الفصل الثالث عشر

ثم إلتفت"منصور" ل"ذو" فرآه ساكت،فسأله:

- ما رأيك أنت في "عبدالرزاق"؟

فقال "ذو":

- أن كنت سأقول فيه ما يعيبه فأنا سأقوله في وجهه فأن لم أقله في وجهه فلست ممن يتكلم في قفى الناس،فإن كنتما تريدان أن تقولا شيء عن "عبدالرزاق" فاذهبا وقولا له ذلك بدل أن تجلسا هنا وتغتاباه.


سكت"مختار"و"منصور" وبدأ يناظران في نفسيهما،ثم قال "منصور"ل"مختار":

-أنهض سنذهب لأخوك "عبدالرزاق" نوضح له ما لا تريده.


وبالفعل خرجا من الغرفة وبدأ يمشيان، فقال "منصور":

-آرأيت أنه لم يرضى أن يغتاب أخاك الذي أجزم أنه يكره فكيف سيشرب الخمر؟

قال "مختار":

-هل لديك فكرة أخرى؟

قال "منصور":

-نعم.


فسأله "مختار":

-ما هي؟


قال "منصور":

- نجعل "ذو" يسرق.


ضحك "مختار"وقال:

- كيف تقنعه بذلك؟


قال "منصور":

- أن "ذو"يحب التحدي فسوف نقيم تحدي بين أبنك وبين "ذو"بحيث نفهم "ذو" أننا أتفقنا مع أخاك "عبدالرزاق" بأننا تحديناه،فأنت تعلم أن أخاك "عبدالرزاق" يحرس ماشيته بالليل ولم يستطع حتى الآن أي لص أن يسرق من غنمه شيء،فالتحدي الذي صار بيننا أننا في الغد سنأتي في الليل ونسرق من غنمه، فإن أمسكنا دفعنا له قيمة خروف، وإن لم يمسكنا فإن الخروف الذي أخذناه سيكون لنا.


وبالفعل وفي اليوم التالي اجتمعا في الغرفة فأخرج "منصور" من جيبه الف جنيه وأخرج "مختار"الف جنيه، وأخبرا كلا من "زياد" و"ذو" بالتحدي الذي بينهم وبين "عبدالرزاق" وفي الحقيقة أنه لا إتفاق بينهم، ثم قال "مختار":

-سيبدأ ولدي "زياد" أولا لك ساعة أن لم تأتي فيها فسوف نعتبرك خسرت.


وبالفعل بدأ "زياد" يتسلل فلما أقترب من الماشية فبدأت الأغنام تظهر ضجيج فعرف "عبدالرزاق" أن هناك شيء أفزع الماشية، فلما توجه لها رأى "زياد" قد أمسك بخروف ويريد أن يسرقه فأمسكه "عبد الرزاق" وقال:

- أتسرق عمك أيها المعتوه؟


فمن شدة الخوف أخبر "زياد"عمه عن كل شيء وأيضا أخبره أن "ذو" سوف يأتي بعده ليسرق أحد الخرفان، فأخذ "عبدالرزاق" ابن أخيه وربطه في الغرفة ورجع واستعد ليقبض على "ذو" فلما مرت ساعة قال "منصور":

- إذهب يا "ذو" وكن حذرا فأنا لا أريد أن أخسر الف جنيه


وبالفعل مضى "ذو" لكي ينتصر في التحدي ، ولكنه أتجه إلى الغدير فهو قد صنع مكان بقرب من الماء يجمع فيها الثعابين فهو يعتني بها من أجل أن يستخرج السم منها فيضعه في علبه ثم يضع داخل تلك العلب المملؤة بالسم إبر لكي تصبح إبر سامة، ثم أخد أكبر ثعبان بينها ثم بدأ يتسلل حتى إقترب من الماشية ثم رمى الثعبان بأقوى

ما يملك فوقع الثعبان بين الماشية ، فبدأت الماشية تظهر ضجيج فعرف "عبدالرزاق" أنه "ذو" فلما إتجه للمكان الذي أظهرت الماشية الضجيج شاهد الثعبان الضخم الذي أمسك بأحد صغار الضان، فأتجه "عبدالرزاق" إلى المكان الذي يضع فيه الحطب وعمد إلى خشبة طويلة فأخذها ودعا إبنه وطلب أن يحضر الفأس، فأمسك "عبد الرزاق" برأس الثعبان بالعصا الطويلة وقال لابنه:

-إضربه.

لكن ابنه خاف ولم ينفذ الأمر فقال له "عبدالرزاق":

-تعال أمسك العصا.

فأمسك العصا وبدأ "عبدالرزاق" يضرب الثعبان بالفأس حتى قطعه قطعا.


كان "ذو" بين الماشية يتنقى ما سوف يأخذه، وبالفعل أخذ أكبر خروف وكان "عبدالرزاق" يستخدم هذا الخروف كفحل لماشيته ،بل أنه من حرصه عليه لا يعيره لأحد ، بل لا يسمح لأحد أن يرآه خشية عليه من العين، فلما وصل "ذو" إلى الغرفة التي يوجد فيها "منصور"و"مختار "سمعا صوت الخروف ،فلما رأى "مختار" الخروف قال:

- لم تجد تسرق خروفا سوى هذا الفحل؟


فقال "ذو":

- أنا لم أسرق بل كسبت الرهان الذي كان بينكم.

فقال"مختار":

- هل رأيت "زياد"؟


فقال "ذو":

- سمعت أخوك يقول لإبنه أمسكنا "زياد" وبقي "ذو".


حينها شعر "مختار "أنه في ورطة، و"منصور"واقف يبتسم فرحا بمهارة ولده في السرقة، فهمس "مختار "في إذن "منصور" وقال:

- علينا إعادة الخروف لأخي.


فنظر "منصور"ل"مختار"وقال:

- نعيد صيدا أتى به "ذو"؟ لا والله.


ثم أخرج سكينه وذبح الخروف، ثم أستخرج الكبد وأعطاها ل"ذو" وقال:

- الكبد لا يأكله إلا الفتى الفذ.


عاد الجميع لبيوتهم و"مختار" حائر:

-ماذا سيقول لأخيه "عبدالرزاق"؟


وفي الصباح الباكر أتجه "مختار "لبيت أخيه فلما طرق الباب فتح "عبدالرزاق" ولكنه لم يأبه لأخيه فخرج من البيت دون أن يكلم "مختار" فما كان من "مختار" إلا أن يتبعه وبدأ يعتذر ويبريء إبنه "زياد" وأنه كانوا فقط يمزحون،حتى قال:

- و"ذو" هو من سرق خروفك الفحل.


توقف "عبدالرزاق" ثم ألتفت وقال:

- ماذا قلت؟


فقال:

-" ذو" هو من سرق خروفك الفحل.


فبدأ "عبدالرزاق" يركض إلى حضيرته، فلما بدأ يبحث عن خروفه لم يجده، فبدأ يضرب خده ويقول:

- ما فعلت بي يا أخي؟ فبعد أن بدأ يتحسن إنتاجي للخرفان بفضل الله ثم فضل ذلك الخروف ترسل لي أبن السكير لكي يسرقني؟


ثم أمسك "عبدالرزاق" "مختار "بقبضته وبدأ يذكره ويقول:

-توفى أبي وأنت لا زلت في فتوتك فربيتك وصرفت عليك بل لم قط أرفع صوتي عليك،فشلت في الدراسة فلم أعاقبك

،ثم بنيت لك بيت وزوجتك وصرفت عليك أنت وأسرتك، بل وسترت قضيتك التي أرتكبتها وأنت تعرف ما أقصد وأقنعت زوجتك أن ترجع بعد أن خنتها،ثم تكافئي بأن ترسل ولدك وولد السكير ليسرقاني؟هل جئت عندي وطلبت مال ثم منعتك؟ بعد أن أختفى هذا السكيرمن حياتك استقمت وأصبحت تهتم بزوجتك وأسرتك، ولما عاد السكير عدت معه في الضلال،

يا أخي سيكون آخر تحذيرا لك أن بقيت مع هذا السكير فستهلك،أذهب لتلك الغرفة وفك رباط ولدك ولا تعد تأتي هنا أبدا فلست أخي ولست أخوك.

أخذ "مختار"ولده وهو يفكر كيف يصرف على أسرته ما دام أخوه "عبدالرزاق" لن يصرف عليه، أتجه "عبدالرزاق" إلى الشيخ "حسيب" وأخبره بما حدث، فلما جاء وقت صلاة العصر صلى الناس وبعد أن انتهوا من الصلاة، أمسك الشيخ "حسيب" كل من "السيف" والشيخ "محمود" وأخبرهما بما فعله "ذو" وقال لهما :

-ما رأيكما؟


فقال الشيخ "محمود":

-ما دام "ذو" ترك الصلاة فليس غريبا أن يسرق.


فقال "السيف":

- لم يترك "ذو" الصلاة فجدته أخبرتني أنه يصلي في البيت لأن أباه أصبح لا يفارقه،وكل ما نقدر فعله أن نعوض "عبدالرزاق" قيمة خروفة وندعو الله أن يهدي "منصور" إلى الحق فإن استمر "ذو" معه فسيضيع من أيدينا.


فقال الشيخ "حسيب":

- أصبت فيما قلت، فخسارة أن يصبح "ذو" ممن لا نرجو خيره.


وفي المساء اجتمع "منصور" وإبنه و"مختار "وإبنه،وقال "مختار":

-قد ضعت يا"منصور" فقد قطع "عبدالرزاق" عني مصروفي.

فضحك "منصور" وقال:

- هل أنت طفل يصرف عليك أخوك؟ أنت لك نصف ما يملك فهذا حقك في ورث أبيك.


فقال "مختار":

- قد تنازلت قديما على أن تكتب كل أملاكي بإسم أخي "عبدالرزاق".


فقال "منصور":

-لا عليك لدي مهنة لك ولإبنك ول"ذو" وهى تهريب المخدرات.

فقال "ذو":


- المخدرات لا، لكن الأسلحة نعم.

فرح "منصور"لما سمع ما قاله إبنه فلأول مرة يقدم "ذو" تنازلات.


وبالفعل بدأ "منصور" وجماعته بتهريب المسدسات بأحجامها وأيضا الرشاشات والبنادق،وبدأت بعض الأرباح تصل إليهم وفي أحد الصفقات التي قاما بها في التهريب، جمع "منصور""مختار"و"زياد"و"ذو"وقال لهم:

- قد جمعنا ما يقارب خمسين الف،عشرون لي وعشرون ل"مختار"وخمسة الاف ل"زياد" ومثلها ل"ذو".


فقال "ذو":

- أنا لا أريد مالا، بل أريد مسدس ربع.


فنظر"منصور" بدهشة وقال:

- وما الذي ستفعله به؟


قال "ذو":

- سوف أحاول أن أبيعه بسعر مرتفع.


هز "منصور" رأسه وقال:

- كم تريد أن أعطيك؟


فقال "ذو":

- لست أقبل الشفقة وأحب أن اجعل جبيني يعرق في تحصيل ما تشتهيه نفسي.


فأبتسم "منصور" وقال:

- خذ مسدسك.

فأخذه "ذو" ولكنه ظل واقف فقال "منصور":
- ماذا تنتظر؟


قال "ذو":

- الطلقات، فمن البديهي أن يطلب من يشتريه أن يجربه.


فقال "منصور":

- وأيضا أنت من البديهي انه لن يجرب مسدس جديد.


شعر "ذو" أن "منصور" لن يعطيه أي طلقة،فذهب "ذو" للبيت، فرأته جدته ورأت المسدس، ولكن "ذو" دخل لغرفته بسرعة، وبدأت جدته تطرق عليه الباب لكن دون جدوى، بعد أن خبأ المسدس أخذ ما كان يضع فيه المسدس وأخذه معه ليوهم جدته أنه أخذ المسدس معه.


وكانت جدته جالسة على كرسي قريب من باب "ذو" فلما فتح "ذو" الباب بدأ يزيد سرعته فقامت جدته تناديه وتسأله:

- من أين لك المسدس؟


لكن" ذو" لم يجيب جدته وخرج من البيت.


بالطبع كان "منصور" جالس وهو سارح الفكر فسأله"مختار":

-ما بك؟


قال:

-إني أخشى من "ذو" فهو لم يطلب المسدس إلا لأمر ما.


فقال"مختار"وهو يضحك :

- أعتقد أنه أخذه ليقتل به الأشرار.

فنظر له"منصور" وقال:

- قد تكون مازحا ولكنها الحقيقة.


فزاد "مختار "من ضحكته وقال:

- ما بك يا "منصور" لم أعهدك تخاف من أحد حتى تخاف من طفل صغير، ولكن أنا سأحل لك المشكلة، سأجعل إبنك من الأشرار فبذلك سيقتل بمسدسه الأخيار.


فقال "منصور":

- هل تهزأ بي؟


فقال "مختار ":

-لا أنا اليوم سأجعل إبنك يشرب كأس خمر.


فقال "منصور":

-وكيف ستفعل ذلك؟


قال "مختار ":

-أريد أن تختبي خارج الغرفة وحين يأتي "ذو" سأقدم له كأسا من الخمر وحينما لا يراك سيشربه ليجربه لكنه حين يراك يمنتنع.


فقال "منصور":

- أنت لا تعرف "ذو".


قال"مختار":

- دع الأمر لي وحسب.


فقال "منصور":

- بشرط أن تتحمل ردة فعل "ذو" مهما كانت.


فقال"مختار":

- وهو كذلك.


وبالفعل اختبأ "منصور" خلف الغرفة وهو ينظر من فتحة صغيرة ما سيحدث،وما لبث "مختار "طويلا إلا و"ذو"يطرق الباب، ففتح له " مختار"ورحب به، فنظر "ذو" وقال:

- أين أبي؟


فقال" مختار":

-اجلس يا "ذو" أبوك سيأتي.


ثم أخذ "مختار "كوبا قد صب فيه خمرا وقال:
- خذ يا "ذو" وجرب أن تنسى الدنيا وهمومها
فأمسك "ذو" بالكوب،فشعر "مختار "أنه نجح، لكن نجاحه لم يلبث طويلا حتى شعر بالخمر قد انسكب في وجه،وبدأ يسمع "ذو" وهو يسبه ويذمه ويصفه بالسكير المنحط، تظاهر "مختار" بالهدوء مع أن قلبه يغلي حقدا على ما فعله "ذو"ولكنه قد أعطى "منصور" وعد بأن يتحمل كل ما يصدر من "ذو".


ومع مرور الأيام بدأت تظهر في الأفق بعض الدلائل عن تغيرات قادمة، حيث قارب العام الدراسي على الإنتهاء فخشيت أم "منصور" أن غياب "ذو" المتكرر سيحول دون نجاحه، فذهبت إلى الشيخ "حسيب" وقالت:

- عندي موضوعان عن "ذو" أريد مساعدتك فيهما.


فقال الشيخ "حسيب":

- إذا كان بيدي استطاعة فلك ذلك.


فقالت:

- أريدك أن تذهب للمدرسة وتخبر معلم "ذو"عن ظروفه القاسية لعله يتعاون معنا فينجحه.


قال الشيخ:

- الأولى مقدورا عليها، والثانية؟


فقالت:

- أصبح "ذو" يساعد أباه في تهريب الأسلحة فلقد شاهدت معه مسدس فبقيت أسأله من أين جاء به حتى قال لي الصدق
وأنا أريدك أن تنصحه لعله يترك التهريب.


فقال الشيخ:

- هل "ذو" يفعل ذلك بإرادته أو مكرها؟


فقالت:

- بل بإرادته.


فقال الشيخ:

- وهل إذا أقنعنا "ذو" أن يترك تهريب الأسلحة فهل يستطيع أن يتركها؟ أقصد هل ابوه سيتركه يفعل ما يشاء؟


فقالت:

-أن رفض "ذو" أن يساعد أباه في تهريب الأسلحة وأراد"منصور" أن يجبره فأنا سوف أمنعه.
فقال الشيخ:

- غدا أذهب للمدرسة.


وبالفعل ذهب الشيخ"حسيب" للمدرسة وقابل المدير وشرح له ظروف "ذو" فطلب المدير المعلم الذي يدرس "ذو" وبدأ الشيخ يقول للمعلم أن "ذو" ولد طيب وشاطر والمعلم مندهش وصامت، ثم قال المعلم:

- ليس عندي طالب اسمه "ذو".


فقال المدير:

-أنه يقصد "خالد منصور".


فقال المعلم:

- وأين هو؟ لم أعد آراه يحضر.


فقال الشيخ:

- من أجل ذلك جئت لكي أشرح لك ظروفه.


ثم قال المعلم:

-وما الذي تريده مني؟


قال الشيخ:

- أن تتعاطف معهوتتجاوز عن غيابه وتجعله يرافق زملائه إلى الصف الرابع.


فقال المعلم:

- من الظلم أن ينتقل "ذو" إلى الرابع بل الواجب أنه ينتقل إلى الجامعة مباشرة.

فقال الشيخ:

- أفهم من كلامك أنك سوف تنجحه؟


فقال المعلم:

- بلا شك
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي