الفصل الثامن

استمر "ذو" على هذا الحال لعدة أيام، حتى لاحظ "السيف" أن هناك ضفادع كثيرة ماتت بجوار بركة الماء فخشي أن هناك ثعبان فتاك يقوم بذلك ، فخاف أن يهاجم هذا الثعبان الأولاد الذين يسبحون في البركة ، فبدأ يجلس خلف صخرة كبيرة ويراقب ما يحدث حول البركة ، وكان بحوزته عصا طويلة ليستخدمها في قتل الثعبان إن ظهر.


ولبث اليوم الأول ولم يظهر شيء ، وفي صباح اليوم التالي وكان قد غلب على "السيف" النعاس ،لكن أصوات صادرة من جوار البركة تشبه خطوات إنسان، فشاهد العجب،حيث رأى "ذو" وهو يمسك بضفدع ثم يغرس شيء في جسد الصفدع، لم يستطع "السيف" رؤية ما يغرسه "ذو" بجسد الضفدع، ثم أنصرف

"ذو" فخرج "السيف" واتجه إلى المكان الذي كان "ذو" يجلس فيه ،فوجد الضفدع قد مات وعيناه تنزف دما ،فعرف أن "ذو"غرس شيء حاد في عيني الضفدع.

تعجب "السيف" من وحشية "ذو" وعدم رحمته، وذهب إلى الشيخ "حسيب" ليخبره بما رأى، لما عرف الشيخ "حسيب" بذلك ،عرف أن "ذو" يغلي من الداخل وان لم يوقف "عبدالرزاق" وابنه ومن معهم من السخرية من "ذو" فقد تصبح الأمور خارج السيطرة.


ومرت الأيام وبعد أن أستمتع "ذو" ورفاقه بإجازة العام الدراسي، بدأ العام الدراسي الجديد وكأنهم لم يقضوا يوما واحدا في الإجازة لسرعة مرور الأيام، أصبح "ذو" في الصف الثالث الإبتدائي، وكعادته كان معلميه يثنون عليه، فهو يمتلك سرعة فهم وسرعة حفظ مذهلة.


وبعد انتهاء وقت الدوام وأخذه لقسط من الراحة في البيت، ذهب للمسجد لصلاة العصر ، وبعد انتهاء الصلاة جلس ليسمع سور الإخلاص والمعوذتين بأخر ما تعلمه من السبع القراءات،وبعد أن انتهى قال الشيخ "محمود":

- أنت أصبحت مجاز في تعليم الأخرين القرآن بالسبع القراءات وأتحدى أحد يسمع قراءتك ثم لا يجيزك، وعندي لك اقتراح أن كنت تريد الإستمرار معي.


فقال "ذو":

- ما هو؟


قال الشيخ:

- تبدأ معي في حفظ الأحاديث التي وردت بصحيح البخاري.


فوافق "ذو" بشرط أن يمنحه إجازة اسبوع لكي يستمتع بها في ركوب الخيل لوقت أطول، فوافق الشيخ "محمود" ولما كان "ذو" ذاهب لإسطبل الخيل وجد "السيف" ومعه "عبدالرزاق" ومعه أبنه "مروان" فلما رأى "عبدالرزاق" "ذو" قال ل"لسيف":

- ما رأيك نجري سباق بين ابني "مروان" وبين هذا الفتى الذي علمته ركوب الخيل؟


فوافق "السيف" على ذلك، لكن "ذو" رفض، فأمسكه "السيف" وقال:

- هل ترد كلمتي؟


ثم تنحى جانبا بعيدا عن مسامع "عبدالرزاق" وقال له:

-يا "ذو" ان هذا الرجل يتباهى بحصانه الأبيض ذلك وأيضا يظن أن ابنه"مروان" أنه أمهر من تعلم الفروسية.


فقال "ذو":

- أخشى أنه إذا فزت عليه يسبني وأنا صبري قد نفذ منه.


قال "السيف":

- لا تقلق أنا سأردعه وأشرط عليه أن لا يتفوه بكلمة أن هزم.


وبالفعل بدأ السباق حيث ركب "ذو" خيل كان ثاني أسرع خيول "السيف" بعد "المشهر" وكان هذا الخيل لا يسمح لأحد غيره أن يمتطيه لشدة محبة "السيف" له وكان يسميه ب"الريح".


وقبل أن يبدأ السباق جاء بقية الطلاب من الحلقة ليتعلموا ركوب الخيل، ولكن الآن عليهم مشاهدة السباق، فلما بدأ السباق أنطلق "ذو" بسرعة جنونية وأصبحت المسافة بينه وبين "مروان"بعيدة جدا فلما وصل النهاية جعل الخيل يدخل بالخلف أي مؤخرة الخيل قبل رأسه ليهين بذلك "مروان"
فلما وصل "مروان" وهو يشاهد ما فعله "ذو"غضب وقال:

-هل تهينني يا ابن الشوارع ؟


فلما سمع "السيف" ذلك أمسك بخيل "مروان" وقال:

- أخرج من أسطبلى.


ولكن جاء "عبدالرزاق" وبدأ يعتذر من "السيف" على وقاحة إبنه وقال:

- لم يفز هذا الفتى على "مروان" بمهارته، ولكن بسرعة خيلك "الريح" فأنا أعرف أنك لا تسمح لأحد أن يركب هذا الخيل غيرك، فليس عدلا أن يركب هذا الفتى خيلك "الريح".


وكان "ذو" صامت يستمع وهو يعرف أن "عبدالرزاق" يستخدم كلمة الفتى من باب التحقير له، ثم قال "عبدالرزاق":

-إن كان سيركب هذا الفتى خيلك "الريح " فيجب أن نغير المسابقة لتصبح من يسقط الآخر من على خيله.

لكن "السيف" رفض ذلك، ولكن "ذو" أمسك بكتف "السيف" وهو فوق الخيل وقال:

- أنا وافقت لما ألحيت علي مسابقته فأن الآن أطلبك وألح عليك أن تمنحني أن أخوض مسابقته الثانية.


علم "السيف "أن "ذو" يفكر في أمر ما، فوافق "السيف" ولكنه أمسك ب"ذو" وقال له:

- أسقطه فقط ولا تؤذه.


وبالفعل بدأ السباق فيمن يسقط الاخر من فوق خيله وكان "ذو" يحمل غلا في قلبه، فلما أقترب "ذو" من "مروان" رفع "ذو" رجله وضرب بها وجه "مروان"بكل قوة ،فسقط "مروان" من على خيله، ثم أراد "ذو" أن يطأ بالخيل على "مروان" الذي وقع مغشيا،ولكن الخيل الأصيل كحال "الريح" أبى أن يستجيب لما أراده "ذو" ولكن "ذو" شد عليه وأراد إجباره لكن "السيف" اندفع بسرعة وأمسك بخيله ثم قال ل"ذو":

- أنزل ثم أرحل من هنا.


كان "السيف" يريد من "ذو" أن يذهب لكي يحاول حل الأمور مع "عبدالرزاق"، لكن "عبدالرزاق" بعد أن رأى إبنه شبه الميت اندفع ل"ذو" يريد ضربه، لكن "السيف" حال دون ذلك وبدأ يمسك "عبدالرزاق" ويحاول تهدئته ،فلما أحس "عبدالرزاق" أنه لن يستطيع أن يصل له بدأ يسبه بكلام طالما كره "ذو" سماعه وبالأخص كلمة( يا إبن الزنا).


فخاف "السيف" من أن تزداد المشاكل، فالتفت إلى "ذو" وهو واقف ملتزم الصمت فصرخ في وجهه وطرده من اسطبله،
خرج "ذو" وهو يكتم غضبه فكل النظرات تنظر له بمقت مع أن هذه النظرات قبل قليل ولما كان"مروان" يسبه كانت تنظر له بالشفقة.


خرج من الإسطبل يركض فلما وصل إلى البيت وجد أمه خارجة من الحظيرة فاندفع لها وبدأ يبكي ،يبكي ،يبكي بكاء مرير.


عرفت أم "ذو" أن أحدا قد سبه وعيره، فبدأت تبكي معه ومن شدة غضب أم "ذو" بدأت تصرخ:

- يا "منصور"يا"منصور"يا"منصور".


وفجأة سمعت شخصا واقفا يقول:

- لبيك يا أماه لبيك.


وأمعنت النظر فإذا بها ترى ابنها"منصور" فشعرت بشعور غريب ،هل تبكي لعودة"منصور"أم تفرح؟ هل عودته ستكون خيرا أو شرا؟
فقالت أم "ذو"وهي تحاول أن تكذب ما تراه:

-هل أنت"منصور"؟

فأجاب:

- نعم أنا إبنك "منصور".


فلما سمع "ذو" ذلك توقف عن البكاء وبدأ يلتفت ليرى ولأول مرة يرى أباه، فلما نظر "ذو" إلى أباه ارتعب ولأول مرة يشعر بالخوف وهو يقول في نفسه:

- هل هذا الوحش أبي؟


أما "مروان"فقد حمله أبوه وذهب به للمركز الصحي وأجتمع أهل القرية في المركز بما فيهم الشيخ"حسيب" و"السيف"
فطمأنهم الطبيب على صحة "مروان" وقال:

-سوغ يفيق بعد دقائق.


وبالفعل أفاق"مروان"ولكنه يشعر بألم في أنفه فلقد كسر "ذو" أنفه بركلته القوية، فدخل"مازن" أخو"مروان"وكان بالمرحلة الثانوية، فلما رأى وجه أخيه قد شوه استشاظ غضبا وبدأت أعصابه تتفلت ثم أقسم بالله أن يقتل "ذو" بيده، فبدأ الناس يحاولون تهدئته ولكن دون جدوى.


فاتجه الشيخ"حسيب" و"السيف" إلى "عبدالرزاق "وطلبا منه أن يساعدهم في نزع غضب ابنه فنظر "عبدالرزاق" إليهم بغضب وقال:

- ليس"مروان" الذي سيقتله ،بل أنا من سيقتله.


فأخرج خنجره وبدأ يركض خارج المستشفى وتبعه ابنه "مازن"، تعثر الشيخ"حسيب" مع الزحام لكن "السيف" أمسك به فقال الشيخ"حسيب":

- دعنا نتبع "عبدالرزاق" وإبنه قبل أن يقتلوا "ذو".


وبالفعل بدأت الناس تركض خلفهم، لكن"مازن" ولأنه بريعان الشباب بدأت خطواته تسبق أباه وأباه ينظر له وهو يصرخ ويقول:

- نعم الشبل أنت.


أحس "عبدالرزاق" بالسعادة لما رأى إقدام ابنه وجسارته،
سمعت أم "ذو" صرخات "عبدالرزاق" وابنه ورأتهم يركضون باتجاه بيتها فقالت:

- اليوم يوم الملحمة وتقصد المعركة.


ثم طلبت من "ذو" أن يأخذ الفأس ويدافع به عن نفسه ثم اتجهت إلى قطعة عصا فأخذتها ثم أتت بها مسرعة و"منصور" يناظر لولده وهو يحمل الفأس ثم ينظر لأمه وهو تسرع متجهة نحوه فقدمت له العصا فنظر لأمه وهو بغاية التعجب فقالت أمه:

- ألا ترى "عبدالرزاق" وإبنه يركضون نحونا والخناجر بأيديهم.


فضحك وقال:

- منذ متى أصبح "عبدالرزاق" وإبنه رجال دعك منهم فأنهم مجرد فئران حين يروني سيهربون، وأيضا أنا لا أحتاج لعصاك ، فأنا أمتلك أشد منها.


وأشار بيده وكان"منصور"جالس وظهر للقادمين، فلما إقترب"مازن" بدأ يتأمل من هذا الرجل الذي معهم الذي لم يحرك ساكنا، بل أنه ملقي لنا بظهره فلما أقترب قليلا توقف وهو يقول:

- إنه هو إنه هو.


كان"منصور" بالماضي كلما التقى "مازن"وهو لا زال صغير يضربه ضرب مبرحا فإن سألوا "منصور"عن السبب يقول:

- لا أحب أن أرى وجهه.


حتى أصبح "مازن"ان رأى "منصور" يطلق ساقيه للرياح، تعجب "عبدالرزاق" فلماذا توقف إبنه؟
فلما اقترب من إبنه سمع إبنه يقول:

- إنه هو.

فنظر "عبدالرزاق" فرأى ظهر هذا الرجل فقال:

-لا ليس هو.


فقال إبنه:

- أقسم أنه ظهر"منصور".


فبدأ الرعب يسري في جسد "عبدالرزاق"وكان الشيخ "حسيب" يركض خلفهم وكانت المسافة لا زالت بعيدة بينهم فلما شاهدوا "عبدالرزاق" وإبنه واقفان مع أن "ذو" أمامهم شعروا أن هناك أمر عظيم،فوقف "السيف" وقال:

- إنه ظهر"منصور" .


فنظر له الشيخ "حسيب"وقال:

-أمتأكد أنت؟


قال "السيف":

- كما أني متأكد أنك الشيخ"حسيب".


فلما رأت أم "ذو" أن "عبدالرزاق" وإبنه قد أوقفهم الخوف سألته بصوت عالي:

- من إبن الزنا يا "عبدالرزاق"؟


فقال "عبدالرزاق":

- أنا أبن الزنا وهذا.


وأشار لإبنه "مازن"ثم بدأ يتراجع ثم بدأ يركض هو إبنه هربا من"منصور"فلما وصل الشيخ"حسيب" ومن معه تقدم الشيخ وقال:

- أنت"منصور"؟


فالتفت"منصور" له وقال:

- ألم تعرفني أيها الشيخ الهمجي؟


فلم يرد عليه منهم أحد، لكن "ذو" وقف في جه ابيه وقال:

- بل أنت الهمجي.


فقال الشيخ:

- أسكت يا "ذو" فمهما أخطأ أباك فهو لا زال ضيفا علينا له حق الضيافة وغدا سنقيم له وجبة غداء بمناسبة رجوعه بخير وسلامة.


ثم أنصرف، فنظر"منصور" إلى إبنه وقال:

- يبدو أن أهل القرية أفسدوك على.


ثم ذهب للبيت وبقي نائم حتى عصر اليوم التالي فلما أفاق سأل عن "ذو" فقالت:

-هو الآن في الحلقة يتعلم القرآن والحديث.


وبدأت أمه تحدثه عن "ذو" وما فعله فلقد حفظ القرآن كاملا وليس وحسب بل وأيضا أجاد قراءة القرآن بالقراءات السبع وأيضا.


فقاطع "منصور" أمه وقال:

- هل سيعود أم أذهب وأحضره؟

فقالت:

-قد قلت له أن يأتي بعد أن ينتهي من الحلقة.


وبالفعل لم تمر دقائق معدودة إلا و "ذو" أمام أبيه فأمسكه بيده وبدأ يمشيان ولم يكن "ذو" يعرف أين أبوه يريد أن يأخذه
فتوجه "منصور" لبيت أبو"جاسر" ليصفي حسابه مع"جاسر" فهو لا يزال يذكر اللحظة التي دخل "جاسر" فيها غرفته وهو في حالة سكر شديد وكان يريد من ذلك أن يقتل"منصور"إبنه
فأراد أن يهينه.


فلما وصل البيت تقابل وجها بوجه مع "مازن" فلما رأه بدأ يركض بأسرع ما يمكن وهو يصرخ:

-أهرب يا أبي "منصور"قد أتى.

فسمعه "عبدالرزاق" فخرج وهو يعتذر ويحلف ويقسم أن ما حصل منه كان نزوة شيطان، بينما كان"منصور" ينظر بتعجب فقال:

-ما الذي جاء بك هنا؟


فعرف "عبدالرزاق" أن"منصور" يبحث عن "جاسر" فأخبره أنه قد باع كل ما يملك له، فقال "منصور":

- كنت أعرف أنه ما فعل ما فعله إلا وهو مخطط للهرب، سوف أذهب أنا و"ذو" إلى المرعى الذي يقع خلف بيتك.


فرحب "عبد الرزاق" به وقال:

- هل تريد أن أرسل لك قهوة أو شاهي؟


فقال "منصور":

-لا.


فقال "عبدالرزاق":

-فستجد ماشيتي هناك فخذ الخروف الذي يعجبك.


فنظر له"منصور" وقال:

- إذا أردت خروفا فلن أنتظر اذنك.


ثم قال:

-تذكرت أين أخوك"مختار"؟


فقال" عبدالرزاق":

- انه ذهب هو وزوجته وإبنه إلى القرية المجاورة من أجل أن تزور زوجته أمها وأباها.


فقال "منصور":

-إن عاد فأخبره أني وصلت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي