "احمد" أصابع يده ثم فتح عينيه ببطء وانتقل إلى مسامعه مباشرةً صوت والدته وهي تهتف بسعادة:
ـ "احمد" يا صغيري، إستيقظت أخيراً.
إلتفت "احمد" إلى والدته وقال بشرود:
ـ أين أنا؟
ردت عليه والدته بإرتياح:
ـ أنت بالمستشفى يا صغيري "احمد"سأخبر "امجد" و "ملك" بأنك أستيقظت.
وعندما ذهبت، همس "احمد" بداخل نفسه قائلاً:
ـ أنا أرغب برؤية "هدى" فقط.
بعدها دخلا "ملك" و"امجد" وأقتربا منه،وحين وقفا بجانبه قالت "ملك" مبتسمة:
ـ حمد لله على سلامتك يا "احمد".
ثم رمقه "امجد" بنظراته الباردة وقال بجفاء:
ـ أتمنى أن تتمكن من النهوض بأسرع وقتٍ ممكن.
أبعد "احمد" عينيه عن عين أخيه "امجد" وقال موجهاً كلامه لـ "ملك":
ـ أين "هدى"؟ أريد رؤيتها.
صمتت "مبك" لبرهة، فرد عليه "امجد" بدلاً منها:
ـ لا يمكن أن نسمح لك برؤية تلك الفتاة.
قال "احمد" بكل جرأة:
ـ ومن أنت حتى تُملي علي الأوامر؟
أجابه "امجد" محافظاً على غضبه:
ـ لو كنت بخير لعرفتُ كيف أردُ عليك.
قاطعتهما الأم قائلة بعصبية:
ـ توقفا أنتما الإثنان"احمد" إذا كُنت مُصراً على رؤية "هدى"يمكنني الذهاب لإحضارها.
قالت "ملك" لوالدتها قبل أن تذهب:
ـ إنتظري يا أمي،سأذهب أنا لإحضارها.
إبتسم "احمد" لأخته وقال:
ـ شكراً لكِ "ملك".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي