الفصل الثامن عشر

كنا جالسات أنا ويارا وعبق، في منزل يارا، كان المنزل خالياً تماماً، جميع أفراد عائلتها ذهبو لحضور حفل زفاف، ما عداها هي، لذلك أخذنا راحتنا جداً..
أعددنا كعك وفشاراً وقهوة وشاي بعد نقاش طويل مع عبق التي تكره القهوة جداً فأعددنا لها شاياً، قالت لي باشمئزاز: هل تعيشين دور القارئين المثقفين الذي يشربون القهوة، ويرون القهوة مشروباً عميقاً ومختلفاً
قلت لها بغرور: يحتسون لو سمحتي
ضحكت ثم قالت: لا علاقة للقهوة بالعمق، ما الجميل فيها، وما الممتع في ذلك الطعم المر
قلت ضاحكة: معك حق، لا علاقة لها بالعمق، ولكنها ليست بذلك السوء، يبدو أن تاريخك معها كان سيئاً فقط
ردت محركة رأسها بعصبية: سيئاً جداً، عندما أذهب لأزور جدتي والدة أمي، تجعلني أشربها بالقوة، لا أستطيع وصف شعوري، لون قهوتها أسود سواداً قد رأيته في حياتي، تحمص حبات البن حتى تتفحم، لا تضيف أي نكهة، فقط ذلك الطعم المر المقزز، أشعر بالدوار لمجرد تذوقها ..
ضحكت ثم قلت بغرور: حسناً، لتتذوقي قهوتي الآن، وأنا متأكدة من أنك سوف تغيرين رأيك، كما أن والدي يقول بأنني أمهر قهوجية ويقول أيضاً بأن زوجي سوف يكون محظوظاً جداً بي
قالت عبق: لا أصدق!
قلت متسائلة: أنني ماهرة؟
قالت بدهشة: بل أنك قلتي زوجي
ضحكت عبق حتى دمعت عيناها
قلت: تعودت على هذه الكلمة من والدي، هو أمر لا بد منه، ولكن مجرد التفكير فيه يجعل كل شعر جسمي ينتصب، لا أريد التفكير في الأمر أبداً، كل شيء في وقته جميل..
قالت يارا بنشوة: بل بالعكس، مجرد التفكير في الأمر يجعلني أبتسم كالبلهاء، فكرة أن يكون هناك شخص يشاركك كل تفاصيل حياتك، وتتشاركان الحياة بحلوها ومرها، فكرة مريحة جداً:
قالت عبق بلا مبالاة: لا أريد أن أتزوج أبداً، يعجبني أن أكون لوحدي هكذا، لا أريد أن يشاركني أي رجل تفاصيل حياتي
تنهدت ثم قلت: دعا كل شيء لوقته يا فتيات، دعونا نعيش الواقع، ولا أحد يدري كيف سيكون مستقبله، كل شيء قابل للتغيير، المكان والتفكير والأشخاص والمعتقدات وحتى ما كنا نراه مسلمات في حياتنا، قد نكتشف في يوم أنه مجرد هراء
قالت عبق: آنسة عميقة!
قالت يارا بابتسامة: أي كان المستقبل، فلن أمنع نفسي من الأحلام التي تجعلني أحلق وأتفائل وأسعد
قلت: الأحلام جزء لا يتجزأ منا، ولكنها كذلك قابلة للتغير، وهذا لا يمنعك، أحلمي ولكن حاذري من أن يتحطم سقف أحلامك فوق رأسك
قالت عبق بضجر: وكيف أضمن ذلك، ألا يتحطم سقف أحلامي فوق رأسي
قلت: ببساطة، ألا نجعل أحلامنا محور لحياتنا، أن نؤمن بأنها قد تتحقق أو لا، إن تحققت فجيد جداً، وإن لم تتحقق لن تنتهي حياتنا وتصبح خاوية، سنبحث عن أحلام جديدة ونبدأ من جديد، وهكذا هي الحياة
قالت عبق: مجرد التفكير في الأمر يجعلني أشعر بالخمول
قالت يارا: ألم تلاحظا بأن الحديث أنحرف جداً من مساره الأول
ضحكنا ثلاثتنا ثم قلت: معك حق، هيا دعانا ناخذ هذه الاشياء إلى السطح ونستمتع..
ذهبنا إلى السطح، كان الهواء عليلاً، النسيم يداعب وجوهنا برقة، أشعر بخفة، أغمضت عيني وجلست، أحب التأمل ..
جلسنا كعادتنا نتحدث عن الجامعة وما ستؤول إليه حياتنا، أصبحت الجامعة محور كل أحاديثنا، يارا تتحدث بحماس عن ملابسها الجديدة التي توافق الموضة، عن أنها سوف تضع مستحضرات التجميل أخيراً، رغم أنها لا تحتاج لذلك، هي جميلة من غير أي إضافات، تشاركها عبق في الحديث أحيانا، أما أنا فأنظر إليهما بملل، لا تروقني الموضة ولا مستحضرات التجميل، لست مهملة ولا هندامي سيئ، لبسي محترم ومقبول وهذا يكفي، لا أحب أن أتابع كل ما هو جديد، أن أجري خلف أهواء مشاهير يصنعون الموضة والناس يتبعونهم كالعميان، أحب أن أكون أنا، أرتدي ما يعجبني لا ما يعجب الناس، أفعل ما أراه مناسباً لا ما يراه الناس، ثم لماذا علي أن الطخ وجهي بكل تلك الألوان! أنا أحب نفسي كما أنا، بلا أي أضافات، ولا تروقني كل تلك الأشياء…
عبق كانت تتحدث عن الدراسة، عن أن كل الطلاب سوف يكونون ألتحقو بالجامعة بعد أن أحرزو نفس المعدل، أو معدلات متقاربة، أي أن زكائهم متقارب، تشعر بالرعب، سوف تكون الدراسة مضاعفة، والمنافسة قوية، ماذا إن لم تكن في قائمة الشرف! ماذا إن تخلفت كثيراً! هل ستخذل والديها! وهذا هو محور حديثها، تخاف من رقابة والديها المحكمة حتى بعد أن تتركهم، الله يعينها..
أما أنا، فأكثر من يشعل حماسي هو الحياة الجديدة التي سوف أعيشها، كل شيء مختلف وجديد، سكن جديد، مدينة جديدة، نظام دراسة جديد ومختلف..الأمر مرعب ومثير في آن واحد، محزن ومفرح، مشاعري متضاربة، ما بين حياة أعيشها الآن بكل تفاصيلها ويعز علي تركها ومفارقتها، وما بين أخرى سوف أعيشها، تحمل لي الكثير من الإثارة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي