الفصل السادس عشر
في المساء صعد "منصور" _جبل الخرافة _لأنه شعر بضيقة خانقة وبدأ يصرخ بأهات، لكن هذه المرة زادت ضيقته،فذهب للغرفة التي قضى فيها أوقات ندم عليها،ثم بدأ يفكر بالإنتحار ، لكنه بقي متردد لأنه يشعر برجاء أن يصفح عنه "ذو" ويرضى أن يعيش معه.
ولما انتصف الليل جاء"مختار "ومعه إبنه "زياد" فلما دخلا الغرفة وشاهدا الحزن الواضح على وجه "منصور" بدأ "مختار" يهون على "منصور"وهو يعتقد أن "منصور" حزين على الأموال التي خسرها، لكن "منصور"كان يفكر في إبنه.
حاول "مختار"أن يخرج"منصور" مما هو فيه دون جدوى
فخشي "مختار"أن ذهب لبيته أن يفعل "منصور"بنفسه شيء فبقي هو وإبنه "زياد" حتى الصباح و"منصور"على حالة
فقال"مختار":
- ما بك؟
فقال"منصور":
-إبني "ذو""غاضب مني ولا يريد رؤيتي.
فقال"مختار":
- هل هذا سبب حزنك؟
فقال "منصور":
- نعم.
فقال"مختار":
-إذا انتظرني هنا وسوف أذهب وأحضره.
ثم أمسك إبنه "زياد"وقال له:
- أن أراد"منصور"أن يؤذي نفسه فأسرع لي وأخبرني.
كان "ذو" قد طلب من صديقه "عيسى" طلقات مسدس ربع ، لكن "عيسى" رفض، لكن في ذلك اليوم دخل "عيسى" مجلس أباه، ثم أرتقى على المساند ليأخذ ست طلقات من حزام مسدس أبيه، ولما وصل "عيسى" المدرسة أمسك ب"ذو" وقال:
- خذ هذا ما طلبته.
فرح "ذو" أشد الفرح فهو كان يبحث عنها بشتى الطرق، وما لبثت من الحصة الأولى دقائق معدودة إلا و"مختار" يطرق الباب الفصل، ثم يستأذن ل"ذو"، لكن "ذو" رفض، فأمسك به "مختار"وهمس بأذنه قائلا:
- جدتك جاءت إلى غرفة أبيك تريد أن تقتله، لكن"منصور" دفعها فوقعت وأغمي عليها في الغرفة، وأبوك شرد.
لم يفكر "ذو" بكلام "مختار" جيدا فخوفه على جدته جعلته يركض مع "مختار "إلى الغرفة، فلما وصل "ذو" إلى الغرفة عرف أن "مختار"كذب عليه، ثم قال "مختار" ل"ذو":
- هيا قبل رأس أبيك وأعتذر منه.
لكن "ذو" رفض وأراد الخروج، فقال "مختار":
-أن لم تفعل ما أقول لك سأجعل "زياد" يضربك.
ولكن "ذو" لم يستجب لكلام "مختار"،فأمسك "مختار"بيد"ذو" وقال:
- هذا بسبب دلال أبوك لك.
ثم أخرجه من الغرفة وقال لإبنه "زياد":
-أدب هذا الفتى.
فبدأ "زياد" يستعد للقتال مع "ذو" لكن "ذو" بدأ يتراجع بخطوات للوراء وهو يقول:
- لا أريد مقاتلتك.
لكن "زياد" هجم على "ذو" لكن "ذو" استطاع أن يتلافى هجومه، ثم بدأ "ذو" يدافع عن نفسه حيث لم يمكن "زياد" من أن يمسكه، بل يلكمه ويتراجع.
خرج "منصور" وبدأ ينظر ل"ذو" وهو يضرب فتى أكبر منه وبيد واحدة، لأن اليد الأخرى كانت تمسك أحد جيوبه، شعر"منصور" أن "ذو" يخفي شيء مهم في جيبه، لما رأى "مختار" الدم يخرج من وجه إبنه تسلل وأمسك بيدا "ذو" ثم قام "زياد" يصفع وجه "ذو" بكفوف متتالية، شعر "ذو" بقهر الرجال وبدأ يصرخ بأعلى صوته فدفعه "مختار"فسقط "ذو" فوقعت من جيبه طلقة فعرف "منصور" ما كان "ذو" يخبئه فأخذ "منصور"الرصاصة الساقطة، ثم قام "ذو" يأخذ الحجارة من الأرض ويرمي "مختار"، لكن أباه أمسك به ووضع يده على جيبه ليعرف كم معه طلقات ثم صفعه على وجهه فسقط "ذو" على الأرض وقال "منصور":
- ليس ولدي الذي يقاتل هكذا.
ثم ألتفت "ذو" إلى "منصور" فأراه "منصور" الرصاصة التي معه وقال:
- بقي معك خمس فأفعلها أن كنت رجل.
فصرخ "ذو" وقال:
- لا يبقى حيا من يصفعني يا "منصور".
ثم بدأ يركض جهة البيت، شعر"منصور" أن منيته قربت فقال ل"مختار":
-خذ ولدك وأرحل قبل أن يقتلك "ذو".
ضحك "مختار" فكيف يستطيع لطفل أن يقتل، فقال مازحا ل"منصور":
- أما نعيش معا أو نموت معا.
فقال"منصور":
- أنا حذرتك فلا تلمني بعد ذلك.
كان"منصور" ينتظر منيته، ثم قال لصديقه"مختار":
-سيموت الكثيرون على يد هذا الفتى.
يقصد "ذو" ،نظر"مختار"إلى "منصور" بإستغراب فضحك"منصور" وقال:
-لا تستغرب فسبب موت هؤلاء هو سبب موتك.
فقال "مختار":
-وما هو هذا السبب؟
فقال "منصور":
- لأنكم لم تعرفوا "ذو" حق المعرفة، سأقول لك كلاما لم أفصح لأحد غيرك به، منذ أن رأيت "ذو" لأول مرة وهو لا يزال رضيع شعرت من عيناه أنه سيكون قاتلي لأنه مهما طال في عمر الظالم إلا سيأتي اليوم الذي يتحاسب فيه.
دخل الشيخ "حسيب"مجلسه كالعادة ليشرب القهوة ويتسلى بالحديث مع من يأتي، وبالفعل جاء "السيف" الذي دوما يتواجد مع الشيخ، فالتفت "السيف" ورأى الرصاصات الناقصة في الحزام، فسأل الشيخ:
- هل كنت تقنص؟
فأستغرب الشيخ "حسيب" السؤال وقال:
- لما؟
فقال "السيف":
- أرى رصاصات ناقصة في الحزام.
فصرخ الشيخ:
- أنه "عيسى".
فقال "السيف":
- أمتأكد أنت؟
فقال الشيخ:
- لقد شككت فيه فلقد قابلته عند باب المجلس وهو خائف.
فقال "السيف":
- دعنا نذهب له للمدرسة قبل أن يؤذي نفسه أو يؤذي بها غيره.
فلما وصلا المدرسة وجيء ب"عيسى" لغرفة المدير وسأله "السيف" ووعده أن يكون في أمان أن أخبرهم أين الرصاصات، فقال "عيسى":
-ألح علي "ذو" أن أجلب له طلقات من حزام أبي فأخذته وأعطيته.
فعرف "السيف" أنه أن لم يسبق "ذو" فستسفك الدماء، فسأل عنه فأخبرهم "عيسى" أن "مختار" جاء وأخذه.
طبعا وصل "ذو" البيت وفتح الصندوق الذي خبأ فيه المسدس ثم نزع التميمة التي كان يلبسها ووضعها في الصندوق فهو كان يلبسها كتذكار من جدته لكنه الآن يجب أن يأخد بالثأر
وبالفعل وضع الرصاصات بالمسدس وأنطلق وهو خارج من البيت قابلته جدته التي كانت في الحضيرة فرأت المسدس فحاولت أن تمسكه لكن "ذو" دفعها فسقطت وبدأت تصرخ بأعلى صوتها، و "ذو"
يركض فشعرت أم "منصور" أن "ذو" ذاهب لقتل أباه، فبدأت تمشي بكل جهدها وتصرخ لعل أحد يسمعها، وبالفعل سمعها الشيخ "حسيب" و"السيف" اللذان خرجا من المدرسة فبدأ الشيخ يركض لجهة صوت أم"منصور" ويقول:
-عونك أم "منصور".
فنزلت أم "منصور"عند أرجل الشيخ وهي تنخاه أن يلحق ب"ذو" قبل أن يقتل أباه،حين سمع الشيخ ذلك تذكر رصاصه الذي أعطاه إبنه ل"ذو" وشعر أن "ذو" لو قتل"منصور" أنه سيكون شريكا في جريمته، فبدأ يركض ركضا، عجز"السيف" أن يلحق به، لكن "ذو" كان كالريح العاصف
فلما رأى "منصور" إبنه قال ل"مختار":
-قد جاء الموت.
شعر "مختار" أن كلام "منصور" صدق فقال لإبنه:
-هيا أركض.
لكنه لم يستدر إلا والرصاصة تخترق رأسه فلما رأى "زياد" أباه والدماء تخرج من رأسه تيبست رجلاه ولكنها لم تدم طويلا لأن الطلقة الثانية جاءت بين عينيه
و"منصور"ينظر لصديقه وإبنه قد لطخا بدمائهما ثم نظر ل"ذو" وهو يبتسم ويقول:
- حان دوري.
فصوب "ذو" على كتفه الأيمن وقال:
- هذه من أجل أمي "الشيماء".
ثم صوب طلقة آخرى في كتفه الأيسر وقال:
- هذه من أجل أمي "البركة".
جثى "منصور"على ركبتيه وهو يبتسم ويقول:
-أرح ذبيحتك أرح ذبيحتك.
شعر "ذو" أن نظرات أباه نظرات حب صادقة فبدأ يتردد
فقال "منصور":
-أن كنت رجلا حقا أوف بكلمتك ولا تترك رجل صفع وجهك دون قتلته.
فصوب "ذو" بين عيني أباه، والشيخ"حسيب" يصرخ بأعلى صوته:
-لا لا يا"ذو" لا تطلق.
لكن "ذو" لم يأبه فأطلق الرصاصة وهو يصرخ ويقول:
- هذا من أجلي أنا.
سقط "منصور" امام أنظار "ذو" شعر "ذو" أنه أستيقظ من حلم ، لكن هذا لم يكن حلم بل حقيقة أبشع من أشد الكوابيس رعبا، وصل الشيخ "حسيب" ثم نزل على ركبتيه وأمسك على رأسه، فلما وصل "السيف" أخذ المسدس من يد "ذو" ثم قال للشيخ "حسيب":
- تعال معي لنذهب ب"ذو" إلى مركز الشرطة قبل أن يرى "عبدالرزاق" أخوه وإبن أخوه مقتولان فتزداد الأمور سوء.
وبالفعل ذهبا الشيخ و"السيف" ب"ذو" للشرطة، وأنتشر الخبر فبدأ "عبدالرزاق" وإبنيه وقرابته يركضان للمكان الذي قيل لهم أن "ذو" قتل فيه أخيه وأبن أخيه، فلما وصلوا وجدوا أم "منصور" جاثية على ركبتيها بجوار "منصور" الذي كان مشخص بصره للسماء فشعر "عبدالرزاق" بالخوف من "منصور" وقال لمن معه:
- هل مات "منصور" حقا؟
فقالوا:
-ألا ترى؟
لكن "عبدالرزاق" كان يخشى أن يقوم "منصور" فبدأ يتنحى قليلا ثم قال:
- والله لو لم تكوني مجرد عجوز خرفاء لقتلتك ولكن اليوم أبكي هذا الكلب.
وأشار ل"منصور" وقال:
- وغدا ستبكين على جروه.
نظرت أم "منصور"ل"عبدالرزاق" وظلت صامته، فحمل "عبدالرزاق" ومن معه أخوه وإبن أخوه وتركوا أم "منصور" مع "منصور" الذي أصبح جسدا بلا روح، حاولت أم"منصور" أن تسحب إبنها، لكنها عجزت فجلست بجواره تبكي.
بقي الشيخ "حسيب"و"السيف" في مركز الشرطة حتى يحميا "ذو" من أي تهور قد يفعله "عبدالرزاق" أو أحد قرابته، وبالفعل جلسا يوم كامل معه ، وفي صباح اليوم التالي أركبا "ذو" سيارة الشرطة لتأخذه للأحداث في أقرب مدينة وكانت تبعد عن القرية بمسافة بعيدة، ثم ذهبا الشيخ "حسيب" و"السيف" إلى بيت "عبدالرزاق" ليعزياه ثم انصرفا لكي يعزون لأم "منصور" فلما ذهبا لم يجداها في بيتها
فقال "السيف":
- هل يعقل؟
ففهم الشيخ ما يقصده "السيف" وقال:
- لا لا لا يمكن.
فقال "السيف":
- دعنا نرى.
فلما وصلا صعق الشيخ "حسيب" مما رأى فأم "منصور" جالسة ورأس "منصور" في حضنها وقد أصبحت عيناه حمرا بل وريحت جثة "منصور" اصبحت تعج في المكان،فقال الشيخ "حسيب" "للسيف":
- أجمع لي رجال القبيلة.
وبالفعل أجتمعوا وكان الشيخ "حسيب" يجلس بقرب جثة "منصور"وبقي صامتا والرجال مجتمعون وقد تأذوا من ريحة جثة "منصور" فقالوا:
- مه ياشيخ.
فبدأ الشيخ يمرغ وجهه بالتراب فأنطلق "السيف" يريد أن يرفعه لكنه صرخ وقال:
-دعني أمرغ هذا الوجه فبئست شيختي على رجال الغراب أفضل منهم.
عرف الرجال ما يقصد الشيخ فنزلوا جميعا وقالوا:
- شاحب وجوهنا وأسودت.
وفعلوا كما فعل الشيخ بنفسه كعقوبة لهم على تركهم أم "منصور" بجوار إبنها الميت دون دفنه، فقال "السيف":
- ليس هذا وقت للندم قوموا لنغسل "منصور" ونصلي عليه وندفنه.
وبالفعل حملوا "منصور" وغسلوه وكفنوه وأتوا به للمسجد فخرج الشيخ "محمود" وقال:
- ما الأمر؟
فقال الشيخ"حسيب":
-" ذو" قتل أباه.
فجع الشيخ" محمود" ثم بدأ يصرخ:
- بل نحن من قتلناه نحن من قتلناه.
ثم صلوا على "منصور" ثم دفنوه، ثم أصبح الشيخ "محمود" يعيش حالة نفسية سيئة، فذهب للشيخ "حسيب" وسأله عن"ذو" فأخبره أن الشرطة حولته للأحداث حتى يرى القاضي ما يحكم، فقال الشيخ "محمود":
- يجب أن يعاقبنا القاضي فنحن من نستحق العقوبة وليس"ذو".
ثم قال للشيخ "حسيب":
-أنا غدا سأسافر من هذه القرية.
فقال الشيخ "حسيب":
- لما؟
فقال الشيخ "محمود":
-كلمات "ذو" أصبحت تأتيني كل يوم حين عاتبني لما أوقفت تدريسه فقال أن كان الخير سيجعلني ضعيفا والشر يجعلني قوي فإني سأختار أن أكون مع الأشرار فبئسا الخير الضعيف
ولو كنت وقفت مع "ذو" ضد أبيه لما صار ما صار فأنا أشعر أن سكوتي كان السبب في أن يقتل "ذو" أبوه.
فقال الشيخ "حسيب":
- بل قل بسببي أنا.
وكان "السيف" بجواره فهمس بأذن الشيخ "حسيب" وقال:
- أنا قلت للشرطة أننا جئنا ولم نرى سلاحا بيد "ذو" وأنت تعرف أني خبأته فليس من الفائدة أن يعثروا على المسدس فإن عثروا عليه فقد يأتي لنا بمشاكل نحن في غنى عنها.
فقال الشيخ "محمود":
- أنا سوف أنصرف لتأخذا راحتكما في الكلام فأنا أردت فقط أن أبلغكما بسفري.
فشعر "السيف" أن الشيخ "محمود" فهم من همسه للشيخ "حسيب" كلام أخر، فأقسم "السيف" أن يجلس وأخبراه بما همس بأذن الشيخ "حسيب" ثم قال:
- أريدك ان تكتم الموضوع.
فقال الشيخ "محمود":
- أنا سأرحل غدا فلا تخشى مني فلن أبوح لأحد، ولقد علمت "سمير" كما اتفقنا في البداية ف"سمير" الآن أصبح قادرا أن يحل مكاني فهو الآن حافظ القرآن.
فما كانا من "السيف" والشيخ "حسيب" إلا أن ودعاه.
ولما انتصف الليل جاء"مختار "ومعه إبنه "زياد" فلما دخلا الغرفة وشاهدا الحزن الواضح على وجه "منصور" بدأ "مختار" يهون على "منصور"وهو يعتقد أن "منصور" حزين على الأموال التي خسرها، لكن "منصور"كان يفكر في إبنه.
حاول "مختار"أن يخرج"منصور" مما هو فيه دون جدوى
فخشي "مختار"أن ذهب لبيته أن يفعل "منصور"بنفسه شيء فبقي هو وإبنه "زياد" حتى الصباح و"منصور"على حالة
فقال"مختار":
- ما بك؟
فقال"منصور":
-إبني "ذو""غاضب مني ولا يريد رؤيتي.
فقال"مختار":
- هل هذا سبب حزنك؟
فقال "منصور":
- نعم.
فقال"مختار":
-إذا انتظرني هنا وسوف أذهب وأحضره.
ثم أمسك إبنه "زياد"وقال له:
- أن أراد"منصور"أن يؤذي نفسه فأسرع لي وأخبرني.
كان "ذو" قد طلب من صديقه "عيسى" طلقات مسدس ربع ، لكن "عيسى" رفض، لكن في ذلك اليوم دخل "عيسى" مجلس أباه، ثم أرتقى على المساند ليأخذ ست طلقات من حزام مسدس أبيه، ولما وصل "عيسى" المدرسة أمسك ب"ذو" وقال:
- خذ هذا ما طلبته.
فرح "ذو" أشد الفرح فهو كان يبحث عنها بشتى الطرق، وما لبثت من الحصة الأولى دقائق معدودة إلا و"مختار" يطرق الباب الفصل، ثم يستأذن ل"ذو"، لكن "ذو" رفض، فأمسك به "مختار"وهمس بأذنه قائلا:
- جدتك جاءت إلى غرفة أبيك تريد أن تقتله، لكن"منصور" دفعها فوقعت وأغمي عليها في الغرفة، وأبوك شرد.
لم يفكر "ذو" بكلام "مختار" جيدا فخوفه على جدته جعلته يركض مع "مختار "إلى الغرفة، فلما وصل "ذو" إلى الغرفة عرف أن "مختار"كذب عليه، ثم قال "مختار" ل"ذو":
- هيا قبل رأس أبيك وأعتذر منه.
لكن "ذو" رفض وأراد الخروج، فقال "مختار":
-أن لم تفعل ما أقول لك سأجعل "زياد" يضربك.
ولكن "ذو" لم يستجب لكلام "مختار"،فأمسك "مختار"بيد"ذو" وقال:
- هذا بسبب دلال أبوك لك.
ثم أخرجه من الغرفة وقال لإبنه "زياد":
-أدب هذا الفتى.
فبدأ "زياد" يستعد للقتال مع "ذو" لكن "ذو" بدأ يتراجع بخطوات للوراء وهو يقول:
- لا أريد مقاتلتك.
لكن "زياد" هجم على "ذو" لكن "ذو" استطاع أن يتلافى هجومه، ثم بدأ "ذو" يدافع عن نفسه حيث لم يمكن "زياد" من أن يمسكه، بل يلكمه ويتراجع.
خرج "منصور" وبدأ ينظر ل"ذو" وهو يضرب فتى أكبر منه وبيد واحدة، لأن اليد الأخرى كانت تمسك أحد جيوبه، شعر"منصور" أن "ذو" يخفي شيء مهم في جيبه، لما رأى "مختار" الدم يخرج من وجه إبنه تسلل وأمسك بيدا "ذو" ثم قام "زياد" يصفع وجه "ذو" بكفوف متتالية، شعر "ذو" بقهر الرجال وبدأ يصرخ بأعلى صوته فدفعه "مختار"فسقط "ذو" فوقعت من جيبه طلقة فعرف "منصور" ما كان "ذو" يخبئه فأخذ "منصور"الرصاصة الساقطة، ثم قام "ذو" يأخذ الحجارة من الأرض ويرمي "مختار"، لكن أباه أمسك به ووضع يده على جيبه ليعرف كم معه طلقات ثم صفعه على وجهه فسقط "ذو" على الأرض وقال "منصور":
- ليس ولدي الذي يقاتل هكذا.
ثم ألتفت "ذو" إلى "منصور" فأراه "منصور" الرصاصة التي معه وقال:
- بقي معك خمس فأفعلها أن كنت رجل.
فصرخ "ذو" وقال:
- لا يبقى حيا من يصفعني يا "منصور".
ثم بدأ يركض جهة البيت، شعر"منصور" أن منيته قربت فقال ل"مختار":
-خذ ولدك وأرحل قبل أن يقتلك "ذو".
ضحك "مختار" فكيف يستطيع لطفل أن يقتل، فقال مازحا ل"منصور":
- أما نعيش معا أو نموت معا.
فقال"منصور":
- أنا حذرتك فلا تلمني بعد ذلك.
كان"منصور" ينتظر منيته، ثم قال لصديقه"مختار":
-سيموت الكثيرون على يد هذا الفتى.
يقصد "ذو" ،نظر"مختار"إلى "منصور" بإستغراب فضحك"منصور" وقال:
-لا تستغرب فسبب موت هؤلاء هو سبب موتك.
فقال "مختار":
-وما هو هذا السبب؟
فقال "منصور":
- لأنكم لم تعرفوا "ذو" حق المعرفة، سأقول لك كلاما لم أفصح لأحد غيرك به، منذ أن رأيت "ذو" لأول مرة وهو لا يزال رضيع شعرت من عيناه أنه سيكون قاتلي لأنه مهما طال في عمر الظالم إلا سيأتي اليوم الذي يتحاسب فيه.
دخل الشيخ "حسيب"مجلسه كالعادة ليشرب القهوة ويتسلى بالحديث مع من يأتي، وبالفعل جاء "السيف" الذي دوما يتواجد مع الشيخ، فالتفت "السيف" ورأى الرصاصات الناقصة في الحزام، فسأل الشيخ:
- هل كنت تقنص؟
فأستغرب الشيخ "حسيب" السؤال وقال:
- لما؟
فقال "السيف":
- أرى رصاصات ناقصة في الحزام.
فصرخ الشيخ:
- أنه "عيسى".
فقال "السيف":
- أمتأكد أنت؟
فقال الشيخ:
- لقد شككت فيه فلقد قابلته عند باب المجلس وهو خائف.
فقال "السيف":
- دعنا نذهب له للمدرسة قبل أن يؤذي نفسه أو يؤذي بها غيره.
فلما وصلا المدرسة وجيء ب"عيسى" لغرفة المدير وسأله "السيف" ووعده أن يكون في أمان أن أخبرهم أين الرصاصات، فقال "عيسى":
-ألح علي "ذو" أن أجلب له طلقات من حزام أبي فأخذته وأعطيته.
فعرف "السيف" أنه أن لم يسبق "ذو" فستسفك الدماء، فسأل عنه فأخبرهم "عيسى" أن "مختار" جاء وأخذه.
طبعا وصل "ذو" البيت وفتح الصندوق الذي خبأ فيه المسدس ثم نزع التميمة التي كان يلبسها ووضعها في الصندوق فهو كان يلبسها كتذكار من جدته لكنه الآن يجب أن يأخد بالثأر
وبالفعل وضع الرصاصات بالمسدس وأنطلق وهو خارج من البيت قابلته جدته التي كانت في الحضيرة فرأت المسدس فحاولت أن تمسكه لكن "ذو" دفعها فسقطت وبدأت تصرخ بأعلى صوتها، و "ذو"
يركض فشعرت أم "منصور" أن "ذو" ذاهب لقتل أباه، فبدأت تمشي بكل جهدها وتصرخ لعل أحد يسمعها، وبالفعل سمعها الشيخ "حسيب" و"السيف" اللذان خرجا من المدرسة فبدأ الشيخ يركض لجهة صوت أم"منصور" ويقول:
-عونك أم "منصور".
فنزلت أم "منصور"عند أرجل الشيخ وهي تنخاه أن يلحق ب"ذو" قبل أن يقتل أباه،حين سمع الشيخ ذلك تذكر رصاصه الذي أعطاه إبنه ل"ذو" وشعر أن "ذو" لو قتل"منصور" أنه سيكون شريكا في جريمته، فبدأ يركض ركضا، عجز"السيف" أن يلحق به، لكن "ذو" كان كالريح العاصف
فلما رأى "منصور" إبنه قال ل"مختار":
-قد جاء الموت.
شعر "مختار" أن كلام "منصور" صدق فقال لإبنه:
-هيا أركض.
لكنه لم يستدر إلا والرصاصة تخترق رأسه فلما رأى "زياد" أباه والدماء تخرج من رأسه تيبست رجلاه ولكنها لم تدم طويلا لأن الطلقة الثانية جاءت بين عينيه
و"منصور"ينظر لصديقه وإبنه قد لطخا بدمائهما ثم نظر ل"ذو" وهو يبتسم ويقول:
- حان دوري.
فصوب "ذو" على كتفه الأيمن وقال:
- هذه من أجل أمي "الشيماء".
ثم صوب طلقة آخرى في كتفه الأيسر وقال:
- هذه من أجل أمي "البركة".
جثى "منصور"على ركبتيه وهو يبتسم ويقول:
-أرح ذبيحتك أرح ذبيحتك.
شعر "ذو" أن نظرات أباه نظرات حب صادقة فبدأ يتردد
فقال "منصور":
-أن كنت رجلا حقا أوف بكلمتك ولا تترك رجل صفع وجهك دون قتلته.
فصوب "ذو" بين عيني أباه، والشيخ"حسيب" يصرخ بأعلى صوته:
-لا لا يا"ذو" لا تطلق.
لكن "ذو" لم يأبه فأطلق الرصاصة وهو يصرخ ويقول:
- هذا من أجلي أنا.
سقط "منصور" امام أنظار "ذو" شعر "ذو" أنه أستيقظ من حلم ، لكن هذا لم يكن حلم بل حقيقة أبشع من أشد الكوابيس رعبا، وصل الشيخ "حسيب" ثم نزل على ركبتيه وأمسك على رأسه، فلما وصل "السيف" أخذ المسدس من يد "ذو" ثم قال للشيخ "حسيب":
- تعال معي لنذهب ب"ذو" إلى مركز الشرطة قبل أن يرى "عبدالرزاق" أخوه وإبن أخوه مقتولان فتزداد الأمور سوء.
وبالفعل ذهبا الشيخ و"السيف" ب"ذو" للشرطة، وأنتشر الخبر فبدأ "عبدالرزاق" وإبنيه وقرابته يركضان للمكان الذي قيل لهم أن "ذو" قتل فيه أخيه وأبن أخيه، فلما وصلوا وجدوا أم "منصور" جاثية على ركبتيها بجوار "منصور" الذي كان مشخص بصره للسماء فشعر "عبدالرزاق" بالخوف من "منصور" وقال لمن معه:
- هل مات "منصور" حقا؟
فقالوا:
-ألا ترى؟
لكن "عبدالرزاق" كان يخشى أن يقوم "منصور" فبدأ يتنحى قليلا ثم قال:
- والله لو لم تكوني مجرد عجوز خرفاء لقتلتك ولكن اليوم أبكي هذا الكلب.
وأشار ل"منصور" وقال:
- وغدا ستبكين على جروه.
نظرت أم "منصور"ل"عبدالرزاق" وظلت صامته، فحمل "عبدالرزاق" ومن معه أخوه وإبن أخوه وتركوا أم "منصور" مع "منصور" الذي أصبح جسدا بلا روح، حاولت أم"منصور" أن تسحب إبنها، لكنها عجزت فجلست بجواره تبكي.
بقي الشيخ "حسيب"و"السيف" في مركز الشرطة حتى يحميا "ذو" من أي تهور قد يفعله "عبدالرزاق" أو أحد قرابته، وبالفعل جلسا يوم كامل معه ، وفي صباح اليوم التالي أركبا "ذو" سيارة الشرطة لتأخذه للأحداث في أقرب مدينة وكانت تبعد عن القرية بمسافة بعيدة، ثم ذهبا الشيخ "حسيب" و"السيف" إلى بيت "عبدالرزاق" ليعزياه ثم انصرفا لكي يعزون لأم "منصور" فلما ذهبا لم يجداها في بيتها
فقال "السيف":
- هل يعقل؟
ففهم الشيخ ما يقصده "السيف" وقال:
- لا لا لا يمكن.
فقال "السيف":
- دعنا نرى.
فلما وصلا صعق الشيخ "حسيب" مما رأى فأم "منصور" جالسة ورأس "منصور" في حضنها وقد أصبحت عيناه حمرا بل وريحت جثة "منصور" اصبحت تعج في المكان،فقال الشيخ "حسيب" "للسيف":
- أجمع لي رجال القبيلة.
وبالفعل أجتمعوا وكان الشيخ "حسيب" يجلس بقرب جثة "منصور"وبقي صامتا والرجال مجتمعون وقد تأذوا من ريحة جثة "منصور" فقالوا:
- مه ياشيخ.
فبدأ الشيخ يمرغ وجهه بالتراب فأنطلق "السيف" يريد أن يرفعه لكنه صرخ وقال:
-دعني أمرغ هذا الوجه فبئست شيختي على رجال الغراب أفضل منهم.
عرف الرجال ما يقصد الشيخ فنزلوا جميعا وقالوا:
- شاحب وجوهنا وأسودت.
وفعلوا كما فعل الشيخ بنفسه كعقوبة لهم على تركهم أم "منصور" بجوار إبنها الميت دون دفنه، فقال "السيف":
- ليس هذا وقت للندم قوموا لنغسل "منصور" ونصلي عليه وندفنه.
وبالفعل حملوا "منصور" وغسلوه وكفنوه وأتوا به للمسجد فخرج الشيخ "محمود" وقال:
- ما الأمر؟
فقال الشيخ"حسيب":
-" ذو" قتل أباه.
فجع الشيخ" محمود" ثم بدأ يصرخ:
- بل نحن من قتلناه نحن من قتلناه.
ثم صلوا على "منصور" ثم دفنوه، ثم أصبح الشيخ "محمود" يعيش حالة نفسية سيئة، فذهب للشيخ "حسيب" وسأله عن"ذو" فأخبره أن الشرطة حولته للأحداث حتى يرى القاضي ما يحكم، فقال الشيخ "محمود":
- يجب أن يعاقبنا القاضي فنحن من نستحق العقوبة وليس"ذو".
ثم قال للشيخ "حسيب":
-أنا غدا سأسافر من هذه القرية.
فقال الشيخ "حسيب":
- لما؟
فقال الشيخ "محمود":
-كلمات "ذو" أصبحت تأتيني كل يوم حين عاتبني لما أوقفت تدريسه فقال أن كان الخير سيجعلني ضعيفا والشر يجعلني قوي فإني سأختار أن أكون مع الأشرار فبئسا الخير الضعيف
ولو كنت وقفت مع "ذو" ضد أبيه لما صار ما صار فأنا أشعر أن سكوتي كان السبب في أن يقتل "ذو" أبوه.
فقال الشيخ "حسيب":
- بل قل بسببي أنا.
وكان "السيف" بجواره فهمس بأذن الشيخ "حسيب" وقال:
- أنا قلت للشرطة أننا جئنا ولم نرى سلاحا بيد "ذو" وأنت تعرف أني خبأته فليس من الفائدة أن يعثروا على المسدس فإن عثروا عليه فقد يأتي لنا بمشاكل نحن في غنى عنها.
فقال الشيخ "محمود":
- أنا سوف أنصرف لتأخذا راحتكما في الكلام فأنا أردت فقط أن أبلغكما بسفري.
فشعر "السيف" أن الشيخ "محمود" فهم من همسه للشيخ "حسيب" كلام أخر، فأقسم "السيف" أن يجلس وأخبراه بما همس بأذن الشيخ "حسيب" ثم قال:
- أريدك ان تكتم الموضوع.
فقال الشيخ "محمود":
- أنا سأرحل غدا فلا تخشى مني فلن أبوح لأحد، ولقد علمت "سمير" كما اتفقنا في البداية ف"سمير" الآن أصبح قادرا أن يحل مكاني فهو الآن حافظ القرآن.
فما كانا من "السيف" والشيخ "حسيب" إلا أن ودعاه.