الفصل التاسع عشر

طبعا كان من ضمن الأشياء التي رصدها "مازن" على أمين"عبده" هي جلافته في التعامل مع العمال بل أنه أحيانا يصل به الأمر إلى أن يمد يده عليهم

وكان العمال لا يبدون أي مقاومة أمام هذا العملاق ويكتفون بإنتظار اللطمات، أراد أمين "عبده" أن يخرج من المكتب، لكن "مازن" قال:

- اسمع يا أمين أريدك أن تحسن التعامل معهم.

فالتفت أمين"عبده" له وقال:

- هؤلاء العمال لا ينفع معهم إلا الشدة.


فقال "مازن":

- أنا لا أقول لك ذلك خوفا عليهم بل خوف عليك وأحذر من رجل بينهم اسمه "ستيف" فأنا لست مسؤول عما سيحدث لك.

ضحك أمين"عبده" وقال ل"ستيف":

- "ستيف" أعدك أن أجعله رجل لطيف.


ثم خرج وفي صبيحة اليوم التالي، جاء الطاقم الجديد ليستلموا عملهم وبالفعل بدأوا بتجهيز الفطور، ثم بدأ الأولاد يمشون صف واحد وكل واحد ممسك بصحنه وكان "خالد" من ضمنهم،جاء أمين "عبده" وبدأ يلطم ويبكي الأولاد الذين تأخروا عن

الحضور ثم بدأ يصرخ على العمال ليسرعوا في تقديم الطعام، ثم أتجه امين"عبده" نحو أحد العمال وضرب الطاولة بقوة فتوقف هذا العامل عن العمل وبدأ ينظر لأمين "عبده"بنظرات غاضبة، فجاء أحد زملاء هذا العامل ثم قال "ستيف" ثم بدأ يتكلم بالإنجليزية وكان يقول:

-نحن جئنا من أجل لقمة العيش وليس من أجل إثارة المتاعب.


فعاد "ستيف" في تقديم الطعام، وأمين"عبده" يبتسم سخرية وهو ينظر ل"ستيف" لأنه كان قصيرا القامة جدا فبدأ أمين"عبده" يحدث نفسه ويقول:

- هل "مازن" كان يمزح معي لما حذرني من هذا الرجل؟ لكنه كان جادا في كلامه ولم يظهر أي ملامح تشير أنه كان يمازحني.


فدار في نفسه أن هناك "ستيف" آخر فنادى المدير المسؤل عنهم وسأله:

- هل هناك "ستيف" آخر غير هذا؟


فقال:

- لا هذا فقط الذي أسمه "ستيف" أنه رجل عملي ومخلص لكن عيبه أن سريع الغضب.

ضحك أمين "عبده" بسخرية وقال:

- إذا كان هو سريع الغضب فليس هنا إذا أراد أن يغضب فليغضب على زوجته، ولكني أعدك أن أعالج مشكلة سريع الغضب.


وأشار ل"ستيف"وأثناء تناول الأولاد الموجودين لفطورهم، وأثناء تناول الاولاد الموجودين لفطورهم، أتجه أمين "عبده" إلى "ستيف" وأمسكه برقبته وبدأ يشده لناحيته بقوة ويقول:

-أسمع يا سريع الغضب إذا نظرت لي مرة أخرى بهاتان العينان الحقيرتان أخرجتهما لك أريدك أن تسمع وتطيع.


ولكن لم ينتهي أمين "عبده" من كلامه حتى أصبح مستلقي على الارض حيث بأحد حركات "ستيف"القتالية ألقاه على الأرض،ومع صوت سقوط أمين على الأرض التفت الطلاب الموجودين لينذهلوا من رؤية

أمين"عبده" على الأرض، قام أمين والكل أيقن بهلاك العامل، فأمين غاضب بشدة و"ستيف" واقف دون أي حراك فاندفع عليه أمين، لكن أمين تفاجأ بضربات قوية على بطنه ورجليه من شدتها سقط أمين على الأرض مغمى عليه،فنهض"خالد" وهو يقول:

- يا الله أطاح بأمين وهو لم يستخدم سوى قدميه فكيف لو استخدم يديه؟

فقام ولد أخر وقال:

- لو استخدم يده لمات امين على الفور.
فبدأ الطلات بالتصفيق والتصفير ل"ستيف" الذي أخرج غلهم من رجل كان يذلهم.


في مساء ذاك اليوم لم يذق"خالد" طعم النوم وهو يعيش في خيالاته أنه يجيد جميع الفنون القتالية وأنه يفعل في أعدائه ما فعله "ستيف" لأمين، وفي صباح اليوم التالي

جاء "خالد" متأخر لأنه عرف أن أمين يرقد في المستشفى، حيث أفاد أمين أنه سقط من على الدرج من أجل أن لا يصبح ما حدث له فضيحة يتداولها من هم بخارج المركز، وكان سبب تأخر "خالد" هو أنه كان يريد أن يتحدث مع "ستيف" ويكون علاقة صداقة لعله بعدها يرضى أن يدربه


فلما أعطى"خالد" ل"ستيف" صحنه قدم له التحية باللغة الإنجليزية، فلم يرد عليه "ستيف" ثم ناوله صحنه فشكره "خالد" باللغة الإنجليزية و"ستيف" بقي صامتا،واستمر "خالد" على هذا اسبوع كامل.


وفي الأسبوع الثاني أصبح "ستيف" يرد التحية على "خالد"ثم تطور الحال إلى أن أصبح يتبدلان السؤال عن الحال،وأصبحت هناك علاقة وطيدة بينهما، وبعد إنتهاء "خالد" من وجبة الغداء اتجه ل"ستيف" ثم بدأ يتكلم معه وكان يريد أن يطلبه أن يدربه،لكن "ستيف" غضب غضبا شديدا ثم طلب من "خالد" الانصراف،

أندهش "خالد" من تصرف "ستيف" بل أن الأمر ساء بحيث وصل الى أن "ستيف" لم يعد يرد التحية على "خالد" واستمر ذلك الأمر أربعه أيام.


وفي اليوم الخامس استيقظ "خالد" مبكرا وذهب للمطعم ليقابل "ستيف" وبالفعل وجده يجهز الإفطار فطلب أن يعطيه خمس دقائق ليفهم سبب غضبه

فقال "ستيف":

- أن المصريون يكذبون على أنفسهم.

استغرب "خالد" وقال:

- وكيف ذلك؟

قال:

- كنت مدرب في أحد الصالات لفنون الكاراتيه، وكان يأتي الكثير من الشباب فيسجلون وأغلبهم لا يستمر أسبوع واحد وبعضهم يأتي من أجل أن يمزح ويضحك ومن هو أكثرهم نشاطا لا يكمل أكثر من شهر، وها أنت تريد أن تذكرني بهم وتطلب مني شيء أنت لا تستطيع تنفيذه.

فقال "خالد":

-أعدك أن أكون عند حسن ظنك.

قال "ستيف":


- وهل الكلام يكفي؟


فقال "خالد":

- أطلب ما تريد.


فضحك "ستيف" وقال:

- هل تقصد النقود؟

فقال "خالد":

- أي شيء تريده؟


فقال "ستيف":

- أنا لا أريد منك نقود لكن عندي شرط واحد فقط أن اجتزته سوف أقوم بتدريبك.


فقال "خالد" بلهفة:

- قل ما هو؟


قال "ستيف":

- الشرط أن أضربك بقدمي على بطنك ثلاث مرات بشرط أن لا تحاول أن تتلافى ضرباتي أو تغمض عيناك وأيضا أن لا تصرخ.


تذكر "خالد"ضربات "ستيف" الذي وجهها لأمين "عبده" الذي يمتلك جسدا كالثور ومع ذلك سقط مغشيا عليه، أحس "خالد" أن شرط "ستيف" شبه المستحيل تحقيقه ومع ذلك لم يتراجع و اتخذ قراره بتنفيذ الشرط.


وبالفعل هيأ جسمه لتلقي الضربة على بطنه واستعد "ستيف" لتنفيذ ذلك ، وبالفعل وجه أول ضرباته التي اتضحت معالمها على وجه "خالد" الذي يظهر من معالم وجهه أنه يخفي آلام لا تطاق، فابتسم "ستيف" وقال محاولا أن يحبط "خالد":

-لينسحب أنا لم استخدم سوى ربع قوتي، وأنت تكاد أن تصرخ من الوجع فأنسحب فالضربة الثانية ستكون أقوى.


لم يتكلم "خالد" ولكنه اومه برأسه أن أكمل، وبالفعل ضرب "ستيف" بطن "خالد" للمرة الثانية وهذه المرة ومن شدة الألم اتسعت عينا "خالد" الصغيرتان

وبدأ يهز رأسه أن أستعجل بالضربة الثالثة،لكن "ستيف" نظر ل"خالد" وقال:

- هذا يكفي أنا قبلت تدريبك فأذهب الآن وأغسل وجهك.


بدأ "خالد" يمشي ببطء شديد و"ستيف" واقف ينظر له،وكان أحد زملاء "ستيف" واقف يتابع المشهد فأتجه ل"ستيف" وقال:

-أنا أعرفك جيدا فأنت لا تتراجع عن أي قرار تتخذه فلما لم تضربه للمرة الثالثة؟

فقال "ستيف":

- أتعرف لما لم أضربه؟


قال زميله:

- رحمته؟


قال "ستيف":

-لا.

وبدأ يمشي ولكن كان يعرج وقال أن هذا الفتى له عظام من فولاذ فلقد أصيبت رجلي بشص حتى كدت أن أصرخ ولكن خجلت أن أشرط عليه عدم الصراخ ثم أصرخ أنا،ثم استأذن من مديره ليكشف عن قدمه

أما "خالد" لم تمر ساعة إلا وهو يبحث عن "ستيف" ليبدأ معه التدريب فبحث عنه ولم يجده فأتجه له زميل "ستيف" وقال:

- أن "ستيف" لن يأتي لهذا اليوم ولكن قل لي كيف استرديت عافيتك بهذه السرعة؟


فقال "خالد":

- قل ما شاء الله.


ثم تمتم "خالد" في نفسه كلمات وهو يقول:

- حتى أنتم أيها الفلبينيون لكم أعين حادة.

وفي صبيحة اليوم التالي وبعد الإفطار حدد "ستيف" مع "خالد" موعد التدريب وهو الساعة الرابعة عصرا

وبالفعل قابل "خالد" "ستيف" في صالة الطعام لأن الموضوع سر بينهم لا يعرفه أحد غيرهم، لكن "مازن" كان يراقب من بعيد ويريد أن يصل للحظة التي يستفيد منها في استخدامها كنوع من التحفيز أو العقاب لتعلم الحاسب الآلي.

وبالفعل بدأ "ستيف" تدريبه ل"خالد" ببعض الحركات الإحمائية وأيضا وضح ل"خالد" الكثير من الإرشادات التي يجب أن يتبعها أثناء التدريب ومن ضمنها التقيد بتنفيذ

ما يطلبه المدرب دون زيادة أو نقصان، ومضت الساعة سريعا على "خالد" فهو يريد معرفة كل شيء في أسرع وقت، ولكن المدرب أعطى "خالد" بعض التمارين التي يجب أن يفعلها كل ساعتان وهي بعض تمارين الكف والساعد والكتف ويختمها بتمرين الضغط_البشم_بخمسين مرة.


وفي اليوم التالي وبعد أن أجرى "خالد" الحركات الإحمائية طلب "ستيف" من

"خالد" أن ينفذ التمارين التي طلبها منه، وبدأ "خالد" يطبقها حتى وصل لتمرين الضغط، حيث بدأ "ستيف" يعد ل"خالد" فلما وصل "خالد" للعدد خمسين حدث أمر أزعج المدرب "ستيف" مما جعله يثور ويغضب بل أراد أن يتخلى عن تدريب "خالد" حيث أن "خالد" لما وصل العدد خمسين استمر في العدد حتى وصل إلى المائة

فلما توقف "خالد" ونظر لمدربه "ستيف" الذي كان يظن أنه سيكون سعيدا بذلك،لكن هذا الظن تلاشى لما رأى وجه "ستيف" الغاضب، وبدأ يذكره بإرشاداته التي قالها وبعده أعلن أنه لن يكمل تدريبه.


تمسك "خالد" بأقدام "ستيف" وهو يستسمحه ويطلب منه الصفح، لكن "ستيف" لم يصغي لإعتذارات "خالد" وبدأ يأمره أن يتركه لكن "خالد" تمسك بقدميه بقوة وقال:

-أن أردت أن ترحل فاقتلني أولا.


شعر "ستيف" أن "خالد" من النوع الذي يفعل ما يقوله، فأراد أن يشرط عليه شرط تعجيزي فقال "ستيف":

- سأعفو عنك بشرط أن تعمل الآن الف عدة من تمرين الضغط.


عرف "خالد" أن المدرب يريد أن يعجزه، وما كان أمام "خالد" سوى الرضوخ لهذا القرار وبدأ بالعد و"ستيف" جالسا على الكرسي وهو يرى الإجهاد الذي وصل له "خالد" وهو لم يتجاوز مائتان عدة فبدأ يحاول أن يدخل اليأس في قلبه بكلمات تجعله يحبط وأن محاولتك ستبوء بالفشل، ولكن "خالد" لم يصغي له وبعد أن تجاوز الخمسمائة عدة، بدأت حركاته تصبح بطيئة جدا ولكنه لم يتوقف و"ستيف" صامت يتأمل ملامح وجه "خالد" التي لا يرى فيها سوى الإصرار على النجاح وكذلك ثقته بقدراته أنه سيحقق ما يسعى له.

ولما وصل إلى العدد تسعمائة نظر "خالد" ل"ستيف" لعله يرحمه ويكتفي بذلك، لكن "ستيف" صرخ بصوت عالي:

- أكمل أو انسحب.


فما كان من "خالد" سوى تحمل كل الأوجاع التي يشعر بها وكذلك التحامل على نفسه مع كل الإرهاق الذي يحس به، وبدأ العرق يتصبب بغزارة من جبينه ولما أكمل "خالد" العدد ألف ألقى بنفسه، و"ستيف" يبتسم ويقول:

- الا تريد أن تزيد عدة واحدة فقط؟


و"خالد" مستلقي على الأرض وقد انهكه التعب يقول:

-توبة أعلنها أمامك أن لا أزيد ولا أنقص عن ما تطلب.

ضحك "ستيف" وقال:

- أتعرف كنت دوما أفكر أن أترك تدريبك ولكن بعد ما شاهدته منك عزمت أن أعلمك كل ما أعرف من فنون قتالية.


واستمر "ستيف" يدرب "خالد" لأسبوع كامل، ولكن خروج أمين "عبده" من المستشفى وعودته للعمل ستكون عائق كبير في وجه استمرار "خالد" في تعلم الفنون القتالية، وبالفعل أول شيء فعله أمين"عبده" حين باشر عمله هي محاولة فصل "ستيف" أو نقله من المركز، وقدم معروض للدكتور "مازن" يبين بعض الملاحظات على "ستيف" لكي يتم الموافقة على نقله.

أخذ "مازن" الخطاب وقال:

-سوف أقوم بدراسة ما يحتويه خطابك وتقصي صحته.


ثم بطريقة ذكية أومأ "مازن" لأمين "عبده" أن نقل "ستيف" ليس إلا مجرد وقت، وكان يقصد من ذلك أن ينشر إشاعة نقل "ستيف" فيسمع ذلك "خالد" فيلجأ له ويضطر أن يخبره الحقيقة التي لم يخبره بها مسبقا.


وبالفعل وصل الخبر ل"خالد" ولكن "خالد" أراد أن يتأكد من صحة الخبر فجاء لمكتب "مازن" ومعه كتاب من كتب الحاسب الآلي وكأنه يريد معرفة طريقة تشغيل هذا البرنامج وبعد أن وضح "مازن" ل"خالد" طريقة تشغيل هذا البرنامج
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي