الفصل الحادي عشر

قال"مختار":

-قالت لقي الغراب أخيه.


فبدأ يضحكان بما وصفتهم أم "منصور" ثم ذهبا للغرفة التي طالما سكرا فيها، وبدأ"منصور" يقص ما حدث له في السنين التي مضت،فقال:

-كنت بالغرفة في منتصف الليل وقد اتفقت أنا وصديق لي على أن نجازف مجازفة العمر فإما نصبح أصحاب مال كثير أو ندفن تحت التراب، حيث كان معي ثلاثون ألفا فوضعتها في حقيبة بحيث أضع ثلاث أوراق نقدية من فئة الخمسمائة جنيه فوق وتحت وبينها أوراق بيضاء ليعتقد من يرى الحقيبة أن فيها مليون جنيه،

لأني أنا وصديقى اتفقنا مع تجار مخدرات أن يوفروا لنا بضاعة بمليون جنيه، وقد اتفقت أنا وصديقى أن نحاول أن نعطيهم النقود ثم نأخذ البضاعة بأسرع وقت لأنهم سيثقون في صديقى فهو يتعامل معهم من أكثر من خمس سنين، فلما بقي على طلوع الفجر ساعات خرجت من الغرفة،

بعد أن كنت في أغلب ليلي سكران لا أدري ما يدور حولي لأني كنت قلق جدا من هذه العملية أن تفشل فتزهق روحنا معها، وبعد أن وعيت وذهب أثر المسكر فألتفت فرأيت طفل رضيع قد أدخله ذلك الوغد"جاسر" ثم هرب حيث لم أكن حينها قادر على الحراك، وبعد خروجي بدأت أصعد الجبال حتى وصلت للحدود الدولية فدخلتها واتجهت للمكان الذي اتفقت أن أقابل صديقى فيه

، ثم قابلته فسألني صديقى عن المال ففتحت له الحقيبة فلما رأى المال قال:

- أشعر أنهم سيعرفوا أنها محشوة بأوراق بيضاء.


فبدأت أطمئنه وأقول له:

- هم سيرون الحقيبة في الظلام وبضوء كشاف فلن يكشفوا شيء.


ثم قلت له:

- هل تعرف كم عدد من سيقابلنا؟


فقال:

-اثنان.


فشعرت بالراحة بحيث لو كشفنا سنستطيع أن نتخلص منهما
وبالفعل وفي منتصف الليل وفي شعب موحش تقابلنا فكانا كما قال صديقى، اثنان، فلما أعطيتهم المال طلبت منهم البضاعة ولكنهما قالا:

-نريد أن نتأكد من المبلغ.

فقال صديقى:


-ألا تثقا بي.

فقالا:

- إن هذه المهنة لا يزاولها سوى مجرمون لا أمان لهم فأن أمنت لهم فثق أنهم سيخونونك.


فلما قلبا المال نظرا أحدهما إليهما وقال:

- كنت أشعر أنكما تحاولا خداعنا.


ثم أراد أن يخرج من جيبه مسدسا حينها أيقنت أن لا حل إلا بقتلهما فأنقضيت عليه وصديقى انقض على الرجل الثاني فما لبث معي سوى بضع ثواني وهو ميت بين يدي فلقد خنقته بكل قوتي، فنظرت لصديقى فرأيته لا زال يتصارع مع الرجل فأنقضيت على الرجل وكسرت رقبته فمات على الفور
ثم حملت الحقيبتان اللتان فيهما المال والبضاعة ثم قلت لصديقى:

- هيا لنسرع قبل أن يأتي أحد.


ولم أنهي كلامي حتى سمعت طلقات رصاص أصابت إحداهما صديقى في أسفل ظهره فما أستطاع أن يمشي فحملته على ظهري وبدأت أركض واسمع أصوات الرصاص تمر من جواري وأسمع أصوات الذين يتبعونا وهم يقولون:
- أتركوا الحقيبتان.


فقال صديقى:

-ليس لديك حل سوى خياران ،إما أن تترك الحقيبتان فيتوقفا عن ملاحقتنا ،أو تتركني هنا وتنجو بنفسك وبالحقائب وثق أيما أخترت فلن أغضب لإختيارك.


فشعرت من كلامه شيء من التوسل والرجاء الخفي بأن لا أتركه،وما لا أصدقه حتى الآن أني تركت الحقيبتان من أجل أن أنقذ صديقى، فبعد أن تركت الحقيبتان لم أعد أسمع صوت رصاص فأختبأت أنا وصديقى في جرف صغير لنرتاح قليلا ولكي نضمد جروحه ونوقف نزيف الدم، وبعد أن عزمنا أن نرحل قلت لصديقى:

-أين سنذهب؟


فقال صديقى:

-إلى قريتي فأبي شيخ تلك القرية ،ولكن لا أريده أن يعلم أني أصبت وأنا أحاول تهريب المخدرات فأن عرف ذلك فسيموت حزنا وكمدا، وإنما سأقول له أنني أصبت بعد أن استقبلتك وأردت أن أضيفك في قريتنا وبينما كنا نمشي بجوار قبيلة الشيخ"عوض"أطلق أحد علينا الرصاص، فأبي سيصدق ذلك لأن قبيلة الشيخ "عوض"لهم ثأر عند قبيلتنا.


وبالفعل لما وصلنا للقرية ووضعوا صديقى على سرير في مجلس أبيه الشيخ أبو"صالح" وقلت لهم الكلام الذي قاله لي صديقى"صالح" لأن "صالح" أصبحت حالته متدهورة جدا

وبقي على الفراش مريضا فأقسم بعض رجال الشيخ أبو"صالح" أنه اذا مات "صالح" أن يقتلوا من قبيلة الشيخ"عوض" عشرة رجال، فسمع الشيخ"عوض" ما قاله هؤلاء الرجال فقال من معه سنرسل لهم وفدا يقسموا لهم نيابة عنا أنا بريئين من دم ولد الشيخ أبو"صالح" فابتسم الشيخ"صالح" وقال:


-هم يعرفون أننا ما قتلنا إبنهم ولكنهم استضعفونا ويريدون منا أن نصلح معهم وننسى الثأر الذي لنا عندهم وهذا أمر لن يحدث ما دمت حي.


مكث "صالح"سبعة أشهر وهو يصارع جرحه،لكنه بعد ذلك مات متأثرا بجراحه،وكان أغلب كبار رجال القرية بما فيهم الشيخ أبو"صالح" موجودا حين وفاة "صالح" فأقسم "منصور"حينها أن أثأر له والكل يقولون نحن معك ما عدا الشيخ وفتى في التاسعة من عمره، فتكلم هذا الطفل وقال:

- ليس الثأر حلا.

فنظر له"منصور"نظرة جعلته يرتجف من الخوف،لكن الشيخ أبو"صالح"نظرا ل"منصور" وقال:
- أترك هذا الفتى يتكلم.


وقال:

- تكلم يا"سيف" ولا تخشى أحدا.


فقال:

- نبعث لهم وفدا ونطلب منهم أربعين رجلا يحلفون بالله أنهم لم يقتلوا"صالح"ولا يعرفون قاتله.


فقال الشيخ أبو"صالح":


- نعم الحل هذا بشرط أن هم من يرسلوا لنا وفدا يعزونا في ولدنا ويقسموا لنا أنهم ما قتلوه ولا يعرفوا قاتله.


عرف الشيخ"عوض" بموت ولد الشيخ أبو"صالح" فاستشار قبيلته:

- هل يرسل من يعزي لهم نيابة عنهم؟


لكن أغلب رجال القبيلة رفضوا ذلك وقالوا:

- ليس منطقا أن نرسل رجالنا ليلقوا حتفهم.
انتظر الشيخ أبو"صالح" ثلاثة أشهر وكنت بضيافته وأستعجبت أن هذا الشيخ ليس لديه إلا هذا الولد وبنت أسمها "نورا"وسمعت أنه رفض الزواج بعد وفاة أم "صالح" لأنه قال سأظلم أي إمرأة أتزوجها لأني سأقارنها بأم "صالح" في جمالها وخلقها.


فسخرت منه داخل نفسي وقلت:

- أي رجل يجعل حب إمرأة يسيطر علي قلبه لا يستحق أن يكون رجلا.


ولكني تراجعت بعض الشيء عن كلامي بعد أن رأيت"نورا" فكأن وجهها الشمس،فما تمالكت نفسي فذهبت للشيخ أبو"صالح"وخطبتها، فنظر لي بإستغراب فهم مقبلون على أخذ ثأر ابنهم وأنا من حرض القوم على ذلك ثم أطلب الزواج من إبنته، لكن الشيخ أبو"صالح" اختصر الكلام بقوله:


- إنها مخطوبة لابن خالتها "فارس".


فكتمت في نفسي أمرا كان لزاما أن أفعله، ثم بدأنا نترصد لقبيلة الشيخ"عوض"وكنت قد أضمرت في نفسي أن أرمي عصفوران بحجر واحدة ، حيث كنت أنوي أن أقتل أكبر عدد يمكنني قتله من قبيلة الشيخ "عوض" وأيضا أقتل "فارس" وأدعي أن أحد رجال الشيخ"عوض" قد قتله، وبالفعل حدث ما خططت له، قتلت ستة من قبيلة الشيخ"عوض"وأيضا قتلت

"فارس" ثم حملت جثته ومعي ستة من رؤوس رجال الشيخ"عوض" ثم دخلت بهم القرية وأنا أنعي لهم "فارس"
شعر الشيخ أبو"صالح" بالندم فلقد قال له الفتى"سيف":

- أن الثأر ليس حلا بل نار تأكل الأخضر واليابس.


ثم أرسل للشيخ"عوض"يطلب منه الصلح وبالفعل أصلحوا وبقيت في ضيافة الشيخ أبو"صالح"وبدأ صيتي ينتشر بينهم فأنا أقوى وأشجع رجل عرفوه، وأيضا أبهرتهم بحسن رمايتي فكنت أصيب إبرة الخياطة من بعد مئة متر، وبعد مضي أكثر من ثمان سنين تقدمت مرة أخرى لخطبة "نورا" فقال الشيخ أبو"صالح":

- يسعدني أن أزوجك ابنتي ولكن سأرى رأيها.


فلما سألها قالت:

- لن أتزوج رجلا بعد خطيبي "فارس" الذي حتى الآن لا أعرف من قتله.


فرجع الشيخ أبو"صالح" إلي وأخبرني بما قالته، كنت أشعر أنها تشك أني من قتله لكنها لا تملك دليل على ذلك، كانت "نورا" ذات شخصية قوية وكانت إمرأة قوية وذات كرامة لا يمكن أن تتزحزح، فبدأت أترقب فرصة سانحة لأفعل بها ما فعلت ب"الشيماء"ولكن الشيخ أبو"صالح" لا يغادر البيت إلا وأنا معه ولا أعود البيت إلا وهو معي، كنت أحيانا أستأذن الشيخ أبو"صالح" بالخروج للصيد فأغيب ثلاثة أيام أو أكثر أنا وصديق معي من أهل القرية أسمه "منير" كنا نذهب في مكان منعزل فنشرب الخمر ونسكر كان نعم الصديق

واستمريت أترقب الفرصة حتى لم أجد وقت أنسب من صلاة الفجر، حيث كان الشيخ أبو"صالح"يصحوا مبكرا فيوقظني من النوم ثم يسبقني للمسجد،فلما أيقظني من النوم وذهب للمسجد بدأت أتسلل حتى وصلت غرفة "نورا " فتقابلنا عند باب

غرفتها حيث كانت قد توضأت وتريد أن تصلي فأرادت أن تصرخ لكني أطبقت على فمها ثم أدخلتها غرفتها وفعلت بها ما أردت ففقدت وعيها، فذهبت للمسجد حتى لا يفقدني الشيخ أبو"صالح"، شعرت بخوف شديد وأن هذا الأمر لن يمر كما خططت له فبعد أن صليت أتجهت لبيت صديقي "منير" وقلت له:
- أنا سأذهب للمكان الذي نقضي فيه وقت سكرنا، فإن سمعت أن الناس هنا بدأوا يبحثوا عني فتعالى عندي وأخبرني.

رجع الشيخ لبيته وكان معه بضعة رجال من قبيلته إعتادوا أن يجلسوا بعد صلاة الفجر في مجلس الشيخ ويشربوا قهوتهم ويناقشون أمور قبيلتهم فإذا شرقت الشمس اتجه كل رجل لأعماله، ولكن هذه المرة مرت ساعة وهم يتناقشون أمر وجود "منصور" في بيت الشيخ أبو"صالح" كل هذه المدة وأن هذا

الأمر لابد له من حل فالشيخ أبو "صالح" يستحي أن يقول لضيفه قد أطلت المكوث فأتفقوا أن يبنوا له بيت في القرية ومبدئيا سيسكنوه في بيت تركه صاحبه منذ شهر وسكن في بيته الجديد فسيستأجرون البيت له، ولكن كما قيل ما ينفع الصوت بعد فوات الفوت، حيث سمعوا صراخ "نورا" وهي تبكي وتقول:


- وا عاراه.

فنهض أبوها وخالها فلما رأوا "نورا "بذلك الحال سألوها:

-من فعل بك ذلك؟


فقالت:

-الضيف الخسيس "منصور".


فانتشر الخبر في القرية وبدأ رجال القرية يبحثون عن "منصور" ليقتلوه، بالطبع لما سمع "منير" بذلك أطلق ساقيه إلي وأخبرني بما حدث وقال:

- أهرب قبل أن يجدوك فما وجدت مكان غير أن أعود لقريتي.



نظر"مختار" إلى"منصور" وهو يقول:

ت كما عهدتك لا أمان لك ستبقى طيلة حياتك مجرما.


فقال"منصور":

-دعنا من ذلك فأنا أريد أن أعرف ما فعلوا أهل هذه القرية حتى أفسدوا إبني علي.


فقال"مختار":


-سأخبرك كيف تعيد إبنك لك، إذا أتبعت أمرين لك، ففي غيابك كان "ذو" يحظى بكل عناية من قبل الشيخ"حسيب" و"السيف"حيث كان الشيخ "حسيب" لا تكن عنده مناسبة أو اجتماع في بيته إلا ذهب بنفسه ل"ذو" وطلب منه الحضور

أما "السيف" فأنت تعلم أنه هو من علم إبنك الفروسية بل وعده بخيل يكون من سلالة خيله الأصيل "المشهر"وأضف على هذان الشيخ "محمود" فأنت بلا شك تعرف أن إبنك حافظ القرآن كاملا وبالقراءات السبع وذلك بفضل الله ثم بفضل الشيخ "محمود"فإن استطعت أن تفصله عنهم فسوف تسيطر على خمسين بالمائة من تصرفات "ذو" أما إذا أردت أن تسيطر عليه سيطرة مطلقة، فعليك

أن تعلمه شيء لا يجيده
ف"ذو" يعشق عشقا تام معرفة كل شيء، ولم يعرف هذه النقطة في "ذو" سوى الشيخ "محمود" الذي وعد أبناء القرية بجائزة قيمة للذي يفوز بالمركز الأول في السباحة، وكالعادة فاز "ذو" فقدم له الشيخ "محمود" دراجة الجائزة التي وصفها بالقيمة،ولكن "ذو" شعر بالخيبة فهو كان يمني نفسه أن تكون الجائزة إما فرس أو صقر، ولكن الشيخ

"محمود" طرق في "ذو" الباب الذي يعشقه وهو التحدي، فتحداه أن يجيد ركوب الدراجة وكلما أجاد شيء زاد في الأمر صعوبة حتى وصل "ذو" إلى القمة ،فشعر بقيمة الجائزة التي جعلته يخوض هذا التحدي، وأنا أقترح عليك أن تعلمه الرماية فأنا أعرفك تصيب إبرة الخيال من مسافة بعيدة، وأيضا يجب

أن تعرف شيء عن إبنك "ذو" ف"ذو" لا يمكنك أن تجبره على فعل شيء ولكن حاول أن تقنعه بما تريده عن طريق الحوار حاول دوما أن تناقشه في كل الأمورهذه نصحيتي قدمتها لك ولك حرية في السماع لها أو تركها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي