رحل الحب

بغضب شديد هرولت نحو الخارج، لاحقة بوالدتها التي وصلت صوت ضحكاتها إليها، رسمت على وجهها تعبير غاضب، لقد كانت والدتها تسخر منها والدليل على ذلك تلك الضحكات العالية.

وبينما هي تفعل، تسير بسرعة كبيرة فوجئت بوالدها ينظر إليها وعلى وجهه ابتسامة عذبة، عدلت رأيها وذهبت إليه شاكية قائلة له:

"أبي، أرجوك اصدقني القول وأخبرني الحقيقة، انظر إلي وقل الحق، هل أنا قبيحة حقا؟! هل أنا ملامحي عكرة؟!

رغما عنه وجد نفسه يضحك بقوة على كلمات ابنته الحمقاء، لقد بدت أمامه كطفلة صغيرة لم تتجاوز العشر سنوات بعد، لاحظ امتعاضها من ضحكاته تلك فحاول كتمها بينما يخبرها بنبرة حانية ومحبة:

"على العكس من ذلك حبيبتي، أنت ذات جمال هادئ ومريح للأعين! لكن من الذي أخبرك بتلك الكلمات صغيرتي؟!"

"أنها أمي، من أخبرتني بذلك أبي"

لم يتفاجأ من كون زوجته من أخبرتها بذلك كنوع من المزاح معها لكن على ما يبدو أنها لا تتقبل ذلك منها وها هي تشعر بالضيق، حاول أن يراضيها فقال لها بنبرة حانية:

"إن والدتك تمزح معك لا أكثر رجوتي، ثم أنت تعلمين جيدا أنك أكثر شخصا شبيها بها في الحياة، ألم ترثي كل ملامحها؟! فكيف تكوني قبيحة؟! هيا كفي عن التذمر و انزعي قناع الحزن من على وجهك، فاليوم لا مكان للحزن بيننا، فتلك الأمنية التي لطالما راودتني ها هي سوف تتحقق اليوم، وذلك الحب الذي كان برعما صغيرا سيصبح شجرة معمرة مدى الحياة!"

"ربما هي تفهم كلمات والدتها حول كون خطبة موسى لها هي أمنية تمناها هو ووالدتها منذ سنوات، لكن ماذا عن ذلك الحب الذي تحدث عنه والدها للتو، وما الذي آتى بذكره في الحديث من الأساس!!"

نظرت نحو والدها بتعجب وحيرة، سألته بنبرة تشكك فيما يقول:

"أبي، عن أي حب أنت تتحدث؟! أنت تعلم جيدا أن موسى ليس أكثر من ابنة عمة بالنسبة لي! وإن كنت سوف أقبل به فهذا ليس سوى أنه سيكون زوجا مناسب بالنسبة لي!"


أومأ إليها أبيها متفهما حديثها ذاك، نظر نحوها بحنو شديد ثم قال بنبرة حانية:

"لم أكن أقصد بحديثي أنت رجوة، كنت أتحدث عن موسى، لقد لاحظت حبه لك من سنوات، أليس هو وراء السبب في رحيله من منزلنا، خوفا من معرفتك مشاعره نحوك و أنت كنت مازالت صغيرة لا تعلمين شيئا عن تلك الأمور! خاف أن تندفع مشاعره نحوك ثم ترفضين ذلك، اختار ابتعاده عنك ريثما تكبرين و تتفهمين الأمر، لكن على ما يبدو أنت لم تدركي ذلك حتى الآن، كان الله في عون موسى معك صغيرتي الحبيبة!"


"يا الله، ما الذي يحدث لها، ما سبب ضرباتها قلبها تلك التي تشبه الطبول؟! عن ماذا يتحدث والدها؟! من يحب من؟! موسى يحبها هي! ذلك هو سبب رحيله من المنزل؟! لقد كان يحبها كل تلك السنوات وهي كانت تعامله مثل شقيق لها! يا الله! هذا لم حقا! هل حدث؟! ضيعت حب موسى لها بحماقتها! الآن علمت سبب بعده عنها ورفضه البقاء في المنزل!

لقد خاف عليها منه هو! أن تؤذيها مشاعره وتخيفها! وهي التي اعتقدت أنه ماعاد يكن لها حبا، جعلته يبتعد عنها، يكرهها بعد معاملتها السيئة له يوم مولدها ذاك!

تتذكر جيدا تجاهلها له، رفضها التعامل معه، احراجه برفض هديته لها أمام جميع أفراد العائلة ثم تركه يرحل دون إعتذار منها!

منذ ذلك الحين وتبدلت معاملة موسى لها، بات يعاملها بتجاهل هو الآخر، حتى كانا يتشاجران تقريبا في كل مناسبة تجمع بينهما من مناسبات العائلة فبات يطلق عليهما لقب الأعداء..

رغما عنها، دمعات عينيها بدأت في الهطول وسط تعجب والدها و حيرته، بخطوات سريعة ركضت نحو غرفتها، أغلقت الباب من خلفها، ارتمت على فراشها، بدأت في البكاء ندما عن حب كبير أضاعته هي من يديها، حب لن تجد مثله أبدا!

تاركة أبيها من خلفها يضرب كفا على كف، يذهب بخطواته نحو غرفة الطهي حيث زوجته هناك، وحالما وصل إليها، قال بنبرة ساخرة:

"لا أعلم ما بها ابنتك حقا! لكن على ما يبدو أنها قد جنت! تارة غاضبة وشاكية، وتارة أخرى باكية و منتحبة! كان الله في عون الراعي حقا كما قلت"

نظرت نحو زوجها بعدم فهم، تساءلت بنبرة حائرة بينما تقول:

"تقصد رجوة؟! أنا أعلم سبب غضبها، لكن ما الذي جعلها تبكي الآن؟! هل قلت لها شيئا سبب لها الحزن والضيق؟!"

تطلع نحو زوجته بضيق ثم قال بينما يهز رأسه نافيا:

"أنا؟! والله ما قلت لها سوى ما يسر النفس و يفرحها! لكنني فوجئت بها تبكي وتركض نحو غرفتها بخطوات كطلق الرصاص!"

حيرتها زادت حقا مما جعلها تسأله مرة أخرى قائلة بنبرة هادئة:

"حسنا ماذا قلت لها؟! هيا اخبرني؟!"

"لقد أخبرتها عن حب موسى القديم لها وأنه كان السبب في رحيله من المنزل!"

أنصتت لكلمات زوجها تلك، أغمضت عينيها بقوة، غير مصدقة ما حدث، لقد خشيت كثيرا من معرفة ابنتها بذلك، تمنت أن تعلمه لكن ليس بتلك الطريقة المفاجئة، أومات لزوجها بتفهم ثم قالت بهدوء شديد:

"حسنا، سوف أذهب إليها وأرى ما بها"

هز رأسه موافقا على اقتراح زوجته ذاك، شيعها بنظرات قلقة بينما تغادر هي الغرفة، ليسير بعدها نحو الموقد، يريد أن يحضر لنفسه كوب من القهوة.

بخطوات متمهلة دلفت إلى غرفة ابنتها، وكما توقعت هي الآن في نوبة من البكاء الشديد، اقتربت بخطواتها من الفراش، جلست عليه، مدت يدها نحوها، أخذت تربت عليها بحنو شديد قائلة بنبرة حنونة:

"ما بك رجوة؟! هل فاجئك الأمر حقا؟!"

فوجئت رجوة بدخول والدتها إلى غرفتها ثم اقترابها منها و سؤالها لها بذلك السؤال، يبدو أن الجميع كان يعلم بحبه لها و هي الوحيدة التي كانت جاهلة، حسنا الآن تعادلت مع زاد، لقد كان الجميع يعلم بحب معاذ لها وهي لا تعلم والآن هي باتت تعلم عن حب موسى لها فيما مضى.

لكن عن أي حب تتحدث! لقد رحل ذلك الحب ولم يعد منه سوى أطلال، ذكرى مريرة تعاود قلب الراعي كلما نظر إليها أو حادثها، الآن باتت تعلم سر نظراته العاتبة لها و الساخرة منها، و كأنه يلومها على ضياع مثل ذلك الحب الكبير!!

بنبرة باكية هي أجابت والدتها قائلة'

"أنت أيضا كنت تعلمين ذلك أمي؟! على ما يبدو أنني الوحيدة الحمقاء الجاهلة في العائلة! لديك كل الحق كي تقولين كان الله في عون موسى معي! والآن لقد ضاع كل شيء قبل حتى أن أملكه يا أمي!"

قالت ذلك ثم عادت تنتحب من جديد، لتربت عليها والدتها مرة أخرى بينما تقول بنبرة حانية:

"لم يفت الأوان بعد حبيبتي رجوة، لقد طلبك موسى للزواج، تلك فرصة عليك اغتنامها، قلب الراعي مازال ملكك صغيرتي، حاولي افاقته من غفوته، نيل حبه من جديد، عليك أن تسترجعي عشقه لك، هذا حقا عليك أن تقومي به إن كنت أنت أيضا،،"

من وسط بكاؤها قالت بصوت حائر:

"إن كنت أنا ماذا أمي؟!"

"إن كنت تكنينن له المشاعر أيضا، سوف أتركك تفكرين مع نفسك لبعض الوقت ثم انتظرك لمساعدتي في تحضير وجبة العشاء التي علينا تحضيرها"

أخبرت ابنتها بتلك الكلمات، تركتها ورحلت إلى عملها، تعطيها الفرصة لتدرك ما تريده هي وليس أحد غيرها.

بينما هي، بدأت تفكر في حديث والدتها، سؤالها الأخير لها، هل هي تكن المشاعر لموسى؟! بالطبع هي تفعل، العداء الظاهر من قبلها نحو ما هو إلا قناع وضعته حتى لا يدرك ما تشعر به نحو، حتى لا يعلم الجميع عن حال قلبها باتت تطلق عليه ألقاب ساخرة، والآن وقد وضحت الحقيقة أمامها، عليها أن تقرر، هل سوف تحارب من أجل استعادة قلب الراعي، أم تعلن راية استسلامها!



نهاية الفصل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي