الفصل السابع عشر

فقال الشيخ" حسيب" ل"لسيف":

- دعنا نذهب لأم"منصور" فهي الآن في وضع لا تحسد عليه.


فلما وصلا لبيتها وجداها جالسة أمام باب بيتها والحزن والضيق والكأبة واضحة على وجهها،فبدأ الشيخ"حسيب" يحاول أن يخفف عليها ويقول:

- أعتبريني أخاك وأعتبري "السيف" بمثابة إبنك والحياة لا تصفو من الأكدار.


فقالت أم "منصور":

-أتذكر ياشيخ "حسيب"ما قلته عني بأني لو كنت رجل لكان "منصور" رحمة بالنسبة لي؟ فأنا أعتقد أنك أخطأت يا شيخ "حسيب" فلو كنت رجلا لما توالدت الوحوش ولأنقرضت ،لكن كوني إمراة زاد الأمر سوء فلقد صدقت يا شيخ فيما وصفتني به.


فقال "السيف":

- ما هذا الكلام يا أم "منصور" فالشيخ "حسيب" قال ذلك الكلام وهو في حالة غضب.


والشيخ "حسيب" ساكت لأنه أحس أنه جرح أم "منصور" بكلام أشد من وقع الحسام، فأستأذن الشيخ "حسيب" وتبعه "السيف" وقال:

- ما بك؟


فقال الشيخ"حسيب":

-احس أني كلما احاول مساعدة أم "منصور"أزيد في معاناتها.


فقال "السيف":

- أتركك من وسوسة الشيطان ودعنا نذهب ل"عبدالرزاق" لنرى ما الذي يريده.


فلما وصلا لبيت "عبدالرزاق" ورحب بهما وقام بضيافتهما وكان أقارب "عبدالرزاق" قد حضروا بما فيهما ولديه الاثنين ، فبدأ الشيخ"حسيب" يتأسف على ما حدث قائلا:

- إن الأقدار مكتوبة لا يمكن ردها ونحن جئنا لك لنعرف ما يرضيك في دم أخوك وإبنه، فأنا أعتبر نفسي السبب فيما حدث.


فقال "عبدالرزاق":

- أما منك فلا ولو كان قتل أم"منصور" يشفي غليلي لقتلتها ولو كان إبنها "حسن" كفو لقتلته بدلا من"مختار" ولكن ما يقول الناس قتل خروفا ليثأر لأسد، فليس أمامي سوى رأس "ذو".


فقال "السيف":

- يا "عبدالرزاق" أنت تعرف أنه لا زال طفل والقاضي سيسقط الحكم عنه.


فقام ابن "عبد الرازق"وقال:

- ومن قال لكما أننا نريد أن نأخذ حقنا من القاضي فنحن سنقطع رأسه بأيدينا.


فغضب الشيخ"حسيب" وقال:

- أسكت إبنك يا "عبدالرزاق".


فقال "عبدالرزاق":

- لقد قال ابنى ما كنت أريد أن أقوله.


فقام الشيخ "حسيب" ولما مر بجوار ابن "عبد الرازق" وقف ونظر له وقال:

- أسمع يا ابنى أن عاد "ذو" لهذه القرية فلن يعود إلا بعد عشر سنين.


فقال الابن:

- ولو بعد ألف سنة فسوف أقتله.


فأبتسم الشيخ"حسيب" وقال:

- دعني أكمل كلامي ولا تقاطعني،فإن "ذو" سيعود وقد أشتد عظمه فإن كنت تستمع لنصيحتي أن عاد "ذو" فأنجوا بحياتك.


فقال "عبدالرزاق":

- أتهدد إبني وفي بيتي؟


قال الشيخ "حسيب":

- أنا لا أهدده بل أخبره بالحقيقة.


ثم أنصرف الشيخ "حسيب" وتبعه "السيف" فقال "السيف":

- ما الذي نستطيع أن نفعله ل"ذو"؟


فقال الشيخ"حسيب":

- كل ما علينا فعله هو نسيان "ذو" وهم سينسوه مع تتابع السنين.


بالطبع نقل "ذو" إلى مدينة بعيدة شيئا ما من قريته، وحكم القاضي بعد أن أطلع على قضية "ذو" أن يبقى في الأحداث لعدة سنوات، منها يحاولون أصلاحه وكذلك ليحمونه من ذوي أهل المقتول، وتم تحويله إلى الأحداث مع توصيات مشددة،

وبالفعل نقله الضابط"كريم" مع أفراده، ولما وصل مركز الأحداث أمسك بيد "ذو" وأستأذن على مدير مركز الأحداث الذي كان أسمه الدكتور "مازن" فلما دخلا المكتب رأى خلف هذا المدير أدراج ذات واجهه زجاجية كان معلق فيها شهاداته وكذلك بعض الجوائز التي حققها المركز، ولكن ما لفت نظر الضابط "كريم" أن هناك فردة حذاء كانت تتوسط الشهادات
فسأله:

-لما هذه الحذاء موجودة هنا؟


فقال "مازن":

-هذه الحذاء أسترجعت لي كرامتي.


سكت الملازم"كريم" مندهش مما سمعه، بينما "ذو" هز رأسه وهو يقول في نفسه:

- ستبدأ المشاكل بيني وبين هذا المدير الذي يتضح أنه معتوه، فكيف يضع فردة حذاء بين شهاداته؟


فقال الملازم"كريم":

- هل من الممكن أن تجعل "ذو" يذهب ليرتاح في غرفته فأنا أريد أن أقول لك كلاما خاصا.
فأتصل "مازن" ونادى رئيس المشرفين وكان رجل أسمر طويل ذو وجه مرعب وأسمه أمين "عبده" فلما دخل أمين "عبده" قام الملازم "كريم"
هيبة لهذا الوحش البشري فصافحه ثم قال:

- أريدك أن تعتني ب"خالد".


فقال أمين "عبده":

-تفضل معي.


يقصد "خالد"لكن "مازن" قال :

-أتعرف يا أمين"عبده" أن الملازم متعجب ومستاء من وضع هذا الحذاء في هذا المكان؟


فنظر أمين"عبده" للملازم وقال:

- لا تتعجب فالناس فيما يعشقون مذاهب .


كان يقولها والغضب واضح على وجهه، ثم بدأ الملازم "كريم" يوضح ل"مازن" حالة "خالد" النفسية فهو وبعد أن قتل أبوه أصبح بنفسيات متقلبة ما بين الندم وما بين الوحشية،
فطمأن "مازن" الملازم "كريم"وقال:

- الأمر سيكون تحت السيطرة.


وبالفعل حول "مازن" ملف "خالد" للدكتور النفسي التابع للمركز وكان أسمه "عاصم" وبالفعل قرأ "عاصم" حالة "خالد" وعلى الفور وفي اليوم التالي طلب مقابلة "خالد"
فجاء أمين "عبده" وهو ممسك بيد "خالد" بعنف حتى أدخله مكتب "عاصم" فغضب "عاصم" من الأسلوب الذي يستخدمه أمين"عبده" فبدأ يوبخه، لكن أمين "عبده"نظر ل"عاصم" وقال:


- لولا الله ثم هذا الأسلوب لما أنتظم هذا المركز، ولو تركت الأمر على طريقتك لأصبحت الفوضى سائدة في هذا المركز،أن هؤلاء المجرمين لا يستحقون أي شفقة.


فصرخ "خالد"وقال:

- لست مجرما أيها الكلب الأسود.


حينما سمع أمين "عبده" ما قاله "خالد" خنقة بيده وبدأ يرفعه للسماء ويقول:

- أعد ما قلته أن كنت رجل.


فقال "خالد":

- من أجل هذه الكلمة سأعيدها مائة مرة.


وبدأ "خالد" يكرر:

-لست مجرما أيها الكلب الأسود.


فغضب "عاصم" ثم أقسم بالله أن لم يتوقف أمين "عبده"أن يكتب فيه تقريرا يفصله من عمله، شعر أمين"عبده" أن "عاصم" سيفعل ما قاله أن لم يتوقف فأنزل "خالد" وهو لا زال يكرر كلمته، بينما أمين"عبده" أنشغل في تقديم الإعتذار من "عاصم" ثم استأذن بالخروج.


ظل "خالد" يكرر كلامه و"عاصم"يصغي ويستمع، فلما أنتهى "خالد" بدأ يصرخ:

- ها أيها الرجل ما أنت فاعل؟


بينما الدكتور "عاصم" ساكت ويبتسم، سكت"خالد" وبدأ ينظر في "عاصم"ولكن صمت "عاصم" جعل "خالد" يخرج له ما في صدره،فقال "خالد":

- لا أحتاج لمساعدتك فأنا لست نادم على قتل أبي ومن كان معه، ولو ترد الروح في أبي مائة مرة لقتلته مائة مرة.


فقال "عاصم":

-لا أحد يفعل ما فعلت ولا يندم.


فقال "خالد":

- بل أنا.


فقال "عاصم":

- لماذا إذا تصرخ وأنت نائم وتستيقظ وأنت فزع؟


فقال "خالد":

- أنا أن ندمت سأندم لأنه مات بسرعة ولم أشفي غليلي منه.


فقال "عاصم":

-أنت تكذب على نفسك ،أنا لست هنا لأحاسبك ،بل لأساعدك.


فبدأ "خالد" يصرخ ويقول:

- ألا تفهم ؟ لست نادم، لست نادم.


فدخل أمين"عبده" بعد أن سمع الصراخ، ثم نظر ل"عاصم" وقال:

- إذن لي لأضربه.


فقال "عاصم":

- لو سمعت أنك لمسته فقط فتيقن أن حسابك سيكون معي عسيرا، خذه لغرفته ليرتاح.


وبعد أن مر يومان أستدعى "عاصم" "خالد" وكان وجهه "خالد" يتضح فيه الحزن وأيضا عيناه الحمراوتان تبين أن "خالد" بكى كثيرا، فبدأ "عاصم" يحاول أن يهدأ من حزن "خالد" ويقول:

- أننا لسنا معصومين من الخطأ وكلنا نخطي، ولكن العاقل هو الذي لا يستمر في الخطأ.


فقال "خالد":

- أن أبي كان يحبني وكنت أشعر بحبه، كان حبه يختلف عن حب البقية لي،فأبي كان يحبني لأنه كان يشعر أني قطعة منه؛

أما الباقون حتى جدتي كانوا يحبوني شفقة علي، أتعرف أن من حب أبي لي جعلني أقتله، لو أراد أن يمنعني لأستطاع لكنه كان يظن إن ذلك سيسعدني،أتعرف حين بدأت أطلق عليه الرصاص بدأ يبتسم لي، قد قالت لي جدتي ذلك.


فقال "عاصم":

-ماذا قالت؟


فقال "خالد":

- قالت أن نظرات أبي تغيرت لم تعد نظرات ذلك الرجل الشرير.


ثم بدأ يبكي بكاء مرير فما كان من "عاصم "إلا أن طلب من "خالد" أن يذهب لغرفته ليرتاح وينام.

وبعد مرور يومان آخران أستدعى "عاصم" "خالد" لكن هذه المرة عيناه تقدح شرارا ووجهه يتضح فيه القسوة، وبدأ "خالد" يشتم أباه ويقول:

- أنه يستحق ما جرى له.


واستمر الحال هكذا لأكثر من شهر و"خالد" يتقلب حاله من حال الندم إلى حال الوحشية، وفي أحد الجلسات خرج "خالد" عن السيطرة وبدأ يكسر ما تطوله يده ، فسمع "مازن" الضجيج والصراخ فأتجه نحو الصوت الذي قاده إلى مكتب "عاصم" فلما دخل ورأى "عاصم" يحاول أن يمسك "خالد" ويهدئه قال:

-هل تسمح لي يا دكتور"عاصم" أن أخذه إلى مكتبي؟


فقال "عاصم":

- أخشى عليك أن تنفعل ويحدث أمر أسوأ مما حدث.


فوعده "مازن" بأن تكون الأمور على ما يرام، ثم أخذه المكتب وأجلسه على الكرسي، ثم أشار إلى لوحة تحمل أسمه فقال ل"خالد":

-هل تجيد القراءة؟

فقال "خالد":

- نعم.


فقال:

- إذا أقرأ.


فقرأ "خالد":

- الدكتور "مازن".


فقال:

-أتعرف من الدكتور "مازن"؟


فقال "خالد":

- أنت.


فقال "مازن":

- وهل هذا كل ما تعرفه عني؟


فقال "خالد":

-نعم.


فقال "مازن":

- إذا حان الآوان أن تعرف من أكون هذا الذي ترآه أمامك، وجده أحد مؤذني المساجد مرمي عند أحد أبواب المساجد قبل صلاة الفجر يبكي، فحملني ثم حكى قصتي للإمام وللمصلين فبدأوا يتحسبون الله على من فعل بي هكذا، ثم ذهبوا بي لدار أيتام لكي أجد من يعتني بي،

وبالفعل بدأت أكبر وينضج عقلي لأعرف أن هذا الملجأ هو أمي وأبي، ولما بدأت في مراحل الدارسة أصبحت متفوقا فيها وكنا ندرس مع أطفال لكن ليسوا مثلنا فهم طلاب لديهم أمهات وأباء وأسرة تحتويهم

وكان من بينهم طالب أسمه "دياب" وكان لسانه وقح وكنت أتجنب مصادمته ومع ذلك لم أسلم شره فحصل بيننا نزاع فتشاجرنا وبدأ يتلفظ بألفاظ لم أعرف معانيها إلا بعد أن كبرت فكان ويقول يا إبن الزنا وأن كان في أوج إحترامه يقول يا لقيطة.


شعر "ذو" بعد أن سمع كلام "مازن" بشيء من الرعشة فهذا الموقف قد مر به، وأكمل" مازن" وقال:

- وبعد أن أنهيت المتوسطة وألتحقت بالثانوية وفي الصف الثاني ثانوي حصلت مشكلة كانت هذه المرة كبيرة حيث لم يفتر "دياب" من إلحاق الأذى بي بسبي بألفاظه التي طالما أنزلت رأسي بسببها وتم أخذ تعهد علي وعليه بعدم المشاجرة

وبعد أن دخلنا الفصل أسمع "دياب" يتحدث مع من أمامه يخبره بما حدث بيننا وكان يصفني بأبشع الصفات أقلها بشاعة لقيطة، سكت وفي نفسي براكين غضب تكاد أن تنفجر ولكن الأيام مرت ليتسنى لي فرصة صورها الشيطان أنها ذهبية حيث ولأني الطالب الأول في الفصل طلب مني رائد الفصل أن أرتب ملفات الفصل وأسجل أسماء الطلاب الذين لم أجد ملفاتهم،وبالفعل أول ما قمت

به هو البحث عن ملف"دياب" وبحثت فيه فوجدت ما كنت أريد، حيث عرفت أين يسكن وأيضا أفراد عائلته المكونة من أبوه وأمه وأيضا هو وأخته التي عرفت أن عمرها أربعة عشر سنة من خلال تاريخ ولادتها،

فبدأ الشيطان يخطط لي وبالفعل بدأت بتنفيذ خطتي فأنا لا أريد أن أقتل "دياب" بل أريد أن أقهره أريده أن يشعر بالذل الذي يسببه لي ولن يكون ذلك إلا أن ألطخ شرف أخته، فبدأت أراقب بيته لشهر كامل عرفت من خلالها

أن أبو "دياب" لديه مكتب ويذهب له بصفة مستمرة بعد صلاة العصر وأيضا "دياب" يخرج بعد صلاة العصر ليلعب كرة قدم مع أبناء حارته، أما أم "دياب" فهي كل يوم أحد تخرج من بيتها ومعها كيس أعتقد أنها تضع فيه القهوة والشاهي وتذهب لجاراتها،

مما يعني أن أخت "دياب" ستكون لوحدها في البيت، فخططت ليوم الأحد فالسور ليس بذاك الإرتفاع أن أعتمدت على الباب في تسلقه وأيضا أخذت معي أدوات لفتح باب البيت ، وبالفعل فعلت ما خططت له فبعد أن خرج أبو"دياب" و"دياب" وأمه من البيت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي