الفصل الرابع والعشرون

تقدم "البارود" وسل سيفاه ثم رمى أحد سيفاه إلى "ذو" وقال خذه لنكون متساويان،ابتسم "ذو" وقال:
-أنا أملك سيفان فكيف تعطيني سيف ثالث؟

ثم أشار "ذو" ليداه فعرف "البارود" قصد "ذو" بالسيفين اللذان يمتلكها، فأخذ "البارود" سيفاه وبدأ يحركهما بإتجاه "ذو" الذي ظل واقفا، فبدأ "البارود" يحاول أن يوهم "ذو" أن سيطعنه بالسيف الذي يمسكه بيمينه فإن تصدى "ذو" للسيف الذي بيمينه يطعنه بالسيف الذي بيساره، وبالفعل تصدى "ذو" للسيف الذي يمسكه "البارود" بيمينه بل أسقطه من يده، ولكن حسابات "البارود" أخطأت فهو لم يحسب حسابا لسرعة حركات "ذو" الذي أمسك يده اليسار وبحركة قتالية استطاع "ذو" أن يخلع كتف "البارود" ولكن الدهشة بانت على وجهه "ذو".

اندهش "ذو" من ملامح وجه "البارود" الذي ظل مبتسم مع الألم الذي يجده بل وظل ممسك بالسيف فبدأ "ذو" يشد بقبضته على معصم "البارود" بكل قوته وبقي "البارود" مبتسم وممسك بالسيف إلى أن كسر معصمه ولم يتوقف "البارود" من إظهار ابتسامته فغضب "ذو" وقال:
- لماذا تبتسم؟
فقال "البارود":
-أنا أعرف أباك"منصور" وفي ذات مرة قابلته وكان معي رجل من قريتي فمر من جوارنا كعادته لا يحترم أحد وكان بيده حمامة قد نتف ريشها وكان يأكلها وهي لا زالت حية، فقال الرجل الذي معي لن يأتي أحدا مثل هذا الرجل فلا يوجد في قلبه رحمة
فقلت له بلى أن رزق بطفل فسيكون هذا الطفل أشد منه، وبالفعل منذ أن بدأت القتال وأنا أنظر لعيناك التي تقدح شرر ولم أرى عليها أي أثار شفقة على خصومك الذين يقعون على الأرض يتألمون.

نظر "ذو" "للبارود"وقال:
- أنت حتى الآن لم ترى قسوة قلبي فكل ما ترآه رجل يدافع عن نفسه، فأنتم من أجبرتوني على فعل ذلك، ولكن دعني أظهر لك اعجابي بك على قوة صبرك وتحملك للألم فابتسامتك هزمت شيء في داخلي، أنا سوف أترك يدك اليسرى بعد أن كسرتها وأعرف أنك تستطيع أن تحمل السيف بيدك اليمين وتستطيع أن تضربني به لكني متأكد أنك لن تفعل ذلك لأني سأدير لك ظهري.

وبالفعل بدأ "ذو" يمشي وكان عازما على أن يخرج من ساحة القتال، لكن العجوز أم "مشعل" بدأت تصرخ وتقول:
- أين ستهرب من ابني "مشعل" فسيثأر اليوم لأخيه.

ثم بدأت العجوز تدفع ابنها لساحة القتال وبدأ "مشعل" يمشي ورجلاه ترتجفان فما رآه لم يكن حلم بل حقيقة
نظر "ذو" لخصمه فشعر أنه عار عليه أن يقاتل مثل هذا الغلام فأراد الخروج من ساحة القتال فوقف الشيخ"فرحان" وقال:
- أن هرب "ذو" من مواجهة "مشعل" سيعتبر اتفاقنا باطل.

غضب "ذو" أشد الغضب ثم اندفع بكل قوته إلى "مشعل" الكل توقع أنها نهاية "مشعل" لكن "ذو" وقف أمام "مشعل" وبدأ يخاطبه بصوت خافت قال فيه:
- سوف انفث الهواء من فمي فإن لم تسقط كالميت فسأجعلك بالفعل ميت.

وبالفعل نفث "ذو" الهواء من فمه ومن شدة خوف "مشعل" سقط مغشيا عليه، امسك الشيخ"جبران" بيد الشيخ "فرحان' وقال:
- الرجال تفي بعهودها.

فنظر الشيخ"فرحان" للشيخ "جبران" وقال:
- بل نريدك أن تجيرنا منه فهذا ليس إلا كما وصفه مسننا مارد من مردة الجن.

رجع كل إلى قريته وأقترب الابن الاكبر ل"عبدالرازق" من "ذو" وبارك له ثم بدأ يتحدث معه أنه يحتاج شريك يمتلك نفس ما يمتلكه "ذو" فنظر"ذو" إلى الابن وقال:
- قد أخبرتك أني لن أنضم اليك.
فابتسم الابن وقال:
- أتعرف لما جعلك أهل القرية تخوض هذا التحدي لوحدك؟
فنظر "ذو" إلى الابن بنظرات حادة وسأله:
- لماذا؟
فقال الابن:
-لأنهم لا يعتبرونك مثلهم فإن قتلت فلقد لقيت جزاء فعلتك وإن نجوت فسيستفيدون منك في معركة اخرى
وأن أردت الدليل على ذلك فتقدم لخطبه بنات أهل القرية وحينها ستعرف ما أقصد بأنهم لا يعتبرونك مثلهم.

تذكر "ذو" "مازن" وكلامه ولكنه حاول أن يطرد هذه الأوهام، وظل "ذو" يفكر لعدة أيام فكلام الابن بعث الشك في قلبه أن أهل القرية لا يعتبرونه مثلهم، فأراد أن يقطع الشك باليقين، فذهب للشيخ "حسيب" وخطب ابنته ولم يكن "ذو" يريد الزواج بل يريد أن يرى ردة فعل الشيخ أن خطب إبنته، وحدث ما لم يكن يعتقده "ذو" حيث ارتبك الشيخ وبدأ يتعتع في كلامه وحاول أن يصرف "ذو" وبدأ يقول الشيخ"حسيب":
- تأخرت يا "ذو" فالبنت خطبت من ابن خالها.

شعر "ذو" بالصدمة وأحس أن الشيخ يكذب عليه، لكنه حاول أن يحسن الظن وقال في نفسه:
- قد يكون صادق.
فذهب "ذو" "للسيف" وخطب ابنته، بقي "السيف" صامتا وكأن أحدا صفعه على وجهه ثم نظر "السيف" في "ذو" وقال:
-أنت خير من أزوجه ابنتي لكن لا زالت ابنتي صغيرة.
رجع "ذو" للبيت وهو مطأطأ الرأس يتذكر كل كلمه قالها له "مازن" فرأته جدته وقالت:
-ما بك؟
فابتسم "ذو" وأخبرها بما حدث ثم قال:
- اعتقد أن الناس هنا يروني عار يمشي على الأرض.
غضبت أم"منصور" وقالت:
- إياك أن تصف نفسك بهذا الكلام.

ثم حاولت أن تخفف عليه ما حدث له بالحديث عن بنت عمه "حسن" "سلمى" وتصف له أدبها وحسن تصرفها،قاطع "ذو" جدته وقال:
- لماذا تحدثيني بهذا الحديث؟
فقالت:
-لأني سأخطبها لك.
فضحك "ذو" وقال:
-وهل عمي "حسن" الذي حتى الآن لم يأتي للسلام علي سيوافق؟ يا جدتي أن ابنك "حسن' لا يعتبرني ولد أخيه وأنت تعرفين ذلك.
فقالت جدته:
- أنت لا شأن لك أترك الموضوع لي.

ذهبت جدته إلى بيت "حسن" فوجدت زوجته السيئة الأخلاق فلم ترحب بها ولم تدعوها إلى الدخول
فأبتسمت أم "منصور" وقالت:
- لا ضير من أفعالك فنسبك يجبرك على هذه الأفعال.
ثم قالت:
- اين زوجك؟
فقالت:
- ليس هنا.
فقالت أم"منصور":
- أخبريه أني سأتي في العصر أنا وولدي "ذو".
فردت زوجة "حسن" وقالت:
- بل سأجعله يأتيك إلى بيتك.

فزوجة "حسن" تعتبر "ذو" عار قد يدنس سمعة عائلتها، عرفت أم "منصور" ما تكنه زوجة ابنها ثم قالت:
- أن جاء إلى بيتي فذلك سيكون أحسن من أن يلطخ "ذو" سمعته لقدومه إلى بيت فيه أمرأة يشك أهل القرية بها لأن تاريخها مظلم.

غضبت زوجة "حسن" وبدأت تتلفظ على أم "منصور" وتصفها بأبشع الألقاب، عادت أم"منصور" لبيتها فوجدت "ذو" نائم ولكن الحقيقة أن "ذو" كان يتظاهر بالنوم، فهو يشعر بالحيرة والحزن من حاله
ولم يلبث طويلا حتى طرق "حسن" الباب بقوة ففتحت أم"منصور" الباب فسأل"حسن" أمه:
- أين "ذو"؟

فأخبرته أنه نائم، فدخل والغضب يكاد أن يفقده صوابه فبدأ يوبخ أمه على ما قالته عن زوجته، ولكن أم" منصور"قاطعته وقالت:
-دعنا من أمر زوجتك أنا أريد منك أمر مهم.
فسكت "حسن" خشية أن تغضب أم "منصور" فتصرخ فيستيقظ "ذو" ويحدث شيء لا يتوقعه
وكان "ذو" يسترق السمع، فقالت أم "منصور":
- أنا أريد أن أخطب بنتك "سلمى" ل"ذو".

فقال "حسن" كلاما سيغير في حياة "ذو"، حيث قال: -يا أمي هل جنتتي أم أصابك مس إلى متى يا أمي تعاملي هذا الفتى على أنه ابن "منصور" وكم مرة أخبرتك أن "ذو" شرعا ليس ولد "منصور" وأنتي تعرفي أن "ذو" ولد زنا؟

غضبت أم"منصور" ولكن كتمت غضبها خشية أن يستيقظ "ذو" أن تشادت مع ولدها فيسمع هذا الكلام الذي قد يقتله، وبقي "حسن" يواصل نصائحه لأمه حتى قال:
- إن وجود "ذو" معك في البيت أمر غير جائز فهو لا يرتبط بك بأي صلة فهو ليس من أقاربك.

شعرت أم"منصور" أن النقاش مع "حسن" لا فائدة منه فقالت وبصوت خافت حتى أن "ذو" لم يسمعه:
-أخرج من بيتي وأنسى أن لك أم.
خرج "حسن" من بيت أمه وهو يسخر من أمه ويقول:
-تعرف أنه ولد زنا وتريدني أن أزوجه بنتي الوحيدة.

جلست أم"منصور" ثم بدأت بالبكاء ولم تلبث طويلا حتى خرج "ذو' من غرفته وتظاهر أنه لا زال مستيقظ من النوم فرأى الدموع في عينا جدته فسألها: -ما بك؟
فأبتسمت أم"منصور" وقالت:
- لا شيء.
ثم حاولت أن تشغله بسؤاله أين سيذهب فقال:
-سأمشي في أرجاء القرية.

كان الشيخ"حسيب" و"السيف" قد تقابلا وأحسا أنهم قد جرحا "ذو" فأرسلا ولديهم "عيسى"و"سليمان" لكي يسليا "ذو" ويحاولان أخراجه من جو الحزن الذي يعيشه، وبالفعل ذهبا "عيسى" و"سليمان"فوجدا "ذو" يمشي في وسط القرية فبدأ يتحدثان معه ويحاولان أن يأتيا بقصص مضحكة ولكن كان هناك شخص يتجه لهم فلما أقترب منهم عرفوا أنه الأستاذ "عامر" مدرس التربية الإسلامية.

فقال "عيسى" ل"ذو":
- هذا مدرس التربية الإسلامية الجديد ولكن كان هنا مدرس تربية اسلامية كان أسمه الأستاذ "مصعب" درسنا في الصف الثالث الثانوي كان أعظم شخص عرفناه في التعليم في علمه وأدبه.

وصل الأستاذ "عامر" ثم وقف أمامهم وسلم عليهم وكان يعرف "عيسى" و"سليمان" مسبقا لكن لم يسبق أن تعرف على "ذو"ثم أخبرهم أن اليوم بعد صلاة المغرب ستكون هناك محاضرة يلقيها فطلب منهم الحضور وحث الناس على الحضور،ثم التفت إلى"ذو" فرأى التميمة المعلقة في رقبة "ذو" فبدأ يتكلم بصوت عالي وقال:
- إن ما تضعه على رقبتك شرك.

ثم أمسك بالتميمة وأراد أن يقطعها ولكن حدث أمر فضيع جدا جعلا كل من "عيسى" و"سليمان" يرتجفان، حيث لما أراد الأستاذ "عامر" أن يقطع التميمة أخرج "ذو" سكينا كان يضعها في جيبه ثم وضعها على رقبة الأستاذ "عامر" ثم قال:
- أن قطعت التميمة قطعت رقبتك.

وقف "عيسى" و"سليمان" يرتجفان ويحاولا أن يعقلان "ذو"وقف الأستاذ "عامر" بلا حراك ثم ترك التميمة فرفع "ذو" السكين عن رقبته، ثم سأل"ذو" الأستاذ "عامر":
- هل تعتقد أنك على حق؟
فقال الأستاذ "عامر":
- نعم.
فقال "ذو":
-فلما تراجعت؟
فقال:
- أنت تريد أن تقتلني.
فوضع "ذو" يده على رقبة الأستاذ "عامر" وقال:
- لا ضير أن تقطع الرقاب على الحق،ولكن الضير أن ترفع بعض الرقاب رؤوسها على الباطل.

ثم غادر "ذو" المكان وجلس على صخرة بقرب المسجد ولم يلبث "ذو" طويلا حتى قاطع"سمير" سرحان "ذو" فسلم عليه وقال:
- كنت سأبحث عنك لأمر أريد أن أحدثك فيه.
فقال "ذو":
- هل أرسلك الشيخ"حسيب" لتسلي خاطري المجروح؟

استغرب"سمير" وقال:
- لا لم يرسلني ولكن قل لي ما الذي حدث؟
فقال "ذو":
- بل قل لي أنت ما الذي تريده مني؟
فقال"سمير":
- طلب بسيط فيه أجر عظيم لك.
قال "ذو":
- وما الطلب؟
فقال "سمير":
- أنت تعرف أنني الإمام في هذا المسجد والمسؤول عن الحلقة التي يحفظ فيها الصبية القرآن فأنا أريدك تحل مكاني فأنت أولا أجدر مني في حفظ القرآن بقراءته السبع وأيضا سأغيب عن القرية فأرجوك أن لا ترفض.
فقال "ذو":
- وأين ستغيب؟
قال "سمير":
- أنا قد أخبرت الشيخ"حسيب" بإلتحاقي بالجامعة فسوف أكمل دراستي.
ابتسم "ذو" وقال:
- أي جامعة التي ب_أفغانستان_ أو التي ب_العراق_؟

تغير وجه"سمير" وعرف أن حيلته لم تنطلي على"ذو"فقال"سمير":
- سوف أصارحك بالحقيقة أنا منذ زمن طويل وأنا أبحث عن مكان الشيخ "محمود" وأعتقد أنك لا تزال تذكر ذلك الرجل الذي بفضل الله ثم بفضل مساعدته حفظت القرآن فعرفت مكانه منذ شهر فهو الآن في _أفغانستان_ وأنا سأذهب له.

فقال "ذو":
- وكيف ستسافر إلى هناك؟
فقال "سمير":
- حين اتجاوز حدود بلادنا سأجد قرية صغيرة يوجد فيها شاب أسمه "مسفر" قد جمعت بيننا صداقة وهو الذي سيتكفل بنقلي إلى_أفغانستان_.
ثم قال:
- هل وافقت أن تحل محلي؟
قال "ذو":
- لست الشخص المناسب فأبحث لك عن شخص آخر.
فقال"سمير":
-أريدك أن تكتم ما قلته لك فأنا لم أخبرك إلا لثقتي بك.
فنظر "ذو" له وقال:
- ما دمت تثق بي فأنا سوف أنصحك اياك والرحيل إلى أماكن لا تتمتع بالإستقرار لأنك ستجد فيها فتن تجعلك حائرا لا تعرف أين الصواب.
فقال "سمير":
-شكرا لنصيحتك وأنا أيضا سأنصحك فإن ضاقت عليك الدنيا بما رحبت فعليك أن تتجاوز هذه الحدود فحين تصل إلى القرية المجاورة للحدود فأسأل عن "مسفر" فهو سيساعدك.
نظر "ذو" وقال:
- يساعدني على ماذا؟
فقال"سمير":
- أن تلحق بي إلى أفغانستان.
قام "ذو" وقال:
-يا"سمير" أنك هنا تعلم الأطفال القرآن فلا تحرم نفسك هذا الفضل من اجل افكار تدور برأسك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي