الفصل الخامس والعشرون
فأراد "ذو" أن يذهب، فقال"سمير":
- يا"ذو"لا تنسى ما قلته لك فأنا متيقن أنك لن تستطيع أن تعيش في هذه القرية بسلام
أكمل "ذو" سيره ولم يلتفت لكلام"سمير".
بالطبع قرر الأستاذ "عامر" ترك القرية والنقل من المدرسة بأي شكل، وبالفعل وجد ضالته بوجود الاستاذ "مصعب" الذي نقل إلى مدرسة في قرية مجاورة لم يشعر فيها بالراحة كما كان في قبيلة الشيخ "حسيب" فلما جاء الأستاذ "عامر" إلى المدرسة التي فيها "مصعب" وطلب أن يناقله فسأل الأستاذ"مصعب":
- لما تريد أن تنقل؟
فقال الاستاذ "عامر":
- سأخبرك بالحقيقة.
وقص عليه القصة، تعجب "مصعب" من قصة"عامر" وطلب أن يصف له هذا الشاب فقال "عامر":
- لست دقيقا في الوصف ولكن أكثر ما لاحظته أن عيناه صغيرتان جدا لم أرى في حياتي عينان أصغر منهما.
بقي مصعب صامت يفكر فقال "عامر":
- ما بك؟
فقال "مصعب":
- أنا أعرف كل شباب هذه القرية ولكن لا أذكر شاب بهذا الوصف.
فقال "عامر":
- دعنا من هذا الشاب وأخبرني هل أنت موافق؟
فقال "مصعب":
- بالطبع.
وبعد مطالبات للموافقة بتبادلهم للمدارس تمت الموافقة وبالفعل باشر" مصعب" عمله بالمدرسة التي بالقرية وأول ما فعله "مصعب" ذهابه لبيت الشيخ"حسيب"للسلام عليه، فلما رآه "عيسى" كاد يجن من الفرح فهو يكن له احترام كبير جدا، وفي وقت العصر خرج "مصعب" مع "عيسى" يتمشيان في القرية وقابلهم "سليمان " وانضم معهم، فبدأ "مصعب" يسألهما عن مواصفات الشاب الذي ذكره له "عامر"فقال "عيسى"
- أنت تقصد "ذو"؟
فقال "مصعب":
- هل اسمه "ذو"؟
فقال "سليمان":
- لا أسمه "خالد" لكنا اعتدنا أن نسميه ب"ذو" أختصارا لذو العيون الصغيرة.
فقال "مصعب":
- ألا يغضب من هذا اللقب؟
فابتسم "عيسى" ثم قال:
- اعتقد أنه نسي أن اسمه "خالد" واعتاد على هذا الإسم.
فقال "سليمان":
- كيف عرفته وأنت لم تقابله؟
فقال"مصعب":
- أخبرني "عامر" بما حدث معه.
فقال "سليمان":
- لكن اسلوب الاستاذ "عامر" هو الذي صعد الموقف.
فقال "مصعب":
- هل أنت تدافع عن "ذو"؟
فقال "سليمان":
- لا وإنما أقول الحقيقة.
فقال "مصعب":
- دلاني على مكان الشاب.
وبالفعل وجدا "ذو" يجلس بقرب غرفة مبنية كان أباه يجلس فيها حينما يريد أن يسكر، فسلموا عليه، فلما صافح "مصعب" "ذو" شعر أنه يقف أمام رجل يمتلك هيبة الملوك، فبدأ يحاول أن يكسب وده بتبادل الحديث، شعر "ذو" بذلك ولكنه تظاهر أنه لم يفطن لذلك،وبدأ "مصعب" يحاول أن يخبر "ذو" بأن لبس التميمة والإعتقاد بها شرك أكبر، لم يبدي "ذو" أي تأثر، فقال "مصعب" ل"ذو":
- هل هذه التي تضعها في رقبتك تميمة؟
فهز "ذو" برأسه وقال:
- نعم.
فقال "مصعب":
- لا يجوز أن تلبسها.
فقال "ذو":
- إذا تعال وأقطعها.
شعرا "عيسى" و"سليمان" بأن هناك مشكلة قادمة لا محالة،فظن "مصعب" أن "ذو" موافق أن يقطع له التميمة،فلما أمسك "مصعب" بالتميمة شعر بسكين على رقبته، فنظر باستغراب ل"ذو" وقال:
- ما الذي تفعله؟
فقال "ذو':
- ألست تعتقد أنك على حق؟
فقال "مصعب":
- بلى.
فقال "ذو":
- فإن كنت على حق فلن تخشى الموت.
فأحس مصعب أن هذا ابتلاء من الله، فأبعد يده عن رقبة "ذ" وأخرج جواله وأعطاه "عيسى" وقال:
-صور ما سأقوله.
فأمسك "مصعب" بالتميمة ثم قال:
-بعد السلام على والدي أريد أن أوصيكم قبل أن أموت أني أسامح هذا الشاب الذي قتلني وأنا أخترت هذا الطريق بكامل حريتي من أجل أن أقابل الله فأقول سفكت دمي من أجل أن أنشر العقيدة الصحيح.
ثم قال:
- أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
ثم قطع التميمة، فأغمضا "عيسى" و"سليمان"عيناهما خوفا من بشاعة المنظر،ولكن الهدوء ساد المكان ففتحا عيناهما ليعرفا ما حدث،فوجدا "ذو" قد أنزل السكين وهو يبتسم ويقول:
-هكذا يكون المسلم.
ثم قال "ذو":
- أنا لم أكن أضع هذه التميمة إيمانا بها وإنما إرضاء لجدتي فهي تعتقد أنه تنفع وتحمي من الشيطان.
فقال "مصعب":
- لا ينبغي أن نتركها تبقى على ذلك.
فقال "ذو":
- إذا تعال معي وأقنعها.
بالفعل ذهب"مصعب" مع "ذو" إلى جدته فوجداها تجمع الحطب الذي قد كسرته فقال "ذو":
- عند هذه الصخرة سأنظر ما يمكنك فعله فأذهب وأقنعها.
تقدم "مصعب" وسلم على أم"منصور" فنظرت له بشراسة وقالت:
- قل ما عندك.
فبدأ "مصعب" يثني عن سمعة أم"منصور"ويستدل بكلام أهل القرية عنها، فقالت أم"منصور":
- هل أنتهيت؟
فقال "مصعب":
- لا لم أبدأ بعد، فأنا جئت لأحذرك من فعل شنيع تفعليه قد يدخلك النار.
فنظرت له بدهشة وقالت:
-وما هذا الفعل الذي أفعله قد يدخلني النار؟
فقال "مصعب":
- هذه التميمة التي تضعيها على رقبتك.
فغضبت أم"منصور" وقالت:
- أنت شخص جاهل هذه تحتوي على أيات تحرصني من الشيطان وتحميني من المصائب.
حاول "مصعب" بشتى الطرق وبلا فائدة وبدأت أم"منصور" تجمع الحطب فلما أنحنت لتلتقط الحطب الذي قد كسرته، سمعت صوت رصاصة وشعرت أنها مرت بجوارها وتأكد شعورها هذا لما سقطت التميمة على الأرض، نظرت أم "منصور" لجهة الصوت ورأت "ذو" ينظف مسدسه فعرفت أن لا أحد يمكنه فعل ذلك غير "ذو".
فقال "ذو":
- ياجدتي تقولين أنك تلبسينها لتحميك وهي لم تحمي نفسها.
فقالت ام "منصور":
- ألم تجد طريقة أخرى لتقول هذا الكلام دون أن تطلق علي رصاصة؟
فقال "ذو":
- أردتك يا جدتي أن تري ذلك بعينك.
فضحكت الجدة وقالت:
- بالفعل رأيت ذلك بعيني ولن أضع تميمة على رقبتي ما حييت.
وكان "مصعب" يقف مندهشا مما رآه فكيف لو أصابت الطلقة جدته فلما ذهبت عنه الدهشة بدأ يوبخ "ذو" ويقول:
- لا يجوز فعلك ذلك فأنت قد تقتل مسلما.
فأمسك "ذو" بيد "مصعب" وبدأ يمشي به في أرجاء القرية وكان المسدس بجيبه فأخرجه وبدأ يعدد ميزاته ثم قال:
- أن أردت أن تشتريه فسوف أبيعك إياه برأس ماله.
فقال"مصعب":
- من أين أتيت به؟
فقال "ذو":
- عن طريق التهريب.
فبدأ "مصعب" يعظ "ذو" ويقول:
- لا يجوز ذلك.
و"ذو" ساكت لا يجيب، فلما اطال "مصعب" موعظته، قاطعه "ذو" وقال:
-لا تحاول أن تقنعني أن تهريب الأسلحة حرام لأنها أولا مصدر رزقي وثانيا الأسلحة تنمي الرجولة في الشباب.
فسكت"مصعب" ولم يستمر لأنه أحس أن "ذو" مقتنع تماما.
ومرت الأيام وقارب العام الدراسي على الإنتهاء
وكان "مصعب" في أوقات العصر يجلس مع شباب القرية يحادثهم و يناصحهم،وفي احد الجلسات لم يكن موجودا سوى "عيسى" و"سليمان"فقال لهما "مصعب":
- ما رأيكم أن تذهبا معي إلى_القاهرة_ تقضيا أسبوعان ثم تعودان؟
وافقا على الفكرة فقال "مصعب":
- بقي "ذو" سأذهب واطلب منه مرافقتنا.
فوجده عند الغرفة التي كان أباه يجلس فيها،فأستغرب "مصعب" وسأله:
- لما تأتي هنا دائما؟
فقام "ذو" ومشى خطوات معدودة ثم قال:
- هنا قتلت أبي.
انفجع "مصعب" فهو لا يعرف شيء عن ما حدث، فقص "ذو" له ما حدث، تأثر "مصعب" مما سمعه ثم قال:
- ما رأيك يا "ذو" أن تسافر معي أنا و"عيسى" و"سليمان" إلى_القاهرة_؟
لكن "ذو"رفض مباشرة،، حاول "مصعب" بأن يغريه بمشاهدة ناطحات السحاب وبالتجول في الأسواق الضخمة،لكن "ذو" لم يغير رأيه، فتذكر"مصعب" عمه الذي لا زال متمسك ببداوته ويعيش في البر مع إبله، فقال "مصعب":
- سنذهب عند عمي بالبر فهو يملك نوق كثيرة قد تذكرك أحدها بأمك "البركة" وكان هذا اسم الناقة التي تغذى "ذو" على حليبها، فوافق "ذو" بلا تردد.
وبعد انتهاء الدراسة سافر"مصعب" مع"عيسى" و"سليمان" و"ذو" فلما وصلا إلى قصر "مصعب" رحب بهما ولأن المجلس لا زالت الخادمة تنظفه أدخلهم الصالة وكانوا يرتدون لبس أهل القرية الذي يشتهرون به، ما لبثوا سوى دقائق فاذا ب"ماهر" شقيق "مصعب" الأصغر يدخل فنظر لهم بإزدراء
وكان واضح من ثياب "ماهر"وقصة شعره أنه متأثر كثيرا بمظاهر بعض الشباب في المدن الكبيرة ويشعرون وهم يخرجون بهذه التقليعات أنهم قد وصلوا إلى الحضارة.
ثم بدأ "ماهر" يخاطب أخاه باللغة الإنجليزية وكان يقول باستهزاء:
- هل هؤلاء من سكان المريخ؟
ثم بدأ يذم أخاه ويقول:
- كيف تمشي مع هؤلاء الذين لا زالوا يعيشون في الزمن الصخري؟
وكان "مصعب" يجيبه باللغة الإنجليزية ويطلب منه السكوت.
كان "عيسى" و"سليمان" مندهشان مما يحدث أمامهم ومما زاد دهشتهم ملامح "ذو" الذي ارتسم عليها الغضب، قام "ذو" واتجه إلى "ماهر" وأمسكه من صدره وشده إليه وبدأ يرد عليه باللغة الإنجليزية ويقول:
-اتعرف أن سكان المريخ الذي تهزأ بهم يستطيعون أن يحموا أموالهم وأعراضهم حتى أخر قطرة من دمائهم، ولكن هل تستطيع أن تحمي نفسك أن أردت بك سوء، لولا الله ثم احترامي لأخاك لجعلتك تفقد رجولتك.
ثم دفعه بقوة فسقط "ماهر" على الأرض ثم نهض وذهب مسرعا لغرفته، أتجه "ذو" إلى "مصعب" وأعتذر مما صدر منه، لكن "مصعب" قال:
- أنا الذي أعتذر لكم مما فعل أخي.
و"عيسى" و"سليمان" لا يعرفان ما الذي حدث أمامهم
ثم استأذن "ذو" من مصعب للخروج وأخذ "عيسى" و"سليمان" فأعطاهم "مصعب" مفتاح سيارته وأصر إلا أن يأخذوه، وطلب أن لا يبتعدوا حتى لا يضيعوا في شوارع_القاهرة_ الواسعة.
وبالفعل أخذ "ذو" سيارة "مصعب" وبدأ يتجول هو وصديقاه في شوارع _القاهرة_ حتى توقف عند محل ملابس واشترى له ولصديقاه ثياب ولبسوها ثم رجعوا إلى قصر"مصعب" وكان "مصعب" قلق بل متأكد من ضياعهم لطريق العودة وما لبث سوى وقت قصير وعادت له البسمة برؤيتهم، فقال متعجبا:
- ألم تتوهوا.
فقال "ذو":
- الشارع الذي أمر من عليه مرة لا أنساه وأنا مستعد أن أخبرك بأسماء المحلات التي فيه.
اعجب "مصعب" ب"ذو" وعرف أنه يقف أمام شاب داهية، فقال "ذو":
- ما رأيك أن نذهب لعمك في البر؟
فقال"مصعب":
- ليس قبل أن تأخذوا واجبكم وغدا صباحا نذهب له.
وبالفعل في يوم التالي ذهب "مصعب" برفقة "ذو" وصديقاه إلى البر لزيارة عم "مصعب" فلما وصل "مصعب" إلى المكان الذي يسكن فيه عمه، سلم "مصعب" على عمه"راغب"، نظر "راغب" إلى أصدقاء "مصعب" فلما شاهدهم بكامل أناقتهم إعتقد أنهم كأصحاب "مصعب" السابقين الذين يريدون أن يأتوا إلى البر ويمضون فيه وقتا ممتعا دون أن تتسخ ملابسهم، فلم يعطهم ذلك الإهتمام، فشعر "ذو" بذلك فأقترب من "مصعب"وسأله:
- هل عمك لا يريد بقاؤنا؟
فقال "مصعب":
- سأخبرك بالحقيقة فعمي لما شاهدكم بهذه الملابس أعتقد أنكم مثل أصدقائي السابقين، فعمي لا يحب سذاجة شباب المدينة.
هز "ذو" رأسه وقال:
- لم نعد ندري أي ملابس نلبسها ترضيهم.
أخذ "مصعب" الشباب إلى النوق فبدأ "ذو" ينظر لها ويتذكر طفولته، ثم قاطع "مصعب" أفكار "ذو" وهو يشير إلى بعير هائج في حضيرة لوحده ويقول:
- لقد اعطي في هذا البعير لعمي بمليون ونصف ولم يبعه.
فأقتربوا من السور الذي يفصله عنهم، فرأهم "راغب" فأراد أن يتحداهم تحدي يجعله يسخر منهم
فأتجه لهم وقال:
-من يلمس هذا البعير بيده ثم ينجو فسأعطيه هذا البعير هدية له.
شعر "ذو" أن التحدي فيه استخفاف بهم فقال:
-أنا سأريك أكثر من ذلك.
فأخذ حبلا ثم دخل على البعير الهائج و"مصعب" و"عيسى" و"سليمان" يحاولون أن يثنوه، فأتجه "مصعب" لعمه "راغب" الذي كان صامت ينظر ما الذي سيحدث، ثم طلب "مصعب" من عمه أن يثني "ذو" فقال "راغب":
- لا تخف مجرد أن يرى البعير متجها له سيخاف ويهرب.
فقال "مصعب":
- لا يا عم ف"ذو" رجل جبلي وأنت تعرف ياعم أن الجبليين لا يعرفون الخوف.
ولكن الدهشة عقدت ألسنه الموجودين فالبعير يركض بكل سرعته أتجاه "ذو" الذي ظل واقفا، حيث جعل "ذو" الحبل بشكل دائري بحيث أن شده تضيق الدائرة على من يقع فيها، وبالفعل لما وصل البعير ووضع قدمه على الدائرة شد "ذو" الحبل فسقط البعير وقيد "ذو" أقدامه حتى جعله لا يستطيع الوقوف، ثم ذهب "ذو" لعم "مصعب" ثم قال:
- لم ألمس بعيرك لكني فقط قيدته ولهذا لم أفز فيمكنك أن تحتفظ ببعيرك.
ظل "راغب" مذهول وهو يقول:
- هل أنت أنسيا
- يا"ذو"لا تنسى ما قلته لك فأنا متيقن أنك لن تستطيع أن تعيش في هذه القرية بسلام
أكمل "ذو" سيره ولم يلتفت لكلام"سمير".
بالطبع قرر الأستاذ "عامر" ترك القرية والنقل من المدرسة بأي شكل، وبالفعل وجد ضالته بوجود الاستاذ "مصعب" الذي نقل إلى مدرسة في قرية مجاورة لم يشعر فيها بالراحة كما كان في قبيلة الشيخ "حسيب" فلما جاء الأستاذ "عامر" إلى المدرسة التي فيها "مصعب" وطلب أن يناقله فسأل الأستاذ"مصعب":
- لما تريد أن تنقل؟
فقال الاستاذ "عامر":
- سأخبرك بالحقيقة.
وقص عليه القصة، تعجب "مصعب" من قصة"عامر" وطلب أن يصف له هذا الشاب فقال "عامر":
- لست دقيقا في الوصف ولكن أكثر ما لاحظته أن عيناه صغيرتان جدا لم أرى في حياتي عينان أصغر منهما.
بقي مصعب صامت يفكر فقال "عامر":
- ما بك؟
فقال "مصعب":
- أنا أعرف كل شباب هذه القرية ولكن لا أذكر شاب بهذا الوصف.
فقال "عامر":
- دعنا من هذا الشاب وأخبرني هل أنت موافق؟
فقال "مصعب":
- بالطبع.
وبعد مطالبات للموافقة بتبادلهم للمدارس تمت الموافقة وبالفعل باشر" مصعب" عمله بالمدرسة التي بالقرية وأول ما فعله "مصعب" ذهابه لبيت الشيخ"حسيب"للسلام عليه، فلما رآه "عيسى" كاد يجن من الفرح فهو يكن له احترام كبير جدا، وفي وقت العصر خرج "مصعب" مع "عيسى" يتمشيان في القرية وقابلهم "سليمان " وانضم معهم، فبدأ "مصعب" يسألهما عن مواصفات الشاب الذي ذكره له "عامر"فقال "عيسى"
- أنت تقصد "ذو"؟
فقال "مصعب":
- هل اسمه "ذو"؟
فقال "سليمان":
- لا أسمه "خالد" لكنا اعتدنا أن نسميه ب"ذو" أختصارا لذو العيون الصغيرة.
فقال "مصعب":
- ألا يغضب من هذا اللقب؟
فابتسم "عيسى" ثم قال:
- اعتقد أنه نسي أن اسمه "خالد" واعتاد على هذا الإسم.
فقال "سليمان":
- كيف عرفته وأنت لم تقابله؟
فقال"مصعب":
- أخبرني "عامر" بما حدث معه.
فقال "سليمان":
- لكن اسلوب الاستاذ "عامر" هو الذي صعد الموقف.
فقال "مصعب":
- هل أنت تدافع عن "ذو"؟
فقال "سليمان":
- لا وإنما أقول الحقيقة.
فقال "مصعب":
- دلاني على مكان الشاب.
وبالفعل وجدا "ذو" يجلس بقرب غرفة مبنية كان أباه يجلس فيها حينما يريد أن يسكر، فسلموا عليه، فلما صافح "مصعب" "ذو" شعر أنه يقف أمام رجل يمتلك هيبة الملوك، فبدأ يحاول أن يكسب وده بتبادل الحديث، شعر "ذو" بذلك ولكنه تظاهر أنه لم يفطن لذلك،وبدأ "مصعب" يحاول أن يخبر "ذو" بأن لبس التميمة والإعتقاد بها شرك أكبر، لم يبدي "ذو" أي تأثر، فقال "مصعب" ل"ذو":
- هل هذه التي تضعها في رقبتك تميمة؟
فهز "ذو" برأسه وقال:
- نعم.
فقال "مصعب":
- لا يجوز أن تلبسها.
فقال "ذو":
- إذا تعال وأقطعها.
شعرا "عيسى" و"سليمان" بأن هناك مشكلة قادمة لا محالة،فظن "مصعب" أن "ذو" موافق أن يقطع له التميمة،فلما أمسك "مصعب" بالتميمة شعر بسكين على رقبته، فنظر باستغراب ل"ذو" وقال:
- ما الذي تفعله؟
فقال "ذو':
- ألست تعتقد أنك على حق؟
فقال "مصعب":
- بلى.
فقال "ذو":
- فإن كنت على حق فلن تخشى الموت.
فأحس مصعب أن هذا ابتلاء من الله، فأبعد يده عن رقبة "ذ" وأخرج جواله وأعطاه "عيسى" وقال:
-صور ما سأقوله.
فأمسك "مصعب" بالتميمة ثم قال:
-بعد السلام على والدي أريد أن أوصيكم قبل أن أموت أني أسامح هذا الشاب الذي قتلني وأنا أخترت هذا الطريق بكامل حريتي من أجل أن أقابل الله فأقول سفكت دمي من أجل أن أنشر العقيدة الصحيح.
ثم قال:
- أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
ثم قطع التميمة، فأغمضا "عيسى" و"سليمان"عيناهما خوفا من بشاعة المنظر،ولكن الهدوء ساد المكان ففتحا عيناهما ليعرفا ما حدث،فوجدا "ذو" قد أنزل السكين وهو يبتسم ويقول:
-هكذا يكون المسلم.
ثم قال "ذو":
- أنا لم أكن أضع هذه التميمة إيمانا بها وإنما إرضاء لجدتي فهي تعتقد أنه تنفع وتحمي من الشيطان.
فقال "مصعب":
- لا ينبغي أن نتركها تبقى على ذلك.
فقال "ذو":
- إذا تعال معي وأقنعها.
بالفعل ذهب"مصعب" مع "ذو" إلى جدته فوجداها تجمع الحطب الذي قد كسرته فقال "ذو":
- عند هذه الصخرة سأنظر ما يمكنك فعله فأذهب وأقنعها.
تقدم "مصعب" وسلم على أم"منصور" فنظرت له بشراسة وقالت:
- قل ما عندك.
فبدأ "مصعب" يثني عن سمعة أم"منصور"ويستدل بكلام أهل القرية عنها، فقالت أم"منصور":
- هل أنتهيت؟
فقال "مصعب":
- لا لم أبدأ بعد، فأنا جئت لأحذرك من فعل شنيع تفعليه قد يدخلك النار.
فنظرت له بدهشة وقالت:
-وما هذا الفعل الذي أفعله قد يدخلني النار؟
فقال "مصعب":
- هذه التميمة التي تضعيها على رقبتك.
فغضبت أم"منصور" وقالت:
- أنت شخص جاهل هذه تحتوي على أيات تحرصني من الشيطان وتحميني من المصائب.
حاول "مصعب" بشتى الطرق وبلا فائدة وبدأت أم"منصور" تجمع الحطب فلما أنحنت لتلتقط الحطب الذي قد كسرته، سمعت صوت رصاصة وشعرت أنها مرت بجوارها وتأكد شعورها هذا لما سقطت التميمة على الأرض، نظرت أم "منصور" لجهة الصوت ورأت "ذو" ينظف مسدسه فعرفت أن لا أحد يمكنه فعل ذلك غير "ذو".
فقال "ذو":
- ياجدتي تقولين أنك تلبسينها لتحميك وهي لم تحمي نفسها.
فقالت ام "منصور":
- ألم تجد طريقة أخرى لتقول هذا الكلام دون أن تطلق علي رصاصة؟
فقال "ذو":
- أردتك يا جدتي أن تري ذلك بعينك.
فضحكت الجدة وقالت:
- بالفعل رأيت ذلك بعيني ولن أضع تميمة على رقبتي ما حييت.
وكان "مصعب" يقف مندهشا مما رآه فكيف لو أصابت الطلقة جدته فلما ذهبت عنه الدهشة بدأ يوبخ "ذو" ويقول:
- لا يجوز فعلك ذلك فأنت قد تقتل مسلما.
فأمسك "ذو" بيد "مصعب" وبدأ يمشي به في أرجاء القرية وكان المسدس بجيبه فأخرجه وبدأ يعدد ميزاته ثم قال:
- أن أردت أن تشتريه فسوف أبيعك إياه برأس ماله.
فقال"مصعب":
- من أين أتيت به؟
فقال "ذو":
- عن طريق التهريب.
فبدأ "مصعب" يعظ "ذو" ويقول:
- لا يجوز ذلك.
و"ذو" ساكت لا يجيب، فلما اطال "مصعب" موعظته، قاطعه "ذو" وقال:
-لا تحاول أن تقنعني أن تهريب الأسلحة حرام لأنها أولا مصدر رزقي وثانيا الأسلحة تنمي الرجولة في الشباب.
فسكت"مصعب" ولم يستمر لأنه أحس أن "ذو" مقتنع تماما.
ومرت الأيام وقارب العام الدراسي على الإنتهاء
وكان "مصعب" في أوقات العصر يجلس مع شباب القرية يحادثهم و يناصحهم،وفي احد الجلسات لم يكن موجودا سوى "عيسى" و"سليمان"فقال لهما "مصعب":
- ما رأيكم أن تذهبا معي إلى_القاهرة_ تقضيا أسبوعان ثم تعودان؟
وافقا على الفكرة فقال "مصعب":
- بقي "ذو" سأذهب واطلب منه مرافقتنا.
فوجده عند الغرفة التي كان أباه يجلس فيها،فأستغرب "مصعب" وسأله:
- لما تأتي هنا دائما؟
فقام "ذو" ومشى خطوات معدودة ثم قال:
- هنا قتلت أبي.
انفجع "مصعب" فهو لا يعرف شيء عن ما حدث، فقص "ذو" له ما حدث، تأثر "مصعب" مما سمعه ثم قال:
- ما رأيك يا "ذو" أن تسافر معي أنا و"عيسى" و"سليمان" إلى_القاهرة_؟
لكن "ذو"رفض مباشرة،، حاول "مصعب" بأن يغريه بمشاهدة ناطحات السحاب وبالتجول في الأسواق الضخمة،لكن "ذو" لم يغير رأيه، فتذكر"مصعب" عمه الذي لا زال متمسك ببداوته ويعيش في البر مع إبله، فقال "مصعب":
- سنذهب عند عمي بالبر فهو يملك نوق كثيرة قد تذكرك أحدها بأمك "البركة" وكان هذا اسم الناقة التي تغذى "ذو" على حليبها، فوافق "ذو" بلا تردد.
وبعد انتهاء الدراسة سافر"مصعب" مع"عيسى" و"سليمان" و"ذو" فلما وصلا إلى قصر "مصعب" رحب بهما ولأن المجلس لا زالت الخادمة تنظفه أدخلهم الصالة وكانوا يرتدون لبس أهل القرية الذي يشتهرون به، ما لبثوا سوى دقائق فاذا ب"ماهر" شقيق "مصعب" الأصغر يدخل فنظر لهم بإزدراء
وكان واضح من ثياب "ماهر"وقصة شعره أنه متأثر كثيرا بمظاهر بعض الشباب في المدن الكبيرة ويشعرون وهم يخرجون بهذه التقليعات أنهم قد وصلوا إلى الحضارة.
ثم بدأ "ماهر" يخاطب أخاه باللغة الإنجليزية وكان يقول باستهزاء:
- هل هؤلاء من سكان المريخ؟
ثم بدأ يذم أخاه ويقول:
- كيف تمشي مع هؤلاء الذين لا زالوا يعيشون في الزمن الصخري؟
وكان "مصعب" يجيبه باللغة الإنجليزية ويطلب منه السكوت.
كان "عيسى" و"سليمان" مندهشان مما يحدث أمامهم ومما زاد دهشتهم ملامح "ذو" الذي ارتسم عليها الغضب، قام "ذو" واتجه إلى "ماهر" وأمسكه من صدره وشده إليه وبدأ يرد عليه باللغة الإنجليزية ويقول:
-اتعرف أن سكان المريخ الذي تهزأ بهم يستطيعون أن يحموا أموالهم وأعراضهم حتى أخر قطرة من دمائهم، ولكن هل تستطيع أن تحمي نفسك أن أردت بك سوء، لولا الله ثم احترامي لأخاك لجعلتك تفقد رجولتك.
ثم دفعه بقوة فسقط "ماهر" على الأرض ثم نهض وذهب مسرعا لغرفته، أتجه "ذو" إلى "مصعب" وأعتذر مما صدر منه، لكن "مصعب" قال:
- أنا الذي أعتذر لكم مما فعل أخي.
و"عيسى" و"سليمان" لا يعرفان ما الذي حدث أمامهم
ثم استأذن "ذو" من مصعب للخروج وأخذ "عيسى" و"سليمان" فأعطاهم "مصعب" مفتاح سيارته وأصر إلا أن يأخذوه، وطلب أن لا يبتعدوا حتى لا يضيعوا في شوارع_القاهرة_ الواسعة.
وبالفعل أخذ "ذو" سيارة "مصعب" وبدأ يتجول هو وصديقاه في شوارع _القاهرة_ حتى توقف عند محل ملابس واشترى له ولصديقاه ثياب ولبسوها ثم رجعوا إلى قصر"مصعب" وكان "مصعب" قلق بل متأكد من ضياعهم لطريق العودة وما لبث سوى وقت قصير وعادت له البسمة برؤيتهم، فقال متعجبا:
- ألم تتوهوا.
فقال "ذو":
- الشارع الذي أمر من عليه مرة لا أنساه وأنا مستعد أن أخبرك بأسماء المحلات التي فيه.
اعجب "مصعب" ب"ذو" وعرف أنه يقف أمام شاب داهية، فقال "ذو":
- ما رأيك أن نذهب لعمك في البر؟
فقال"مصعب":
- ليس قبل أن تأخذوا واجبكم وغدا صباحا نذهب له.
وبالفعل في يوم التالي ذهب "مصعب" برفقة "ذو" وصديقاه إلى البر لزيارة عم "مصعب" فلما وصل "مصعب" إلى المكان الذي يسكن فيه عمه، سلم "مصعب" على عمه"راغب"، نظر "راغب" إلى أصدقاء "مصعب" فلما شاهدهم بكامل أناقتهم إعتقد أنهم كأصحاب "مصعب" السابقين الذين يريدون أن يأتوا إلى البر ويمضون فيه وقتا ممتعا دون أن تتسخ ملابسهم، فلم يعطهم ذلك الإهتمام، فشعر "ذو" بذلك فأقترب من "مصعب"وسأله:
- هل عمك لا يريد بقاؤنا؟
فقال "مصعب":
- سأخبرك بالحقيقة فعمي لما شاهدكم بهذه الملابس أعتقد أنكم مثل أصدقائي السابقين، فعمي لا يحب سذاجة شباب المدينة.
هز "ذو" رأسه وقال:
- لم نعد ندري أي ملابس نلبسها ترضيهم.
أخذ "مصعب" الشباب إلى النوق فبدأ "ذو" ينظر لها ويتذكر طفولته، ثم قاطع "مصعب" أفكار "ذو" وهو يشير إلى بعير هائج في حضيرة لوحده ويقول:
- لقد اعطي في هذا البعير لعمي بمليون ونصف ولم يبعه.
فأقتربوا من السور الذي يفصله عنهم، فرأهم "راغب" فأراد أن يتحداهم تحدي يجعله يسخر منهم
فأتجه لهم وقال:
-من يلمس هذا البعير بيده ثم ينجو فسأعطيه هذا البعير هدية له.
شعر "ذو" أن التحدي فيه استخفاف بهم فقال:
-أنا سأريك أكثر من ذلك.
فأخذ حبلا ثم دخل على البعير الهائج و"مصعب" و"عيسى" و"سليمان" يحاولون أن يثنوه، فأتجه "مصعب" لعمه "راغب" الذي كان صامت ينظر ما الذي سيحدث، ثم طلب "مصعب" من عمه أن يثني "ذو" فقال "راغب":
- لا تخف مجرد أن يرى البعير متجها له سيخاف ويهرب.
فقال "مصعب":
- لا يا عم ف"ذو" رجل جبلي وأنت تعرف ياعم أن الجبليين لا يعرفون الخوف.
ولكن الدهشة عقدت ألسنه الموجودين فالبعير يركض بكل سرعته أتجاه "ذو" الذي ظل واقفا، حيث جعل "ذو" الحبل بشكل دائري بحيث أن شده تضيق الدائرة على من يقع فيها، وبالفعل لما وصل البعير ووضع قدمه على الدائرة شد "ذو" الحبل فسقط البعير وقيد "ذو" أقدامه حتى جعله لا يستطيع الوقوف، ثم ذهب "ذو" لعم "مصعب" ثم قال:
- لم ألمس بعيرك لكني فقط قيدته ولهذا لم أفز فيمكنك أن تحتفظ ببعيرك.
ظل "راغب" مذهول وهو يقول:
- هل أنت أنسيا