الفصل العشرون

بدأ "خالد" يحاول أن يخرج من مناقشة برامج الحاسب إلى مناقشات عامة و"مازن" يخفي في نفسه ضحكة كادت أن تفضحه وتبين ل"خالد" أنه يعرف كل شيء
حتى أوصل "خالد" الكلام إلى الإشاعة المنتشرة في المركز عن نقل "ستيف"، فقال "مازن":
- هذه ليست اشاعة بل حقيقة.

انفجع "خالد" وبدأ يتلعثم بالكلام وهو يريد الدفاع عن "ستيف"فأخرج "مازن" خطاب أمين "عبده" وأعطاه "خالد" فبدأ "خالد" يقرأه وكلما قرأ ملاحظة يقول:
- أنه يكذب "ستيف" لا يفعل ذلك.
فلما انتهى من قراءة الخطاب قال:
- أن أمين "عبده" حاقد على "ستيف" وهو يحاول ان ينقله لينتقم منه.

فبدأ "مازن" يحاول أن ينظر ل"خالد" بإستغراب وهو يقول:
- هل أنت تدافع عن "ستيف"؟
فتلعثم "خالد" وقال:
- لا وانما أوصل لك الحقيقة لكي لا يخدعك أمين بأكاذيبه.
فقال "مازن":
- أنا أعرف أن أمين كذاب وأنا حين أنقل "ستيف" فأنا أفعل ذلك من أجله ليبعد من الوقوع في مشاكل جديدة مع أمين.

شعر "خالد" أن الأمر لن يحل إلا بالمصارحة فأخبر "مازن" عن كل ما حدث وأخبره أن "ستيف" يدربه
فقال "مازن":
- لما تخبرني الآن لما لم تخبرني من قبل أن تحدث هذه الأمور؟

بدأ "خالد" يعتذر ويطلب الصفح، فقال"مازن": -بشرطان أصفح عنك واجعل "ستيف" يبقى هنا وليس ذلك وحسب سأوفر لك غرفة للتدريب فيها بدل من صالة الطعام.
اندهش "خالد" وقال:
- وكيف عرفت أننا نتدرب في صالة الطعام؟
فابتسم "مازن" وقال:
- كنت أعرف كل شيء من البداية للنهاية.
ثم قال "مازن":
- وليس ذلك وحسب بل سأفرغ "ستيف" لتدريبك وتدريب الراغبين من شباب المركز بالتدرب معك.
فقال "خالد":
-وما شرطيك؟
فقال "مازن":
- الكتاب الذي تحمله أريدك أن تحفظ كل البرامج الذي يحتويه.
فهز "خالد" برأسه وقال:
- والثاني؟
فقال "مازن":
- أن تكتب في الدقيقة خمسين كلمة.
فأراد "خالد" أن ينصرف،فقال "مازن":
- يجب أن أتخذ القرار على هذا الخطاب بعد أسبوع من الآن والقرار بيدك أنت لا بيدي.

عرف "خالد" ما يقصده "مازن" وهو أن المهلة التي له ليست سوى أسبوع ليأتي وهو قد حفظ الكتاب ويستطيع كتابة خمسين كلمة في الدقيقة، فذهب "خالد" في تمام الساعة الرابعة ل"ستيف" وبعد أن أدى تمارينه أخبر "ستيف" بما حصل بينه وبين "مازن" وطلب أن يمنحه أسبوع اجازة لكي يفضي نفسه للدراسة.

توقع "خالد" أن "ستيف" سيوافق، لكن "ستيف" ظل صامتا، فظن "خالد" أنها علامة الموافقة، فأراد أن ينصرف، لكن "ستيف" قال:
- غدا آراك في نفس هذا الوقت.
فالتفت "خالد" له وقال:
- لكن.
فقال "ستيف":
-أن لم تحضر غدا فأبحث عن مدرب آخر.

فأصبح "خالد" بين نارين، فاصبحت الثانية في حياة "خالد" تساوي الكثير فهو كلما شاهد شخص يلعب ويحاول تضييع وقته بما لا فائدة فيه يتحسر ويتمنى أن لو يشتري ذاك الوقت منه، وبدأ "ستيف" يزيد على "خالد" التمارين وبعدها يذهب ل"مازن" ليفهمه بعض ما أشكل عليه فهمه، ثم يقضي باقي الوقت على لوحة المفاتيح يتدرب على سرعة الكتابة.

وبعد مرور اسبوع جاء الإمتحان الذي سيحدد بقاء "ستيف" أو رحيله ، وكان على "خالد" النجاح وبالفعل بدأ "مازن" يمتحن "خالد" وأظهر"خالد" قدراته التعجيزية في فهم البرامج وتطبيقاتها، ثم أعطاه ورقة فيها خمسين كلمة وضغط الساعة لتبدأ الحساب، وبذل "خالد" جهده ليتجاوز هذا الإختبار الصعب، وبالفعل مع آخر ثانية ضغط "خالد" آخر حرف أراد كتابته، فنظر "مازن" لما كتبه "خالد" وبدأ يتفقد الكلمات هل هي ناقصة أو خاطئة فلم يجد أي نقص أو خطأ، بل وجد إضافة كتبها "خالد"
يقول فيها:
- أعرف أنك تريد أن تعرف السر في نجاحي فبالإصرار والصبر أنتصر.

ابتسم "مازن" وبدأ يضغط على الحروف في لوحة المفاتيح ليكتب فيها:
-أنت المعجزة البطل.

ثم كتب أيضا :
-ربحت الرهان وعلي الإلتزام بالميثاق ف"ستيف" في هذا المركز باق.

أبتهج "خالد" وازداد أشتياق في أن يتعلم كل فنون القتال، وبالفعل وفى "مازن" بوعده وفرغ "ستيف" لتدريب شباب المركز الطامحين تعلم فنون القتال
فأنضم أكثر من عشرين شاب من شباب المركز
ولكن العدد بدأ يتلاشى مع مرور الأيام حتى بقي ثمانية شبان كان من ضمنهم "خالد".

ومرت سنتان و"ستيف" يدرب هؤلاء الشباب ولكن ولما أصبح "ستيف" يقيم جولات صراع بينه وبين المتدربين معه ليرى هل أحسنوا تطبيق ما تعلموه منه وكان صارما حين يضرب يضرب بصرامة حتى يصبح الشاب متيقن أنه أن لم يحسن الدفاع عن نفسه سوف يشعر بأوجاع الضربة، حتى جاءت جولة كان "ستيف" طرفها والطرف الأخر "خالد" وبدأ القتال بينهم، كان "خالد" يملك قلب جريء لا يعرف خوف وكذلك كان "ستيف" بل كان لا يحمل شفقة في قلبه أثناء التدريب.

وبدأ قتال عنيف بينهم إلى أن سالت الدماء من وجهيهما، كانت حيوية "خالد" ونشاطه نقطة قوة وكانت خبرة "ستيف" نقطة قوة أكبر، وبالفعل وبخبرة "ستيف" استطاع أن يسقط "خالد" على الأرض بلا حراك، حمل "ستيف" "خالد" وأخذه معه ولما شاهد السبعة الشباب هذا المنظر عزم ستة الإنسحاب من التدريب فمن المؤكد أنه سيأتي دورهم وقد يضرب "ستيف" أنوفهم أو يكسر لهم ضروسهم فإذا "خالد" أفضلهم وأقواهم وأصلبهم خرج من هذا النزال مغشيا عليه.

وبالفعل وفي اليوم التالي لم يحضر للتدريب سوى "خالد" وشاب أسمه "حسام" بدأ "خالد" يحاول يتعذر للشباب من أجل أن لا تصيب نفسيات "ستيف" الخذلان فقاطعه "ستيف" قائلا:
- لا تظن أني حزين عليهم بل سعيد بإنسحابهم فأنا لا أحب الجبناء، والآن جاء دورك يا"حسام".

وبدأ النزال بينهم ولكن لم يصمد "حسام" طويلا حتى وقع على الأرض مستسلما للأمر الواقع بأن السيطرة والسلطة للأقوياء والخضوع للضعفاء، فهز "ستيف" رأسه وقال:
- منذ الآن سنبدأ التدريبات القاسية.

وبالفعل بدأت جرعة التمرين تزيد بل وساعاته تزيد
وفي أحد الأيام أمر "ستيف" كل من "خالد" و"حسام" بأخذ وضع معين والبقاء ثابتين حتى يأمرهم بالتوقف وبالفعل طبقا الأوامر وبعد مرور ساعة بدأ آذان المغرب فأشار "خالد" بيده أنه يريد الانصراف لكي يصلي، لكن "ستيف" رفض، فعصى "خالد" الأوامر وذهب فغضب "ستيف" وقال:
- لا تأتي إلى هنا.

بينما "حسام" ظل واقفا، انتهى "خالد" من الصلاة فعاد و"ستيف" واقف ينظر ل"حسام" فاتجه له "خالد" ثم قال:
- لم آتي لأعتذر فعصياني لك من أجل طاعة ربي حق لي يجب عليك أن تحترمه كما أحترم ما تؤمن به مع عدم ايماني به.

نظر "ستيف" لعيون "خالد" الصغيرة وقال:
- صدقت بقولك.

ثم اعتذر من "حسام" وسمح له بالإنصراف فلما انصرف "حسام"قال "ستيف":
- أنت نجحت في الامتحان الذي رسب فيه زميلك، حسام فمتعلم الفنون القتالية ليس عليه فقط تقوية جسده بل عليه أيضا أن يقوي شخصيته ويؤمن بحقه بالدفاع عن أفكاره ومعتقداته، فأنت أعظم فتى قابلته يا "خالد" لكن عندي لك سؤال أريدك أن تجاوبني بصدق.

فقال "ستيف":
- منذ سنتان ونصف وأنا أدربك ومع ذلك لم تدعني إلى الإسلام مع أن أكثر من أقابلهم هنا يدعوني للدخول للإسلام ويهدوني كتب تعرفني على الإسلام.
فقال "خالد":
- سأجيبك على سؤالك بسؤال تعطيك الجواب، لماذا لما دعوك هؤلاء الذي ذكرتهم لم تدخل الإسلام؟
سكت "ستيف" ولم يجب، فقال "خالد":
- أنا أجيبك لأن أفعالهم تخالف أقوالهم.
فهز "ستيف" رأسه وكأنه يقول:
- نعم.
فقال "خالد":
- أنا منذ سنتان وأنا أدعوك للإسلام وليست دعوتي لك بلساني بل بأفعالي، فأنا أعاملك بتعاليم الإسلام.
حينها قال "ستيف":
- علمني كيف الدخول للإسلام؟
فقال "خالد":
- دعنا نذهب للدكتور"عاصم" فهو أعلم مني بالدين.
وبالفعل أعلن "ستيف" اسلامه وبعد أن كبر الحاضرين أمسك "عاصم" بيد "خالد" وقال:
- أريدك فلا تغادر.
فلما غادر الجميع وبقي "خالد" و"عاصم" فقال "عاصم":
- كيف أستطعت أن تقنع "ستيف"؟
قال "خالد":
- لم أقنعه بل هداه الله.
فابتسم "عاصم"وقال:
- أريدك أن تقنع "مازن" بأن يتزوج.
اندهش "خالد"وقال:
- أليس "مازن" متزوج؟
فقال "عاصم":
- الا تعرف ذلك فأنت الآن عرفت فأرني كيف تقنعه على الزواج.

فجاء "خالد" لمكتب "مازن" ووجده يكتب في كشكول خاص به يكتب فيها أبيات كان قد ألفها، فقال "مازن":
- أتحب أن تتعلم الشعر يا "خالد"؟
فقال "خالد":
- ابدا لا أحب أن أتعلمه.
فقال "مازن":
- لماذا؟
فقال "خالد":
-اعتقد وهذه وجهة نظري أن من كان يكتب الشعر شجاعا فسوف يكتب بشعره أبيات تدل على غروره بشجاعته، ومن كان يكتب الشعر كريما فسيكتب بشعره أبيات يتمنن على الناس بعطاياه، وأن كان فقيرا فسيكتب بشعره أبيات تعرف أنه يتسول ومن مال الله يسأل، وأن كان ضعيفا فسيكتب بشعره أهاته وأحزانه.

نظر "مازن" ل"خالد" وتبسم وقال:
- أنت تظلم الشعر وتقسو على الشعراء، إن الشعر حفظ للعرب تاريخ سجله الشعراء في أبياتهم ومع ذلك يعتبر هذا وجهة نظر تخصك ولكن أن تغيرت نظرتك وأردت أن تتعلم الشعر فأنا على أتم الإستعداد أن أعلمك.

فبدأ "خالد" يحاول أن يعرف هل العائق في زواج "مازن" هو المال، فقال ممازحا:
-المال هو المارد الذي يحقق الأحلام.

نظر "مازن" ل"خالد" وقال:
- أتعرف أن في رصيدي الآن أكثر من خمسة مليون نقدا من غير المباني التي أمتلكها والمحلات التجارية التي اديرها وصدقني يا "خالد" لو خيروني أن أتخلى عن كل هذه الأموال مقابل أن يكونا لي أبوان ميتان كل الناس تعرف أنهما ابواي لضحيت بذلك المال مقابل ذلك.
فسكت "خالد" قليلا ثم قال:
- لما لا تتزوج؟

نظر "مازن" ل"خالد" نظرة حادة وقال:
- أخبرني الصدق هل طلب منك "عاصم" أن تقنعني أن أتزوج؟
فقال "خالد":
-نعم.
فقال "مازن":
- أن سألك "عاصم" عن ذلك فقل له هل تزوجه أختك؟

وبالفعل جاء اليوم الثاني قابل "عاصم" "خالد" وسأله عن ماذا جرى، سكت "خالد" ولم يتكلم، فقال"عاصم":
- ألم تفاتح "مازن" عن موضوع الزواج؟
فقال "خالد":
- بلى فاتحته.
فقال "عاصم":
- فماذا قال؟
قال "خالد":
-قال لي أن اسألك هذا السؤال هل تزوجه أختك؟

تغيرت ملامح "عاصم" وبقي صامتا ينظر ل"خالد" ثم مضى في طريقه دون أن يرد جوابا، تعجب"خالد" من ردة فعل "عاصم" وذهب إلى "مازن" الذي وجده في مكتبه يقرأ كتاب وكان كتاب يحتوي على دواوين شعراء في العصر الماضي، سلم "خالد" ثم جلس وملامح وجه تثير فضول المعرفة بالسؤال ما به
فوضع "مازن" الكتاب على مكتبة وقال:
- هل قابلت "عاصم"؟
فقال "خالد":
- نعم.
قال:
-فهل سألته؟

فهز "خالد" رأسه بنعم، فقال "مازن":
- من المؤكد أن ملامحه تغيرت.
فاندهش "خالد" وقال:
- وكيف عرفت؟
ابتسم 'مازن" وقال:
- من السؤال الذي سألته له، فأنت بهذا السؤال أهنته.
تعجب "خالد" وقال:
- وكيف أهنته؟
فقال "مازن":
- ألم أقل لك أنهم يعتبروننا لسنا مثلهم، فكونك طلبت منه أن يزوج أخته بشخص لقيط عاش محروم من أمه ومحروم من أن يحمل هوية أبوه جريمة في حقه وفي حق عائلته، فهو لما طلب منك أن تقنعني بالزواج كان يريد أن يخطب لي فتاة في الملجأ عرفها عن طريق أخته التي تعمل هناك أنها فتاة صالحة ومهذبة، فأراد أن يكون وسيط خير مع أن أخته التي تعمل هناك تجاوز عمرها الثلاثة والثلاثين.

قال "خالد":
-وما شأنك بأخته فهو يريد لك الخير وقد أراد أن يخطب لك فتاة صالحة.
ابتسم "مازن" وقال:
- وهل تريدني أتزوجها؟
قال "خالد":
- ولما لا؟
قال "مازن":
-لا تظن أني ارفض الفتاة لا بالعكس أنا رفضت الزواج كله، حتى لو وافق "عاصم" أن يزوجني أخته أنا لن أوافق، وأنما فعلت ذلك ليبعد عني ويترك إلحاحه علي بالزواج.

فقال "خالد":
- ولماذا لا تريد أن تتزوج؟
قال "مازن":
- لسببين الأول إن جاء لي أبناء وسألوني من أعمامنا بل من جدنا ومن أخوالنا ماذا تريد أن أقول لهم هل أقول لهم أن أباهم وأمهم لقيطان ليسا لهما أهل وقل أني استطعت أن أنسيهم ذلك وأجعلهم يكتفون بأسرتهم الصغيرة، ماذا سأصنع إتجاه السبب الثاني؟
فقال "خالد":
-وما السبب الثاني؟
قال "مازن":
- المجتمع.
قال "خالد":
- وما شأن المجتمع؟
ابتسم "مازن" وقال:
- أن مجتمعنا يا "خالد" قاسي جدا وأرجو الله أن ينجيك من قسوته، فما ظنك بهذا المجتمع أنه سيعامل أبنائي كأبناؤهم بل سيعاملوهم كما عاملوني، ولولا الله ورحمته لصرت مجرما بسبب هذا المجتمع
فلهذا يا "خالد" لا أريد أن يصير لي أبناء يعانون مما عانيته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي