الفصل التاسع
فبينما هما يمشيان قال "ذو" لأبيه:
- لماذا لم تحضر الغداء الذي أقامه الشيخ"حسيب" لك؟
فنظر "منصور" وقال:
- ما كنت لاحضره.
فقال "ذو":
- إذا لماذا وافقت.
فقال"منصور":
- وهل تريد أن أعود ولا أحد يأبه لأمري أن الشيخ "حسيب" لما دعاني للغداء لم يدعني حبا بي او فرحة بقدومي وإنما قام بذلك مع أنه يعرف أني لن آتي لكي أكف شري عنه،لأنه يعرف أنه إن لم يقم لي الوليمة سأعتبر الأمر إهانة لي،يحق لي بعدها أن أعاقب جميع أهل القرية بطريقتي.
ابتسم "ذو" ساخرا من أبيه وقال:
- يبدو أنك لم تقع بيد "السيف" لتعرف أنك لا تستطيع أن تفعل شيء، إن ما أقامه الشيخ "حسيب" من وليمة غداء لك انما كان ذلك بسببي لأنهم يحترموني ويحبوني.
ضحك"منصور" من كلام ابنه ولكنه ظل ساكتا حتى وصلا عند صخرة جلسا بجوارها، ثم بدأ "منصور" يتأمل وجه ابنه
و "ذو" مندهش من نظرات أبيه التي يتضح أنه نظرات تدقيق وتفحص،ثم بدأ "منصور"يضحك بهستيرية،ثم قال:
ت أتعرف يا "ذو" أن ملامح وجهك ذكرتني ب"الشيماء"ما عدا عيناك الصغيرتان القبيحتان التي أخذتهما مني.
فغضب "ذو"وقال بصوت عال:
-خسئت والله لو صدر هذا الكلام من غيرك لقطعت لسانه.
فزاد "منصور"ضحكا بصوته المرتفع الاجش ثم قال:
- لست أخشى عليك الآن من صبيان القرية لأن عيناك تشبه عيناي التي نفذ رعبها في قلوب ساكني هذه القرية.
أحس "ذو" أن أباه لا يحترم أحدا أبدا ولا يجيد انتقاء كلماته
فقام من مكانه وقال:
- العيب ليس عليك وانما على من يجالسك.
ثم أراد أن يغادر المكان، لكن "منصور" سكت وبان الغضب في وجهه ثم قال بصوت مجلجل:
-يا ولد قف مكانك وعد وإلا والله لأجعلك تندم.
فوقف "ذو" ورجع مكانه لأنه أحس أن أباه ليس ممن يقول ولا يفعل، ثم قال "منصور":
- أنظر خلف هذه الصخرة.
فنظر "ذو" خلف الصخرة ولم يرى شيء فقال"منصور":
-أتعرف أني أمضيت ثلاثة أيام خلف هذه الصخرة من أجل عيون المرأة التي أنجبتك؟ ان عيناها الكبيرتان هي السبب الحقيقي فيما حدث،بل أن عيناها الواسعتان هي أشرس مجرمتان قد رأتها عيناي،فمن تقع ناظريه عليهما تجعله أسيرا شارد الذهن مسكينا،بل تجعلانه يفعل أي شيء من أجل أن يصل إليهما.
فقال "ذو":
- أتقصد أمي؟
فضحك "منصور" وقال:
- نعم أقصد أمك التي سنحت لي الفرصة الإمساك بها هناك.
وأشار لمكان يبعد عنه أمتار ترعى فيه الماشية، ثم قال:
- كنت أراقب المكان فلم أرى أحد سوى "الشيماء" التي كانت تدير لي ظهرها دون أن تعلم أني خلف الصخرة، فلما تأكدت أن أباها ليس معها تسللت إليها فلما أمسكتها ونظرت في عيناي امتلكها رعب شديد لدرجة أنها لم تتجرأ أن تقاوم
بل أحسست أنها فقدت وعيها حينما نظرت لعيناي البشعتين
ثم فعلت بها ما أردت ثم تركتها، وكنت متأكد أنهم سيأتون لي يطلبون مني أن أتزوجها لكي استر الموضوع.
فقال "ذو":
- وهل جاءوا ؟
قال "منصور":
- نعم.
فقال "ذو":
- من هم؟
فقال "منصور":
- أرسل لي أخو التي أسميتها أمك الشيخ "حسيب" ثم "السيف".
فقال "ذو":
- ثم ماذا حدث؟
فقال "منصور":
- جلست أماطلهم ثلاثة أشهر لأنهم اشترطوا علي أن يكون زواج دون دخول، ثم أغروني بالمال فوافقت على شرطهم.
فقال "ذو":
-والله لو كنت موجود في ذلك الوقت لما رضيت بأقل من رأسك أيها الوغد.
ثم قام "ذو" يركض مسرعا إلى بيته وهو يكلم نفسه ويقول:
- إن ما كان "مروان" يقوله عني كان حقيقة الكل يعرفها ما عدا أنا الذي تمسكت بأكاذيب جدتي.
فلما دخل البيت وجد جدته تنظف البيت فلما أقترب منها ناداها :
-يا جدة.
سمعت أم "ذو" كلمة ياجدة لكنها لم ترد،لأنها كانت لا ترد عليه إلا إذا ناداها بأمي، لكن "ذو" ناداها مرة أخرى بجدتي فلم ترد، فكرر ذلك ثالثة ورابعة ولكنها لم ترد، فقال:
- يا أم "منصور"هل كنت تكذبين علي؟
حينها نظرت أم "منصور" له وفزعت وخافت أن يكون ابنها السكران "منصور" قد أخبره بما فعله بأمه "الشيماء" فقالت أم "منصور"بدهاء:
- هل تقصد العشاء الذي وعدتك به؟ فلك وعدا مني أني سأعده لك في الغد.
ابتسم "ذو" وقال:
-لا تتهربي يا جدتي فأنتي تعرفين ما أقصد، لماذا كذبتي علي؟
حينها ايقنت أم "منصور" أنه أكتشف الحقيقة فوضعت يدها على رأسه تمسحه وهي تقول:
-من حبي لك فعلت ذلك.
حينها قال "ذو":
- فاسمحي من اليوم وصاعدا أناديك جدتي، لأن أمي التي أنجبتني لو كانت على قيد الحياة لكانت لعنتني ولعنت من فعل بها هذا العار،فأنا يا جدتي عار أنجبته أمي فجلبت لنفسها ولأهلها العار،فأنا سأحاول من الآن وصاعدا أن أنسى كلمة أمي حتى لا أتعذب بذكرها فما أقبح أن يشعر الفتى أن أقرب الناس له وأرقهم وأرحمهم تكرهه.
فبدأت أم "منصور" تبكي وتدعو على"منصور" فهو من تسبب في كل هذه المشاكل.
بينما كانت أم "منصور" تبكي دخل "منصور" وهو في قمة غضبه لأنه اعتبر إنصراف إبنه من عنده إهانة لم يتجرأ أحد على فعلها، فلما رأته أمه وقفت والشر يتطاير من عيناها ثم قالت:
- أخرج أيها الولد العاق لم أعد أريد أن أراك في هذا البيت.
فقال "منصور":
-مما أنتي غاضبة؟ فلم أفعل لكي شيء يغضبك.
فقال أم "منصور":
- وهل تسأل عما أغضبني ؟ كل افعالك تغضبني تتباهى بما فعلته بأم "ذو" أمام "ذو"؟هيا أخرج من هذا البيت ولا تعد إليه.
كان "منصور" يعرف حب أمه ل"ذو"فقال:
- إذا ما دمتي طردتني من بيتك فسوف أخذ ابني "ذو".
فقالت أم "منصور":
- وما شأنك ب"ذو"؟ فأنت قد تركته بلا رحمة وهو لا يزال رضيع في غرفة لا تسكنها حتى الحمير والآن تقول إبنك؟
فقال "منصور":
- مهما صدر مني اتجاه أبني فأنا أحق الناس به.
فلما سمع "ذو" ما يحدث خرج وهو في قمة هيجان الغضب
وبدأ يسب أبوه ويقول:
- من أنت أيها الرجل السكران الوضيع لكي تكون أحق الناس بي.
حينها أكتمل غضب "منصور" فأمسك برأس "ذو" وأراد أن يضرب به الجدار لكنه أحس أن شيء قد لامس ظهره فلما إلتفت وجد أمه وبيدها مسدس فقالت:
- اقسم بالله لو ضربته ساجعل هذه الطلقات تخترق ظهرك.
فقال "منصور":
- صدقتي فأنتي ممن يقول ويفعل.
ثم رفع يده عن رأس إبنه وقال لأمه:
- هل لا زلتي تريدين أن أخرج من البيت وبرفقتي هذا الفتى؟
فقالت أمه:
-إن وعدتني أن لا تمد يدك على "ذو" فأبقى.
فقال "منصور":
-إذا نتفق فأنا أعدك ما دام هذا الفتى في البيت لن أضربه، ولكن أقسم بالله لو خرج شبرا واحدا من البيت سأقتله، سأحبسك في هذا البيت لمدة أسبوع.
فقالت جدته:
- والصلاة والمدرسة؟
فقال"منصور":
- يصلي في البيت والمدرسة لن تهرب.
ثم ذهب "منصور" لغرفته لينام، أراد "ذو" أن يخرج من البيت غير مبالي بما قاله أبوه ،ولكن أم "منصور"حالت دون ذلك وقالت:
- إن أباك ممن إذا قال فعل.
فمرت ثلاثة أيام دون أن يخرج، فبدأ الشيخ "محمود" يسأل عن "ذو" فذهب للشيخ "حسيب"وقال له:
- ألم ترى "ذو"؟
فقال الشيخ "حسيب":
- لم أره منذ ثلاثة أيام.
وكان "السيف" مقبلا نحوهما فلما وصل عندهما بادراه بالسؤال كليهما:
- أرأيت "ذو"؟
فقال "السيف":
- لم أره مثلكم ولكني سألت عنه فعلمت من أم "منصور" أن أباه حبسه في البيت.
فقال الشيخ "حسيب":
- حسبنا الله ونعم الوكيل.
فقال الشيخ "محمود":
- سوف أذهب وأكلم أباه.
فأمسكه "السيف" وقال:
- إياك أن تفعل وأتقي شر أباه فإن ذهبت له سيؤذيك.
وبينما "ذو" محبوس في البيت لليوم الثالث وبعد أن صلى العصر مشت جدته بجواره ومسحت على رأسه وقالت:
- سوف أخرج لأبحث لك عن بيض في الحظيرة لأطبخه لك.
ابتسم "ذو" مع أنه من الداخل يحترق لأنه يعلم أن جدته ليس بيدها شيء، فلما خرجت وأرادت الذهاب للحظيرة سمعت رجل يلقي لها التحية فلما نظرت له وكانت الشمس في عيناها مما زادت الصعوبة في معرفة من أمامها فقالت:
- من أنت؟
فقال:
- أنا"مختار".
فقالت:
-وما تريد؟
قال:
-أريد مقابلة "منصور".
فأبتسمت أم "منصور"وقالت:
-سبحان الله إلتقى الغراب بأخيه، هو في البيت نائم كالحمار.
لم يكترث"مختار"من كلام أم "منصور"فهو يعرف أنها سليطة لسان، فلما طرق "مختار" الباب فتح "ذو" وكان "مختار" معه خروف أتى به ل"منصور" تعبيرا عن فرحته بعودته بخير وسلامة.
فقال "مختار" "لذو":
- تعال وخذ هذا الخروف للحظيرة فجدتك في الحظيرة وهي لا تحب رؤيتي.
فنظر "ذو" له وقال:
- أبي منعني من أن أخرج شبرا واحدا.
فقال"مختار":
- تعال ولا تخف من أباك فأنا سأطلب منه أن يسامحك.
لكن "ذو" دخل البيت وترك الباب مفتوح فدخل "مختار" وترك الخروف وبدأ يصرخ:
- يا صعلوك جاء يبحث عنك صعلوك.
حيث كان كلا من "منصور" و"مختار" ينعت الأخر بالصعلوك، فلما سمع "منصور" صوت "مختار"نهض من فراشة وأسرع له فلما تقابلا بدأ بالعناق والبكاء وكل منهم يقول للآخر:
-أشتقت لك يا رجل.
فقال "منصور":
- إني كنت أعرف أنه لن يفرح بعودتي للقرية سوى صديق السكر والخمر وقد خشيت أن أخوك "عبدالرزاق" قد أفسدك وجعلك تكرهني كما فعل أهل القرية بهذا الفتى.
فقال "مختار":
- والله إني كنت أعيش في ضيق وحزن بعد رحيلك وكنت أمني النفس بعودتك، ولقد أتيت لك بخروفا كأنه ثور لأني أعرف أني لو عزمتك لن تأتي، ولكني تركته خارج البيت فأسمح ل"ذو" أن يخرج ويأخذه للحظيرة.
فأشار "منصور" لإبنه أن ينفذ ما طلبه "مختار"فلما خرج سأل "مختار""منصور":
- لماذا منعت ابنك من الخروج.
فبدأ "منصور" يخبره بالقصة، فى حين خرج "ذو" وأمسك الخروف وبدأ يجره للحظيرة فلما أدخله رأته جدته فانطلقت له بسرعة وأمسكت بيده تجره للبيت كي لا يراه أباه خارج البيت، فقال "ذو":
- على مهلك يا جدة فابنك من أمرني أن أحضر الخروف للحظيرة.
فقالت جدته:
- إذا عد للبيت بسرعة.
فلما دخل "ذو"البيت، قال "مختار"ل"منصور":
- بحق الصداقة التي تجمعنا أطلبك أن تسامح "ذو" وتسمح له بالخروج من البيت.
فنظر"منصور"ل"مختار"وقال:
- لو غيرك طلب هذا ما وافقت ولكن أنت لا يمكن أن أرد لك طلب.
ثم قال"منصور" ل"ذو":
- أخرج من البيت فقد سامحتك.
حينها من شدة الفرح بدأ "ذو" يركض ليخرج من البيت فناداه "منصور"وقال:
- ألا تشكر عمك "مختار" الذي توسط لك؟
فوقف "ذو" وقال:
- شكرا "أبا زياد".
فقال "مختار":
- لا تشكرني وإنما أشكر قلب أباك الطيب.
ثم أنطلق "ذو" إلى الإسطبل لكي يمتع ناظرية بالخيل وخاصة "المشهر" الذي يحلم أن يركبه يوما ما، فرآه "السيف" فجاء من خلفه وأغمض عيناه، فقال "ذو":
- إن يداك الخشنتان تخبرني أنك عمي "السيف".
فضحك "السيف" وقال:
-لماذا لم تأتي إلى الإسطبل منذ ايام؟
فلم يتكلم "ذو" فعرف "السيف" ما في خاطره فقال:
- هل لأني طردتك لما وقعت المشكلة التي بينك وبين"مروان" فأنا لم أطردك من أجل أن أرضي "عبدالرزاق" ولكني طردتك خوفا عليك منهم.
ثم قال "مختار"ل"منصور":
-أين كنت هذه المدة؟
فقال "منصور":
-الحديث هنا لا ينفع دعنا نذهب خارج البيت قبل أن تأتي أمي وتسمعني وتسمعك ما تكره.
فقال"مختار":
- قد أسمعتني شيء من ذلك.
فضحك"منصور" وقال:
- ماذا قالت؟
- لماذا لم تحضر الغداء الذي أقامه الشيخ"حسيب" لك؟
فنظر "منصور" وقال:
- ما كنت لاحضره.
فقال "ذو":
- إذا لماذا وافقت.
فقال"منصور":
- وهل تريد أن أعود ولا أحد يأبه لأمري أن الشيخ "حسيب" لما دعاني للغداء لم يدعني حبا بي او فرحة بقدومي وإنما قام بذلك مع أنه يعرف أني لن آتي لكي أكف شري عنه،لأنه يعرف أنه إن لم يقم لي الوليمة سأعتبر الأمر إهانة لي،يحق لي بعدها أن أعاقب جميع أهل القرية بطريقتي.
ابتسم "ذو" ساخرا من أبيه وقال:
- يبدو أنك لم تقع بيد "السيف" لتعرف أنك لا تستطيع أن تفعل شيء، إن ما أقامه الشيخ "حسيب" من وليمة غداء لك انما كان ذلك بسببي لأنهم يحترموني ويحبوني.
ضحك"منصور" من كلام ابنه ولكنه ظل ساكتا حتى وصلا عند صخرة جلسا بجوارها، ثم بدأ "منصور" يتأمل وجه ابنه
و "ذو" مندهش من نظرات أبيه التي يتضح أنه نظرات تدقيق وتفحص،ثم بدأ "منصور"يضحك بهستيرية،ثم قال:
ت أتعرف يا "ذو" أن ملامح وجهك ذكرتني ب"الشيماء"ما عدا عيناك الصغيرتان القبيحتان التي أخذتهما مني.
فغضب "ذو"وقال بصوت عال:
-خسئت والله لو صدر هذا الكلام من غيرك لقطعت لسانه.
فزاد "منصور"ضحكا بصوته المرتفع الاجش ثم قال:
- لست أخشى عليك الآن من صبيان القرية لأن عيناك تشبه عيناي التي نفذ رعبها في قلوب ساكني هذه القرية.
أحس "ذو" أن أباه لا يحترم أحدا أبدا ولا يجيد انتقاء كلماته
فقام من مكانه وقال:
- العيب ليس عليك وانما على من يجالسك.
ثم أراد أن يغادر المكان، لكن "منصور" سكت وبان الغضب في وجهه ثم قال بصوت مجلجل:
-يا ولد قف مكانك وعد وإلا والله لأجعلك تندم.
فوقف "ذو" ورجع مكانه لأنه أحس أن أباه ليس ممن يقول ولا يفعل، ثم قال "منصور":
- أنظر خلف هذه الصخرة.
فنظر "ذو" خلف الصخرة ولم يرى شيء فقال"منصور":
-أتعرف أني أمضيت ثلاثة أيام خلف هذه الصخرة من أجل عيون المرأة التي أنجبتك؟ ان عيناها الكبيرتان هي السبب الحقيقي فيما حدث،بل أن عيناها الواسعتان هي أشرس مجرمتان قد رأتها عيناي،فمن تقع ناظريه عليهما تجعله أسيرا شارد الذهن مسكينا،بل تجعلانه يفعل أي شيء من أجل أن يصل إليهما.
فقال "ذو":
- أتقصد أمي؟
فضحك "منصور" وقال:
- نعم أقصد أمك التي سنحت لي الفرصة الإمساك بها هناك.
وأشار لمكان يبعد عنه أمتار ترعى فيه الماشية، ثم قال:
- كنت أراقب المكان فلم أرى أحد سوى "الشيماء" التي كانت تدير لي ظهرها دون أن تعلم أني خلف الصخرة، فلما تأكدت أن أباها ليس معها تسللت إليها فلما أمسكتها ونظرت في عيناي امتلكها رعب شديد لدرجة أنها لم تتجرأ أن تقاوم
بل أحسست أنها فقدت وعيها حينما نظرت لعيناي البشعتين
ثم فعلت بها ما أردت ثم تركتها، وكنت متأكد أنهم سيأتون لي يطلبون مني أن أتزوجها لكي استر الموضوع.
فقال "ذو":
- وهل جاءوا ؟
قال "منصور":
- نعم.
فقال "ذو":
- من هم؟
فقال "منصور":
- أرسل لي أخو التي أسميتها أمك الشيخ "حسيب" ثم "السيف".
فقال "ذو":
- ثم ماذا حدث؟
فقال "منصور":
- جلست أماطلهم ثلاثة أشهر لأنهم اشترطوا علي أن يكون زواج دون دخول، ثم أغروني بالمال فوافقت على شرطهم.
فقال "ذو":
-والله لو كنت موجود في ذلك الوقت لما رضيت بأقل من رأسك أيها الوغد.
ثم قام "ذو" يركض مسرعا إلى بيته وهو يكلم نفسه ويقول:
- إن ما كان "مروان" يقوله عني كان حقيقة الكل يعرفها ما عدا أنا الذي تمسكت بأكاذيب جدتي.
فلما دخل البيت وجد جدته تنظف البيت فلما أقترب منها ناداها :
-يا جدة.
سمعت أم "ذو" كلمة ياجدة لكنها لم ترد،لأنها كانت لا ترد عليه إلا إذا ناداها بأمي، لكن "ذو" ناداها مرة أخرى بجدتي فلم ترد، فكرر ذلك ثالثة ورابعة ولكنها لم ترد، فقال:
- يا أم "منصور"هل كنت تكذبين علي؟
حينها نظرت أم "منصور" له وفزعت وخافت أن يكون ابنها السكران "منصور" قد أخبره بما فعله بأمه "الشيماء" فقالت أم "منصور"بدهاء:
- هل تقصد العشاء الذي وعدتك به؟ فلك وعدا مني أني سأعده لك في الغد.
ابتسم "ذو" وقال:
-لا تتهربي يا جدتي فأنتي تعرفين ما أقصد، لماذا كذبتي علي؟
حينها ايقنت أم "منصور" أنه أكتشف الحقيقة فوضعت يدها على رأسه تمسحه وهي تقول:
-من حبي لك فعلت ذلك.
حينها قال "ذو":
- فاسمحي من اليوم وصاعدا أناديك جدتي، لأن أمي التي أنجبتني لو كانت على قيد الحياة لكانت لعنتني ولعنت من فعل بها هذا العار،فأنا يا جدتي عار أنجبته أمي فجلبت لنفسها ولأهلها العار،فأنا سأحاول من الآن وصاعدا أن أنسى كلمة أمي حتى لا أتعذب بذكرها فما أقبح أن يشعر الفتى أن أقرب الناس له وأرقهم وأرحمهم تكرهه.
فبدأت أم "منصور" تبكي وتدعو على"منصور" فهو من تسبب في كل هذه المشاكل.
بينما كانت أم "منصور" تبكي دخل "منصور" وهو في قمة غضبه لأنه اعتبر إنصراف إبنه من عنده إهانة لم يتجرأ أحد على فعلها، فلما رأته أمه وقفت والشر يتطاير من عيناها ثم قالت:
- أخرج أيها الولد العاق لم أعد أريد أن أراك في هذا البيت.
فقال "منصور":
-مما أنتي غاضبة؟ فلم أفعل لكي شيء يغضبك.
فقال أم "منصور":
- وهل تسأل عما أغضبني ؟ كل افعالك تغضبني تتباهى بما فعلته بأم "ذو" أمام "ذو"؟هيا أخرج من هذا البيت ولا تعد إليه.
كان "منصور" يعرف حب أمه ل"ذو"فقال:
- إذا ما دمتي طردتني من بيتك فسوف أخذ ابني "ذو".
فقالت أم "منصور":
- وما شأنك ب"ذو"؟ فأنت قد تركته بلا رحمة وهو لا يزال رضيع في غرفة لا تسكنها حتى الحمير والآن تقول إبنك؟
فقال "منصور":
- مهما صدر مني اتجاه أبني فأنا أحق الناس به.
فلما سمع "ذو" ما يحدث خرج وهو في قمة هيجان الغضب
وبدأ يسب أبوه ويقول:
- من أنت أيها الرجل السكران الوضيع لكي تكون أحق الناس بي.
حينها أكتمل غضب "منصور" فأمسك برأس "ذو" وأراد أن يضرب به الجدار لكنه أحس أن شيء قد لامس ظهره فلما إلتفت وجد أمه وبيدها مسدس فقالت:
- اقسم بالله لو ضربته ساجعل هذه الطلقات تخترق ظهرك.
فقال "منصور":
- صدقتي فأنتي ممن يقول ويفعل.
ثم رفع يده عن رأس إبنه وقال لأمه:
- هل لا زلتي تريدين أن أخرج من البيت وبرفقتي هذا الفتى؟
فقالت أمه:
-إن وعدتني أن لا تمد يدك على "ذو" فأبقى.
فقال "منصور":
-إذا نتفق فأنا أعدك ما دام هذا الفتى في البيت لن أضربه، ولكن أقسم بالله لو خرج شبرا واحدا من البيت سأقتله، سأحبسك في هذا البيت لمدة أسبوع.
فقالت جدته:
- والصلاة والمدرسة؟
فقال"منصور":
- يصلي في البيت والمدرسة لن تهرب.
ثم ذهب "منصور" لغرفته لينام، أراد "ذو" أن يخرج من البيت غير مبالي بما قاله أبوه ،ولكن أم "منصور"حالت دون ذلك وقالت:
- إن أباك ممن إذا قال فعل.
فمرت ثلاثة أيام دون أن يخرج، فبدأ الشيخ "محمود" يسأل عن "ذو" فذهب للشيخ "حسيب"وقال له:
- ألم ترى "ذو"؟
فقال الشيخ "حسيب":
- لم أره منذ ثلاثة أيام.
وكان "السيف" مقبلا نحوهما فلما وصل عندهما بادراه بالسؤال كليهما:
- أرأيت "ذو"؟
فقال "السيف":
- لم أره مثلكم ولكني سألت عنه فعلمت من أم "منصور" أن أباه حبسه في البيت.
فقال الشيخ "حسيب":
- حسبنا الله ونعم الوكيل.
فقال الشيخ "محمود":
- سوف أذهب وأكلم أباه.
فأمسكه "السيف" وقال:
- إياك أن تفعل وأتقي شر أباه فإن ذهبت له سيؤذيك.
وبينما "ذو" محبوس في البيت لليوم الثالث وبعد أن صلى العصر مشت جدته بجواره ومسحت على رأسه وقالت:
- سوف أخرج لأبحث لك عن بيض في الحظيرة لأطبخه لك.
ابتسم "ذو" مع أنه من الداخل يحترق لأنه يعلم أن جدته ليس بيدها شيء، فلما خرجت وأرادت الذهاب للحظيرة سمعت رجل يلقي لها التحية فلما نظرت له وكانت الشمس في عيناها مما زادت الصعوبة في معرفة من أمامها فقالت:
- من أنت؟
فقال:
- أنا"مختار".
فقالت:
-وما تريد؟
قال:
-أريد مقابلة "منصور".
فأبتسمت أم "منصور"وقالت:
-سبحان الله إلتقى الغراب بأخيه، هو في البيت نائم كالحمار.
لم يكترث"مختار"من كلام أم "منصور"فهو يعرف أنها سليطة لسان، فلما طرق "مختار" الباب فتح "ذو" وكان "مختار" معه خروف أتى به ل"منصور" تعبيرا عن فرحته بعودته بخير وسلامة.
فقال "مختار" "لذو":
- تعال وخذ هذا الخروف للحظيرة فجدتك في الحظيرة وهي لا تحب رؤيتي.
فنظر "ذو" له وقال:
- أبي منعني من أن أخرج شبرا واحدا.
فقال"مختار":
- تعال ولا تخف من أباك فأنا سأطلب منه أن يسامحك.
لكن "ذو" دخل البيت وترك الباب مفتوح فدخل "مختار" وترك الخروف وبدأ يصرخ:
- يا صعلوك جاء يبحث عنك صعلوك.
حيث كان كلا من "منصور" و"مختار" ينعت الأخر بالصعلوك، فلما سمع "منصور" صوت "مختار"نهض من فراشة وأسرع له فلما تقابلا بدأ بالعناق والبكاء وكل منهم يقول للآخر:
-أشتقت لك يا رجل.
فقال "منصور":
- إني كنت أعرف أنه لن يفرح بعودتي للقرية سوى صديق السكر والخمر وقد خشيت أن أخوك "عبدالرزاق" قد أفسدك وجعلك تكرهني كما فعل أهل القرية بهذا الفتى.
فقال "مختار":
- والله إني كنت أعيش في ضيق وحزن بعد رحيلك وكنت أمني النفس بعودتك، ولقد أتيت لك بخروفا كأنه ثور لأني أعرف أني لو عزمتك لن تأتي، ولكني تركته خارج البيت فأسمح ل"ذو" أن يخرج ويأخذه للحظيرة.
فأشار "منصور" لإبنه أن ينفذ ما طلبه "مختار"فلما خرج سأل "مختار""منصور":
- لماذا منعت ابنك من الخروج.
فبدأ "منصور" يخبره بالقصة، فى حين خرج "ذو" وأمسك الخروف وبدأ يجره للحظيرة فلما أدخله رأته جدته فانطلقت له بسرعة وأمسكت بيده تجره للبيت كي لا يراه أباه خارج البيت، فقال "ذو":
- على مهلك يا جدة فابنك من أمرني أن أحضر الخروف للحظيرة.
فقالت جدته:
- إذا عد للبيت بسرعة.
فلما دخل "ذو"البيت، قال "مختار"ل"منصور":
- بحق الصداقة التي تجمعنا أطلبك أن تسامح "ذو" وتسمح له بالخروج من البيت.
فنظر"منصور"ل"مختار"وقال:
- لو غيرك طلب هذا ما وافقت ولكن أنت لا يمكن أن أرد لك طلب.
ثم قال"منصور" ل"ذو":
- أخرج من البيت فقد سامحتك.
حينها من شدة الفرح بدأ "ذو" يركض ليخرج من البيت فناداه "منصور"وقال:
- ألا تشكر عمك "مختار" الذي توسط لك؟
فوقف "ذو" وقال:
- شكرا "أبا زياد".
فقال "مختار":
- لا تشكرني وإنما أشكر قلب أباك الطيب.
ثم أنطلق "ذو" إلى الإسطبل لكي يمتع ناظرية بالخيل وخاصة "المشهر" الذي يحلم أن يركبه يوما ما، فرآه "السيف" فجاء من خلفه وأغمض عيناه، فقال "ذو":
- إن يداك الخشنتان تخبرني أنك عمي "السيف".
فضحك "السيف" وقال:
-لماذا لم تأتي إلى الإسطبل منذ ايام؟
فلم يتكلم "ذو" فعرف "السيف" ما في خاطره فقال:
- هل لأني طردتك لما وقعت المشكلة التي بينك وبين"مروان" فأنا لم أطردك من أجل أن أرضي "عبدالرزاق" ولكني طردتك خوفا عليك منهم.
ثم قال "مختار"ل"منصور":
-أين كنت هذه المدة؟
فقال "منصور":
-الحديث هنا لا ينفع دعنا نذهب خارج البيت قبل أن تأتي أمي وتسمعني وتسمعك ما تكره.
فقال"مختار":
- قد أسمعتني شيء من ذلك.
فضحك"منصور" وقال:
- ماذا قالت؟